في هذا المنزل البسيط الجميل، وفي غرفة المعيشة، اندمج تامر في اللعب مع أخيه عمرو، والأم واقفة في مطبخها تقوم بإعداد طعام الغداء، وإذ بالأذان يرتفع من المسجد المجاور للبيت: (الله أكبر الله أكبر)، فتنادي الأم على ابنيها اللذين قد بلغا من العمر ما يزيد على الأعوام السبعة: تامر، عمرو، اتركا اللعب الآن، وقوما إلى الصلاة.
فيرتفع صوت عمرو معترضًا: يا أمي، إن العصر ما زال بعيدًا، فأذان الظهر لم ينته بعد.
وقال تامر موافقًا لكلام أخيه: أمي، من فضلك اتركينا نلعب، حتى إذا اقترب العصر سنقوم!!
عزيزي المربي، هذه الصورة ليست خاصة بهذا المنزل الذي نتحدث عنه، بل هذا الموقف هو مشهد متكرر في كثير من بيوت المسلمين للأسف الشديد، فهذا أب يشكو: (ابني لا يصلي، ولا يحفظ القرآن)، وآخر يقول: (ابني لا يقوم للصلاة إلا حينما تحين الصلاة الأخرى، فيقوم لينقرها سريعًا)، ويقول ثالث: (ابني يصلي، ولكنه يصلي من أجلي أنا، فبمجرد أن أغيب عن المنزل فإنه لا يركعها قط)!!
أيها المربي الفاضل، نحن الآن على أعتاب شهر عظيم، ألا وهو شهر رمضان المبارك، نقف على أبوابه نطرقها وقد لاح لنا من عطره ونوره وشذاه ما دفع قلمي لينظم لك كلمات، فمن ثَمَّ عبارات، تنطوي على معانٍ قيمة شامخات، لنجعل من هذا الشهر المبارك مدرسة تربوية زاخرة بالدروس المكثفة التي تصيغ شخصيات أبنائنا صياغة راقية، ومن خلال هذا الشهر ونفحاته المباركات، نرتقي بهم في الصلاة والقرآن والصيام وغيرها من العبادات الأخرى.
فالدنيا -أيها القارئ الكريم- سوق، يربح فيه التاجر اليقظ الفطن الذي يرقب الفرص فيقتنصها بمجرد أن تلوح له من بعيد بادية في الأفق، ونحن الآن نلمح فرصة قد اقتربت منا كثيرًا، ولم لا وهو الشهر المبارك الذي قال الله عنه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]. وهو مدرسة التربية الإيمانية لكل المؤمنين كبارهم وصغارهم؛ مصداقًا لقول الرحمن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وإن لم يكن رمضان هو الفرصة لبناء علاقة أبنائنا بالله تعالى، فمتى تكون؟! فهو الشهر الذي وصفه لنا المصطفى في أجمل العبارات، وأبلغ الألفاظ حين قال: "أتاكم شهر رمضان شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم".
تعليق