إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

.۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩



    القرآن ومعناه:

    القرآن علم على ذلك الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهو: (كلام الله المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للتعبد بتلاوته)… فمعانيه وصياغته من عند الله… وهو المدوّن في المصحف والمبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس… {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}النجم:4.
    ......................


    أسماء القرآن

    وللقرآن أسماء متعددة منها: الكتاب، والفرقان، والذكر…
    وكلمة قرآن معناها: الجمع والتأليف فقوله تعالى:
    {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}الإسراء:78... أي قراءة الفجر، يعني صلاة الفجر وسمي قرآنا: لأن القراءة عنه، والتلاوة منه وقد تكرر لفظ القرآن ومشتقاته في المصحف الشريف سبعين مرة، كقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا}الإنسان:23.
    وأسماء القرآن عديدة تدل على شرفه وفضيلته، كما أن أسماء الله تدل على جلاله وعظمته.
    وقد ذكر الفخر الرازي للقرآن اثنين وثلاثين اسما.
    وجعل الفيروز آبادي للقرآن مائة اسم.

    ......................

    وأشهر أسماء القرآن أربعة:

    الذكر: لأن الله ذكر به عباده، وعرفهم فيه فرائضه وحدوده... قال تعالى: {وَهَذَا ذِكْر مُبَارَك أَنْزَلْنَاهُ}الأنبياء:50 .
    الفرقان: لأنه فرق بين الحق والباطل... {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}الفرقان:1.
    الكتاب: لأن الله كتب أحكامه وتكاليفه على عباده، أي أوجبها عليهم، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ}الأنعام:155 .
    والقرآن: أي البيان ومنه... {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}القيامة:18 أي بيناه، لأن فيه بيانا للناس، فيما يحتاجون إليه في أمور دينهم.


    ......................

    يتبع بعون الله..
    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 29-03-2014, 08:19 PM. سبب آخر: تكبير الخط


  • #2
    رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩


    معنى السورة


    والسورة معناها: الإبانة بأن الكلام مفصول عما قبله، وسميت في القرآن سورة، لشرفها وارتفاع قدرها، تماما كما يقال لما ارتفع من الأرض سور، أو لأنه يبنى قطعة قطعة، ويقال أيضا للدرجة الرفيعة من المجد والملك سورة، كقول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر:
    ألم تر أن الله أْعطاك سورة ** ترى كل ملك دونها يتذبذب

    ......................


    معنى الآية

    والآية: جماعة الحروف وهو من قولهم: خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم… أو بمعنى العلامة؛ لأن الآية علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُم}البقرة:248.

    ......................

    الحكمة في تقطيع القرآن سورًا، والسور آيات معدودات

    والحكمة في تقطيع القرآن سورًا، والسور آيات معدودات، أن تكون كل سورة وكل آية وحدة مستقلة، وكيانًا أصيلًا، وقرآنًا معتبرًا، وفي تحديد السورة تأكيد لكونه معجزة وآية من آيات الله جل ثناؤه.
    ومن السور ما يطول حتى يبلغ 286 آية كسورة البقرة.

    ومنها ما يقصر حتى لا يزيد على ثلاث آيات كسورة الكوثر، ليدل على أن الطول ليس شرط الإعجاز، كما أن القصر لا يخرج السورة عن الإعجاز، بل إن سورة الكوثر رغم قصرها معجزة إعجاز سورة البقرة على طولها...

    يقول الزمخشري:
    (إن الفائدة في تقطيع القرآن سورا وآيات أن القارئ إذا ختم السورة وانتهى من آياتها كان ذلك أنشط له وأبعث على الجد والتحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله، كما أن الحافظ إذا حذف السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة فيعظم عنده ما حذفه).

    ......................

    يتبع بعون الله..
    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 29-03-2014, 08:23 PM.

    تعليق


    • #3
      رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩


      عدد سور القرآن


      والذي انعقد عليه إجماع الأمة، واتفق عليه المسلمون كافة أن عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، وهي التي جمعها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكتب بها المصاحف، وبعث بكل مصحف إلى مدينة من مدن الإسلام.
      ولا التفات إلى الرأي القائل بأن الأنفال وبراءة سورة واحدة، أو من جعل المعوذتين سورة واحدة.

      وعدد السور التي نزلت بمكة خمس وثمانون سورة، وأول السور المكية: (العلق والقلم والمزمل والمدثر).
      أما السور التي نزلت بالمدينة فعددها ثمان وعشرون سورة، وأول ما نزل بالمدينة: البقرة والأنفال وآل عمران والأحزاب والممتحنة).
      أما الفاتحة فاختلفوا فيها: فقيل مكية وقيل مدنية.


      وبذلك يكون
      مجموع عدد سور القرآن 114 سورة.
      وعدد آيات القرآن 6236 آية.
      وعدد كلمات القرآن 77439 كلمة.
      وعدد حروف القرآن 323015 حرفًا.


      ......................

      القرآن المعجزة:

      القرآن الكريم هو المعجزة الباقية الخالدة، التي نصبها رب العزة تبارك وجل في علاه، شاهدًا حيًا ناطقًا، بصدق الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام، ولق تحدى الله العالم كله إنسا وجنا، فما ثبتوا لهذا التحدي، بل أظهروا عجزا صارخا، وعيا بليدا، وفهاهة*** فاضحة… وقد سجل الله عليهم نكوصهم عن مجاراة القرآن ومسايرته في آفاقه العالية… حيث قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}الإسراء:88.

      ومعاني القرآن على الرغم أنه نزل منجما إلا أنها تلاقت مقدماتها بنتائجها ومهدت أولاها لأخراها، ولن تجد في معاني القرآن ما تجده في غيره من كلام البشر من المعاني الساقطة أو التافهة، بل كل معانيه سامية قوية، آيات وسورا اشتملت على أمور الدين والدنيا، وانتظمت سعادة الأولى والآخرة، ونزلت هدى ونورا للبشرية كلها، فضت على الأوهام الباطلة، والأساطير الكاذبة، والعبادات الضالة والأديان المنحرفة، ونقلت الإنسانية الحائرة من عصر تسوده الفوضى وتذيع فيه مبادئ الطغيان والعبودية، إلى حياة فيها رضا وأمن وسلام.


      ......................

      إن هذا القرآن قبس من الهدى والنور نزل به جبريل من السماء إلى الأرض على سيد الخلق وأشرف الرسل محمد بن عبد الله صلوات الله عليه، فبلغه الناس، وأذاع أخلاقياته ومثالياته في كل مكان وبذلك نشرت صفحات جديدة مشرقة ناضرة في تاريخ الإنسانية، وكان لها من وراء ذلك ميلاد حضارة جديدة.

      إنه ألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة، تذكر الدنيا فمنها عمادها ونظامها، وتصف الآخرة فمنها جنتها وضرامها، ومتى وعدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجه الغيوب، وإن أوعدت بعذاب الله جعلت الألسنة ترعد من حمى القلوب.
      ومعانٍ بَيْنا هي عذوبة ترويك من ماء البيان، ورقة تستروح منها نسيم الجنان، ونور تبصر به في مرآة الإيمان وجه الأمان، بينا هي تمثل للمذنب حقيقة الإنسانية حتى يظن أنه صنف آخر من الإنسان، إذ هي بعد ذلك إطباق السحاب انهارت قواعده والتمعت ناره وقصفت في الجو رواعده، وإذ هي السماء وقد أخذت على الأرض ذنبها، واستأذنت في صدمة الفزع ربها، فكادت ترجف الراجفة، تتبعها الرادفة: وإنما هي زجرة واحدة، فإذا الخلق طعام الفناء وإذا الأرض مائدة….

      ولقد كانت للرسول العظيم عليه الصلاة والسلام معجزات كثيرة تدل على صدقه، وأنه مرسل من قبل الله تعالى، فالمعجزة مختصة بالنبي دائما، وتقترن بالتحدي، ومن ثم لا يمكن تحصيلها بالجهد أو الاكتساب.


      ......................


      وكذلك للأنبياء معجزات ظهرت على أيدي كثير منهم، بيد أن معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تفوق معجزات غيره سواء من حيث العدد أو من حيث الأهمية.
      فإذا كان الله أظهر معجزة لموسى هي أن يضرب البحر فانفلق في الأرض.

      فكذلك أظهر لمحمد عليه الصلاة والسلام فانشق له القمر في السماء.
      وكما فجر لموسى عليه السلام الماء من الحجر، فقد فجر لمحمد صلى الله عليه وسلم من أصابعه عيونا.
      وكما ظلل على موسى عليه السلام بالغمام، فقد ظلل محمدًا صلى الله عليه وسلم كذلك بالغمام.
      وكما جعل من معجزات موسى عليه السلام اليد بيضاء، فقد جعل من معجزات محمد صلى الله عليه وسلم القرآن
      .

      *** الفهاهة: العِي والزِّلة


      ......................
      التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 29-03-2014, 08:44 PM.

      تعليق


      • #4
        رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩


        القرآن المعجزة:


        وكما سبحت الجبال مع داود عليه السلام فقد سبحت الأحجار في يد الرسول صلى الله عليه وسلم.
        وكما سخر الله لداود الطير المحشورة، سخر لمحمد البراق يطير في السماء.
        وكما جعل من معجزات
        عيسى عليه السلام إبراء الأكمه والأبرص.. فقد جعل شبيها بذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم، فقد سقطت حدقة رجل في غزوة أحد فرفعها وردها إلى مكانها.
        وانقادت الجن
        لسليمان، وانقادت كذلك للرسول صلى الله عليه وسلم.

        ومعجزات
        النبي محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصى، ويمكن أن نضيف إلى ما ذكرناه، حنين الجذع وانقياد الأغصان، وجعل قليل الطعام كثيرا، كل ذلك على مشهد من الناس وأسماعهم، فلم ينكر أحد شيئا مما رآه أو سمعه رغم أن ذلك ليس في طاقة البشر أو مقدرتهم.

        وأفضل معجزات الرسول وأجلها شأنا هي معجزة القرآن الذي نزل بأفصح اللغات وأبلغها، فقد سحر القرآن العرب منذ استمعوا إليه في اللحظة الأولى، سواء من شرح الله صدره للإسلام وأنار بصيرته، أو من طبع الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة، فالوليد بن المغيرة قال يصف القرآن:
        (والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه).
        والقساوسة والرهبان يحكي عنهم القرآن:
        .



        ......................


        فالقرآن من شأنه إذا استمع إليه إنسان أن تتحرك مشاعره، ويهتز قلبه، ويقشعر بدنه خوفا.. ويعتصر فؤاده رجاء، لما فيه من جمال الأسلوب، وقوة في التعبير.
        ولقد وصف الله كتابه عز من قائل:
        {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}الزمر:23.
        فروعة القرآن يحسها القلب الخاشع، ولكن العرب كما وصفهم القرآن:
        {قَوْمٌ خَصِمُونَ}الزخرف:58، وأعداء ألداء: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا}مريم:97،

        فأخذوا يتناولون القرآن بالتشكيك، ويشنون عليه حملات شعواء، بغية التهوين من شأنه، والغض من قدره.
        ولكن الله رد كيد الكافرين إلى نحورهم، فتحدى الرسول بلغاء العرب وفصحاءهم أن يأتوا بسورة من مثله، ولكنهم عجزوا وأعرضوا عن معارضته، فكان ذلك داعيا إلى الاعتراف بإعجاز القرآن، وقصورهم أمام بلاغته.
        والقرآن ليس معجزًا للعرب وحدهم، وإنما هو معجز للعربي وغير العربي، لأن دعوة الإسلام دعوة عالمية ليست مرتبطة بلغة معينة، ولا بوطن خاص، وإنما هي دعوة تحتوي العالم بأسره، ومن أجل ذلك كان القرآن معجزا لكل الأمم.


        ......................



        التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-04-2014, 10:20 PM.

        تعليق


        • #5
          رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩


          وحجة القرآن

          على العرب الفصحاء كحجته على غير العرب من الأعاجم، كما أن حجة موسى عليه السلام في قلب العصا حيّة كانت حجة لأمهر السحرة، وحجة عيسى عليه السلام في إحياء الموتى لم تكن لأعظم الأطباء وحدهم، وإنما كانت للطبيب الماهر والخامل، وغير الطبيب على السواء.. وإذا عجز أمهر السحرة وأعظم الأطباء عن الإتيان بمثل ما أتى به موسى وعيسى عليهما السلام كان ذلك أدعى إلى عجز غيرهم… كذلك الشأن في معجزة القرآن، أتى به محمد صلى الله عليه وسلم لأفصح الناس وأقدرهم على نظم الكلام العربي، ورغم حرصهم على تكذيب الرسول، وإفساد دعوته، لم يفلحوا في مجاراته، ولم يستطيعوا تكذيبه.
          وإذا كان العرب الفصحاء عاجزين عن مجاراة أسلوب القرآن في فصاحته وبلاغته، فغيرهم من الأعاجم أعجز.



          ......................

          وقد يقول قائل: إن الأعجمي الذي لا يفهم العربية لا يدرك ما في أسلوب القرآن من نظم معجز، وبلاغة عجيبة، ولا يدري من أين يكون إعجازه، وكيف تكون بلاغته، وعندئذ تسقط الحجة في الإعجاز.
          والإجابة على هذا التساؤل سهلة ميسورة، فإن الإعجاز لغير العربي قد بدا واضحا في أشياء أخرى، وجوانب مثيرة متعددة غير البلاغة والفصاحة التي لا يدرك مراميها… فكل يوم تطلع فيه علينا أشياء جديدة، ومكتشفات حديثة، وتبرز إلى الوجود قضايا تحدث عنها القرآن قديما ولم تبد سافرة إلا الآن.
          ومع ذلك كله لا نلقى أي تناقض أو تصادم بين هذه الجوانب وتلك النواحي وما في القرآن من نهج اتبعه في التعبير عنها تناسق تام لا نفرة فيه، بحيث يدرك الأعجمي من هذا التناسق في التعبير، والدقة في الأداء القرآني الذي يتفق وما يكتشفه العلم حديثا، سرا من أسرار الإعجاز في الأسلوب البياني للقرآن المجيد.



          ......................
          التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-04-2014, 10:22 PM.

          تعليق


          • #6
            رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩


            ترى مثلا القرآن في تعبيره يسلك هذا المسلك ويلتزم بهذا الترتيب البديع حين يقول:
            {وَجَعَ
            لَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ}النحل:78، {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}البقرة:7.
            جاء السمع مفردا بين القلوب والأبصار وكلاهما جمع، والزمخشري يعلل هذه الظاهرة الأسلوبية فيقول: ووحد السمع كما وحد البطن في قوله: كلوا في بعض بطونكم تعفوا، يفعلون ذلك إذا أمن اللبس… فإذا لم يؤمن كقولك: فرسهم وثوبهم رفضوه، إذا أردت الجمع؛ ولك أن تقول: السمع في أصله مصدر، والمصادر لا تجمع فتقدر محذوفا، أي وعلى حواس أسماعهم… وقرأ ابن عبلة:
            {وعلى أسماعهم} بالجمع…


            ......................

            ومن خصائص الأسلوب القرآني الفذ:

            أنه يجمع بين الجزالة والسلاسة، والقوة والعذوبة، وحرارة الإيمان، وتدفق البلاغة، فهو السحر والنور الباهر والحق الساطع والصدق المبين… ولما سمعه فصحاؤهم وبلغاؤهم وأرباب البيان فيهم سجدوا لله خاشعين… وما إيمان (عمر) حين سمع (طه) وما فزع (عتبة) حين سمع (فصلت)… وما تردد بلغاء العرب على الأماكن التي يتعبد فيها النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ليلا، إلا ليسمعوا هذه البلاغة خفية، وما عجزهم بعد التحدي إلا دليل الإعجاز، وعظمة البيان وجلال الأسلوب…



            ......................

            ومن هذا المنطلق العجيب، كان القرآن الكريم وحده،
            هو كتاب الهداية، ولغة الحياة وقصة الكون الصادقة من بدايته إلى نهايته، بل هو تجديد لميلاد الإنسان على اختلاف الحقب وتوالي الأجيال، ومرور الدهور والعصور، نزل لمخاطبة النفس البشرية والأخذ بيدها، فهو معها آمرا وناهيا، مرشدا وواعظا، مبشرا ومنذرا، حارسا ومدافعا، مصبرا ومسليا، معلما وموجها، سميرا وجليسا، صديقا وأنيسا، فهو الحياة في سموها، والسعادة في أوجها، والكمال في أسمى معانيه، فلقد بلغ الغاية التي لا تدانيها غاية، في الرفعة والعلو، والخلود والسمو، فما أبدع تراكيبه وأروع أساليبه، وأسمى من معانيه.


            الله أكبر إن دين محمد ** وكتابه أهدى وأقوم قيلا
            لا تذكر الكتب السوالف عنده ** طلع الصباح فأطفئ القنديلا



            ......................

            التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-04-2014, 10:25 PM.

            تعليق


            • #7
              رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩


              وجوه الإعجاز للقرآن الخالد


              ولو ذهبنا نستقصي وجوه الإعجاز للقرآن الخالد، ونستعرض صفحات جلاله، لأعيانا الأمر، وانقطعت نفوسنا من شدة البهر، لأنه الكتاب الذي لا تنفد عجائبه، ولا تنتهي غرائبه، ولا يخلق على كثرة الرد.
              وإن ما نذكره الآن من وجوه خلوده وإعجازه، لهو قل من كثر، ووشل من فيض، وقبس من روح، وقطرة من بحر، فمن هذه الوجوه:


              .....................


              1- قوة أسلوبه في كل ما تناول، فهو قوي في التعبير عن الأحكام، والأخبار والربوبيات، كقوته في القصص وغيره، فليس هناك تفاوت في الأسلوب لاختلاف الموضوعات.

              .......

              2- اشتماله على قصص وأخبار الأمم الماضية، وموقف كل أمة من نبيها، كل هذا يسوقه القرآن في دقة بالغة، حتى كأننا نعيش في نفس الحوادث التي يعرضها، والذي بلغنا كل هذا إنما هو رجل أمي لا يعرف القراءة أو الكتابة.

              .......

              3- اشتماله على نظام في الأخذ به سعادة الأمم وفي البعد عنه تعاستها وشقاؤها {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}الإسراء:9.

              .......

              4- بلاغة القرآن النادرة، التي لا يحيط بها وصف، ولا يستطيع أن يكشف عن خصائصها باحث، ولقد وضعت علوم البلاغة والنقد والإعجاز للكشف عن مظاهر هذه البلاغة وأسرارها، ثم هي للآن وبعد مضي ما يربو على ثلاثة عشر قرنا من الزمان، لا تزال على أول الدرب، وفي بداية الشوط، وسوف تظل هكذا كليلة قاصرة، لأنها أمام بحر خضم لا ساحل له.

              .......

              5- سمو الروح، ونبل الهدف في القرآن: فهو ليس كتاب قصص أو تسلية، أو أدب أو حكمة أو فلسفة أو تاريخ أو اجتماع وإنما هو منهج متكامل للحياة الصحيحة في كل جوانبها.

              .......

              6- جلال أثره الأدبي في لغة العرب، وحياتهم وأدبهم، وفي حياة المسلمين والعالم كله.

              .......

              7- خلوده على مر الأيام، والعصور والأمكنة، مع عجز الناس عن معارضته، رغم أنه تحدى ولا يزال… وتاريخ العالم مشتمل على الأفذاذ من الأدباء والبلغاء.


              .......

              8- بساطة القرآن في أسلوبه، ووضوحه وجماله وجزالته.

              .......

              9-وأخيرًا وليس آخرًا: ما جاء به القرآن من إعجاز علمي مبدع، جعل العلماء يخشعون لجلال هذا الكتاب وسبقه في هذه الميادين… ومن هذا اللون العلمي قول الله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}الحجر:22{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}الأنعام:125{وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}النازعات:30{يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ}الزمر:6.

              هذا هو القرآن في سموه وجلاله، وسحره وجماله وخلوده وكماله، ولقد وقفت الإنسانية صاغرة أمامه، على الرغم مما يزخر به تاريخها من عباقرة وأساطين في الفكر والأدب والاجتماع، وما يحفل به من نوابغ لسن وخطباء مصاقع…:
              {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا}الإسراء:85.

              ......................

              التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-04-2014, 10:39 PM.

              تعليق


              • #8
                رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩


                موطن الإعجاز في القرآن:


                إن أهم معجزة للرسول العظيم: هو القرآن الكريم، وقد حمل دعوة التحدي به إلى الناس عامة، وإلى العرب خاصة، في أكثر من موضوع منه، ومع ثبوت هذا، فإن الوقوف على الجهة التي كان منها الإعجاز القرآني، أمر لم تلتق عنده الآراء، ولم يكن محل اتفاق بين الباحثين والناظرين في وجوه الإعجاز، في كل زمان ومكان.

                فهناك أكثر من رأي، وأكثر من مذهب في الجهة أو الجهات التي كان بها القرآن مفحما، على ما سنرى في موضعه، وليس كذلك الشأن في معجزات الأنبياء… إذ كل معجزة كانت تنادي معلنة في وضوح عن صفتها التي أعجزت بها، وتشير في صراحة إلى الجهة التي جاء منها الإعجاز، فيعلم الناي لوقتهم ماذا في المعجزة من دلائل الإعجاز، وماذا فيها من القوة القاهرة المعجزة التي لا يستطيعون القيام لها، والجري معها.


                .......

                وماذا يبحث الناس في عصا موسى عليه السلام مثلا؟ إنها مجرد عصا… لا تختلف في مرأى العين عن أي عصا أخرى… ليس فيها أجهزة، ولا عدد، ولا أي خروج عن صفات العصي التي في أدي الناس… ولكنها في يد موسى تنقلب إلى ثعبان مبين يلقف ما يأفكون.
                وليس في يد موسى غير ما في أيدي الناس… لحم ودم وعظم وعصب وعروق، لا تختلف في شيء أبدا عن الأيدي التي تحيا في أجساد الناس وتعمل لهم.

                إذن فهناك قدرة لا ترى… هي قوة الله… التي تمد موسى بهذه المعجزات، وليست يده أو عصاه إلا أداة تحمل هذه المعجزة أو تلك.
                كذلك معجزة عيسى عليه السلام... يدعو الميت فيحيا، ويمس الأكمه والأبرص فيبرأ… وليس في صوته الذي يدعو به شيء يخالف مألوف الأصوات المعروفة للناس… إنه مجرد كلمة تنطلق من فم، فإذا هي حياة، وإذا روح تسري في موات فتبعثه من مرقده.
                إذن فليس الشأن في هذا الصوت، أو في تلك الدعوة، وإنما هي قوة قادرة… لا ترى… قد جعلت لهذه الكلمة ولتلك الدعوة هذا الأمر المعجز*! هي قوة الله تعالى.


                .......

                أما القرآن فشأنه غير هذا الشأن وأمره على خلاف هذا الأمر*!
                فهو كلمات، وألفاظ، وعبارات، لا تختلف عما ألف الناس، مما يجري على ألسنتهم من كلام... إنه كلمات مألوفة معروفة… تعامل بها الناس، فأخذوا بها وأعطوا… وقلبوها على جميع وجوهها... في مختلف الأساليب، وشتى التراكيب.
                إن كل ما في القرآن من كلام هو مما كان يدور على ألسنة العرب، ومما يصاغ منه نثرهم، ونظمهم.. من خطب، وحكم ومساجلات، ومن قصيد ورجز… وفي هذا يقول الله:

                {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}يوسف:2.

                ثم إن هذه الكلمات التي عرفت -بعد- باسم القرآن، والتي تحدى بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم العرب جميعا، ثم الإنس والجن قاطبة، هذه الكلمات لها ما كان لكلمة عيسى حين كان ينطق بها فتتجسد معجزة قاهرة يشهدها الناس، ويرونها رأي العين.

                .......

                إن هذا الكلام المألوف المعروف حين ضمه القرآن إليه، ونظم منه آياته، وصور منه أحكامه وقصصه، وجدله، ومواعظه، وزواجره، هذا الكلام قد أصبح منذ ذلك اليوم معجزة قاهرة، تتحدى الناس جيلا بعد جيل… وأمة بعد أمة… فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين.
                ولكن... أين هي المعجزة في هذا الكلام؟ وماذا يبدوا للناس منها؟ وماذا يشهدون من إعجازها؟ وكيف يضع الناس أيديهم على المعجزة، ويرفعون أبصارهم إليها؟.

                إنها معجزة لا ترى بالعين، ولا تلمس باليد!
                وعلى الناس أن يسمعوا لهذا الكلام، وأن يتدبروا آياته… وعندئذ يرون ببصائرهم -لا بأبصارهم- في كل آية معجزة قاهرة… تعنو لها الجباه، وتخضع لها الرقاب.


                .......

                إن على الناس أنفسهم… أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم لهذه الكلمات، فإنهم إن فعلوا تكشف لهم منها ما كان يتكشف من عصا موسى عليه السلام ويده، ومن كلمة عيسى عليه السلام… وهذا مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «
                وإنما كان الذي أوتيتُه وحيًا أوحاه اللهُ إليّ»صحيح البخاري..
                إنها آيات… معجزات… وما يعقلها، ويعرف وجه الإعجاز فيها إلا العالمون الذين يلقون أسماعهم لها، ويفتحون قلوبهم وعقولهم للحق الذي فيها، وللنور الذي معها.

                ومن ثم كانت أنظار المسلمين دائما معلقة بهذا الكتاب، يدرسونه، ويتدارسونه، ويلقونه بكل ما تسعفهم به الحياة من علوم ومعارف، فيجدون كل شيء دون ما في كتاب الله من علوم ومعارف، فيزداد لذلك تعلقهم بكتاب الله، وتتوثق صلتهم به، ويشتد إقبالهم عليه، ومدارستهم له.
                وفي كل يوم من أيام المسلمين تظهر دراسات وبحوث في القرآن وعلوم القرآن، حتى لقد اجتمع من ذلك ما لا يحصى عدا.


                ......................


                يتبع بعون الله..


                العلماء والإعجاز في القرآن الخالد

                ولقد كان نصيب (الإعجاز) في مباحث القرآن نصيبا موفورا، وقد أفرده بعضهم بدراسة خاصة، كما فعل عبد القاهر الجرجاني والرماني والخطابي والباقلاني... إلا أن أكثر مباحث الإعجاز هي التي كانت تجيء ضمن مباحث التفسير أو القراءات… فمعظم الذين فسروا القرآن حاولوا أن يجعلوا في صدور تفاسيرهم إشارات تتضمن آراءهم في فضل القرآن وفي إعجازه.

                ولعل! (الزمخشري) أشهر هؤلاء المفسرين وأولاهم بالذكر في هذا المقام، إذ كان تفسيره (الكشاف) يبحث عن مناط الإعجاز في كتاب الله… في آياته، آية آية، وفي كلماته، كلمة، كلمة.
                وقد آن لنا أن نلتقي بعد هذا مع بعض هؤلاء العلماء والمفسرين، الذين يتسع المجال للقائهم والتحدث إليهم.


                ......................

                التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-04-2014, 10:45 PM.

                تعليق


                • #9
                  رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩


                  الجاحظ ورأيه في الإعجاز:


                  1- الجاحظ:
                  رأيه في الإعجاز:

                  في رسالة للجاحظ بعنوان (حجج النبوة) يتحدث الجاحظ عن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها قائمة في القرآن الكريم، الذي هو معجزته الكبرى… الخالدة، ويقيم الدليل على هذا بما عرف من تحدي القرآن للعرب، وعدولهم عن لقاء هذا التحدي، والنزول في ميدان القول... فهربوا من هذا الميدان… وأوقدوا نار الحرب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم… فقتلوا وقتلوا…ولو كان في مستطاعهم أن يصمدوا لهذا التحدي لما فروا هذا الفرار المشين، ولما رضوا أن يعرضوا أنفسهم للموت، وخاصة بعد أن ظهر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الميدان أيضا، وقتل كثير من فرسانهم ومشيختهم.


                  .......

                  يقول الجاحظ:
                  إن محمدا عليه الصلاة والسلام مخصوص بعلامة، لها في العقل موقع كموقع فلق البحر من العين... وذلك قوله لقريش خاصة، وللعرب عامة -مع ما فيها من الشعراء والخطباء والبلغاء- والدهاة، والحلماء، وأصحاب الرأي والمكيدة، والتجارب، والنظر في العاقبة: إن عارضتموني بسورة واحدة فقد كذبت في دعواي، وصدقتم في تكذيبي.

                  ثم يتحدث عن معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيقول:
                  وكذلك دهر (محمد) صلى الله عليه وسلم، كان أغلب الأمور عليهم وأحسنها عندهم وأجلها في صدورهم حسن البيان ونظم ضروب الكلام، مع علمهم له، وانفرادهم به، فحين استحكمت لغتهم، وشاعت البلاغة فيهم، وكثر شعراؤهم، وفاق الناس خطباؤهم، بعثه الله عز وجل فتحداهم بما كانوا لا يشكون أنهم يقدرون على أكثر منه، فلم يقرعهم بعجزهم، وينقصهم على نقصهم حتى تبين ذلك لضعفائهم وعوامهم، كما تبين لأقويائهم وخواصهم، وكان ذلك من أعجب ما آتاه الله نبيا قط، مع سائر ما جاء به من الآيات ومن ضروب البرهانات.



                  .......

                  ذلك هو رأي الجاحظ في إقامة الحجة على وقوع الإعجاز بالقرآن… وهو رأي -كما ترى- تقوم بين يديه أدلة قاطعة… وإن أكثر الذين أقاموا الحجة على إعجاز القرآن من هذه الوجه، إنما نظروا إلى رأي الجاحظ هذا، واعتمدوا عليه، وداروا حوله... ومنهم (الباقلاني) في كتابه (إعجاز القرآن)… والزركشي في كتابه (البرهان في علوم القرآن)… وغيرهما ممن كان لهم رأي في إعجاز القرآن!!.



                  ......................

                  يتبع بعون الله..

                  التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-04-2014, 10:47 PM.

                  تعليق


                  • #10
                    رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩


                    الجاحظ ووجوه الإعجاز:


                    أما عن رأيه في وجوه الإعجاز التي كان بها القرآن معجزا، فهو الرأي الذي ذهب إليه (الباقلاني) من بعده، و(الجرجاني) كذلك… وهو (النظم)، الذي انفرد به القرآن، في صياغة أساليبه، صياغة تنتظم بها المعاني انتظام الروح في الجسد.
                    والجاحظ كما نعرف، إمام من أئمة البلاغة، وعلم مفرد في أساليب البيان، وذواقة لم تعرف العربية مثيلا له في التعرف على طعوم الكلام، واختلاف مذاقاته! وما تعرف اللغة العربية أديبا طاوعه قلمه فتحرك في كل اتجاه، وجال في كل حلبة، ونازل في كل ميدان، مثل هذا القلم الذي اشتملت عليه يد الجاحظ.


                    .......


                    وإذا كان رأي الجاحظ، في وجه الإعجاز في القرآن، هو ذلك النظم الذي انفرد به القرآن في تصوير معانيه وإخراجها على تلك الصورة العجيبة من النظم، فإن ذلك لم يكن رأيا صريحا للجاحظ، وإنما كان عن طريق الاستدلال، والاستنتاج، لمقولاته التي حملناها هذه المحاميل، وفهمناها على هذا الوجه من الفهم، وإلا فإن الجاحظ لم يقل قولا صريحا مواجها، في الجهة أو الجهات التي جاء منها الإعجاز في القرآن!!
                    كان الجاحظ ممن يحفلون بالصياغة اللفظة، وممن يجعلون لصفاء العبارة ونضارتها شأنا في البلاغة، وتمكين المعنى من أن يعرض أروع عرض، وأبرعه، وأكمله
                    .


                    .......


                    وكانت الظاهرة الغالبة في تلك الفترة المعاصرة للجاحظ، هي الاحتفال بالمعنى، وكدّ الذهن له، والجري وراءه… إذ كانت آثار العقل اليوناني في الفلسفة، والعقل الهندي والفارسي في الحكمة، وضرب الأمثال، قد أخذت تنتقل إلى اللغة العربية، وتؤثر في النفس هذا التأثير الذي أقام المذاهب الكلامية والفلسفية عند كثير من الجماعات والأفراد… وكان من ذلك أن جرى الناس وراء المعاني يلتقطونها في أي محمل من محامل اللفظ، وعلى أية صورة من صوره… حتى لقد كاد ذلك يذهب بكثير منهم إلى الخروج على الأساليب العربية والذوق العربي.
                    .......

                    لهذا وقف الجاحظ في وجه هذا التيار، وتصدى له، ودفع به إلى الوراء بعيدا… فانحسر شيئا فشيئا، وجعل أولئك الذين كانوا قد ركبوا هذا المركب لاصطياد المعاني، يعودون رويدا إلى الساحل، حيث يأخذون من المعاني ما تنال أيديهم، وما تبلغ أفكارهم.

                    ......................

                    يتبع بعون الله..

                    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-04-2014, 10:49 PM.

                    تعليق


                    • #11
                      رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩

                      .رأي الجاحظ:

                      والرأي الذي دعا إليه الجاحظ، هو أن البلاغة نظم وصياغة… فمن أخطأه حسن النظم، وحبكة الصياغة، فقد أخطأت كلامه عناصر الحياة، وجمدت فيه عروق البلاغة والبيان… وذلك أن المعنى الذي يخرج في صورة من النظم المضطرب ومن الصياغة المختلطة، هو معنى شأنه ذميم.
                      ويشهد عبد القاهر الجرجاني آثار هذه المعركة التي كانت دائرة بين اللفظ والمعنى، ويراها في مخلفات الجاحظ الذي كان ينتصر للفظ، من جهة، وفي مخلفات من كانوا يقفون ضده… في الجهة الأخرى.


                      .......


                      ويقف (عبد القاهر) إلى جانب رأي الجاحظ، ويقفو أثره، ويتخذ من هذا الرأي حجته على وجه الإعجاز في القرآن.
                      ولا تحسبن أن (الجاحظ) يهون من شأن المعنى، أو يغمض من قدره… وكيف وهو رجل راجح العقل... وفير العلم والحكمة والأدب؟
                      فالجاحظ لم ينتصر للفظ، ولم يقف إلى جانب الأسلوب، إلا لمواجهة هذا الخطر الداهم على اللغة، والذي أشرنا إليه آنفا، وإلا فإنه حفي بالمعنى مؤثر له، حريص عليه ما دام لم يجر على الأسلوب، ولم يفسد كيانه، ولم يشوه بنيانه.
                      وللجاحظ في هذا المقام عبارة مشهورة يقول فيها:
                      والمعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، والقروي والبدوي، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وصحة الطبع، وكثرة الماء، وجودة السبك.
                      وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير.


                      .......

                      وأنت ترى أن (الجاحظ) ليس له هنا حديث عن الإعجاز في القرآن، وإنما هو يتحدث عن صفة الكلام البليغ، وعن مأتى البلاغة فيه، ومجال التفاضل بين الكلام والكلام.
                      وإنه بهذا الميزان الذي يوزن به الكلام، وتعرف به منازله، يمكن أن يعرف فضل القرآن على غيره من الكلام، ويمكن أن يستدل على وجه الإعجاز فيه.
                      وهذا ما كان من (عبد القاهر) في كتابيه: (دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة)... حيث أقام مذهبه في الإعجاز على هذا الميزان، وهو (النظم)... كما سنرى ذلك في موضعه من هذا البحث.
                      هذا (والجاحظ) إذ يرى الإعجاز في (النظم) لا يرى النظم نظما إلا إذا كان على شيء من السعة والامتداد، بحيث يحمل معنى مؤلفا من حقائق مترابطة، يسند بعضها بعضا، فتتشكل منها صورة سوية.


                      .......


                      أما النظم الذي يقوم على جملة أو جملتين، أو كلمة أو كلمتين، فلا يدخل في هذا الباب، ولا يعد نظما ينكشف به معدن الكلام وتبين روعته.
                      يقول الجاحظ في هذا:
                      ولأن رجلا من العرب لو قرأ على رجل منهم أي من خطبائهم و بلغائهم سورة واحدة طويلة أو قصيرة، لتبين له في نظامها ومخرجها، وفي لفظها وطبعها، أنه عاجز عن مثلها، ولو تحدى بها أبلغ العرب لظهر عجزه عنها.
                      ثم يقول:
                      وليس ذلك -أي الإعجاز- في الحرف والحرفين، والكلمة والكلمتين، ألا ترى أن الناس قد يتهيأ في طباعهم، ويجري على ألسنتهم أن يقول رجل منهم: (الحمد لله) و(على الله توكلنا)… وهذا كله في القرآن، غير أنه متفرق غير مجتمع.
                      ولو أراد أَنطَقُ الناس أن يؤلف من هذا الضرب سورة واحدة طويلة أو قصيرة على نظم القرآن وطبعه، وتأليفه، ومخرجه لما قدر عليه، ولو استعان بجميع (قحطان) و (معد بن عدنان).
                      فالنظم على صورة مخصوصة، وفي امتداد رحب هو المعرض الذي تتجلى فيه روعة القرآن وتخايل ملامح إعجازه.




                      .......

                      وعلى هذا فالجاحظ هو إمام هذا المذهب في إعجاز القرآن، وعمدة الرأي فيه… ما أن كشف عنه في حديثه عن الأدب، وبيان معادنه حتى كان مذهبا غالبا من مذاهب الرأي في الإعجاز، وحتى دفع إليه العلماء دفعا، إذ جعلوا قوله هذا في الفصاحة والبيان، هو مجال النظر في الإعجاز، لا يكادون يتجاوزونه، ولا ينظرون إلى شيء وراءه.



                      ......................

                      يتبع بعون الله..
                      التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 29-03-2014, 08:39 PM. سبب آخر: توسيط الكلام وتكبير الخط

                      تعليق


                      • #12
                        رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩

                        الجاحظ… والقول بالصرفة:

                        لا تعجب إذا رأيت الجاحظ يقول بالصرفة في وجه الإعجاز في القرآن.. فالجاحظ كما نعلم (معتزلي)… وجه من وجوه المعتزلة ورأس من رءوسهم، والنظام وهو من شيوخ المعتزلة كان أول من جاهر بهذا الرأي وفتح للناس باب الكلام فيه.
                        ولا يذهبن بك الرأي إلى أن تحسب الجاحظ متابعا أو مقلدا لإمام مذهبه (النظام) في هذا الرأي… فالجاحظ وإن أخذ بقول (النظام)... فليس ذلك عن تقليد ومتابعة، وإنما عن نظر وموازنة ومراجعة... ثم اقتناع.



                        .......


                        ومن ثم كان رأي الجاحظ في القول بالصرفة هو الذي جعل لرأي (النظام) بعد هذا مكانا بين الآراء التي دارت حول إعجاز القرآن، ولولا هذا لما التفت الناس إلى رأي النظام هذا الالتفات، ولما عاش هذا الرأي في الناس، ينقضونه حينا، ويقبلونه أحيانا… وأمر آخر، وهو أن الجاحظ إنما قال بالصرفة بعد أن أعياه الوقوع على الضوابط الدقيقة التي يضبط بها وجه الإعجاز في القرآن، ويكشف عن أسرار هذا الإعجاز... فذلك أمر إن أعجز الجاحظ فقد أعجز الإنس والجن جميعا! فلو أن الإعجاز قد انكشف -وهيهات- لعرفه الناس، ومن ثم لم يعد بعيدا عن متناول أيديهم… وكان في مستطاعهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن… والله سبحانه يقول: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}..

                        .......

                        إن سر الإعجاز مضمر في كلمات القرآن، كلمة كلمة، وآية آية، إنه أمر من أمر الله…كالروح ترى آثارها، وتشاهد أفعالها، دون أن ينكشف للناس شيء منها.
                        {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}.
                        والقرآن (روح) تتجلى آثاره في هذه الكلمات المنظومة في آياته…


                        .......

                        ولعل في قوله تعالى للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا}.
                        لعل في هذا ما يعين على الفهم الذي فهمناه من أن القرآن (روح) من روح الحق جل وعلا... ونقول: لا تعجب إذا عجز الجاحظ عن الكشف عن هذا السر المضمر، أو هذا الروح الساري في القرآن فلم يعرف وجه الإعجاز فألجأه هذا العجز إلى القول بالصرفة... فالجاحظ أستاذ في نقد الكلام، فلا عجب أن عرف قدر القرآن، ولزم حده معه.



                        ......................

                        تم بحمد الله..
                        التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 29-03-2014, 08:42 PM. سبب آخر: تكبير الخط وتوسيط الكلام .. بوركتم

                        تعليق


                        • #13
                          رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩

                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                          جزاكم الله خيرًا أختنا الفاضلة
                          موضوع نافع وشامل


                          "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                          وتولني فيمن توليت"

                          "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                          تعليق


                          • #14
                            رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩

                            جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم

                            تعليق


                            • #15
                              رد: .۩أضواء على القرآن الكريم۩.۩

                              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                              مجهود طيب ومبارك
                              جعله الله في موازين حسناتكم
                              ونفع الله بكم

                              تعليق

                              يعمل...
                              X