الحمد لله الواحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، تبارك وتعالى وتقدس عن الشبيه والنظير، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، لا يحيط أحد بوصفه، ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: ٦٧].
أشهد أن لا إله إلا الله الحكيم العليم الذي أحاط بكل شيء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله عليه وعلى صحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون:اتقوا الله وامتثلوا أوامره، وعليكم السمع والطاعة لأمر الله تعالى، والامتثال لتوجيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اعملوا، فكل ميسر لما خلق له»، وقال الله جل وعلا: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: ١٠٥].فاعلموا أن الله ورسوله يأمرانكم بالعمل الدائب المستمر، وأنتم تعلمون أن الله خلقنا من الماء وجعل حياتنا مقرونة بالماء منذ أن نولد إلى أن نموت، ولم يقدر لنا أن نستغني عن الماء، حيث جعله الله مادة تدب فينا روح الحياة، وهذه آية من آيات الله الدالة على قدرته وعظمته.
قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: ٥٤]، فهو جلَّت قدرته وتعالت عظمته خلقنا من الماء، وقدر أننا محتاجون إلى الماء طوال حياتنا، ومعظم سكان بلدتنا هذه لا يشربون إلا من هذا الماء الأجاج الذي يشبه ماء البحر، الذي لا يروي ظامئًا ولا يطفئ عطشه، كما قيل: (يموت عطشانَ وفي البحر فمه)، وهذه مشكلة عويصة لأن الماء عصب الحياة، وبدونه لا يقر لأي إنسان قرار ولا تستقيم له حال.
فالواجب عليكم أيها الإخوان أن تفكروا في الأمر تفكيرًا جديًّا لحلِّ هذه الأزمة، ولست أرى لكم مخرجًا من هذه المشكلة إلا أحد أمرين:
الأمر الأول: أن تنشؤوا جمعية مساهمة من جيوبكم الخاصة، ثم تحفرون بئرًا ارتوازية عميقة.
الأمر الثاني: فهو أن حكومتنا الرشيدة قد قامت بأعمال جليلة فحفرت آبارًا ارتوازية وسحبت الماء من أماكن عديدة إلى قرى ومدن كثيرة، وهذا واجب عليها وقد فعلت الكثير من ذلك، وهي لمشاغلها العديدة وأعمالها الكثيرة تحتاج إلى من يرشدها وينبهها ويذكرها دائمًا، ولهذا فيجب عليكم السعي والعمل الدائم الدائب حتى تنحل المشكلة وتتساوى بلدتكم بالمدن الكثيرة التي كانت مثلها، فيسر الله أمرها وأروى أهلها، وذلك بسعي رجالها وعملهم.
أيها المسلمون:وكما أن الماء غذاء تعيش عليه الأبدان فكذلك العلم غذاء للأرواح، وأول ما بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالعلم، فقال له: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: ١]، فأمره بالقراءة، وقد قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: ١٩]، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.وقال البخاري رحمه الله: «العلم قبل القول والعمل»، وقد درَّس الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصحابة وهم كبار، وأمرهم بالتعلم وبتعليم أبنائهم، فالواجب عليكم أيها المسلمون أن تهتموا بالعلم وتطالبوا بفتح المدرسة وجلب المعلمين المدرسين.أقول هذا القول، وأسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واهدنا إلى صراطه المستقيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما شهد لنفسه وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا الله هو العزيز الحكيم.وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المدرس الأعظم الذي أشاع المعرفة وبلغ الرسالة وعلم الجهال، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: ٥٦].عباد الله:اتقوا الله، واعلموا أن طاعته أقوم وأتقى، وتعلموا العلم من المهد إلى اللحد وعلموه أبناءكم.
العلم يرفع بيتًا لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف |
وإنما يخشى اللهَ مِنْ عبادِهِ العُلماء.
عباد الله:استعيذوا بالله من الجهل، فإن الجهل هو سبب تأخر المسلمين، وهو سبب الغطرسة والكبرياء والعجب بالنفس الذي يتصف به الجهلة المغرورون بأنفسهم المزهوون بأجسامهم.
أيها المسلمون:أحزموا أمركم، وأصلحوا شأنكم، وقديمًا قيل:
ما حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفْرِك فَتَوَلَّ أَنْتَ جَمِيعَ أَمْرِكَ |
أما التأخر والتكاسل والعجز فهو الداء القائل، الذي إذا جثى على أمه قضى عليها، وأسلمها للدمار والهلاك والاحتلال والاستعمار.
والعجز كالجهل في الأزمان قاطبة داء تموت به بل تمسخ الأمم والمجد يأثل حيث البأس يدعمه حتى إذا زال زال المجد والكرم وإن شَأْوَ المعالي ليس يدركه عزم تسرب في أثنائه السأم |
عباد الله:
قال الله تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: ٥٥]، فعليكم عباد الله باغتنام الفرص، وخيركم خيركم لبلاده ولمواطنيه ولأمته ولأهله، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم خيركم لأهله».فإذا لم تنفعوا وتنهضوا ببلادكم فإننا لن ننتظر منكم أن تُعِزُّوا الإسلام، أو تساهموا في رفع مستوى المسلمين، والمسلمون يد واحدة وجسد واحد، فأصلحوا أنفسكم وساهموا في إنهاض أمتكم بالعلم والعمل، وبالصلاة فإنها عماد الدين وركنه الركين.وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعليكم بتقوى الله فخير الزاد التقوى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: ٢– ٣].
أيها المسلمون:﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل:٩٠ -٩١].
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تفعلون.
منقول
تعليق