الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، ومالك يوم الدين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة قامت بها الأرض السماوات وخلقت لأجلها جميع المخلوقات وبها أرسل الله تعالى رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار والأبرار والفجار
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه، أرسله الله رحمة للعالمين وإماما للمتقين وحجة على الخلائق أجمعين. *
صلى عليه الله وعلى آله وأصحابه أجمعين،
... أما بعـــد ...
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة قامت بها الأرض السماوات وخلقت لأجلها جميع المخلوقات وبها أرسل الله تعالى رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار والأبرار والفجار
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه، أرسله الله رحمة للعالمين وإماما للمتقين وحجة على الخلائق أجمعين. *
صلى عليه الله وعلى آله وأصحابه أجمعين،
... أما بعـــد ...
فيقول ربنا تبارك وتعالى:
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر: 9
قال الإمام السعدي رحمه الله:
أي: القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر،
{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي: في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله،
وفي قلوب أمته، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يُحرِّف مُحرِّف معنى من معانيه إلا وقيَّضَ الله له من يُبيّن الحقِّ الْمُبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يُسلط عليهم عدوا يجتاحهم.
وقال الإمام الشعراوي رحمه الله -نقلا من تفسيره بتصرف:
والقرآن قد جاء بعد كُتب متعددة، كل كتاب منها يحمل منهج الله؛ إلا أن أيَّ كتاب منها لم يَكُنْ معجزة؛
بل كانت المُعْجزة تنزل مع أيِّ رسول سبق سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعادة ما تكون المعجزة من صنف ما نبغ فيه القوم الذين نزل فيهم.
فالحق سبحانه وتعالى كلَّف أهل الكتاب بحفظ كتبهم التي تحمل المنهج؛ وهذا التكليف عُرْضة أنْ يطاع، وعُرْضة أنْ يُعصى؛
لكنهم عَصَوا أمر الحق سبحانه وتكليفه بالحفظ؛ فحرّفوا وبدَّلوا وحذفوا من تلك الكتب الكثير، فقال الحق سبحانه عنهم:
{ ... وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ} البقرة: 146
بل وأضافوا من عندهم كلاماً وقالوا: هو من عند الله؛ لذلك قال فيهم الحق سبحانه:
{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِندِ اللَّـهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} البقرة: 79
وهكذا ارتكبوا ذنوب الكذب وعدم الأمانة، ولم يحفظوا الكتب الحاملة لمنهج الله كما أنزلها الله على أنبيائه ورُسله السابقين على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلم يترك الحق سبحانه مهمة حفظ القرآن كتكليف منه للبشر؛ لأن التكليف عُرْضة أن يطاع وعُرْضة أنْ يُعصى، وأنَّ القرآن يتميز عن الكتب السابقة في أنه يحمل المنهج، وهو المعجزة الدالة على صِدْق بلاغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في نفس الوقت. ولذلك قال الحق سبحانه:
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }
والصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يكتبون القرآن فَوْرَ أن يُنَزَّل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،
وشاء المولي سبحانه بحفظ القرآن على مر العصور من بعدهم، حتى وجدنا في عصرنا من هم غير مؤمنين بالقرآن؛
لكنهم يتفنّنون في وسائل حفْظه؛ فهناك مَنْ طبع المصحف في صفحة واحدة؛ وسخَّر لذلك مواهب أُناسٍ غير مؤمنين بالقرآن.
وتَمّ تسجيل المصحف بوسائل التسجيل المعاصرة، وفي ألمانيا مثلا توجد مكتبة يتم حِفْظ كل ما يتعلق بكل آية من القرآن في مكان مُعيّن مُحدّد.
أما في بلادنا المسلمة فنجد مَنْ ينقطع لحفظ القرآن منذ الطفولة، ويُنهي حِفْظه وعمره سبع سنوات؛ وإنْ سألته عن معنى كلمة يقرؤها فقد لا يعرف معناها.
ومن أسرار عظمة القرآن أن البعض مِمَّنْ يحفظونه لا يملكون أية ثقافة، ولو وقف الواحد منهم عند كلمة؛ فلا يستطيع أن يستكملها بكلمةٍ ذات معنى مُقَارب لها؛ إلى أنْ يردّه حافظٌ آخر للقرآن،ومن دِقّة حِفْظ الحق سبحانه لكتابه الكريم؛
فجاءوا إلى قول الحق سبحانه:
{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ... } الفتح: 29
وأدخلوا في هذه الآية كلمة ليست فيها، وطبعوا مصحفاً غيَّروا فيه تلك الآية بكتابتها:
«محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم»
وأرادوا بذلك أن يسرقوا عواطف المسلمين، ولكن العلماء عندما أمسكوا بهذا المصحف أمروا بإعدامه وقالوا: «إن به شيئاً زائداً» ،
فردَّ مَنْ طبع المصحف «ولكنها زيادة تحبونها وتُوقّرونها» ، فردَّ العلماء: «إن القرآن توقيفيّ؛ نقرؤه ونطبعه كما نُزِل».
وقامت ضَجَّة؛ وحسمها العلماء بأن أيّ زيادة حتى ولو كانت في توقير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومحبته لا تجوز في القرآن،
لأن علينا أن نحفظ القرآن كما لقَّنه جبريل لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أ.هـ
والآن أيها الكرام الأفاضل؛ فمن أول بعثة سيدنا رسول الله صلى عليه وسلم، وعلى مر العصور القادمة بما شاء الله سبحانه،
ستظل محاولات أعداء الله لتحريف القرآن قائمة ومستمرة؛ لكنَّ الله سبحانه سيفضحهم بحوله وقوته ويرد عليهم كيدهم في نحورهم
فاحذروا كل الحذر يا أمة القرآن، وداوموا على حفظكم للقرآن، وتمسكوا بما فيه من البيان
واحفظوه بصدوركم فهماً لكلِّ معان؛ قربا لله العزيز الرحمن، وقاوموا أعداء الله الحفيظ المنان
فاحـذروا وحـاذروا؛ يا أمـة الفـرقـان والتـوحيـد
قُرْآنُـكُم قُرْآنُكُم يَا أُمَّة الإِسْلَامِ تَحَرّوُا حِفْظَهُ ... بِصُدُورِكُمُ احْفَظُوهُ وانْشُرُوا صَحِيحَ التَّوْحِيد
قُرْآنُكُم أَعْدَاؤكُـم بِحِقْـدِهِم يَبْغُونَ تَحْرِيفَاً لَهُ ... وَيُنْكِـرُونَ بِعِوَجِهِم قَوْلَ الإلَهِ الْعَزِيزِ الْمَجِـيد
أَنَّ الْكِتَـابَ ذِكْـرٌ مُنَـزَّلٌ شَـاءَ الْحَفِيِـظُ حِفْظهُ ... سُبْحَانَهُ قَضَيَ الْأُمُورَ بِحُكْمِهِ يَفْعَلُ مَا يُرِيد
لَوْ شَاءَ يَهْدي النَّاسَ جَمِيعُهُم فَذَاكَ شَأْنُـهُ ... لا رَادَّ لِقَضَائِهِ سُبْحَانَهُ هُوَ يَحْكُمُ بَيْنَ الْعَبِيد
قُرْآنُكُم أَعْدَاؤكُـم بِحِقْـدِهِم يَبْغُونَ تَحْرِيفَاً لَهُ ... وَيُنْكِـرُونَ بِعِوَجِهِم قَوْلَ الإلَهِ الْعَزِيزِ الْمَجِـيد
أَنَّ الْكِتَـابَ ذِكْـرٌ مُنَـزَّلٌ شَـاءَ الْحَفِيِـظُ حِفْظهُ ... سُبْحَانَهُ قَضَيَ الْأُمُورَ بِحُكْمِهِ يَفْعَلُ مَا يُرِيد
لَوْ شَاءَ يَهْدي النَّاسَ جَمِيعُهُم فَذَاكَ شَأْنُـهُ ... لا رَادَّ لِقَضَائِهِ سُبْحَانَهُ هُوَ يَحْكُمُ بَيْنَ الْعَبِيد
الكرام الأفاضل
يا من نحسبكم من أهل القرآن بإذن الله تعالى.. ويا من تحبون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. يامن تغارون على دينكم
إحـذروا وحـاذروا جيـدا مما هو آت؛ .....
وللحديث بقية بأمر الله رب البرية؛ إذا كان في العمر بقية،
فيما تجابهه أمة الإسلام من أعداء تكالبوا عليها كضحية، يحاربون ويكيدون سعياً لسلخ الهوية،
وهذه النقاط الهامة الجلية:
1- أعداؤنا من بني جلدتنا يحرفون القرآن
2- أعـداؤنا من الخـارج يحرفون القرآن
3- نداء عـام ليتناقله الجميع، وننشره بيننا قدر ما نستطيع
فتابعوا معيبإذن الله تعالى...
* إستهلال للموضوع، منقول بتصرف من مقدمة كتاب: زاد المعاد، لابن القيم الجوزية رحمه الله.
تعليق