إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ورد في السلسله الصحيحة للألباني حديث عن حرمة أخذ الأجر عن تعليم القرآن فما صحته وهل الأجر خبيث؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [شرح] ورد في السلسله الصحيحة للألباني حديث عن حرمة أخذ الأجر عن تعليم القرآن فما صحته وهل الأجر خبيث؟

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:



    فإن الألباني ذكر في الصحيحة حديثين في هذا الموضوع وهما حديث: من أخذ على تعليم القرآن قوساً، قلده الله قوساً من نار يوم القيامة. وحديث عبادة بن الصامت قال: علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوساً فقلت ليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله عز وجل لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتيته فقلت: يا رسول الله رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، قال: إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها. وذكر أحاديث شواهد لهذا المعنى يعضد بعضها بعضاً فأفادت عنده الثبوت وكان يفتي بحرمة الأجرة على تعليم القرآن محتجاً بهذه الأحاديث وبأن الأصل في العبادات أن تكون خالصة، ولكنه عارضه أهل العلم بما يفيد من النصوص إباحة أخذ العوض مقابل تعليم القرآن ، والمسألة مختلف فيها عند أهل العلم على أقوال:

    فذهبت طائفة من العلماء إلى منعه مطلقاً وقصر حديث الإباحة على الرقية أو الدواء وهذا هو مذهب الحنفية وهو معتمد مذهب الحنابلة، وذهبت طائفة أخرى إلى التفصيل فقالت: لا تجوز الإجارة على تعليم القرآن ولا على الأذان، ولا يقع ذلك إلا قربة لفاعله، ولكن يجوز أخذ رزق من بيت المال، أو من الوقف على عمل يتعدى نفعه، كتعليم القرآن ونحوه، لأنه من المصالح التي تفيد المسلمين، وليس المأخوذ بعوض، بل هو رزق للإعانة على الطاعة، ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة، ولا يقدح في الإخلاص وإلا لما استحقت الغنائم، وأسلاب القتلى وبعضهم يقول بجوازه من غير اشتراط وعدمه إن اشترط وفرق قوم بين من تعين عليه ومن لم يتعين عليه وعن بعضهم أنه يباح للمحتاج دون غيره.



    وهناك طائفة ثالثة تقول: بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم، لأنه استئجار على عمل معلوم بعوض معلوم وهذا هو مذهب الشافعية والمالكية والظاهرية وهو رواية عن أحمد وبه يفتي متأخرو الحنفية، وهذا المذهب الأخير هو الأرجح عند كثير من المحققين ولا سيما عند الحاجة والتفرغ ومنهم معاصرون خالفوا الألباني في المسألة ويدل له عدة أدلة منها ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً، فقال: ما أجد شيئاً، فقال: التمس ولو خاتماً من حديد، فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا وكذا يسميها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكما بما معك من القرآن. وفي رواية: قد ملكتكما بما معك من القرآن. فهذا الرجل أباح له النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل تعليمه بعض القرآن لهذه المرأة عوضاً عن صداقها، وهو صريح في أن العوض على تعليم القرآن جائز ويؤيد ذلك ما ثبت في بعض الروايات في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: انطلق فقد زوجتكما فعلمها من القرآن. وفي رواية لأبي داود: علمها عشرين آية وهي امرأتك. ويدل له أيضاً ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيه لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجراً، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله. والحديث وإن كان سببه هو الرقية، إلا أن اللفظ هنا عام، وقد نص العلماء على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.



    قال الصنعاني في سبل السلام عند شرح الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله. قال: وقد عارضه ما أخرجه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت، ولفظه: علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوساً فقلت ليست لي بمال فأرمي عليها في سبيل الله، فأتيته فقلت: يا رسول الله رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست لي بمال فأرمي عليها في سبيل الله، فقال: إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها. فاختلف العلماء في العمل بالحديثين، فذهب الجمهور ومالك والشافعي إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن سواء كان المتعلم صغيراً أو كبيراً ولو تعين تعليمه على المعلم عملاً بحديث ابن عباس ويؤيده ما يأتي في النكاح من جعله صلى الله عليه وسلم تعليم الرجل لامرأته القرآن مهراً لها، قالوا: وحديث عبادة لا يعارض حديث ابن عباس إذ حديث ابن عباس صحيح وحديث عبادة في رواية مغيرة بن زياد مختلف فيه واستنكر أحمد حديثه وفيه الأسود بن ثعلبة فيه مقال فلا يعارض الحديث الثابت. قالوا: ولو صح فإنه محمول على أن عبادة كان متبرعاً بالإحسان وبالتعليم غير قاصد لأخذ الأجرة فحذره صلى الله عليه وسلم من إبطال أجره وتوعده، وفي أخذ الأجرة من أهل الصفة بخصوصهم كراهة ودناءة لأنهم ناس فقراء كانوا يعيشون بصدقة الناس فأخذ المال منهم مكروه، وذهب الهادوية والحنفية وغيرهما إلى تحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن مستدلين بحديث عبادة وفيه ما عرفت فيه قريباً نعم استطرد البخاري ذكر أخذ الأجرة على الرقية في هذا الباب فأخرج من حديث أبي سعيد في رقية بعض الصحابة لبعض العرب وأنه لم يرقه حتى شرط عليه قطيعاً من غنم فتفل عليه وقرأ عليه (الحمد لله رب العالمين)، فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة أي علة، فأوفاه ما شرط ولما ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهماً.

    وذكر البخاري لهذه القصة في هذا الباب وإن لم تكن من الأجرة على التعليم وإنما فيها دلالة على جواز أخذ العوض في مقابلة قراءة القرآن لتأييد جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن تعليماً أو غيره إذ لا فرق بين قراءته للتعليم وقراءته للطب. انتهى.


    وقال صاحب عون المعبود في شرح حديث عبادة السابق: قال الخطابي اختلف قوم من العلماء في معنى هذا الحديث وتأويله فذهب بعضهم إلى ظاهره فرأوا أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن غير مباح وإليه ذهب الزهري وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه، وقال طائفة لا بأس به ما لم يشترط وهو قول الحسن البصري وابن سيرين والشعبي وأباح ذلك آخرون وهو مذهب عطاء ومالك والشافعي وأبي ثور واحتجوا بحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي خطب المرأة فلم يجد لها مهراً زوجتكما على ما معك من القرآن وتأولوا حديث عبادة على أنه كان تبرع به ونوى الاحتساب فيه ولم يكن قصده وقت التعليم إلى طلب عوض ونفع فحذره النبي صلى الله عليه وسلم إبطال أجره وتوعده عليه وكان سبيل عبادة في هذا سبيل من رد ضالة لرجل أو استخرج له متاعاً قد غرق في بحر تبرعاً وحسبة فليس له أن يأخذ عليه عوضاً ولو أنه طلب لذلك أجرة قبل أن يفعله حسبة كان ذلك جائزاً، وأهل الصفة قوم فقراء كانوا يعيشون بصدقة الناس فأخذ المال منهم مكروه ودفعه إليهم مستحب، وقال بعض العلماء أخذ الأجرة على تعليم القرآن له حالات فإذا كان في المسلمين غيره ممن يقوم به حل له أخذ الأجرة عليه، لأن فرض ذلك لا يتعين عليه، وإذا كان في حال أو في موضع لا يقوم به غيره لم تحل له الأجرة وعلى هذا يؤول اختلاف الأخبار فيه. انتهى.


    وقال في فتح الودود: قال السيوطي: أخذ بظاهر هذا الحديث قوم وتأوله آخرون وقالوا هو معارض بحديث زوجتكها على ما معك من القرآن وحديث ابن عباس إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله... انتهى.



    وقال الإمام النووي في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن: وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء فيه فحكى الإمام أبو سليمان الخطابي منع أخذ الأجرة عليه من جماعة من العلماء منهم الزهري وأبو حنيفة وعن جماعة أنه يجوز إن لم يشترطه وهو قول الحسن البصري والشعبي وابن سيرين وذهب عطاء ومالك والشافعي وآخرون إلى جوازها إن شارطه واستأجره إجارة صحيحة وقد جاء بالجواز الأحاديث الصحيحة واحتج من منعها بحديث عبادة بن الصامت أنه علم رجلا من أهل الصفة القرآن فأهدى له قوسا فقال: له النبي إن سرك أن تطوق بها طوقاً من نار فاقبلها وهو حديث مشهور رواه أبو داود وغيره وبآثار كثيرة عن السلف وأجاب المجوزون عن حديث عبادة بجوابين أحدهما أن في إسناده مقالاً والثاني أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئاً ثم أهدي إليه على سبيل العوض فلم يجز له الأخذ بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم. والله أعلم. انتهى.



    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: تنازع العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه وفيه ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد وغيره أعدلها أنه يباح للمحتاج، قال أحمد: أجرة التعليم خير من جوائز السلطان وجوائز السلطان خير من صلة الإخوان.

    وأصول الشريعة كلها مبنية على هذا الأصل أنه يفرق في المنهيات بين المحتاج وغيره كما في المأمورات ولهذا أبيحت المحرمات عند الضرورة لا سيما إذا قدر أنه يعدل عن ذلك إلى سؤال الناس، فالمسألة أشد تحريماً ولهذا قال العلماء يجب أداء الواجبات وإن لم تحصل إلا بالشبهات كما ذكر أبو طالب وأبو حامد أن الإمام أحمد سأله رجل قال: إن ابنا لي مات وعليه دين وله ديون اكره تقاضيها فقال له الإمام أحمد أتدع ذمة ابنك مرتهنة؟ يقول قضاء الدين واجب وترك الشبهة لأداء الواجب هو المأمور، ولهذا اتفق العلماء على أنه يرزق الحاكم وأمثاله عند الحاجة وتنازعوا في الرزق عند عدم الحاجة وأصل ذلك في كتاب الله في قوله في ولي اليتيم ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف وهكذا يقال في نظائر هذا إذ الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها والورع ترجيح خير الخيرين بتفويت أدناهما ودفع شر الشرين وإن حصل أدناهما... انتهى.


    وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن الكريم للأطفال الصغار؟ وإذا أفتيتم بالجواز فهل للمعلم ثواب عند الله بعد أخذه للأجرة الشهرية؟ فأجابوا: تعلم القرآن الكريم وتعليمه من أفضل القرب إلى الله جل وعلا، إذا صلحت النية، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم القرآن وتعليمه بقوله: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وأخذ معلمي القرآن الأجرة على تعليمه لا ينافي حصول الثواب والأجر من الله جل وعلا إذا خلصت النية، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى.



    وقال الشنقيطي رحمه الله في تفسيره لسورة هود: قوله تعالى: وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة عن نبيه نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أنه أخبر قومه أنه لا يسألهم مالاً في مقابلة ما جاءهم به من الوحي والهدى، بل يبذل لهم ذلك الخير العظيم مجاناً من غير أخذ أجرة في مقابله، وبين في آيات كثيرة: أن ذلك هو شأن الرسل عليهم صلوات الله وسلامه، كقوله في سبأ عن نبينا صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ}، وقوله فيه أيضاً في آخر سورة ص: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ }، وقوله في الطور والقلم: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} وقوله في الفرقان: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}، وقوله في الأنعام: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}، وقوله عن هود في سورة هود: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي}، وقوله في الشعراء عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وقوله تعالى في رسل القرية المذكورة في يس: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا...}، ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة: أن الواجب على أتباع الرسل من العلماء وغيرهم أن يبذلوا ما عندهم من العلم مجاناً من غير أخذ عوض على ذلك، وأنه لا ينبغي أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله تعالى ولا على تعليم العقائد والحلال والحرام.


    ويعتضد ذلك بأحاديث تدل على نحوه فمن ذلك ما رواه ابن ماجه والبيهقي والروياني في مسنده عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: علمت رجلاً القرآن، فأهدى لي قوساً فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخذتها أخذت قوساً من نار. فرددتها... فهذه الأدلة ونحوها تدل على أن تعليم القرآن والمسائل الدينية لا يجوز أخذ الأجرة عليه، وممن قال بهذا: الإمام أحمد في إحدى الروايتين، وأبو حنيفة والضحاك بن قيس وعطاء. وكره الزهري وإسحاق تعليم القرآن بأجر. وقال عبد الله بن شقيق: هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت.



    وممن كره أجرة التعليم مع الشرط: الحسن وابن سيرين، وطاوس، والشعبي، والنخعي، قاله في المغني. وقال: إن ظاهر كلام الإمام أحمد جواز أخذ المعلم ما أعطيه من غير شرط وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز الأجرة على تعليم القرآن، وهو مذهب مالك والشافعي. وممن رخص في أجور المعلمين: أبو قلابة، وأبو ثور، وابن المنذر. ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال: التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين، ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة، ومن أن يستدين ويتجر لعله لا يقدر على الوفاء فيلقى الله تعالى بأمانات الناس، التعليم أحب إلي.


    وهذا يدل على أن منعه منه في موضع منعه للكراهة لا للتحريم، قاله ابن قدامة في المغني. واحتج أهل هذا القول بأدلة منها ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ فقال. ما عندي إلا إزاري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك. فالتمس شيئاً، فقال: ما أجد شيئاً، فقال: التمس ولو خاتماً من حديد، فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا وكذا يسميها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن. وفي رواية: قد ملكتكها بما معك من القرآن. فقالوا: هذا الرجل أباح له النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل تعليمه بعض القرآن لهذه المرأة عوضاً عن صداقها، وهو صريح في أن العوض على تعليم القرآن جائز، وما رد به بعض العلماء الاستدلال بهذا الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم زوجه إياها بغير صداق إكراماً له لحفظه ذلك المقدار من القرآن، ولم يجعل التعليم صداقاً لها -مردود بما ثبت في بعض الروايات في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن. وفي رواية لأبي داود: علمها عشرين آية وهي امرأتك.

    واحتجوا أيضاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس: إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله. قالوا: الحديث وإن كان وارداً في الجعل على الرقيا بكتاب الله فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب. واحتمال الفرق بين الجعل على الرقية وبين الأجرة على التعليم ظاهر.


    ثم ختم رحمه الله بقوله: قال مقيده -عفا الله عنه- الذي يظهر لي والله تعالى أعلم، أن الإنسان إذا لم تدعه الحاجة الضرورية فالأولى له ألا يأخذ عوضاً على تعليم القرآن، والعقائد، والحلال والحرام للأدلة الماضية، وإن دعته الحاجة أخذ بقدر الضرورة من بيت مال المسلمين، لأن الظاهر أن المأخوذ من بيت المال من قبيل الإعانة على القيام بالتعليم لا من قبيل الأجرة.. والأولى لمن أغناه الله أن يتعفف عن أخذ شيء في مقابل التعليم للقرآن والعقائد والحلال والحرام. والعلم عند الله تعالى. انتهى.


    وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بعض فتاواه: وأما أخذ الأجرة على إقراء القرآن أي على تعليم القرآن فهذا مختلف فيه والراجح أنه جائز لأن الإنسان يأخذه على تعبه وعمله لا على قراءته القرآن وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أفضل ما أخذتم عليه أجراً أو قال أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للرجل الذي لم يجد مهراً، قال: زوجتكها بما معك من القرآن أي يعلمها ما معه من القرآن فتبين بهذا أن الاستئجار لقراءة القرآن محرم وفيه إثم وليس فيه أجر ولا ينتفع به الميت وأما الأجرة على تعليم القرآن فالصحيح أنها جائزة ولا بأس بها. انتهى.



    وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي حفظه الله في جواب لسؤال عن حكم أخذ المال على تدريس العلوم الشرعية: مذهب المحققين من العلماء رحمهم الله وهو الذي اختاره بعض الأئمة ومنهم الإمام ابن جرير الطبري، والحافظ ابن حجر وغيرهما من المحققين أن الإنسان إذا قصد بعلمه الآخرة، ثم أخذ أجراً على ذلك العلم بسبب عدم تمكنه من طلب الرزق فذلك لا يقدح في الإخلاص، ما دام أن مقصوده هو تعليم العلم، ونفع أبناء المسلمين، فلا يقدح في الإخلاص وجود حظ من الدنيا، وقد دل على هذا القول الصحيح دليل الكتاب والسنة، أما دليل الكتاب فإن الله عز وجل يقول في كتابه: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}. وهذه الآية نزلت في أهل بدر، فأخبر الله أنهم كانوا يتمنون العير بقوله تعالى: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}، فهم خرجوا للعير، فلما واجهوا القتال صدقوا مع الله، فلم يقدح في قتالهم وجهادهم وجود حظ أو قصد حظ الدنيا من تلك العير، ومن الأدلة على صحة هذا القول قول الحق تبارك وتعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}، فإنها نزلت -كما صح- في أقوام يريدون الحج والتجارة، فالحج عبادة والتجارة دنيا، فلم يقدح في إرادة الآخرة وجود حظ الدنيا، كما دل على صحة هذا القول دليل السنة الصحيح، فإن المصطفى عليه الصلاة والسلام قال قبل القتال: من قتل قتيلاً فله سلبه. وهذا القول قاله لترغيب الناس في القتال، فأعطى على القتال الذي يراد به وجه الله حظاً من الدنيا، قال بعض العلماء: في هذا دليل على أنه لا يقدح في الإخلاص وجود حظ من الدنيا إذا لم يكن هو مقصود العبد، فإذا كان مقصودك ما عند الله عز وجل فلا يؤثر فيه وجود حظ من الدنيا، وقد جاء في حديث أبي محذورة رضي الله عنه أنه قال: ألقى النبي صلى الله عليه وسلم علي الأذان، فلما فرغت، ألقى إلي صرة من فضة. قالوا: في هذا دليل أيضاً على أن حظ الدنيا لا يؤثر إذا لم يكن هو مقصود العبد. ومن مجموع هذه الأدلة خلص هؤلاء العلماء إلى القول بأنه ينظر في الإنسان، فإذا كان مقصوده من التعليم نفع أبناء المسلمين وإسداء الخير إليهم ودلهم على طاعة الله ومرضاته ثم حصل بعد ذلك أجر أو راتب أو غير ذلك ولم يكن هو مقصوده الأساس، فإن ذلك لا يقدح في إخلاصه. والله تعالى أعلم. انتهى.



    وقال الدكتور الزحيلي وهو حنفي: أجاز العلماء بالاتفاق الاستئجار على تعليم اللغة والأدب و الحساب والخط والفقه والحديث ونحوها، وبناء المساجد والقناطر والثغور والرباطات، لتعارف الناس وللحاجة أو الضرورة الداعية لذلك، وإلا تعطلت المصالح العامة وقال الإمامان مالك والشافعي: تجوز الإجارة على تعليم القرآن، لأنه استئجار لعمل معلوم بعوض معلوم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (زوج رجلاً بما معه من القرآن)، فجاز جعل القرآن عوضاً، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)، وقد ثبت (أن أبا سعيد الخدري رقى رجلاً بفاتحة الكتاب على جُعل فبرئ، وأخذ أصحابه الجعل فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، وسألوه فقال: لعمري من أكل برقية باطل (أي كلام باطل ) فقد أكلت برقية حق ، كلوا واضربوا لي معكم بسهم ) ثم لإتى المتأخرون من الفقهاء الآخرين كالحنفية وبعض الحنابلة بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وقراءته، والإمامة والأذان وسائر الطاعات من صلاة وصوم وحج، قياساً على الأفعال غير الواجبة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر حج صحابي عن غيره، ونظراً لانقطاع عطايا المعلمين وأرباب الشعائر الدينية من بيت المال، فلو اشتغل هؤلاء بالاكتساب من زراعة أو تجارة أو صناعة، لزم ضياع القرآن وإهمال تلك الشعائر.

    قال بعض الحنابلة: ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً وأجرة، بل رزق للإعانة على الطاعة، فمن عمل منهم لله أثيب، هذا مع العلم بأن فتوى هؤلاء المتأخرين مخالفة لما هو مقرر في أصل المذهب الحنفي الذي يشترط لصحة الإجارة ألا يكون العمل المأجور له فرضاً ولا واجباً على الأجير قبل الإجارة، فهذه الطاعات عبادات له، والعبادة لا تؤخذ أجرة عليها، وقد روي أن عثمان بن أبي العاص قال: (إن آخر ما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً). انتهى.
    والله أعلم.



    إن مرت الايام ولم تروني فهذه مشاركاتي فـتذكروني ، وان غبت ولم تجدوني أكون وقتها بحاجة للدعاء فادعولي .


  • #2
    رد: ورد في السلسله الصحيحة للألباني حديث عن حرمة أخذ الأجر عن تعليم القرآن فما صحته وهل الأجر خبيث؟

    أشكل عليّ ما قرأته في مذهب الحنفية والشافعية في كلام الشيخ الددو والشيخ المنجد حفظهما الله . فالشيخ الددو يرى مذهب الشافعي المنع , والحنفية الجواز !
    وموقع الشيخ المنجد : اثبت النووي أن مذهب الشافعي الجواز ! . ومتقدمي الحنفية المنع .


    قال الشيخ العلامة الددو -حفظه الله- :


    إن هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى منع أخذ الأجرة على القرب مطلقاً، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، رأى أن القُرب جميعاً لا يجوز أخذ الأجرة عليها، وذهب مالك إلى التوسط، فيرى كراهة أخذ الأجرة على القرب، كالصلاة دون أذان ولا خطبة، يكون الإنسان إماماً لمسجد لا يخطب فيه ولا يعلم ولا يؤذن فيكره له أخذ الأجرة على مجرد الصلاة، ولذلك قال خليل رحمه الله في الجائزات في الأذان قال: "وأجرة عليه أو مع صلاة وكره عليها"، وكره عليها معناه وكره أخذ الأجرة عليها فقط على الصلاة وحدها. وهذا بناء على قاعدة مالك رحمه الله من مراعاة الخلاف.

    فالمسألة فيها خلاف: فالحنفية أجازوا أخذ الأجرة مطلقاً، والشافعية منعوا مطلقاً، فتوسط مالك فرأى الكراهة، لأن من قواعده الأخذ بمراعاة الخلاف.

    وأصل المسألة من ناحية الدليل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث وإخوانه: "واتخذوا مؤذناً لا يأخذ على ذلك أجراً"، لكن قوله: "لا يأخذ على ذلك أجراً" لا يقتضي حرمة، فهذا اللفظ لا يقتضي حرمة أخذ الأجرة على ذلك.

    وكذلك حديث عبادة بن الصامت، وقد رتبه النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الصفة يعلمهم القرآن، فأهدى إليه أحدهم قوساً أو عصا، فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فنهاه عن أخذها وبيّن له الوعيد في أخذ ذلك.

    والذين يرون الإباحة يستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله"، فيرون جواز أخذ الأجرة على ذلك، ويستدلون بجواز أخذ الأجرة على قراءته في الرقى، لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا في سرية فنزلوا على حي من العرب فتضيفوهم فلم يضيفوهم، فهش سيدهم أي نهش، فقالوا: هل عندكم شيء مما جاء به صاحبكم؟ فقام إليهم شاب منا والله ما كنا نأمنه بذلك، فقال: أما إنه لمعنا ولكننا تضيفناكم فلم تضيفونا، فوالله لا نرقيه إلا بأجر فجعلوا له قطيعاً من الغنم، فقام إليه فجعل يقرأ بسورة الحمد، ويجمع بصاقه وينفث عليه، فقام الرجل كأنما نشط من عقال، فأعطوه قطيع الغنم فاستاقوه وهم في حاجة إليه، فقال: دعوه حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتوه سألوه، فقال: "اقتسموه واجعلوا لي سهما"، وكذلك الحديث الآخر الذي فيه: "وما يدريك أنها رقية؟ لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق"، فهذا أخذ أجرة على كتاب الله فدل هذا على الجواز، وقد حصلت قصة لأحد القضاة من الشافعية أتاه معلم قرآن يأخذ على ذلك أجراً، فلما أتاه رد شهادته، فقال: علام ترد شهادتي أيها القاضي؟ قال: لأنك تأخذ أجراً على كتاب الله، قال: وأنت أيها القاضي تأخذ أجراً على كتاب الله، الراتب الذي تأخذه على كتاب الله على تطبيقه وهو القضاء، قال: أنا مكره، قال: أكرهوك على القضاء، فهل أكرهوك على أخذ الدراهم؟!! قال: هات شهادتك، وقبل شهادته.

    وجاء في موقع - الإسلام سؤال وجواب - نفع الله بهم :

    أولاً : الأصل في العبادات أن لا يأخذ المسلم أجراً في مقابل القيام بها ؛ ومن أراد بطاعته الدنيا : فليس له أجر عند الله ، كما قال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) هود/ 15 ، 16 .

    ثانياً :
    إذا كانت العبادة متعدية النفع ، بحيث ينتفع بها غير القائم بها ، كالرقية بالقرآن أو تعليمه ، أو تعليم الحديث ، فإنه يجوز له أخذ الأجرة عليها عند جمهور العلماء ، خلافاً لمتقدمي الحنفية ، مقابل ما حصل للغير من منفعة ، بالرقية أو التعلم .
    وقد جاء في السنَّة النبوية ما يؤيد قول الجمهور :
    فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ : هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ إنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلاً لَدِيغًا ؟ فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ [أي : مجموعة من الغنم]، فَبَرَأَ ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ ، وَقَالُوا : أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْراً ؟ حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْراً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) رواه البخاري ( 5405 ) .
    وأخرجه البخاري ( 2156 ) ومسلم ( 2201 ) من حديث أبي سعيد الخدري .
    وقد بوب عليه النووي رحمه الله في شرحه لمسلم بقوله : " باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار " .
    وقال النووي رحمه الله في شرحه للحديث :
    هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية ، بالفاتحة ، والذِّكر , وأنها حلال لا كراهة فيها , وكذا الأجرة على تعليم القرآن , وهذا مذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وآخرين من السلف , ومَن بعدهم .
    " شرح النووي " ( 14 / 188 ) .

    وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

    "يجوز لك أن تأخذ أجراً على تعليم القرآن ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلا امرأة بتعليمه إياها ما معه من القرآن ، وكان ذلك صداقها ، وأخذ الصحابي أجرة على شفاء مريض كافر بسبب رقيته إياه بفاتحة الكتاب ، وقال في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ) أخرجه البخاري ومسلم ، وإنما المحظور : أخذ الأجرة على نفس تلاوة القرآن ، وسؤال الناس بقراءته" انتهى .
    الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
    " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 96 ) .
    وانظر فتاوى أخرى في جوابي السؤالين ( 20100 ) و ( 95781 ) .

    ثالثاً :
    أما ما استدل به صاحبك من الآيات : فلا يسلم له ؛ لأن معنى الآيات يختلف عما استدل به من منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، والحديث ، وغيرهما من العلوم الشرعية ، ونحن لا ننكر أنه قد قال بعض أهل العلم بالمنع من أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلوم الشرعية استدلالاً بهذه الآيات ومثيلاتها ، لكننا لا نسلم لهم بذلك الاستدلال ، وبيان ذلك :
    1. أما قوله تعالى : (وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) البقرة/ 41 : فإن الثمن هنا هو إرضاء العامة ، وليس أخذ الأجرة على تعليمها .
    قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :
    "وقوله : (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) البقرة/79 : هو كقوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً) البقرة/41 ، والثمن المقصود هنا هو : إرضاء العامة ، بأن غيّروا لهم أحكام الدين على ما يوافق أهواءهم ، أو انتحال العلم لأنفسهم مع أنهم جاهلون ، فوضعوا كتباً تافهة من القصص ، والمعلومات البسيطة ليتفيهقوا بها في المجامع ؛ لأنهم لما لم تصل عقولهم إلى العلم الصحيح ، وكانوا قد طمعوا في التصدر والرئاسة الكاذبة : لفقوا نتفاً سطحية ، وجمعوا موضوعات ، وفراغات لا تثبت على محك العلم الصحيح ، ثم أشاعوها ، ونسبوها إلى الله ، ودينه ، وهذه شنشنة الجهلة ، المتطلعين إلى الرئاسة عن غير أهلية ، ليظهروا في صور العلماء لدى أنظار العامة ، ومن لا يميز بين الشحم والورَم" انتهى .
    " التحرير والتنوير " ( 1 / 577 ) .

    وقال القرطبي رحمه الله :

    "وقد اختلف العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، والعلم ؛ لهذه الآية ، وما كان في معناها ، فمنع ذلك الزهري ، وأصحاب الرأي [الأحناف] ، وقالوا : لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ؛ لأن تعليمه واجب من الواجبات التي يحتاج فيها إلى نية التقرب والإخلاص ، فلا يؤخذ عليها أجرة ، كالصلاة ، والصيام ، وقد قال تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً) . وأجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن : مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو ثور ، وأكثر العلماء ؛ لقوله عليه السلام في حديث ابن عباس حديث الرقية : (إِنَّ أحقَّ مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أَجْراً كِتَابُ الله) أخرجه البخاري ، وهو نص يرفع الخلاف ، فينبغي أن يعوَّل عليه .
    وأما ما احتج به المخالف من القياس على الصلاة ، والصيام : ففاسد ؛ لأنه في مقابلة النص ، ثم إن بينهما فرقاناً ، وهو أن الصلاة والصوم عبادات مختصة بالفاعل ، وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المعلِّم ، فتجوز الأجرة على محاولته النقل ، كتعليم كتابة القرآن .

    وأما الجواب عن الآية :
    فالمراد بها : بنو إسرائيل ، وشرع من قبلنا هل هو شرع لنا ؟ ، فيه خلاف ، وهو لا يقول به [يعني : أبا حنيفة رحمه الله] .
    جواب ثان : وهو أن تكون الآية فيمن تعين عليه التعليم ، فأبى حتى يأخذ عليه أجراً ، فأما إذا لم يتعين : فيجوز له أخذ الأجرة ، بدليل السنَّة في ذلك ، وقد يتعين عليه إلا أنه ليس عنده ما ينفقه على نفسه ، ولا على عياله ، فلا يجب عليه التعليم ، وله أن يُقبل على صنعته ، وحرفته ، ويجب على الإمام أن يعيِّن لإقامة الدين إعانته ، وإلا فعلى المسلمين ؛ لأن الصدِّيق رضي الله عنه لمَّا ولي الخلافة وعُيِّن لها : لم يكن عنده ما يقيم به أهله ، فأخذ ثياباً وخرج إلى السوق فقيل له في ذلك ، فقال : ومن أين أنفق على عيالي ؟ فردوه ، وفرضوا له كفايته .
    وأما الأحاديث [يعني التي تمنع ذلك] : فليس شيء منها يقوم على ساق ، ولا يصح منها شيء عند أهل العلم بالنقل ، - وشرع في نقدها - .
    وليس في الباب حديث يجب العمل به من جهة النقل" انتهى باختصار .
    " تفسير القرطبي " ( 1 / 335 ، 336 ) .
    2. وأما قوله تعالى : ( اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون ) يس/ 21 ومثيلاتها من الآيات : فقد استدل بها بعض العلماء على المنع من أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، والعلم الشرعي ، وأن هذا هو صفة المرسلين ، وأتباعهم ، والمنازعة في هذا الاستدلال حاصلة لا تُنكر ، وذلك بحمل الآية على من تعيَّن عليه تبليغ الدعوة ، وتعليم العلم ، دون من لم يتعين عليه ذلك ، كما يمكن حمل الآية وأخواتها على كراهة أخذ الأجرة على ذلك التعليم لمن كان غير محتاج ، وهو ما ذهب إليه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، فإنه ساق عدداً من الآيات التي تحمل معنى هذه الآية ، ثم قال :
    "ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة : أن الواجب على أتباع الرسل من العلماء ، وغيرهم : أن يبذلوا ما عندهم من العلم مجاناً ، من غير أخذ عوَض على ذلك ، وأنه لا ينبغي أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله تعالى ، ولا على تعليم العقائد ، والحلال والحرام" انتهى .
    " أضواء البيان " ( 2 / 179 ) .
    ثم قال :
    "الذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - : أن الإنسان إذا لم تدعه الحاجة الضرورية : فالأولى له ألا يأخذ عوضاً على تعليم القرآن ، والعقائد ، والحلال والحرام ؛ للأدلة الماضية ، وإن دعته الحاجة : أخذ بقدر الضرورة ، من بيت مال المسلمين ؛ لأن الظاهر أن المأخوذ من بيت المال من قبيل الإعانة على القيام بالتعليم ، لا من قبيل الأجرة .
    والأولى لمن أغناه الله : أن يتعفف عن أخذ شيءٍ في مقابل التعليم للقرآن ، والعقائد ، والحلال والحرام" انتهى .
    " أضواء البيان " ( 2 / 182 ) .

    وهذا الذي اختاره الشيخ الشنقيطي رحمه الله ، قد اختاره من قبله شيخ الإسلام ابن تيمية .

    فقد سئل رحمه الله عن رجل امتنع من تعليم العلم الشرعي إلا بأجرة ، فهل يجوز له ذلك ؟
    فأجاب : "الحمد لله ، أما تعليم القرآن والعلم بغير أجرة فهو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام ، ليس هذا مما يخفى على أحد ممن نشأ بديار الإسلام ، والصحابة والتابعون وتابعو التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه إنما كانوا يعلمون بغير أجرة ، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلا .
    (فإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر) والأنبياء صلوات الله عليهم إنما كانوا يعلمون العلم بغير أجرة ، كما قال نوح عليه السلام : (وما أسألكم عليه من أجر أن أجرى إلا على رب العالمين) وكذلك قال هود وصالح وشعيب ولوط وغيرهم ، وكذلك قال خاتم الرسل : (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ) وقال : (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) .
    وتعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك بغير أجرة لم يتنازع العلماء في أنه عمل صالح ، بل هو من فروض الكفاية ، كما قال النبي في الحديث الصحيح : (بلغوا عنى ولو آية) وقال : (ليبلغ الشاهد الغائب) .
    وإنما تنازع العلماء في جواز الاستئجار على تعليم القرآن والحديث والفقه على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد .

    إحداهما : وهو مذهب أبى حنيفة وغيره ، أنه لا يجوز الاستئجار على ذلك
    .
    والثانية : وهو قول الشافعي أنه يجوز الاستئجار .
    وفيها قول ثالث في مذهب أحمد : أنه يجوز مع الحاجة دون الغنى ، كما قال تعالى في ولي اليتيم : (وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) .
    ويجوز أن يعطى هؤلاء من مال المسلمين على التعليم ، كما يعطى الأئمة والمؤذنون والقضاة ، وذلك جائز مع الحاجة .
    وهل يجوز الارتزاق مع الغنى؟ على قولين للعلماء ...
    ومأخذ العلماء في عدم جواز الاستئجار على هذا النفع : أن هذه الأعمال يختص أن يكون فاعلها من أهل القُرَب بتعليم القرآن والحديث والفقه والإمامة والأذان لا يجوز أن يفعله كافر ، ولا يفعله إلا مسلم بخلاف النفع الذي يفعله المسلم والكافر كالبناء والخياط والنسج ونحو ذلك ، وإذا فعل العمل بالأجرة لم يبق عبادة لله ، فإنه يبقى مستحقا بالعوض ، معمولاً لأجله ، والعمل إذا عمل للعوض لم يبق عبادة كالصناعات التي تعمل بالأجرة ، فمن قال : لا يجوز الاستئجار على هذه الأعمال قال : إنه لا يجوز إيقاعها على غير وجه العبادة لله ، كما لا يجوز إيقاع الصلاة والصوم والقراءة على غير وجه العبادة لله ، والاستئجار يخرجها عن ذلك.
    ومن جوز ذلك قال : إنه نفع يصل إلى المستأجر فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر المنافع .
    ومن فَرّق بين المحتاج وغيرهِ وهو أقرب قال : المحتاج إذا اكتسب بها أمكنه أن ينوي عملها لله ، ويأخذ الأجرة ليستعين بها على العبادة ، فإن الكسب على العيال واجب أيضا ، فيؤدي الواجبات بهذا ، بخلاف الغني لأنه لا يحتاج إلى الكسب ، فلا حاجة تدعوه أن يعملها لغير الله ، بل إذا كان الله قد أغناه ، وهذا فرض على الكفاية ، كان هو مخاطبا به ، وإذا لم يقم إلا به كان ذلك واجبا عليه عينا ، والله أعلم" انتهى باختصار .
    "مجموع الفتاوى" (30/204) .
    وعلى هذا ، فيمكن القول : إنه ليس هناك دليل من الكتاب والسنَّة ينص على تحريم أخذ الأجرة على العبادة متعدية النفع لغير فاعلها ، فأما الآيات : فكما رأينا فإنها ليست نصّاً في الحكم ، وفي الاستدلال بها نزاع ، وأما الأحاديث : فهي ضعيفة السند ، ويمكن التحقق من ذلك بالنظر فيما أحلنا عليه من تفسير القرطبي .
    مع التنبيه على أن الأفضل لمن أغناه الله تعالى أن يتنزه عن أخذ شيء من متاع الدنيا مقابل بذل ما أنعم الله تعالى به عليه من العلم الشرعي . اهــ .

    إن مرت الايام ولم تروني فهذه مشاركاتي فـتذكروني ، وان غبت ولم تجدوني أكون وقتها بحاجة للدعاء فادعولي .

    تعليق


    • #3
      رد: ورد في السلسله الصحيحة للألباني حديث عن حرمة أخذ الأجر عن تعليم القرآن فما صحته وهل الأجر خبيث؟

      وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن ؟فأجاب بقوله :قراءة القرآن بالأجرة حرام،لأن قراءة القرآن عمل صالح ،والعمل الصالح لا يجوز أن يتخذ وسيلة للدنيا ، فإن اتخذ وسيلة لها بطل ثوابه لقوله تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ في الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (1) . وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " (2) . فقاريء القرآن لأخذ الأجرة ليس له ثواب عند الله وعلى هذا فلا ينتفع الميت بقراءته .



      __________
      (1) سورة هود ، الآيتان : 15 ، 16 .
      (2) أخرجه البخاري : كتاب الإيمان / باب ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة ، ومسلم : كتاب الإمارة / باب قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنما الأعمال بالنيات " .
      مجموع فتاوى ورسائل العثيمين رحمه الله (كتاب الصلاة) "الأذان والإقامة"
      نشر : دار الوطن - دار الثريا

      إن مرت الايام ولم تروني فهذه مشاركاتي فـتذكروني ، وان غبت ولم تجدوني أكون وقتها بحاجة للدعاء فادعولي .

      تعليق


      • #4
        رد: ورد في السلسله الصحيحة للألباني حديث عن حرمة أخذ الأجر عن تعليم القرآن فما صحته وهل الأجر خبيث؟

        جزاكم الله كل خير
        تم نقله للقسم المناسب

        دخول متقطع لظروف الإجازة
        اللهم احفظ أهلنا في غزة

        تعليق


        • #5
          رد: ورد في السلسله الصحيحة للألباني حديث عن حرمة أخذ الأجر عن تعليم القرآن فما صحته وهل الأجر خبيث؟

          جزاكم الله خيرا

          تعليق

          يعمل...
          X