بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد
الاقناع أسلوب دعوة في القرآن الكريم (ما فيش بديل)
[المصدر: إسلام ويب بتلخيصٍ وتصرف]
إذاكانت النظرية الإعلامية البشرية تقول:
إن الرسالة الإعلامية ينبغي أن تتجانس مع مستقبلها، وإنها تؤثر على مستقبل معين دون أن تؤثر على مستقبل آخر ذي خصائص مختلفة، فإن الإعجاز الإعلامي للقرآن يقدم إطاراً من نوع آخر،فالقرآن يخاطب كل البشر، الغني والفقير، والمتعلم وغير المتعلم، كما يخاطب كل الأجناس،
فالمؤمن غير المستقر، لظرف ما، إذا سمع القرآن عاد إلى حالة ملائمة، وكذلك الحال للمتعلم وغير المتعلم، والرجل والمرأة، العجوز والشاب... إلخ.
أي أنهم يتأثرون بشدة رغم اختلاف الثقافة والبيئة واللغة والحالة النفسية، أي أن القرآن يخاطب في البشر ما لا يعلمه البشر بدقة،ويعلمه الله، فالله يخاطب في النـفس ملكات يعلمها، وتتأثر به، ونحن نفسرهذه الأمور وفقاً لعلمنا المحدود
محمد علي العويني، الإعلام الإسلامي الدولي بين النظرية والتطبيق، ط2 ( القاهرة:1986م) ص191
إن القرآن الكريم يُعتبر رسالة إقناعية
خاطبت العقل البشري من خلال استراتيجيات محددة وأساليب إقناعية معروفة في عالم اليوم..
وبهذا فإنه مثلما سبق القرآن الكريم الاكتشافات العلمية الحديثة بعشرات القرون، فهو أيضاً يسبق مرتكزات النظرية الإعلامية بذات القدر
القرآن والاستراتيجية الدينامية النفسية للإقناع
إن جوهر الاستراتيجية الدينامية النفسية
هو استخدام رسالة إعلامية فعالة، لها القدرة على تغيير الوظائف النفسية للأفراد حتى يستجيبوا لهدف القائم بالاتصال، أي أن مفتاح الإقناع يكمن في تعلم جديد من خلال معلومات يقدمها القائم بالاتصال حتى يتغير البناء النفسي الداخلي للفرد المستهدف (الاحتياجات - المخاوف - التصرفات) مما يؤدي إلى السلوك العلني المرغوب فيه.
فمن بين المداخل المختلفة للإقناع:
محاولة التغيير في البناءالنفسي للفرد، بإثارة حاجياته أو دوافعه أو اتجاهاته، ومن ضمن الأنواع الشـائعة في هذا المجال هو إثارة توقعات المتلقي بأن قيامه بسلوك معين سـوف يجنبه أخطاراً ما أو حرماناً، أو يؤدي إلى فقدانه القبول الاجتماعي.
حيث يركز المحتوى في هذه الحالة على الأخطار أو النتائج غير المرغوبة إذا لم يستجب المتلقي لتوصيات الرسالة الإقناعية.
وفي القرآن الكريم تقع آيات الترغيب والترهيب ضمن هذه الاستراتيجية
وهي كثيرةجداً، غالبة، طاغية، ومقصدها الزجر من ارتكاب محظور، أو الحث على امتثال مأمور، وغاية الكل صلاح الفرد وفوزه ونجاته من النار، قال تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْءانَ يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا *وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا"[الإسراء:9-10]
أمثلة لبعض الآيات التي توضح أسلوب الترغيب والتهديد على سبيل المثال لا الحصر
أ- قوله تعالى : "وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ،فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ "[البقرة:23-24.]
"في هذه الآية تقرير لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتحد من الله تعالى للكافرين أن يأتوا بمـثل هـذا القرآن أو ببعضه، فإن عجزوا - والحال أنـهم سيعجزون - فالنار مثواهم، فهو تهديد ووعيد لهم" أبو الفداء الحافظ إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم ( بيروت: دار الفكر، 1412هـ- 1992م)1/ 92
وبمراجعة مرتكزات الاسـتراتيجية الدينامـية النفسـية نجـد أن هـذه الآيات توضـح الأخـطار أو النـتائج إذا لـم يستجب المتلقي لتوصيات الرسالة
ب- قولـه تعالى: "يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوالِكُمْ لاَتَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ"[البقرة:278-279.]
جاءت هذه الآيات لترهيب الناس من أكل الربا، قال ابن كثير: أي اتركوا مالكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال بعد هـذا الإنذار(المرجع السابق، 1/449.
).. فهذه الآية تحاول تغيير البناء النفسي للمجتمع من خلال إثارة الفرد عبر حاجاته أو دوافعه، فهي تطلب من المؤمنين القيام بسلوك معين حتى يتجنبوا أخطاراً معينة.
جـ- قولـه تعالى: "فَقُلْنَا يا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظمأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى"[طه:117-119]
فالأثر المترتب على إصغاء آدم إلى إبليس هو الشقاء المتمثل في التعب في طلب القوت، الذيي سعى له وحده دون امرأته (أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (بيروت: دار الفكر، بدون تاريخ) 3/175).
فالجانب النفسي في هذه الآيات يخاطب الاحتياجات بهدف الوصول إلى سلوك علني مرغوب فيه.
د- قولـه تعالى: "وَيا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ"[هود:89]
معنى الآية كما قال ابن كثير: أي لا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصـرار على ما أنتم عـليه من الكفر والفساد فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح وهود وقوم لوط (أبو الفداء الحافظ إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم)
- النقمة والعذاب - وبما أن هؤلاء القوم يعرفون ما حدث للأقوام المذكورين، ففي هذا بعد دينامي نفسي
والأمرالجدير بالملاحظة
أن الآيات القرآنية التي تعـمل على إثارة التوتر العاطفي نتيـجة استمالات التهديد أو التخويف، تـتضمن في الوقت ذاته التوصيات التي يمكن بمقتضاها تجنب الفرد مصـادر هـذا التـهديد. ومن خـلال تجـريب هـذه التوصيات وتدعيمها، فإنها تتحول إلى عادات سلوكية تتفق مع أهداف القائم بالاتصال، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا جوهر الاستراتيجية الدينامية النفسية للإقناع.
القرآن والاستراتيجية الثقافية الاجتماعية للإقناع
المدخل الثاني للإقناع يركز على العلاقات الاجتماعية،ودافعية الانتماء، وحرص الفرد على تقدير الجمـيع له، بحيث تجعله يتـجنب السـلوك الذي لا ترضى عنه الجماعة، ويستجيب إلى السلوك الذي يتوافق مع المعايير الاجتماعية التي تتمثل في القيم والتقاليد والأعراف التي تحدد معايير السلوك لدى الجماعة والمجتمع وخصائصه الثقافية
وفي القرآن الكريم اقترنت هذه الاستراتيجية بمعجزات الرسل، عليهم السلام
حيث كانت هذه المعجزات تتفق مع القيم والعادات والأعراف التي كانت سائدة في مجتمع كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه،
فكان الغالب على زمان موسى عليهالسلام السحر وتعظيم السحرة
فبعثه الله بمعجزات بهرت الأبصار، وحيرت كل السحرة، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام، وصاروا من عباد الله الأبرار..
وأما عيسى عليه السلام فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة
فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيداً من الذي شرع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه والأبرص، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد..
وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعث في زمان البلغاء والفصحاء
وتجاريد الشعراء،فأتاهم بكتاب من الله عز وجل، لو اجتمعت الإنـس والجن على أن يأتوا بمثله،أو بعَشر سور من مثله أو بسورة من مثله، لم يستطيعوا أبداً وإن كان بعضهم لبعضٍ ظهيـراً، وما ذاك إلا لأن كلام الرب عز وجل لا يشبه كلام الخلق أبداً
(أبو الفداء الحافظ إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم)
ويقع ضمن نطاق الاستراتيجية الثقافية والاجتماعية في القرآن الكريم التدرج في التشريع
ومثال لذلك تدرج الأحكام في تحريم الخمر، قال تعالى "يَسْـأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبيّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" (البقرة:219)
وقال تعالى: "يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى"النساء: 43 وأخيراً قوله تعالى: "يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَلأْنصَابُ وَالأْزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ"[المائدة:90-91]
القرآن الكريم واستراتيجية إنشاء المعاني
إن وسائل الإعلام الجماهيرية تستخدم في إنشاء ودعم الصور الذهنية من خلال مصادر غير محددة للمعلومات، والتي تصوغ معاني جديدة، أو تبدل المعاني التي خبرها الناس عن كل شيء، وهذا هو جوهر استراتيجية إنشاء المعاني كمرتكز ثالث للإقناع في الرسالة الإعلامية
وفي القرآن الكريم نجد استخداماً واسعاً لهذه الاستراتيجية
خاصة وأن الإسلام جاء لتغيير مجتمع كان يعيش في جهل وتخلف ويحتاج إلى صياغة جديدة تقوم على قيم فاضلة وأخلاق حميدة ومثل وسلوكيات يجب أن تتبع، وكان التغيير بحاجة إلى إنشاء معانٍ جديدة وتغيير معانٍ أخرى راسخة
وفي القرآن الكريم آيات كثيرةجاءت في هذا السياق منها على سبيل المثال
1- قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ راعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[البقرة:104]
قال ابن كثير: نهى الله عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، ذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص عليهم،فإذا أرادوا أن يقولوا اسمع لنا يقولوا: راعنا، ويورون بالرعونة كما قال تعالى: "مّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ... " (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم)
ففي هذه الآية يدعو الله سبحانه وتعالى عباده إلى استخدام معانٍ جديدة بدلاً من تلك المستخدمة، خاصةً وأن المعنى المنهي عنه يحمل أكثر من معنى عند استخدامه من قبل اليهود.
2- ومن ذلك قولـه تعالى: "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا"(البقرة:158)، جاء في سبب نزولها عن عاصم قال: سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة، فقال كانا من شعائر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكوا عنهما فنزلت الآية (أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، أحكام القرآن، تحقيق علي محمدالبجاوي (بيروت: دار الفكر، بدون تاريخ نشر) القسم الأول، ص64)
وفي هذا تغيير للمعاني، فشعائر الإسلام تختلف في معانيها عن تلك التي كانت تمارس في الجاهلية، وفي ذلك تصحيح للمفاهيم التي كانت سائدة في الجاهلية، ودفع للحرج عن المسلمين.
3- ومن ذلك قولـه تعالـى: "وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ"(الأحزاب:4)،
قال ابن كثيـر: نزلت هـذه الآية في شـأن زيد ابن حارثة رضي الله عنهما مولى النبي صلىالله عليه وسلم.. كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه قبل النبوة، فكان يُقال له: زيد بن محمد، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة، بقوله تعالى: "وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ" ابن كثير، تفسير القرآن العظيم"
وفي ذلك إنشاء لمعان جديدة تقود إلى اتباع سلوك جديد.
أما بعد
الاقناع أسلوب دعوة في القرآن الكريم (ما فيش بديل)
[المصدر: إسلام ويب بتلخيصٍ وتصرف]
إذاكانت النظرية الإعلامية البشرية تقول:
إن الرسالة الإعلامية ينبغي أن تتجانس مع مستقبلها، وإنها تؤثر على مستقبل معين دون أن تؤثر على مستقبل آخر ذي خصائص مختلفة، فإن الإعجاز الإعلامي للقرآن يقدم إطاراً من نوع آخر،فالقرآن يخاطب كل البشر، الغني والفقير، والمتعلم وغير المتعلم، كما يخاطب كل الأجناس،
فالمؤمن غير المستقر، لظرف ما، إذا سمع القرآن عاد إلى حالة ملائمة، وكذلك الحال للمتعلم وغير المتعلم، والرجل والمرأة، العجوز والشاب... إلخ.
أي أنهم يتأثرون بشدة رغم اختلاف الثقافة والبيئة واللغة والحالة النفسية، أي أن القرآن يخاطب في البشر ما لا يعلمه البشر بدقة،ويعلمه الله، فالله يخاطب في النـفس ملكات يعلمها، وتتأثر به، ونحن نفسرهذه الأمور وفقاً لعلمنا المحدود
محمد علي العويني، الإعلام الإسلامي الدولي بين النظرية والتطبيق، ط2 ( القاهرة:1986م) ص191
إن القرآن الكريم يُعتبر رسالة إقناعية
خاطبت العقل البشري من خلال استراتيجيات محددة وأساليب إقناعية معروفة في عالم اليوم..
وبهذا فإنه مثلما سبق القرآن الكريم الاكتشافات العلمية الحديثة بعشرات القرون، فهو أيضاً يسبق مرتكزات النظرية الإعلامية بذات القدر
القرآن والاستراتيجية الدينامية النفسية للإقناع
إن جوهر الاستراتيجية الدينامية النفسية
هو استخدام رسالة إعلامية فعالة، لها القدرة على تغيير الوظائف النفسية للأفراد حتى يستجيبوا لهدف القائم بالاتصال، أي أن مفتاح الإقناع يكمن في تعلم جديد من خلال معلومات يقدمها القائم بالاتصال حتى يتغير البناء النفسي الداخلي للفرد المستهدف (الاحتياجات - المخاوف - التصرفات) مما يؤدي إلى السلوك العلني المرغوب فيه.
فمن بين المداخل المختلفة للإقناع:
محاولة التغيير في البناءالنفسي للفرد، بإثارة حاجياته أو دوافعه أو اتجاهاته، ومن ضمن الأنواع الشـائعة في هذا المجال هو إثارة توقعات المتلقي بأن قيامه بسلوك معين سـوف يجنبه أخطاراً ما أو حرماناً، أو يؤدي إلى فقدانه القبول الاجتماعي.
حيث يركز المحتوى في هذه الحالة على الأخطار أو النتائج غير المرغوبة إذا لم يستجب المتلقي لتوصيات الرسالة الإقناعية.
وفي القرآن الكريم تقع آيات الترغيب والترهيب ضمن هذه الاستراتيجية
وهي كثيرةجداً، غالبة، طاغية، ومقصدها الزجر من ارتكاب محظور، أو الحث على امتثال مأمور، وغاية الكل صلاح الفرد وفوزه ونجاته من النار، قال تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْءانَ يِهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا *وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا"[الإسراء:9-10]
أمثلة لبعض الآيات التي توضح أسلوب الترغيب والتهديد على سبيل المثال لا الحصر
أ- قوله تعالى : "وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ،فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ "[البقرة:23-24.]
"في هذه الآية تقرير لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتحد من الله تعالى للكافرين أن يأتوا بمـثل هـذا القرآن أو ببعضه، فإن عجزوا - والحال أنـهم سيعجزون - فالنار مثواهم، فهو تهديد ووعيد لهم" أبو الفداء الحافظ إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم ( بيروت: دار الفكر، 1412هـ- 1992م)1/ 92
وبمراجعة مرتكزات الاسـتراتيجية الدينامـية النفسـية نجـد أن هـذه الآيات توضـح الأخـطار أو النـتائج إذا لـم يستجب المتلقي لتوصيات الرسالة
ب- قولـه تعالى: "يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوالِكُمْ لاَتَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ"[البقرة:278-279.]
جاءت هذه الآيات لترهيب الناس من أكل الربا، قال ابن كثير: أي اتركوا مالكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال بعد هـذا الإنذار(المرجع السابق، 1/449.
).. فهذه الآية تحاول تغيير البناء النفسي للمجتمع من خلال إثارة الفرد عبر حاجاته أو دوافعه، فهي تطلب من المؤمنين القيام بسلوك معين حتى يتجنبوا أخطاراً معينة.
جـ- قولـه تعالى: "فَقُلْنَا يا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظمأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى"[طه:117-119]
فالأثر المترتب على إصغاء آدم إلى إبليس هو الشقاء المتمثل في التعب في طلب القوت، الذيي سعى له وحده دون امرأته (أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (بيروت: دار الفكر، بدون تاريخ) 3/175).
فالجانب النفسي في هذه الآيات يخاطب الاحتياجات بهدف الوصول إلى سلوك علني مرغوب فيه.
د- قولـه تعالى: "وَيا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ"[هود:89]
معنى الآية كما قال ابن كثير: أي لا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصـرار على ما أنتم عـليه من الكفر والفساد فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح وهود وقوم لوط (أبو الفداء الحافظ إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم)
- النقمة والعذاب - وبما أن هؤلاء القوم يعرفون ما حدث للأقوام المذكورين، ففي هذا بعد دينامي نفسي
والأمرالجدير بالملاحظة
أن الآيات القرآنية التي تعـمل على إثارة التوتر العاطفي نتيـجة استمالات التهديد أو التخويف، تـتضمن في الوقت ذاته التوصيات التي يمكن بمقتضاها تجنب الفرد مصـادر هـذا التـهديد. ومن خـلال تجـريب هـذه التوصيات وتدعيمها، فإنها تتحول إلى عادات سلوكية تتفق مع أهداف القائم بالاتصال، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا جوهر الاستراتيجية الدينامية النفسية للإقناع.
القرآن والاستراتيجية الثقافية الاجتماعية للإقناع
المدخل الثاني للإقناع يركز على العلاقات الاجتماعية،ودافعية الانتماء، وحرص الفرد على تقدير الجمـيع له، بحيث تجعله يتـجنب السـلوك الذي لا ترضى عنه الجماعة، ويستجيب إلى السلوك الذي يتوافق مع المعايير الاجتماعية التي تتمثل في القيم والتقاليد والأعراف التي تحدد معايير السلوك لدى الجماعة والمجتمع وخصائصه الثقافية
وفي القرآن الكريم اقترنت هذه الاستراتيجية بمعجزات الرسل، عليهم السلام
حيث كانت هذه المعجزات تتفق مع القيم والعادات والأعراف التي كانت سائدة في مجتمع كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه،
فكان الغالب على زمان موسى عليهالسلام السحر وتعظيم السحرة
فبعثه الله بمعجزات بهرت الأبصار، وحيرت كل السحرة، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام، وصاروا من عباد الله الأبرار..
وأما عيسى عليه السلام فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة
فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيداً من الذي شرع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه والأبرص، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد..
وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعث في زمان البلغاء والفصحاء
وتجاريد الشعراء،فأتاهم بكتاب من الله عز وجل، لو اجتمعت الإنـس والجن على أن يأتوا بمثله،أو بعَشر سور من مثله أو بسورة من مثله، لم يستطيعوا أبداً وإن كان بعضهم لبعضٍ ظهيـراً، وما ذاك إلا لأن كلام الرب عز وجل لا يشبه كلام الخلق أبداً
(أبو الفداء الحافظ إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم)
ويقع ضمن نطاق الاستراتيجية الثقافية والاجتماعية في القرآن الكريم التدرج في التشريع
ومثال لذلك تدرج الأحكام في تحريم الخمر، قال تعالى "يَسْـأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبيّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" (البقرة:219)
وقال تعالى: "يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى"النساء: 43 وأخيراً قوله تعالى: "يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَلأْنصَابُ وَالأْزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ"[المائدة:90-91]
القرآن الكريم واستراتيجية إنشاء المعاني
إن وسائل الإعلام الجماهيرية تستخدم في إنشاء ودعم الصور الذهنية من خلال مصادر غير محددة للمعلومات، والتي تصوغ معاني جديدة، أو تبدل المعاني التي خبرها الناس عن كل شيء، وهذا هو جوهر استراتيجية إنشاء المعاني كمرتكز ثالث للإقناع في الرسالة الإعلامية
وفي القرآن الكريم نجد استخداماً واسعاً لهذه الاستراتيجية
خاصة وأن الإسلام جاء لتغيير مجتمع كان يعيش في جهل وتخلف ويحتاج إلى صياغة جديدة تقوم على قيم فاضلة وأخلاق حميدة ومثل وسلوكيات يجب أن تتبع، وكان التغيير بحاجة إلى إنشاء معانٍ جديدة وتغيير معانٍ أخرى راسخة
وفي القرآن الكريم آيات كثيرةجاءت في هذا السياق منها على سبيل المثال
1- قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ راعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[البقرة:104]
قال ابن كثير: نهى الله عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، ذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص عليهم،فإذا أرادوا أن يقولوا اسمع لنا يقولوا: راعنا، ويورون بالرعونة كما قال تعالى: "مّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ... " (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم)
ففي هذه الآية يدعو الله سبحانه وتعالى عباده إلى استخدام معانٍ جديدة بدلاً من تلك المستخدمة، خاصةً وأن المعنى المنهي عنه يحمل أكثر من معنى عند استخدامه من قبل اليهود.
2- ومن ذلك قولـه تعالى: "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا"(البقرة:158)، جاء في سبب نزولها عن عاصم قال: سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة، فقال كانا من شعائر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكوا عنهما فنزلت الآية (أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، أحكام القرآن، تحقيق علي محمدالبجاوي (بيروت: دار الفكر، بدون تاريخ نشر) القسم الأول، ص64)
وفي هذا تغيير للمعاني، فشعائر الإسلام تختلف في معانيها عن تلك التي كانت تمارس في الجاهلية، وفي ذلك تصحيح للمفاهيم التي كانت سائدة في الجاهلية، ودفع للحرج عن المسلمين.
3- ومن ذلك قولـه تعالـى: "وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ"(الأحزاب:4)،
قال ابن كثيـر: نزلت هـذه الآية في شـأن زيد ابن حارثة رضي الله عنهما مولى النبي صلىالله عليه وسلم.. كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه قبل النبوة، فكان يُقال له: زيد بن محمد، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة، بقوله تعالى: "وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ" ابن كثير، تفسير القرآن العظيم"
وفي ذلك إنشاء لمعان جديدة تقود إلى اتباع سلوك جديد.
4- ومن المعاني الجديدة الـتي جاء بـها الإسـلام، نجد قول الحق عز وجل: "لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"(المجادلة:22)
قال ابن كثير في معرض حديثه عن تطبيق الصحابة رضوان الله عليهم للإرشاد الوارد فيهذه الآية:... ومن هذا القبيل حين استشار الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في أسارى بدر، فأشار أبو بكر الصديق: أن يفادوا فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو العم والعشيرة ولعل الله تعالى أن يهديهم، فقال عمر: لا أرى ما رأى يارسول الله،
هل تمكني من فلان (قريب لعمر) فأقتله،وتمكن علياً من عقيل، وتمكن فلاناً من فلان، ليعلم الله أن ليست في قلوبنا مودة للمشركين(ابن كثير، تفسير القرآن العظيم)..
وكم نحن الآن بحاجة إلى هذه المعاني امتثالاً لأمرالله سبحانه وتعالى، وتنفيذاً لأحكامه.
إن سور القرآن الكريم وآياته تحمل جميعها خصائص الرسالة الإقناعية، سواء من خلال الاستراتيجية الدينامية النفسية، أو الثقافية الاجتماعية، أو إنشاء المعاني.. ولعل ماحاولنا إبرازه يأتي على سبيل المثال لا الحصر، فالقرآن الكريم رسالة اتصالية صممت كأساس للإقناع من خلال الطرح الرباني المتـكامل،
الذي لاتشـوبه شائبة أو ينقصه شيء، ونحن في القرن الحادي والعشرين علينا أن نستفيد من السياق الرباني لبعث الإسلام في نفوس المجتمعات المسلمة من جديد، وفينشر دعوة الله إلى العالـم كافة على أسـاس من الحجة والإقناع،
آخذين في الاعتبار حديث النبي صلى الله عليه وسلم، القائل: " مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"صحيح البخاري
قال ابن كثير في معرض حديثه عن تطبيق الصحابة رضوان الله عليهم للإرشاد الوارد فيهذه الآية:... ومن هذا القبيل حين استشار الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في أسارى بدر، فأشار أبو بكر الصديق: أن يفادوا فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو العم والعشيرة ولعل الله تعالى أن يهديهم، فقال عمر: لا أرى ما رأى يارسول الله،
هل تمكني من فلان (قريب لعمر) فأقتله،وتمكن علياً من عقيل، وتمكن فلاناً من فلان، ليعلم الله أن ليست في قلوبنا مودة للمشركين(ابن كثير، تفسير القرآن العظيم)..
وكم نحن الآن بحاجة إلى هذه المعاني امتثالاً لأمرالله سبحانه وتعالى، وتنفيذاً لأحكامه.
إن سور القرآن الكريم وآياته تحمل جميعها خصائص الرسالة الإقناعية، سواء من خلال الاستراتيجية الدينامية النفسية، أو الثقافية الاجتماعية، أو إنشاء المعاني.. ولعل ماحاولنا إبرازه يأتي على سبيل المثال لا الحصر، فالقرآن الكريم رسالة اتصالية صممت كأساس للإقناع من خلال الطرح الرباني المتـكامل،
الذي لاتشـوبه شائبة أو ينقصه شيء، ونحن في القرن الحادي والعشرين علينا أن نستفيد من السياق الرباني لبعث الإسلام في نفوس المجتمعات المسلمة من جديد، وفينشر دعوة الله إلى العالـم كافة على أسـاس من الحجة والإقناع،
آخذين في الاعتبار حديث النبي صلى الله عليه وسلم، القائل: " مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"صحيح البخاري
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولا تنسونا من صالح دعائكم
تعليق