العقيدة في الصحابة والخلافة والإمامة
مقالات للشيخ ياسر برهامي حفظه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
إن من المسائل الكبرى في أمور الاعتقاد: مسألة الاعتقاد في الصحابة -رضي الله عنهم-، صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته الكرام -رضوان الله عليهم-، وكذلك مسألة الخلافة والإمامة.
وحب الصحابة جزء من الإيمان بالله -تعالى-، وبالرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبالقرآن العظيم، وباليوم الآخر، فهو جزء من الإيمان بالله -تعالى-، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله)، فلا يكون هناك إيمان لمن يبغض من أحبهم الله، ولا لمن يحب من يبغضهم الله.
ومن الإيمان بالقرآن؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- بيَّن لنا في كتابه فضل الصحابة -رضي الله عنهم- ومنزلتهم، وبيَّن لنا وجوب مراعاة قرابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة حقهم، فقد قال -تعالى-: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم).
ومن الإيمان بالرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من سب صحباته، وشهد لأعداد منهم بالجنة، وبيَّن من منهم أفضل هذه الأمة، وأثنى عليهم، فمن كذّب ذلك فهو يكذِّب ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الجانب.
ومن الإيمان باليوم الآخر أيضاً؛ لأن من الإيمان باليوم الآخر الشهادة لمن شهد له الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، وثبت أنهم من أولياء الله -تعالى- بنص الكتاب والسنة، فهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وذلك يستوجب معرفة منزلتهم في الآخر كذلك، فمن اتهمهم بالكفر أو بالفسق أو أنهم في النار فهو ضالٌّ مضِلٌّ.
كما أن معرفة الخلافة والإمامة في هذه الأمة من أعظم أسباب نهضتها، ومن أعظم منا يحفز همم المسلمين على العمل للوصول إلى ما أوجب الله -تعالى- عليهم من إقامة الأمة الواحدة التي بها ينتشر الدين وينتصر ويجاهد في سبيل الله -تعالى-.
أضف إلى ذلك أن هذه المسألة هي من أكبر المسائل التي أدى الخلاف فيها إلى ظهور أكثر طوائف أهل البدع خطراً على المسلمين، ومن أكبرها عدداً، ومن أشدها عداوة لأهل السنة وهي طائفة الروافض أو الشيعة بأنواعها المختلفة، وأن هذا من أقدم الخلاف الذي ظهر، وكان اليهود من وراء هذه البدعة في الأصل، حيث ظهر عبد الله بن سبأ اليهودي الذي انتسب للإٍسلام ونافق، وكان هو أحد المحرضين على قتل عثمان -رضي الله عنه-، وأحد المنشبين للقتال والمخطط له في واقعة الجمل وواقعة الجمل وواقعة صفين بعد ذلك.
وهو الذي ابتدع بدعة الغلو في أهل البيت، حتى زعم -وصدَّقه على زعمه ذلك طائفة- أن علياً هو الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وحاول في ذلك ما حاوله اليهود في دين المسيح، حيث دخل ذلك اليهودي بولس إلى دين المسيح زاعماً انتسابه إلى النصرانية ثم ابتدع البدعة الفظيعة الكفرية وهي تأليه المسيح، وحاول هذا اليهودي عبد الله سبأ ذلك في علىٍّ، وتبعته طائفة وهم السبئية، وهي أول فئة شيعية غالية ظهرت في التاريخ في عهد علىّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- الذي طلب القبض على عبد الله بن سبأ هذا لما سمع بهذه المقالة الفظيعة، فهرب منه عبد الله بن سبأ، وأدرك علىّ أصحابه ودعاهم إلى الإسلام، وحذَّرهم من مغبة كفرهم حين اعتقدوا فيه الإلهية، ثم لما أصروا تولى قتلهم بنفسه -رضي الله عنه- حرقاً بالنار، وكان ذلك مما أخذ عليه، لكنه برر فعله بأنه وجد أمراً فظيعاً ما كان يتصوره أذهله وأنساه نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التعذيب بالنار، واستحسن في النهاية قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: (لو كنت أنا لم أحرِّقْهم لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تعذِّبوا بعذاب الله)، ولقتلتهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من بدَّل دينه فاقتلوه).
والعجب من أن هؤلاء القوم ظلُّوا على اعتقادهم الكفري رغم حرقهم، بل قالوا: (تيقنا أنك أنت الله، لأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار، وأنت تعذب بالنار). فظلوا على كفرهم ذلك.
يتبع بامر الله
تعليق