السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة مفتراة فى إسلام عمر رضى الله عنه
اعداد الشيخ على حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم لبيان حقيقة هذه القصة التي اشتهرت لى ألسنة الوعاظ والقصاص بما فيها من افتراءات، تجعل في يوم إسلام عمر قصة تقلده للسيف لقتل رسول الله ، وقصة ضرب زوج أخته، وقصة إدماء وجه أخته
تلك قصص واهية مركبة بعضها فوق بعض من داخل قصة إسلام عمر، فهي ظلمات بعضها فوق بعض
وإلى القارئ الكريم تخريج وتحقيق هذه القصة، ثم بيان الصحيح في إسلام عمر
أولاً متن القصة
يروى عن أنس بن مالك قال «خرج عمر متقلد السيف، فلقيه رجل من بني زهرة، فقال له أين تعمد يا عمر؟ فقال أريد أن أقتل محمدًا قال وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدًا ؟ قال فقال له عمر ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه، قال أفلا أدلك على العجب، إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه، قال فمشى عمر ذامرًا حتى أتاهما، وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب قال فلما سمع خباب بحس عمر توارى في البيت، فدخل عليهما فقال ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم ؟ قال وكانوا يقرأون طه، فقالا ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا، قال فلعلكما قد صبوتما، فقال له ختنه يا عمر إن كان الحق في غير دينك ؟ قال فوثب عمر على ختنه، فوطئه وطأً شديدًا، قال فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فقالت وهي غضبى وإن كان الحق في غير دينك ؟ إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله
فقال عمر أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه، قال وكان عمر يقرأ الكتب، فقالت أخته إنك رجس، وإنه لا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، قال فقام عمر فتوضأ، ثم أخذ الكتاب فقرأ «طه حتى انتهى إلى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري» قال فقال عمر دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر، خرج من البيت، فقال أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله ليلة الخميس اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بعمرو بن هشام وكان رسول الله في الدار التي في أصل الصفا قال فانطلق عمر، حتى أتى الدار، وعلى باب الدار حمزة وطلحة، وناس من أصحاب رسول الله ، فلما رأى حمزة وجل القوم من عمر فقال حمزة هذا عمر إن يرد الله بعمر خيرًا يسلم، فيتبع النبي ، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينًا
قال والنبي داخل يوحى إليه، قال فخرج رسول الله ، حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله عز وجل بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة، فهذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الإسلام أو الدين بعمر بن الخطاب، فقال عمر أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، وأسلم وقال أخرج يا رسول الله»
ثانيًا التخريج
القصة أخرجها البيهقي في «الدلائل» ، حيث قال «أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد، قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز، قال حدثنا محمد بن عبيد الله هو ابن يزيد الحناوي، قال حدثنا إسحاق بن يوسف يعني الأزرق، قال حدثنا القاسم بن عثمان البصري، عن أنس بن مالك قال فذكر القصة وأخرجها ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ، والدارقطني في «السنن» مختصرًا ح ، والطبراني في «الأوسط» ح مختصرًا
ثالثًا التحقيق
هذه القصة واهية، وعلتها القاسم بن عثمان أبو العلاء البصري ولقد انفرد بها عن أنس ولذلك قال الإمام الطبراني «لا تروى عن أنس إلا بهذا الإسناد تفرد بها القاسم» اهـ
قلت وأورده الإمام الذهبي في «الميزان» وقال «القاسم بن عثمان البصري عن أنس قال البخاري له أحاديث لا يتابع عليها ثم قال الذهبي حدّث عنه إسحاق الأزرق بقصة إسلام عمر وهي منكرة جدًا» اهـ
قلت وأورده الإمام العقيلي في «الضعفاء الكبير» وقال «القاسم بن عثمان، عن أنس، لا يتابع على حديثه، حدّث عنه إسحاق الأزرق أحاديث لا يتابع منها على شيء» اهـ
قلت وأقر الحافظ ابن حجر قول الإمام البخاري وقول الإمام العقيلي وحكم الإمام الذهبي على قصة إسلام عمر بأنها منكرة جدًا
رابعًا طريق آخر
وإلى القارئ الكريم قصة إسلام عمر وضربه لأخته يتخذها القصاص والوعاظ شاهدًا من حديث ثوبان لهذه القصة الواهية التي أوردناها آنفًا
القصة أخرجها الإمام الطبري في «المعجم الكبير» ح حيث قال «حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يزيد بن ربيعة ثنا أبو الأشعث عن ثوبان قال قال رسول الله «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب»، وقد ضرب أخته أول الليل وهي تقرأ «اقرأ باسم ربك الذي خلق» حتى ظن أنه قتلها ثم قام من السحر فسمع صوتها تقرأ «اقرأ باسم ربك الذي خلق» فقال والله ما هذا بشعر ولا همهمة، فذهب حتى أتى رسول الله فوجد بلالاً على الباب فدفع الباب فقال بلال من هذا ؟ فقال عمر بن الخطاب فقال حتى أستأذن لك على رسول الله ، فقال بلال يا رسول الله، عمر بالباب فقال رسول الله «إن يرد الله بعمر خيرًا أدخله في الدين» فقال لبلال «افتح»، وأخذ رسول الله بضبعيه فهزه فقال «ما الذي تريد؟» وما الذي جئت ؟ فقال له عمر اعرض عليّ الذي تدعو إليه، قال «تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله» فأسلم عمر مكانه وقال «أخرج»
خامسًا التحقيق
وهذه أيضًا قصة واهية لا تصلح للشواهد ولا المتابعات، بل تزيد القصة وهنًا على وهن، وعلتها يزيد بن ربيعة الرحبي
أورده الإمام البخاري في كتابه «التاريخ الكبير» ترجمة وقال «يزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي الدمشقي الصنعاني صنعاء دمشق عن أبي أسماء حديثه مناكير»
وأورده الإمام النسائي في «الضعفاء والمتروكين» ترجمة وقال «يزيد بن ربيعة، متروك الحديث»
فــائدة
قال الحافظ في «شرح النخبة» ص «ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه»
وأورده الإمام الدارقطني في «الضعفاء والمتروكين» ترجمة وقال «يزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي، من صنعاء دمشق» اهـ
فــائدة
يظن من لا دراية له بكتاب «الضعفاء والمتروكين» للإمام الدارقطني، بقوله الذي أوردناه في يزيد بن ربيعة، أن الدارقطني سكت عنه، ولا يدري أنه بمجرد ذكر اسمه في كتابه «الضعفاء والمتروكين» إجماع على تركه، كما جاء في «المقدمة» حيث قال الإمام البرقاني
«طالت محاورتي مع ابن حمكان لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث، فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات» اهـ
قلت وبهذا التحقيق تصبح القصة واهية بهذا الشاهد الذي لا يزيدها إلا وهنًا على وهن
فــائدة
أوردها الحافظ ابن كثير في «اختصار علوم الحديث» تنطبق تمام الانطباق على هذه القصة الواهية، لما فيها من متروكين، حيث نقل عن ابن الصلاح قوله «لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة، أن يكون حسنًا، لأن الضعف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات، يعني لا يؤثر كونه تابعًا أو متبوعًا، كرواية الكذابين والمتروكين» اهـ
سادسًا من الروايات الصحيحة في قصة إسلام عمر
لقد بوّب الإمام البخاري في «صحيحه» في كتاب «مناقب الأنصار» بابًا رقم إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتحت هذه الترجمة أخرج حديث فقال «حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو بن دينار سمعته قال قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما أسلم عمر، اجتمع الناس عند داره وقالوا صبأ عمر وأنا غلام فوق ظهر بيتي فجاء رجل عليه قباء من ديباج فقال قد صبأ عمر، فما ذاك ؟ فأنا له جار، قال فرأيت الناس تصدعوا عنه، فقلت من هذا ؟ قالوا العاص بن وائل» اهـ
وأورده الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» في إسلام عمر بن الخطاب قال ابن إسحاق وحدثني نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال لما أسلم عمر قال أي قريش أنقل للحديث ؟ فقيل له جميل بن معمر الجمحي فغدا عليه، قال عبد الله وغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت، حتى جاءه فقال له أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد ؟ قال فوالله، ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعته أنا، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش، وهم في أنديتهم حول الكعبة، ألا إن ابن الخطاب قد صبا، قال يقول عمر من خلفه كذب، ولكني قد أسلمت، وشهدتُّ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، قال وطلع فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا قال فبينما هم على ذلك، إذ أقبل شيخ من قريش عليه حُلَّةٌ حَبِرَةٌ وقميصُ مُوَشّى حتى وقف عليهم، فقال ما شأنكم ؟ فقالوا صبأ عمر، قال فمه، رجل اختار لنفسه أمرًا، فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا ؟ خلوا عن الرجل قال فوالله لكأنما كانوا ثوبًا كشط عنه، قال فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك ؟ قال ذاك أي بني، العاص بن وائل السهمي»
*وهذا إسناد جيد قوي، وهو يدل على تأخر إسلام عمر، لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وكانت أحد في سنة ثلاث من الهجرة، وقد كان مميزًا يوم أسلم أبوه، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين، والله أعلم» اهـ
قلت وأورد هذه القصة أيضًا الحافظ ابن كثير في كتاب «السيرة النبوية» نقلاً عن ابن إسحاق، ثم ذكر هذا التحقيق، وكذا ابن هشام في السيرة النبوية ح نقلاً أيضًا عن ابن إسحاق، وكذا ابن الأثير في «أسد الغابة» نقلاً عن ابن إسحاق، وأخرجه الحاكم من طريق ابن إسحاق وقال «صحيح على شرط مسلم» ووافقه الذهبي، وهو كما بينا آنفًا، قال ابن كثير «وهذا إسناد جيد قوي» اهـ
قلت ويزداد قوة بأن البخاري أخرجه ح حيث قال «حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب، قال حدثني عمر بن محمد قال فأخبرني جدي زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال «بينما هو في الدار خائفًا إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو عليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية فقال ما بالك ؟ قال زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت قال لا سبيل إليك، بعد أن قالها أمنت فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي فقال أين تريدون ؟ فقالوا نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ قال لا سبيل إليه، فكرّ الناس» اهـ
قلت بهذا التحقيق يتبين الصحيح من السقيم في قصة إسلام عمر رضي الله عنه؛ فكم من قصص واهية وضعت في يوم إسلام عمر، كما بيّنا آنفًا في هذه القصة الواهية المركبة من قصص واهيات، ومن قبل قد بينا القصة الواهية الموضوعة في إسلام عمر، والتي جعلت عمر يخرج في مظاهرة في صفين حمزة في أحدهما، وعمر في الآخر، واتخذها من لا دراية لهم بالتخريج وأصول التحقيق دليلاً على مشروعية المظاهرات، وما تسبب عنها من أضرار في البلاد وقتل للعباد
هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد
منقول لأخ اسمه معاذ بن حسين
........
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
قصة مفتراة فى إسلام عمر رضى الله عنه
اعداد الشيخ على حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم لبيان حقيقة هذه القصة التي اشتهرت لى ألسنة الوعاظ والقصاص بما فيها من افتراءات، تجعل في يوم إسلام عمر قصة تقلده للسيف لقتل رسول الله ، وقصة ضرب زوج أخته، وقصة إدماء وجه أخته
تلك قصص واهية مركبة بعضها فوق بعض من داخل قصة إسلام عمر، فهي ظلمات بعضها فوق بعض
وإلى القارئ الكريم تخريج وتحقيق هذه القصة، ثم بيان الصحيح في إسلام عمر
أولاً متن القصة
يروى عن أنس بن مالك قال «خرج عمر متقلد السيف، فلقيه رجل من بني زهرة، فقال له أين تعمد يا عمر؟ فقال أريد أن أقتل محمدًا قال وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدًا ؟ قال فقال له عمر ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه، قال أفلا أدلك على العجب، إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه، قال فمشى عمر ذامرًا حتى أتاهما، وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب قال فلما سمع خباب بحس عمر توارى في البيت، فدخل عليهما فقال ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم ؟ قال وكانوا يقرأون طه، فقالا ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا، قال فلعلكما قد صبوتما، فقال له ختنه يا عمر إن كان الحق في غير دينك ؟ قال فوثب عمر على ختنه، فوطئه وطأً شديدًا، قال فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فقالت وهي غضبى وإن كان الحق في غير دينك ؟ إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله
فقال عمر أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه، قال وكان عمر يقرأ الكتب، فقالت أخته إنك رجس، وإنه لا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، قال فقام عمر فتوضأ، ثم أخذ الكتاب فقرأ «طه حتى انتهى إلى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري» قال فقال عمر دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر، خرج من البيت، فقال أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله ليلة الخميس اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بعمرو بن هشام وكان رسول الله في الدار التي في أصل الصفا قال فانطلق عمر، حتى أتى الدار، وعلى باب الدار حمزة وطلحة، وناس من أصحاب رسول الله ، فلما رأى حمزة وجل القوم من عمر فقال حمزة هذا عمر إن يرد الله بعمر خيرًا يسلم، فيتبع النبي ، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينًا
قال والنبي داخل يوحى إليه، قال فخرج رسول الله ، حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله عز وجل بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة، فهذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الإسلام أو الدين بعمر بن الخطاب، فقال عمر أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، وأسلم وقال أخرج يا رسول الله»
ثانيًا التخريج
القصة أخرجها البيهقي في «الدلائل» ، حيث قال «أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد، قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز، قال حدثنا محمد بن عبيد الله هو ابن يزيد الحناوي، قال حدثنا إسحاق بن يوسف يعني الأزرق، قال حدثنا القاسم بن عثمان البصري، عن أنس بن مالك قال فذكر القصة وأخرجها ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ، والدارقطني في «السنن» مختصرًا ح ، والطبراني في «الأوسط» ح مختصرًا
ثالثًا التحقيق
هذه القصة واهية، وعلتها القاسم بن عثمان أبو العلاء البصري ولقد انفرد بها عن أنس ولذلك قال الإمام الطبراني «لا تروى عن أنس إلا بهذا الإسناد تفرد بها القاسم» اهـ
قلت وأورده الإمام الذهبي في «الميزان» وقال «القاسم بن عثمان البصري عن أنس قال البخاري له أحاديث لا يتابع عليها ثم قال الذهبي حدّث عنه إسحاق الأزرق بقصة إسلام عمر وهي منكرة جدًا» اهـ
قلت وأورده الإمام العقيلي في «الضعفاء الكبير» وقال «القاسم بن عثمان، عن أنس، لا يتابع على حديثه، حدّث عنه إسحاق الأزرق أحاديث لا يتابع منها على شيء» اهـ
قلت وأقر الحافظ ابن حجر قول الإمام البخاري وقول الإمام العقيلي وحكم الإمام الذهبي على قصة إسلام عمر بأنها منكرة جدًا
رابعًا طريق آخر
وإلى القارئ الكريم قصة إسلام عمر وضربه لأخته يتخذها القصاص والوعاظ شاهدًا من حديث ثوبان لهذه القصة الواهية التي أوردناها آنفًا
القصة أخرجها الإمام الطبري في «المعجم الكبير» ح حيث قال «حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يزيد بن ربيعة ثنا أبو الأشعث عن ثوبان قال قال رسول الله «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب»، وقد ضرب أخته أول الليل وهي تقرأ «اقرأ باسم ربك الذي خلق» حتى ظن أنه قتلها ثم قام من السحر فسمع صوتها تقرأ «اقرأ باسم ربك الذي خلق» فقال والله ما هذا بشعر ولا همهمة، فذهب حتى أتى رسول الله فوجد بلالاً على الباب فدفع الباب فقال بلال من هذا ؟ فقال عمر بن الخطاب فقال حتى أستأذن لك على رسول الله ، فقال بلال يا رسول الله، عمر بالباب فقال رسول الله «إن يرد الله بعمر خيرًا أدخله في الدين» فقال لبلال «افتح»، وأخذ رسول الله بضبعيه فهزه فقال «ما الذي تريد؟» وما الذي جئت ؟ فقال له عمر اعرض عليّ الذي تدعو إليه، قال «تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله» فأسلم عمر مكانه وقال «أخرج»
خامسًا التحقيق
وهذه أيضًا قصة واهية لا تصلح للشواهد ولا المتابعات، بل تزيد القصة وهنًا على وهن، وعلتها يزيد بن ربيعة الرحبي
أورده الإمام البخاري في كتابه «التاريخ الكبير» ترجمة وقال «يزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي الدمشقي الصنعاني صنعاء دمشق عن أبي أسماء حديثه مناكير»
وأورده الإمام النسائي في «الضعفاء والمتروكين» ترجمة وقال «يزيد بن ربيعة، متروك الحديث»
فــائدة
قال الحافظ في «شرح النخبة» ص «ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه»
وأورده الإمام الدارقطني في «الضعفاء والمتروكين» ترجمة وقال «يزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي، من صنعاء دمشق» اهـ
فــائدة
يظن من لا دراية له بكتاب «الضعفاء والمتروكين» للإمام الدارقطني، بقوله الذي أوردناه في يزيد بن ربيعة، أن الدارقطني سكت عنه، ولا يدري أنه بمجرد ذكر اسمه في كتابه «الضعفاء والمتروكين» إجماع على تركه، كما جاء في «المقدمة» حيث قال الإمام البرقاني
«طالت محاورتي مع ابن حمكان لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث، فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات» اهـ
قلت وبهذا التحقيق تصبح القصة واهية بهذا الشاهد الذي لا يزيدها إلا وهنًا على وهن
فــائدة
أوردها الحافظ ابن كثير في «اختصار علوم الحديث» تنطبق تمام الانطباق على هذه القصة الواهية، لما فيها من متروكين، حيث نقل عن ابن الصلاح قوله «لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة، أن يكون حسنًا، لأن الضعف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات، يعني لا يؤثر كونه تابعًا أو متبوعًا، كرواية الكذابين والمتروكين» اهـ
سادسًا من الروايات الصحيحة في قصة إسلام عمر
لقد بوّب الإمام البخاري في «صحيحه» في كتاب «مناقب الأنصار» بابًا رقم إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتحت هذه الترجمة أخرج حديث فقال «حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو بن دينار سمعته قال قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما أسلم عمر، اجتمع الناس عند داره وقالوا صبأ عمر وأنا غلام فوق ظهر بيتي فجاء رجل عليه قباء من ديباج فقال قد صبأ عمر، فما ذاك ؟ فأنا له جار، قال فرأيت الناس تصدعوا عنه، فقلت من هذا ؟ قالوا العاص بن وائل» اهـ
وأورده الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» في إسلام عمر بن الخطاب قال ابن إسحاق وحدثني نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال لما أسلم عمر قال أي قريش أنقل للحديث ؟ فقيل له جميل بن معمر الجمحي فغدا عليه، قال عبد الله وغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت، حتى جاءه فقال له أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد ؟ قال فوالله، ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعته أنا، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش، وهم في أنديتهم حول الكعبة، ألا إن ابن الخطاب قد صبا، قال يقول عمر من خلفه كذب، ولكني قد أسلمت، وشهدتُّ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، قال وطلع فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا قال فبينما هم على ذلك، إذ أقبل شيخ من قريش عليه حُلَّةٌ حَبِرَةٌ وقميصُ مُوَشّى حتى وقف عليهم، فقال ما شأنكم ؟ فقالوا صبأ عمر، قال فمه، رجل اختار لنفسه أمرًا، فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا ؟ خلوا عن الرجل قال فوالله لكأنما كانوا ثوبًا كشط عنه، قال فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك ؟ قال ذاك أي بني، العاص بن وائل السهمي»
*وهذا إسناد جيد قوي، وهو يدل على تأخر إسلام عمر، لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وكانت أحد في سنة ثلاث من الهجرة، وقد كان مميزًا يوم أسلم أبوه، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين، والله أعلم» اهـ
قلت وأورد هذه القصة أيضًا الحافظ ابن كثير في كتاب «السيرة النبوية» نقلاً عن ابن إسحاق، ثم ذكر هذا التحقيق، وكذا ابن هشام في السيرة النبوية ح نقلاً أيضًا عن ابن إسحاق، وكذا ابن الأثير في «أسد الغابة» نقلاً عن ابن إسحاق، وأخرجه الحاكم من طريق ابن إسحاق وقال «صحيح على شرط مسلم» ووافقه الذهبي، وهو كما بينا آنفًا، قال ابن كثير «وهذا إسناد جيد قوي» اهـ
قلت ويزداد قوة بأن البخاري أخرجه ح حيث قال «حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب، قال حدثني عمر بن محمد قال فأخبرني جدي زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال «بينما هو في الدار خائفًا إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو عليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية فقال ما بالك ؟ قال زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت قال لا سبيل إليك، بعد أن قالها أمنت فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي فقال أين تريدون ؟ فقالوا نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ قال لا سبيل إليه، فكرّ الناس» اهـ
قلت بهذا التحقيق يتبين الصحيح من السقيم في قصة إسلام عمر رضي الله عنه؛ فكم من قصص واهية وضعت في يوم إسلام عمر، كما بيّنا آنفًا في هذه القصة الواهية المركبة من قصص واهيات، ومن قبل قد بينا القصة الواهية الموضوعة في إسلام عمر، والتي جعلت عمر يخرج في مظاهرة في صفين حمزة في أحدهما، وعمر في الآخر، واتخذها من لا دراية لهم بالتخريج وأصول التحقيق دليلاً على مشروعية المظاهرات، وما تسبب عنها من أضرار في البلاد وقتل للعباد
هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد
منقول لأخ اسمه معاذ بن حسين
........
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
تعليق