تفسير قوله تعالى
"وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ.. "
قال الله جل شأنه: " وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ " [النمل: 17 - 19].
اللغة - "وَحُشِرَ": جُمع/ يُوزَعُونَ: الوزع: المنع أي يمنع أولهم من السير حتى يلحق به آخرهم وذلك لكثرة الجنود.
لَا يَحْطِمَنَّكُمْ: الحطم الكسر أي يكسرنكم / أَوْزِعْنِي: ألهمني.
التفسير:
تحتوي هذه الآيات الثلاث على ثلاثة واجبات:
واجبات الحكومة أمام رعاياها، وواجبات الرعايا أمام الحكومة، وواجبات الرئيس والزعيم أمام قومه. وقد بين الله سبحانه وتعالى لنا هذه الواجبات بأسلوب قصصي تسهيلاً لإثباتها في الأذهان، وسمى السورة باسم النملة تنبيهاً إلى دراسة هذه النقاط الثلاث الواردة في قصتها، إذ تسمية الكل باسم البعض تؤذن بأهمية ذلك البعض وتوجيه الأفكار إليه.
وتتلخص هذه القصة بأن نبي الله سليمان عليه السلام استعرض مرة جنوده وجيوشه المؤلفة من الجن والإنس والطير وسار بهم فكان جيشاً عظيماً يقف أوله ليتلاحق به آخره حتى وصلوا إلى واد يسكنه عدد عظيم من النمل.
فنظرت نملة من نمل ذلك الوادي - وكانت زعيمة ذلك الوادي ورئيسته - فأشفقت على رعيتها وأبناء جنسها ووطنها أن تدوسهم أرجل ذلك الجيش الجرار فتحطمهم ففزعت إلى بني قومها صارخة: " يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" [النمل: 18]
فتبسم سليمان عليه السلام من قولها
تبسم سرور وجذل حيث نصحت لقومها واعتذرت عن نبي الله وجنوده بأن لو حصل منه ومن جنوده ما يؤذي تلك النمل الضعيف الصغير فإنه يكون عن غير عمد وعلم به حيث يحطمونه من حيث لا يشعرون به لدقة حجمه.
وكذلك كان تبسمه تبسم إعجاب وإكبارلها لقيامها بواجبات الزعامة والرئاسة نحو قومها وسهرها على مصالحهم وانتباهها لما يضرهم فإنها انتبهت إلى الخطر المحدق بهم فنبهتهم إلى تلافيه قبل أن يقع بهم،
ورفعت صوتها في ندائها ليسمعه سليمان عليه السلام ولم تخش سطوة هذا الملك العظيم مع صغرها وحقارتها هي وقومها، فأسمعته صوتها وهتافها بالحق لافتة نظره إلى أنه لا ينبغي للقوي أن يدوس الضعيف ويحطمه مهما بلغت سطوته وقوته
فتبسم سليمان عليه السلام لذلك كله ودعا ربه الذي أعطاه هذا الملك بقوله: رب ألهمني شكر نعمتك علي بالنبوة والملك وعلى والدي اللذين ربياني أحسن تربية وثبتني على عملي الصالح من العدل في الحكم ومن الحلم والرفق برعيتي التي أحكم فيها واجعلني من عبادك الصالحين الذين يدخلون في رحمتك
وإذا تأملنا الآية (18) وجدناها في غاية البلاغة والإيجاز حتى قال بعض العلماء:
إن قول النملة اشتمل على عشرة أجناس من الكلام مع قصره وقلة كلماته، فإنها نادت، ونبهت، وسمّعت، وأمرت، ونصحت، وحذرت، وخصت، وعمت، وأشارت، وأعذرت
فأما نداؤها فهو: يا
وأما تنبيهها فقولها: أيها
وأما تسميعها فقولها: النمل
وأما أمرها فقولها: ادخلوا
وأما نصحها فقولهم: مساكنكم
وأما تحذيرها فقولها: لا يحطنكم
وأما تخصيصها فقولها: سليمان
وأما تعميمها فقولها: وجنوده
وأما إشارتها فقولها: وهم
وأما اعتذارها فقولها: لا يشعرون.
هذا وإن مغزى هذه القصة يتلخص في ثلاثة أمور:
(1) واجبات الحكام أمام رعاياهم في سماع شكاياتهم ورفع الأذى والضرر عنهم فإن نبي الله سليمان عليه السلام لما سمع كلام النملة وتحقق الضرر الذي يصيب قومها من سيرهم في وادي النمل توقف عن السير حتى يدخلوا مساكنهم وحصونهم.
(2) واجبات الرعايا أمام الحكام بإسماعها شكاياتها وتلطفها في الأسلوب والاعتذار لها بأنها لو كانت تعلم الحكومة ما يترتب على فعلها لما أقدمت عليه كما قالت النملة: " لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " [النمل: 18].
(3) واجبات الرؤساء والزعماء نحو أمتهم من السهر على مصالحها والعناية بشؤونها كما فعلت النملة من قيامها بواجبات الرئاسة والزعامة ومصارحتها بالحق مع صغارها وضعفها أمام ملكها العظيم.
__________________________________________________ ____
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تنسونا من صالح دعائكم
منقول
تعليق