لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين أما بعد نسأل الله جل وعلا أن يجعل هذه الدروس خالصة لوجهه الكريم وان ينفعنا بها علماً فهماُ وتطبيقاُ و تحكيماُ و تحاكما درسنا في هذا اليوم هو كما هو معلوم (منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين) للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمة الله عليه وقبل أن أتحدث عما ذكره الشيخ رحمة الله عليه في مقدمته لهذا المتن المختصر العظيم النفع أحب أن أتحدث في برهة من الزمن عن فضل العلم وماذا ينبغي لطالب العلم نحو هذا العلم الشرعي وذلك لأننا في بداية هذه الدروس فخليق بكل مسلم فضلاً عن طالب علم أن يكون على إلمامة كبيرة بما يتعلمه ففضل العلم واضح جلي ويكفي في فضله أن أول كلمة أنزلها الله عز و جل على نبيه صلى الله عليه وسلم هي كلمة تحث على العلم [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ] {العلق:1} يكفي في فضل العلم أن الله جل وعلا ميز بين العالم وغير العالم فجعل هناك مفارقة حتى في عالم الحيوان فالعالم في جنس الحيوان ليس كالجاهل ولذا جعل الشرع صيد الكلب المعلم حلالاً بينما صيد الكلب الجاهل حراماً كما قال عز و جل [يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ] {المائدة:4} ولذا قال النبي عليه الصلاة و السلام كما في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم قال (إذا صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل) ويكفي في فضل العلم أن العالم يرتفع درجات مطلقة منحها الله عز و جل له هذه الدرجات شاملة لما يكون في الدنيا و الآخرة قال جل وعلا [يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ] {المجادلة:11} أطلق ومعلوم من حيث الواقع أن العالم في هذه الدنيا والمقصود من العالم هو العالم الشرعي الناظر في الواقع أن له منزلة كبرى بين الناس إضافة لما يكون له من الفضل يوم القيامة ولذا قال عز و جل [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا] {الأعراف:175} آتاه الله الآيات لكن نسأل الله السلامة والعافية انسلخ منها فلما انسلخ منها (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ) ما النهاية (فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ*وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا] {الأعراف:176} ) أي بهذه الآيات (وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ)
فمما يجب حقيقة على طالب العلم أن يراعي ما يلي:
1. الإخلاص لله عز و جل لأن العلم عبادة بل إن كنت لا تدري فإن العلماء اختلفوا أيهما أفضل الجهاد أم العلم ولذا يرى الأمام أحمد أن العلم أفضل من حيث الإطلاق ولذا قال رحمه الله (العلم لا يعدله شيء) ولذا فالجهاد لا يمكن أن تقوم له قائمةٌ إلا بالعلم الشرعي ولذا قال عز و جل [فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ{يعني القادمين من الجهاد} إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] {التوبة:122} أعظم المدن الإسلامية فتحاًَ المدينة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وما فتحت الا بالعلم الشرعي وما فتحت قلوب كثير من الكفار إلا بالعلم الشرعي فأنت يا أخي في عباده لله عز و جل بل من أعظم وأشرف العبادات فيجب عليك أن تخلص النية لله جل وعلا في هذا العلم حتى تكون خطواتك من حين ما خرجت من بيتك إلى هذا العلم تكون محسوبة لك عند رب العالمين فلا تكن النية من أجل مضاهاة الآخرين كون فلان من الناس أتى آتي كلا وإنما يكون الحاث له الرغبة في رفع الجهل عن نفسه وفي رفع الجهل عن غيره نحن في مجتمع أو في زمن والله إن الناس بحاجة عظمى إلى العلم الشرعي وما أعظم الجهل لاسيما مع انفتاح القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت التي يبث فيها دعاة السوء والشر من الشر ما الله به عليم ولذا قال النبي عليه الصلاة و السلام (طلب العلم فريضة على كل مسلم ) هذا الحديث ينبغي للمسلم أن يجعله نصب عينيه في هذا العصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح قال (لا تقوم الساعة حتى يقل العلم ويكثر الجهل ويكثر الهرج ) {الهرج القتل} لماذا جمع النبي عليه الصلاة و السلام بين قلة العلم والقتل؟ ,ولذا لا تكاد أن تفتح قناة من القنوات الإعلامية المرئية أو المسموعة أو حتى المقروءة إلا وتجد أن هناك قتلاً لا يمكن أن يخلو خبر من قتل نتيجة ماذا ؟ نتيجة قلة العلم وكثرة الجهل .قلت: لا يخرج مضاهاةًَ للآخرين قد يأتي الشيطان احدهم حينما يسمع مثل هذا الكلام فيقول أنت ما خرجت إلا مضاهاةً و مشابهةَ لفلان فعملك مدخول هذا مدخلٌ شيطاني ليتنبه المسلم اليه ولذا أي هاجس يأتيك ويقول إنك ترائي بهذا العمل فانبذه ولا تلتفت اليه فإنه من الشيطان فإذا نبذته أصبحت بإذن الله سالكاً الطريق القويم لأنه قد يأتي الشيطان بعض الناس ويقول ما خرجت إلا من أجل أن يقال خرج فلان أو ذهب فلان إلى الدرس الفلاني لا تلتفت إلى هذه وهذه قاعدة سر بها في جميع العبادات يقول بعض السلف (إذا جاءك الشيطان في صلاتك فقال إنك مراءٍ فزدها طولا) عارضه إذا قال اذهب من جهة اليمين فاذهب من جهة اليسار هذه تسمى كما قال ابن القيم رحمه الله (المراغمة) مراغمة الشيطان وليس هناك شيء أحب إلى الله عز و جل من مراغمة الشيطان لكن إن انساق معه الإنسان خسر دنياه وأخراه وكذلك لا يكون خروجه من أجل أن يباهي بهذا العلم أو أن يتصدر المجالس كلا إنما خروجه لرفع الجهل عن نفسه ولرفع الجهل عن غيره لأن الله عز و جل قال [وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا] {النحل:78} لا تظن أن هؤلاء الأعلام الذين كتبوا هذه الكتب أو أولئك الأعلام الذين في واقعنا أنهم خرجوا علماء كلا خرجوا جهالاً[وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا] {النحل:78} لكن ما الذي بعدها [وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {النحل:78} جعل لك طرق تلتمس بها هذا العلم فاحمد الله انه لم يذهب بسمعك ولا بصرك ولا عقلك وهذه نعمة يجب أن تشكرها وذلك بطلب العلم الشرعي ولذا قال النبي عليه الصلاة و السلام كما في السنن (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرض من الدنيا لم يرح عرف الجنة) يعني ريحها ولذلك من أتى إلى العلم بنية خالصة تجد أن التواضع في علمه ظاهر ولابد أن تتواضع للعلم من تواضع للعلم رفعه الله عز و جل ولذلك الملائكة لما بين الله عز و جل أن آدم قد فاقها بالعلم (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ) تواضعوا ومن التواضع أن تظل مستمر الهاجس والخاطر بأنك مازلت جاهلا وأنك بحاجة إلى العلم ولذا يقول ابن القيم رحمه الله ( من نظر إلى نفسه بعين الازدراء والانتقاص علا مقاماتٍ كبرى) لمَ ؟ لأنه إذا رأى نفسه ضعيف العلم قليل البضاعة ازداد حرصاً لكنه لو رأى نفسه بأنه وصل فستخور قواه ولا يكون عنده تقدم وبذلك يظل كما هو .
2. ومما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم أن يكون عاملاً بعلمه لأن العلم من غير عمل لا فائدة منه بل ينطلق إلا أعلى من هذا فلا ينحصر في العمل فقط لا بل يتعدى ذلك إلا أن يُبلَِّغ هذا العلم ويصبر على ما يناله من أذى في هذا العلم وفي تبليغه فإذا تعلم وعمل وبلَغ وصبر أصبح من العلماء الربانيين كما قال ابن القيم رحمه الله وهذه مجموعة في قوله [وَالعَصْرِ(1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا {هذا العلم} وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }.
{هذا العمل} وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ{يعني بلَّغ} وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ]. {العصر {يعني تحمل الأذى الذي يناله}
3. ومما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم أن تكون كلمة (لا أعلم)أن تكون قريبة من لسانه ولذا يقول بن مسعود رضي الله عنه (إن من العلم أن تقول فيما لا تعلم الله أعلم فإن الله عز و جل قال للنبي صلى الله عليه وسلم [قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ] {ص:86} فمن التكلف أن تقول فيما لا تعلم أعلم ) ولذا يقول بعض السلف (من لا يعرف كلمة (لا أعلم) أصيبت مقاتله) ما هي مقاتله أن يضرب مثلاًَ في الخصيتين إذا ضرب يكاد أن لا يسلم أو يضرب في موضع من جسده يخل بعضوٍ منه أو منفعته فكذلك (لا أعلم) إذا لم تكن على لسان العالم أو طالب العلم أصيبت مقاتله .الإمام مالك رحمه الله جاءه رجل يسأله عن مسألة فقال الإمام مالك رحمة الله عليه (لا أدري) فأعادها هذا الرجل مرة أخرى فقال الإمام مالك رحمة الله عليه لا أدري فقال هذا الرجل أن أهل قريتي أرسلوني إليك فماذا أقول لهم لو رجعت فما هو الجواب؟ انظروا ليست القضية قضية أن أكون مثقفاًَ عند الناس أو عالماً نحريرا أو أن يشار إليَّ بالبنان لا والله وإنما المقصود أن تنال خيراً من هذا العلم في أخراك لأن هناك جنة ونارا وحساباً وعقاباً فماذا قال رحمه الله كلمة بسيطة يسيره قال هذا الرجل فماذا أقول لو رجعت لأهل قريتي فقال الإمام مالك رحمة الله عليه قل لهم إن مالك لا يدري_ انتهت القضية_ إن مالكاً لا يدري .
4. وأيضاً مما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم أن يصبر في طلب العلم _ طلب العلم _والله لو كان يؤخذ بالقوة لناله أقوى الناس ولو كان يؤخذ في زمن معين بحيث لا يفتر الإنسان عن طلبه ويغفل عن أكله ومشربه لسبق اليه أناس ولكن العلم يأخذ بالزمن يقول ابن شهاب الزهري وهو إمام في الحديث وهذا الرجل يقول عنه شيخ الإسلام رحمة الله عليه (لا يؤثر عنه غلط مع سعة علمه وكثرة اطلاعه) ولذلك كان رحمة الله عليه يحفظ كل يوم ثلاثة أحاديث فقط ولذلك كان عنده طالب اسمه يونس قال (يا يونس لا تكابر العلم فإن العلم أودية ) يعني لا تكن كالند للعلم أو كالنظير للعلم أو كالمحارب للعلم تريد أن تنتهز كل شيء من العلم (لا تكابر العلم فإن العلم أودية ولكن خذه مع الليالي و الأيام فمن رام العلم كله{يعني أراده}تركه كله) لأنه يُرى في الدروس الشرعية العلمية يرى الإنكباب على هذه الدروس ثم سرعان ما تقل الأعداد وهذا فتور ناشئ من كون الإنسان مستعجلاً يريد أن يأخذ العلم في أسرع وقت حتى يكون عالماُ وهذا لا يمكن ولكن لو أن الإنسان أخذ كل يوم مسألة أو مسألتين أو ثلاثاً فانتفع بها ونفع بها غيره لحاز على فضل كبير واجر عظيم من الله عز و جل ولذا في قصة حصلت بين ابن عباس رضي الله عنهما وشاب من الأنصار يقول ابن عباس رضي الله عنهما كنت أنا وغلام نحوي من الأنصار نطلب العلم وهم شباب فملّ هذا الأنصاري ملّ يعني (فتر) قال يا ابن عباس أتريد أن تكون كعلماء الصحابة وأكابرهم وهذه مقولة تجري على ألسنة البعض فهو لا يوصل إلا نفسه خيراً ولا يدع الآخرين يبحثون عن الخير قد يقول البعض للآخر لن نكون علماء لن نكون طلاب علم نريد أن نكون مثقفين نقرأ في هذا الكتاب شيئاًً وفي هذا الكتاب شيء وهلم جراً وهذه وسيلة شيطانية فلا يستمع اليه ولا يلتفت اليها الإنسان فما الفرق بيني وبين العالم الفلاني قد أكون أعقل أفهم منه وأحفظ ومع ذلك سبقني إلى هذا العلم فلماذا لا أكون مثله ولهذا فيه رجل مما يدل على أن الإنسان يصبر ويصابر على هذا العلم وأنه يأخذ فسحه من الزمن رجل لقبه (الأشدق) هذا عالم من علماء اللغة رجل كان عيَّ اللسان يعني لا يستطيع أن يفصح عما في قلبه فأصبح منبوذاً في المجالس فوجد في نفسه هذا الشيء لأن اللغة وسيلة جذابة للآخرين فوجد في نفسه هذا الشيء فانعكف على دروس علماء اللغة فكان هذا الرجل من عيِّ لسانه وثقله كان إذا أراد أن يتكلم بالكلمة الفصحى يلوي شدقه حتى تستقيم معه الكلمة فتطورت معه هذه الحال حتى أنه إذا تكلم لا يتكلم إلا إذا لوى شدقه لكن ما الذي جرى له ؟ أصبح أبلغ علماء عصره في اللغة فهي مصابرة ومجاهدة فقال هذا الشاب الأنصاري يا ابن عباس أتريد أن تكون كأكابر الصحابة فيقول ابن عباس ترك هذا الشاب العلم فيقول جلست أبحث عنه حتى إني لآتي إلى بيت العالم من الصحابة في الظهيرة فلا أطرق عليه بابه فأتوسد ردائي حتى يسفي الريح عليَّ التراب فإذا خرج سألته فكان يقول هذا العالم يا ابن عم رسول الله عليه الصلاة و السلام لو طلبتنا لآتيناك من باب إكرام آل النبي عليه الصلاة و السلام فمضت السنون وإذا بابن عباس يرجع اليه كثير من الصحابة حتى إن بن مسعود يقول (نعم ترجمان القرآن بن عباس) متى قالها؟ قالها قبل أن يموت ابن مسعود بأكثر من 20 سنة فما هو حال ابن عباس بعد مقولة ابن مسعود رضي الله عنه من العلم فيقول ابن عباس التقيت بذلك الشاب فقال يا ابن عباس (كنت أعقل مني) مضت السنون مضى الجهد وزال واضمحل التعب لكن ما الذي بقي هما في السن سواء؟ نعم سواء .هل هم في العلم سواء ؟ كلا ولذلك لا يسبقك أحد إلى الخير ومن الخير العلم الشرعي كان الصحابة رضوان الله عنهم يتسابقون إلى العلم الشرعي مسابقة كبرى .
5. ومما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم أثناء المناقشة في مسألةٍ ما عليه أن يبحث عن الحق فإنه إن بحث عن الحق فهذه علامة على إخلاصه ولا يكون بحثه مع أصحابه من أجل أن ينتصر لرأيه لا, وإنما من أجل أن يصل إلى الحق سواء كان عن طريقه أو عن طريق غيره ولذا ترى في مجالس البعض ممن ينتمي إلى العلم تجد أن المجالس عارية من حسن الحوار ومن حسن المناقشة لمَ ؟ لأن كل شخصٍ يرغب أن يكون رأيه هو الرأي المقدم لا يا أخي الحق بالدليل الواضح فإذا جاء فعلى العين والرأس كما قال الشافعي فهذه إمراره سريعة والحديث له شجون فيما يتعلق بالعلم وآدابه ولكن هذه إمرارة سريعة لعلها أن تنفع بإذن الله عز و جل وطريقتنا- إن شاء الله- سوف تكون طريقة مسهلة لأن التوسع قد لا تطيقه الأذهان ولا سيما لمن كان مبتدءاً في طلب العلم ولذا سنذكر بإذن الله تعالى القول الراجح المؤيد بالدليل وإن كان هناك خلاف سأشير اليه أشارة سريعة وإن كان للمخالف دليل بينته ووجهته بإذن الله تعالى .
قال المصنف رحمة الله عليه
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدى الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم}
الشرح :هذه المقدمة تسمى بخطبة الحاجة كما جاء بذلك الحديث في السنن وخطبة الحاجة جاء نصها في السنن (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدى الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله) وهذه تقال عند كل خطبة سواء خطبة نكاح , خطبة جمعة فليست محصورة في خطبة الجمعة وسميت بالحاجة لأن المتحدث بحاجة إلى عون من الله عز و جل حينما يريد أن يوصل شيئاً إلى المتلقي فكأنه يقول لا وسع لي ولا طاقة ولا حولا إلا بك يا الله .والسنة في هذه الخطبة أن يأتى بالآيات الثلاث :
(1) الآية التي في سورة آل عمران: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {آل عمران:102}
(2) والآية التي في سورة النساء: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] {النساء:1}
(3) الآية التي في سورة الأحزاب[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71) ]. {الأحزاب
والسنة في بعض الأحيان أن تترك هذه الآيات يعني يمكن أن تأتي بهذه الخطبة من غير هذه الآيات ويمكن أن تأتي بها مع الآيات والسنة في هذا والأكمل أن ينوع الإنسان.
ثم قال رحمه الله ( أما بعد )
الشرح : ( أما بعد) كلمة تسمى بفصل الخطاب ولذا قال بعض المفسرين في قوله تعالى عن داود (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) قال (أما بعد) هي فصل الخطاب. والسنة أن يأتى بها في الخطب أما قول (وبعد)أو قول (ثم أما بعد) هذه لا يعرف لها في السنة أصل إنما الوارد في السنن المستمر عليه عليه الصلاة و السلام أنه إذا خطب يأتي بكلمة أما بعد .
ثم قال المصنف رحمه الله : ( فهذا كتاب مختصر فى الفقه )
الشرح : لم يقل (هذا كتاب مختصر.....) لأن التعبير الصحيح في اللغة أن الكلمة التي تأتي بعد (أما بعد ) اربط بها الفاء .أما بعد فإن أصدق الحديث,أما بعد فهذا الفعل , أما بعد فهذا القول فلا تقل أما بعد هذا القول فلتأتِ بالفاء بعد (أما بعد) في الكلمة التي تليها .
ثم قال المصنف رحمه الله :( جمعت فيه بين المسائل والدلائل )
الشرح :المسائل جمع مسألة الدلائل جمع دليل
ثم قال المصنف رحمه الله :( لأن العلم معرفة الحق بدليله )
الشرح :علم من غير دليل ليس بعلم مسألة من غير دليل ليست مسألة علمية وهذه قاعدة سر عليها لا بد في كل حكم يصدر أن يكون عليه دليل . لكن ما هو هذا الدليل ؟اسمع
ثم قال المصنف رحمه الله :( والفقه : معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بأدلتها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح .)
الشرح :قال معرفة الأحكام الشرعية إذن فيه أحكام غير شرعية مثل اللغة ولذلك لو أتانا عالم لا يشق له غبار في اللغة فلا يعتد بقوله في الشرع إلا إذا أتى بالدليل .(الفرعية) هناك أحكام غير فرعية هي أصولية وهي المتعلقة بالعقائد. (بأدلتها) ما هي أدلتها : الكتاب السنة الإجماع القياس الصحيح هذه تسمى بمصادر التشريع الإسلامي .(الكتاب): القران (السنة ): سنة النبي صلى الله عليه وسلم (الإجماع):هو اجتماع علماء الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي ولذا قال عليه الصلاة و السلام(لا تجتمع أمتي على ضلالة)والإجماع نوعان :
(1) قطعي .
(2) ظني.
محلها في أصول الفقه لكن أعطيكم بعض الإشارات الخفيفةالإجماع القطعي : هو أن يجمع علماء الأمة على هذا الحكم الشرعي إجماعاً قولياَ وذلك أن تتفق أقوالهم على هذا الحكم .الإجماع الظني : هو الإجماع السكوتي وذلك أن تجتمع طائفة من الأمة على حكم والآخرون من العلماء سمعوه وسكتوا .(القياس الصحيح) القياس هو الحاق فرع بأصل لعلة جامعة بينهما يتضح هذا بالمثال :أخبر النبي عليه الصلاة و السلام أن البُر يجري فيه الربا فإذا بعت صاعاً من بر يجب أن يكون بصاع من بر مثله بالتساوي .الذرة هل يمكن أن أبيع صاعين من الذرة بصاع من ذرة أجود ؟ لا لأن القياس هنا منضبط لأن العلة في البر أنه مكيل مطعوم وهذه الذرة مكيل مطعوم .لو قائل لماذا قال المؤلف رحمه الله (الصحيح ) لماذا لم يقل القياس؟ لأن هناك أقيسه غير معتبره فلو جاء قياس مخالف للنص من القران أو السنة فيسمى بقياس فاسد الاعتبار فينبذ وهذا مثل قياس إبليس لما قال [قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ] {الأعراف:12} وإذا أتانا قياس لا يخالف نصاً ولكنه لا يتفق مع الأصل في العلة يسمى بقياس مع الفارق فينبذ إذا الأقيسه المردودة نوعان :
1. قياس فاسد الاعتبار إذا كان مخالفاً للنص .
2. قياس مع الفارق إذا كان هذا الفرع غير متفق مع الأصل في العلة .
ثم قال المصنف رحمه الله :( واقتصرت على الأدلة المشهورة خوفاً من التطويل)
الشرح :لأن هناك أدلة فيها خلاف بين الأصوليين ومحلها في أصول الفقه.
ثم قال المصنف رحمه الله :( وإذا كانت المسألة خلافية، اقتصرت على القول الذي ترجح عندي، تبعاً للأدلة الشرعية)
الشرح :ولاشك أن هذا هو العلم الشرعي الحقيقي أن يربط الحكم بدليله ما دليله ؟ : الكتاب السنة الإجماع القياس الصحيح
ثم قال المصنف رحمه الله :( الأحكام الخمسة)
الشرح : يسميها العلماء بالأحكام التكليفية الخمسة
ثم قال المصنف رحمه الله :( الواجب : وهو ما أثيب فاعله وعوقب تاركه )
الشرح :مثل الصلاة: فصلاة الظهر أو العصر إذا فعلها أثيب وإذا تركها عوقب وهو ما أثيب فاعله وعوقب تاركه والواجب هذا تعريفه ومثله الفرض فإذا قيل هذا فرض فاعلم أن تعريف الفرض هو كتعريف الواجب خلافاً لأبي حنيفة الذي خالف الجمهور ولكن الصحيح أن الفرض هو الواجب ولذلك لما ذكر عز و جل الأصناف الثمانية التي تصرف فيها الزكاة ماذا قال [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] {التوبة:60} زكاة الفطر لو تركها عوقب تاركها لكن بعض العلماء يقول (ويستحق تاركه العقاب لأن الله عز و جل قد يرحمه )إذاً لو استبدلت بعبارة (ويستحق تاركه العقاب) لكان أحسن.
ثم قال المصنف رحمه الله : ( الحرام : ضده يثاب تاركه ويعاقب فاعله )
الشرح : الزنا إذا تركه يثاب وإذا فعله يستحق العقاب ولذا الأفضل في العبارة قول (يثاب تاركه ويستحق فاعله العقاب) .وكلمة لا يجوز هي نفس كلمة حرام أحياناً نُسْأََل فنقول للسائل لا يجوز فيقول حرام أو شيء آخر هو هو لا يجوز نفس كلمة حرام .
ثم قال المصنف رحمه الله :( المسنون : وهو ما أثيب فاعله ولم يعاقب تاركه )
الشرح :وضع الكفين مفرجتي الأصابع على الركبتين سنة إن فعله يثاب وإن تركه لا يعاقب والمسنون هو نفس المندوب وهو نفس المستحب فإذا قيل هذا مسنون أو مستحب أو مندوب فهذه كلها بمعنى واحد .ثم قال المصنف رحمه الله ( المكروه : ضده يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله )الشرح :مثل ما مثل به الفقهاء أن يجمع الصائم ريقه ثم يبتلعه هذا إن فعله لا يعاقب وإن تركه يثاب .· ولكن لتعلم أن المكروه هنا هو في اصطلاح المتأخرين لكن يمكن أن يكون المكروه محرماً وهذا غالب ما يكون عند السلف إذا قالوا هذا شيء مكروه فمرادهم أن هذا الشيء حرام والله عز وجل لما ذكر جملة من المحرمات قال بعدها [كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا] {الإسراء:38} وكقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح (إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) .
وللحديث تكملة بإذن الله تعالى في الدرس القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
تعليق