إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)






    الدرس السادس: القواعد الكلية الكبرى
    تحدثنا في الدرس الأول من هذه السلسلة عن القواعد الفقهية من حيث نشأتها ومصادرها وأقسامها، وفي الدرس الثاني تناولنا القاعدة الكبرى الأولى (قاعدة الأمور بمقاصدها). ثم تناولنا في الدرس الثالث القاعدة الكبرى الثانية (قاعدة اليقين لا يزول بالشك) ، وفي الدرس الرابع تحدثنا عن القاعدة الكبرى الثالثة (قاعدة المشقة تجلب التيسير)، أما الدرس الخامس فقد خصصناه للحديث عن القاعدة الكبرى الرابعة (قاعدة لا ضرر ولا ضرار). وفي هذا الدرس سوف نتحدث عن القاعدة الكبرى الخامسة وهي:

    5- القاعدة الكبرى الخامسة: العادة محكَّمة


    1- تعريف العادة:
    لغة: هي الديدن، وعَوَّدته كذا فاعتاده، وتعوده أي: صيرته له عادة، وسمي العيد عيدا لأنه يعود، واسْتَعَدْتُ الرجل: سألته أن يعود، وسُميت العادة بذلك؛ لأن صاحبها يعاودها، أي يرجع إليها مرة بعد أخرى.

    اصطلاحاً: عرفت العادة بعدة تعريفات منها:
    1- ما استمر الناس عليه على حكم العقول وعادوا إليه مرة بعد أخرى.
    2- ما استقر في النفوس من الأمور المتكررة المعقولة عند الطباع السليمة ---- (تعريف الفقهاء)
    3- الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية -------- (تعريف الأصوليين)
    وقد رجح التعريف الأخير بعض العلماء والباحثين، حيث لم يخص العادة بكونها موافقة للعقل أو الشرع، فهي عادة وإن خالفت ذلك.

    ومعنى محكَّمة: اسم مفعول بمعنى فاعل أي حاكمة فالمراد أن تكون العادة حَكَماً يرجع إليها عند الاختلاف، ويقضى لمن وافقها.

    والفقهاء يوردون لفظ العادة، وأحياناً يوردون العرف، وقولهم: «العادة محكمة» والمراد والعرف أيضاً، لأن بعض العلماء لا يرى التفريق بينهما.

    2- تعريف العرف:
    لغة: أطلق لفظ العرف في اللغة على عدة معان، منها:
    أنه ضد النُّكر، واسم من الاعتراف، والعرف يطلق أيضاً على المكان المرتفع من الأرض وغيرها، وقوله تعالى: [خذ العفو وأمر بالعرف] ، أي: المعروف، والمعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه.

    اصطلاحاً: عرف العرف بعدة تعريفات منها:
    1- ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول ------- (تعريف الفقهاء)
    2- ما اعتاده الناس وساروا عليه من كل فعل شاع بينهم، أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص لا تألفه اللغة، و لا يتبادر غيره عند سماعه، وهو بمعنى العادة الجماعية.
    3- ما اعتاده أكثر الناس وساروا عليه في جميع البلدان، أو في بعضها سواء أكان ذلك في جميع العصور، أم في عصر معين.

    والذي يترجح - والله اعلم - التعريف الأول، لوجازته ووفائه بالمقصود إذ أدخل العرف القولي والعملي، كما أخرج العادة الفردية بما يفهم من قوله (ما استقر في النفوس).

    3- الفرق بين العرف والعادة:
    قيل في الفرق بينهما ثلاثة أقوال:
    1- أنه لا فرق بينهما، فهما بمعنى واحد.
    2- أنَّ العرف مخصوص بالقول، وأن العادة مخصوصة بالعمل.
    3- أن بينهما عموم وخصوص مطلق، فالعادة أعم، إذ تطلق على العادة الجماعية وهي العرف، كما تطلق على العادة الفردية فكل عرف عادة، ولا عكس، ولعل هذا هو الأرجح.

    4- أقسام العرف والعادة:
    • أقسام العرف والعادة باعتبار سببه قسمان:

    1- قولي: وهو ما إذا أطلق فُهم منه معنى لم يوضع ذلك اللفظ له، من غير قرينة. مثل لفظ الشواء يطلق على اللحم فقط، دون ما يشوى من غيره.
    2- عملي: وهو ما جرى عليه عمل الناس في جميع البلدان أو بعضها. مثل: تعارف الناس على تقسيم المهر إلى مقدم ومؤخر.

    • كما ينقسم باعتبار من يصدر عنه إلى ثلاثة أقسام:

    1- العرف العام: هو ما تعامل به المسلمون في قديم الدهر أو حديثه في سائر الأقطار.
    2- العرف الخاص: هو ما اختص به أهل بلد أو حرفة دون سواهم.
    3- العرف الشرعي: كالمنقولات الشرعية، كلفظ الصلاة حيث نقل من المعنى اللغوي وهو الدعاء إلى العبادة المخصوصة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم. ومثل الزكاة، والحج وغيرها من المصطلحات الشرعية.



  • #2
    رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)


    5 - معنى القاعدة في الاصطلاح الفقهي:
    "إن العادة تجعل حكماً لإثبات حكم شرعي"
    أي أن "للعادة في في نظر الشارع حاكمية تخضع لها أحكام التصرفات، فتثبت تلك الأحكام وفق ما تقضي به العادة أو العرف إذا لم يكن هناك نص شرعي مخالف لتلك العادة".

    6 - شروط تطبيق القاعدة:
    1- أن لا يخالف العرف أو العادة أصلاً أو نصاً شرعياً، أو قاعدة متفقاً عليها، أو إجماعاً، ومن ذلك إذا جرت عادة أهل بلد على فعل عبادة معينة، فلا يقبل لأن الأصل في العبادات التوقيف.

    2- ألا يعارضه ما يدل على خلاف المراد منه، بأن يصرح صاحب الشأن بخلاف ما يدل عليه العرف فيسقط اعتباره، وكذا إن كان له معنى يدل عليه في اللغة أو في الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن هذه الأسماء جاءت في كتاب الله وسنة رسوله معلقاً بها أحكام شرعية، وكل اسم فلابد له من حد، فمنه ما يُعلم حده باللغة، كالشمس والقمر والبر،…، ومنه ما يعلم بالشرع، كالمؤمن، والكافر، والمنافق، وكالصلاة،.. وما لم يكن له حد في اللغة، ولا في الشرع، فالمرجع فيه إلى عرف الناس، كالقبض».

    3- أن يكون مطرداً: بمعنى أنه لو كان يفعل أحياناً، فهو عادة غير مطردة، فلا تعتبر.

    4- أن يكون العرف موجوداً عند إنشاء التصرف المستند عليه: بمعنى أن لا يكون العرف قد ذهب ولم يكن عرفاً حال إنشاء التصرف، بمعنى أن لا يستدل بالحادث على القديم.

    وهذه القاعدة من قواعد الفقه الكبرى التي سهلت أمور الناس ويسرت حاجاتهم، ومن الأدلة الناصعة على صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، فإن الشرع ما نزل بالحرج {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ؛ لأن ترك الناس وما اعتادوا في بعض شؤونهم على عرفهم وعادتهم تسهيل وتيسير عليهم، لذا فإن الشرع المطهر، يقر الأحكام التي تكون وفق عادات الناس وأعرافهم غير المخالفة للنصوص.
    وهذه القاعدة يجب على كل مفت للناس أن يستحضرها إفتاء، وأن يبينها تعليماً؛ يقول ابن القيم رحمه الله: «من أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلَّهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم، وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل، وهذا المفتي الجاهل، أضر ما[يكون]على أديان الناس وأبدانهم »، ومما يدل على أهمية هذه القاعدة تخصيص العادة للعموم، قال ابن رجب رحمه الله: «قاعدة يخص العموم بالعادة على المنصوص».

    والحكم بالعرف من أقدم مصادر القانون، كما يذكر ذلك المؤرخون، فكان هو حاكم حياتهم ومنظم شئونهم.
    وللعرف في الشريعة شأن كبير، فإنه يُحكم به في مواضع لا تحصى في أكثر أبواب الفقه.

    وخلاصة القول: إن القاعدة أفادت أنه إذا جرت عادة الناس على أمر من الأمور فإن هذه العادة حجة معتبرة.

    7- دليل القاعدة:

    أولاً : الأدلة من الكتاب العزيز:
    1- قوله تعالى : {خذ العفو وأمر بالعرف} ، والعرف هو المعروف، وهو اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه، فالعرف في القاعدة داخل في بيان حد المعروف هنا، بل قال ابن عطية: «وقوله {وأمر بالعرف} معناه: بكل ما عرفته النفوس مما لا تردُّه الشريعة».

    2- قوله تعالى: { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف }

    3- قوله تعالى: {فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان}

    4- قوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}

    وقد ورد لفظ المعروف في القرآن الكريم في سبعة وثلاثين موضعاً. كما أن أثر العرف والمعروف والعادة ورد في السنة تارة مصرحاً به وتارة لم يصرح به.

    ثانياً: الأدلة من السنة النبوية المطهرة:
    1 - قوله صلى الله عليه وسلم لهند رضي الله عنها: (خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف).

    2 - قوله صلى الله عليه وسلم: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف".

    3 - إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لكثير من الأعراف التي كانت موجودة في زمنه صلى الله عليه وسلم.*

    4 - ما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)
    وفي وقائع هذه الأدلة وغيرها، دليل على اعتبار الشَّرع للعرف، والحكم بمقتضاه والإحالة إليه.

    8- من فروع القاعدة:
    1- أن اليسير من الدم الذي يبطل به الوضوء، هو ما يفحش في القلب، ومردُّ ذلك إلى العرف.

    2- إذا اتفق المتبايعان هنا في المملكة العربية السعودية على أن سعر السلعة مائة ألف، ثم بعد ذلك اختلفا، فقال البائع إنما هو بالدولار، وقال المشتري بل الريال، فالمعتبر الريال؛ لأنه الذي جرت به العادة في التبايع فيها.

    3- عدم الضمان على من وضع في المسجد شيئاً ينتفع به الناس، ولم يتعد في وضعه، إذا تلف به أحد؛ لأن العرف جار بأنه مأذون فيه من غير استئذان أحد.

    4- حمل اليمين على العرف والعادة، فمن حلف لا يتكلم ثم قرأ القرآن، لا يحنث؛ لأن العرف لا يطلق الكلام إلا على كلام الآدميين، وكذا لو حلف لا يأكل من هذه الشجرة، فلا يحنث بأكل ورقها، وإنما الحنث بأكل الثمرة؛ لأنها ما يؤكل عادة.

    5- جواز المسح على العمامة إذا كانت ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس .

    6- أن ثمن المثل للماء معتبر بما جرت به العادة، في تلك البقعة.

    7- أن الوعاء الذي فيه الهدية، إن جرت العادة بإعادته أعاده، وإلا فهو هدية معه.

    8- أن حرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه.

    تعليق


    • #3
      رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)


      8- من القواعد المندرجة تحت قاعدة: العادة محكمة:

      أ) استعمال الناس حجة يجب العمل بها

      وهي في معنى القاعدة الأم، ويمكن أن يكون المراد بها أيضاً أنه:
      إذا نقل اللفظ من معناه الأصلي إلى معنى آخر كان الحكم للمعنى الآخر الذي يستعمله الناس، كلفظ السراج والشواء والدابة، والوتد.

      وحاصل القاعدة: أن استعمال الناس غير المخالف للشرع ولا لنصوص الفقهاء يُعدّ حجة كبيع السلم وعقد الاستصناع مثلاً، فقد اتفق الفقهاء على جوازها لما مسّت الحاجة إليهما مع أنهما في الأصل غير جائزين لأنهما بيع معدوم.

      من فروعها:
      1- إذا اتفق المتبايعان هنا في المملكة العربية السعودية على أن سعر السلعة مائة ألف، ثم بعد ذلك اختلفا، فقال البائع إنما هو بالدولار، وقال المشتري بل الريال، فالمعتبر الريال؛ لأنه الذي جرت به العادة في التبايع فيها.

      2- إذا صنع طعاما وأهداه لجاره، فلا يدخل فيه الإناء،لأن العرف جرى على عدم دخوله.

      3- لو حلف لا يستضيء بسراج لم يحنث بالشمس، ولو حلف على ترك الشواء لم يحنث بغير اللحم، لأن استعمال الناس جعل المراد بهذه الأشياء غير ما وضعت له.

      4- لو اتفق إنسان مع مقاول أو متعهد أن يبني له بيتاً طبقاً لمخطط مرسوم ومواصفات خاصة بثمن مبين وشروط واضحة، انعقد الاستصناع وجازت المعاملة.

      تعليق


      • #4
        رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)

        ب) إنما تعتبر العادة إذا اطّردت أو غلبت.

        هذه القاعدة كالشرط للقاعدة الأم؛ وسبق بيان أن من شروط اعتبار العادة أن تكون مطردة.

        ولكن ما المراد باطراد العرف؟
        المراد أن تكون هذه العادة معروفة عند الناس، ومتبعة ولا يحتاج فيها إلى التنصيص لمعرفتهم بها.
        فهي معمول بها باستمرار في جميع الأوقات والحوادث. ومعنى ذلك أن تكون العادة كلية.

        وهنا مسألة مهمة: وهي بم تثبت العادة فهل تثبت بمرة أو مرتين أو ثلاث مرات؟
        أما المرة فلم يختلف المذهب في أنه لا تثبت العادة بها، وبالمرتين رواية، والمشهور من المذهب أنه لابد من ثلاث مرات.
        وقد ذكر العلماء عدة مسائل واختلفوا هل يعتبر تكررها مرة أو مرتين أو ثلاثا، ومنها مسألة الحيض ومنها مسالة الرد بالعيب للعبد كعيب الإباق، والسرقة والبول في الفراش، وكذا في الكلب والفهد المعلم واختلفوا هل يعتبر تكرره لتكون عادة له، ولكن الذي يظهر- والله اعلم - أن في مثل الرد بالعيب للعبد، وفي الكلب المعلم، فإن الذي قالوا بالاكتفاء بالمرة ، لم ينظروا إلى أنه عادة تثبت بالمرة، ولكن لأن حصوله يدل على احتمال أن يحصل مرة أخرى، فلذا عدوه عيباً، وبالنسبة للكلب والفهد المعلم، لأن المعلَّم يظهر إن كان معلماً أو لا من المرة الواحدة، فدل على معرفته به، فلم يحتج إلى التكرار، ولذلك لم يقل أحد بالاكتفاء بالمرة بالنسبة للقائف، بل اشترطها بعضهم مرتين، وبعضهم ثلاثاً، ولم يحده آخرون بحد، لاحتمال أن يكون حصل الصدق مصادفة، أو لظهور الأمر أحياناً ظهوراً بيناً.

        فروع القاعدة:
        بناء على ما سبق، فيكون من فروع القاعدة:
        - ثبوت القيافة
        - ثبوت الحيض
        - وهي في الحقيقة أكثر من أن تحصر فكل تعامُل تعامل به الناس وغلب عليهم فهو عادة حاكمة، ومن ذلك في وقتنا المعاصر في المملكة: يومية العامل فهي معلومة أنها من طلوع الشمس وحتى قرب غروبها.
        - ومنها: أن نسبة السعي في المبايعات 2.5% من قيمة العقد.

        تعليق


        • #5
          رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)

          ج) العبرة للغالب الشائع لا للقليل النادر.

          هذه القاعدة اعتبرها بعضهم في معنى القاعدة السابقة، والذي يظهر أن المراد -والله اعلم- انه إذا وجد عرفان أو عادتان في أمر، فإن العبرة بما كان شائعاً منهما،
          ومثال ذلك فيما لو كان في بلد ما عملتان مختلفتان، وكان أحدهما أكثر استعمالا والآخر أقل، فإن لم ينص على أحد العملتين، فالعبرة بما كان الغالب استعماله منهما.

          فما المراد من الغلبة؟
          المراد من الغلبة: أن يكون جريان أهله عليه حاصلاً في أكثر الحوادث أو عند أكثر الناس.

          ما المراد بالشيوع؟
          المراد بالشيوع هنا: اشتهار العمل بذلك العرف وانتشاره بين الناس. أما إذا كان العرف خاصاً فلا يعتد به في الأصح في تخصيص النص أو الأثر فأولى بذلك العرف النادر استعماله.
          وأما إذا تساوى عمل الناس وعدمه بالعادة أو العرف فيسمى حينئذ عرفاً مشتركا، والعرف المشترك لا يعتبر في معاملات الناس ولا يصلح مستنداً ودليلاً للرجوع إليه في تحديد الحقوق والواجبات المطلقة.

          تعليق


          • #6
            رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)

            د) الحقيقة تترك بدلالة العادة


            هذه القاعدة تدخل تحت مسألة تعارض اللغة مع العرف.
            1- معنى الحقيقة في اللغة:
            من حقّ الشيء إذا ثبت. والمراد بالحقيقة هنا: دلالة اللفظ في أصل وضع اللغة، وهو المعبر عنه في اصطلاح البلاغيين: (اللفظ المستعمل فيما وُضع له). أي تعين له بحيث يدل عليه بغير قرينة، سواء كان التعيين من جهة واضع اللغة فيكون حقيقة لغوية ، أم غيره فيكون حقيقة عرفية أو شرعية.

            2- أقسام الحقيقة:
            1- حقيقة شرعية: كاستعمال لفظ الصلاة للصلاة المعروفة في الشرع، وهي الأقوال والأفعال المخصوصة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم.
            2- حقيقة لغوية: وهي استعمال الألفاظ العربية فيما وضعت لها كأسد للحيوان المفترس.
            3- حقيقة عرفية: وهي المرادة هنا بقوله(العادة) كاستعمال لفظ «الدابة» لذوات الأربع، مع أنه في اللغة لكل ما يدب على الأرض، وكالراوية، والغائط. فحقيقة هذه الأشياء صارت مغمورة غير معروفة. فالإطلاق لا ينصرف إليها بل إلى الحقيقة العرفية.

            3- معنى القاعدة:
            فتفيد القاعدة انه إذا تعارضت الحقيقة الشرعية أو اللغوية مع الحقيقة العرفية فإن المقدم هو الحقيقة العرفية، وهي المقصود بقوله (العادة).

            4- من فروعها:
            - حمل اليمين على العرف والعادة، فمن حلف لا يتكلم ثم قرأ القرآن، لا يحنث؛ لأن العرف لا يطلق الكلام إلا على كلام الآدميين،
            - وكذا لو حلف لا يأكل من هذه الشجرة، فلا يحنث بأكل ورقها، وإنما الحنث بأكل الثمرة؛ لأنها ما يؤكل عادة،
            - ولو حلف لا يتكئ على وتد لم يحنث بالجبل.

            تعليق


            • #7
              رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)

              هـ) التعيين بالعرف كالتعيين بالنص

              معنى القاعدة:
              أنَّ ما لم يرد تعيينه بالنص عليه من الشارع أو العاقد وكان فيه عرف، فكأنه نُص على تعيينه.

              ومن فروعها:
              1- مقدار النفقة للزوجة، فيكون لها من المأكل والملبس ما يقتضيه العرف، كالثوب والسراويل، وغيرها، ومن الطعام الأرز واللحم أو الدجاج ونحوه، فكأن ما ذكر قد نُص عليه من الشارع.
              2- أن من لم يفرض لها المهر، فيجب لها ما جرت العادة بإعطاء مثلها.

              تعليق


              • #8
                رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)

                و- المعروف عرفاً، كالمشروط شرطاً
                وفي لفظ: (الشرط العرفي، كالشرط اللفظي)


                معنى القاعدة:
                هي قريبة المعنى من القاعدة السابقة ومعناها أن ما جرى به العرف بين الناس لا يحتاج إلى اشتراط، لأنه معتبر، فيكون وجود العرف في البلد، كوجود الشرط في العقد.

                من فروعها:
                1- إذا استأجر أجيراً لعمل دون تحديد الثمن، فيستحق ما جرت العادة بمثله.
                2- ومنها لو اتفقا على البيع بمائة مثلاً حمل على نقد البلد لأنه هو الذي جرت العادة بالتبابع به، فلم يحتج إلى اشتراطه.

                تعليق


                • #9
                  رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)

                  عدد آخر من القواعد المندرجة تحت قاعدة العادة محكمة


                  ومن القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة الكبرى أيضاً:

                  أ- الإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي ، حيث إن العرف يجري مجرى النطق في أكثر من مائة موضع، منها *جواز صدقة المرأة باليسير من مال زوجها، *وتقديم الطعام أمام الآكلين إذن لهم بالأكل* وتعبيد الطريق في أرض دون مانع من المرور إذن بالمرور منه*

                  ب- كل حكم مبني على العرف والعادة إذا تغيرت تغير الحكم، وعبر عنها ابن القيم بقوله: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال"،
                  والمراد بهذه القاعدة أن ما كان مستنداً إلى العرف والعادة، فإنها إذا تغيرت تغير الحكم معها، ومن فروعها * هذه النقود الورقية الموجودة في كل البلاد فإن العادة أن البيع والشراء يتم بها فإذا تغيرت تغيرت الأحكام التي بنيت عليها.

                  ج- ما ورد به الشرع مطلقاً يحمل على العرف والعادة، وفي لفظ: ما ورد في الشرع مطلقاً من غير تحديد، ولا حد له في اللغة ولا في الشرع، فيجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة، ومن ذلك لفظ الحرز، فإنه لا تحديد له في اللغة ولا في الشرع، فيُرجع في تحديده إلى العرف، لذا فتختلف الأحراز باختلاف المحرزات.

                  د- العرف يخصص العموم: ( وفيه تفصيل). وذكرها ابن رجب في القواعد، ومن فروعها:
                  * لو حلف لا يأكل شواء لا يحنث بأكل البيض، أو الخضار المشوي ونحو ذلك، لأن العرف خصصه باللحم،
                  *ومنها لو حلف لا يلمس وتداً فلا يحنث بلمس الجبل، مع أن الله سمى الجبال أوتاداً، كما قال تعالى: ( والجبال أوتاداً)

                  تعليق


                  • #10
                    رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)

                    تم بعون الله الانتهاء من هذه السلسلة المباركة من الدروس المتعلقة بالقواعد الفقهية الكلية
                    (سلسلة شرح القواعد الفقهية الكبرى)
                    استخلصتها من كتاب
                    الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية
                    تأليف: الشيخ محمد صدقي البورنو
                    ومن محاضرات الدكتور عبد الملك محمد عبد الله السبيل
                    كلية الشريعة - جامعة أم القرى
                    المنشورة على الموقع الالكتروني للجامعة


                    والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به من قرأه أو اطلع عليه
                    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

                    بارك الله في كاتبته أم طارق

                    تعليق


                    • #11
                      رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)

                      جزاكم الله خيراً

                      إن شاء سأتابع الدروس بانتظام

                      وفقكم الله


                      قال الحسن البصري - رحمه الله :
                      استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                      [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                      تعليق


                      • #12
                        رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (6)

                        آمين وخيرا جزاكم

                        تعليق

                        يعمل...
                        X