Tweet
السؤال:
أرجو منكم التكرم بإعطائي الطريقة المناسبة لطلب العلم لطالب العلم المبتدئ.
الجواب:
من أهم القواعد في مجال التفقه في دين الله عز وجل ، وفي مجال طلب العلم الشرعي الحرص على سلم التعلم الذي اصطلح عليه العلماء ، وذلك بأن تحرص على التدرج في سلم التعلم ، فالعلم لا ينال قفزاً ، فإذا قفزت فزلت بك قدمك في مجال التعلم فلا تلومن إلا نفسك ، لأنك بدلاً من أن تأتي البيوت من أبوابها أردت أن تقفز من فوق ،فإذا حاولت أن تستغني عن سلم التعلم وعن التدرج فإنك لن تصل إلى الفقه أبداً .
ماذا نقصد بسلم التعلم ؟
هناك من توهم أنه يمكن أن ينال العلم والفقه بلا تعب ولا نصب ، فيستغني عن مصنفات الأقدمين ، أو يستغني بقليل من الكتب عن باقيها ، ربما تشاهد من المتفقهين من اكتفى بكتاب ( تقريب التهذيب)لابن حجر، وكتاب ( نيل الأوطار ) للشوكاني فدخل رأساً في هذين الكتابين ، يظن أن علم الرواية أو علم الرجال الذي يمثله ( تقريب التهذيب )،وعلم أدلة الأحكام الذي يمثله (منتقي الأخبار)للمجد ابن تيمية، وشرحه ( نيل الأوطار)للشوكاني، يغنيان عن باقي السلم كله .
وقفت مرة في معرض كبير من معارض الكتب التي أقيمت في الرياض أتأمل ما يشتريه طلاب العلم ، فاستوقفت احد الطلاب وسلمت عليه وسألته عما اشترى من الكتب ، فإذا به اشترى ( فتح الباري شرح صحيح البخاري )للحافظ ابن حجر وَ(سير أعلام النبلاء ) للذهبي في خمسة وعشرين مجلداً في تراجم العلماء والخلفاء ونحوهم ، وهو من كتب علم الرجال .
فتعجبت من هذا الفتى الذي عمره لم يكفه بعدُ لكي يؤسس نفسه تأسيساً علمياً ، ولكي يتلقى الضروريات من العلم ، ومع ذلك قفز إلى هذه الموسوعات الكبرى من موسوعات العلم التي لا يصل إليها الإنسان إلا بعد أن يقطع سلم التعلم .
وفي سلم التعلم على المتفقه أن يحرص على التأسيس العلمي الصحيح المتقن ، عليه أن يبدأ بتلقي الأوليات في كل علم .
والبدء يكون بالتوحيد والفقه ، فعليك إذن يا متفقه أن تبدأ بهما ،ففي التوحيد عليك أن تتفقه بمثل الكتب التالية :
( كتاب التوحيد ) للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
ورسائله التي أسس فيها الضروري من مسائل الإيمان والتوحيد مثل : الأصول الثلاثة ، ومسائل الجاهلية .
ثم تنتقل إلى بعض كتب شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني الدمشقي مثل : الواسطية ، والحموية ، والتدمرية .
فإذا تلقنت هذه الكتب وفهمتها تنتقل منها إلى :
( العقيدة الطحاوية ) لأبي جعفر أحمد بن سلامة الأزدي المصري الحنفي المتوفي سنة 321هـ ، بشرح ابن أبي العز الحنفي الدمشقي المتوفي سنة 712هـ .
فإذا ما فهمت العقيدة الطحاوية بشرحها هذا ودرستهما جيداً ، وأردت أن تتوسع في فقه الإيمان فلتدرس أبواب ( الإيمان ) و ( التوحيد ) و( الاعتصام بالسنة ) من صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، والدارمي ، ونحو ذلك من أمهات السنة .
هذا هو سلم التعلم في أول علم يجب عليك تعلمه وهو ( التوحيد ) .
أما فقه الشريعة فسلم التعلم فيه يبدأ بأن تختار متناً من متون المذهب الواضحة الميسرة التي تسلم من التعقيدات اللفظية .
ففي المذهب الحنبلي أختار لك ( عمدة الفقه ) لابن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي أبي محمد عبدالله بن أحمد المتوفي سنة ( 620) هـ ، أو (منار السبيل) للشيخ إبراهيم بن محمد ابن سالم بن ضويان المتوفي سنة 1353هـ وكتابه شرح علي متن الدليل للشيخ مرعي بن يوسف المتوفي 1033هـ أو زاد المستقنع الذي هو اختصار للمقنع ، ومؤلف الزاد موسى بن أحمد الحجاوي المتوفي سنة 960هـ .
فإذا فهمت متناً من هذه المتون الثلاثة ، تكون قد أخذت الضروري من الأحكام والمسائل ، خاصة الأحكام العملية التي تتعلق بالعبادات والبيوع والنكاح ونحو ذلك ، فيمكنك أن تنتقل حينئذٍ إلى الكافي أو المقنع ، ثم إذا انتهيت من ذلك كله وصلت في المرحلة الثالثة إلى المغني وكل هذه الكتب الثلاثة لابن قدامة رحمه الله .
أما إذا كنت مالكياً فيمكنك أن تبدأ بالرسالة لابن أبي القيرواني أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن المتوفي سنة 386هـ وهو متن تعود طلبة العلم المالكيون على أن يبدأوا به التفقه في المذهب .
وإذا كنت شافعياً فعليك بالمنهاج للنووي أبي زكريا يحيى بن شرف المتوفي سنة 676هـ ، أو المهذب لأبي إسحاق الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف المتوفي سنة 486هـ وهو المتن الذي شرحه النووي بكتابه الكبير المجموع الذي يعد من موسوعات الفقه المقارن .
وإذا كنت حنفياً فابدأ بمتن( الهداية ) للمرغيناني برهان الدين علي بن أبي بكر المتوفي سنة 593هـ ، وهو من أنفس متون الفقه الحنفي وأجلها وأغزرها بالفقه والأدلة ، وعليه شروح كثيرة من أنفعها شرح ( فتح القدير ) للكمال ابن الهمام ، وشرح ( البناية ) للبدر العيني .
تبدأ بهذه المتون الفقهية فتقرؤها وتدرسها وتحفظها إن أمكن ، لأنها لخصت لك المسائل والأحكام الشرعية ، وأحسن هذه المتون الذي يذكر لك الدليل مع الحكم الشرعي ولو في بعض الأحيان ، مثل ( عمدة الفقه ) لابن قدامة الحنبلي ، و ( الهداية ) للمرغيناني الحنفي ، هذه متون تعطيك ملخصاً جامعاً للأحكام الشرعية ، وتطعم هذه الأحكام بالأدلة بشكل لا يحيرك ولا يعقد عليك التلقي ، بأسلوب خفيف ميسر يليق بالمبتدئ .
وبتلقي الفقه بواسطة هذه المتون الفقهية المذهبية تكسب شيئاً آخر ، تكسب اللغة الفقهية ، لأن هذه المتون صيغت بلغة علمية فقهية راقية ، فلغتك العلمية نفسها ، إن كانت لك لغة علمية ، تتحسن كثيراً وتتطور ، تصبح متفقهاً يحسب لكل كلمة حسابها ، لا يتكلم بحشو ولا تكرار ، ولا يجعجع بما لا طائل من ورائه ، لأن من عادة الفقهاء في المتون الفقهية أن كل كلمة يضعونها تدل على مسألة أو حكم في الغالب .
وأما في علوم المسائل-أي علوم الآلة- :
ففي(التجويد) : العمدة فيه على التلقي مباشرة من فم ( المقرئ ) ، هذه هي الوسيلة الرئيسية لتجويد القرآن ، لكن يستحسن علماء هذا الفن أن تتعلم التجويد من خلال مختصر يلخص لك أبواب التجويد المتعلقة بتصحيح النطق ، وأحسن ما تحفظ بواسطته أحكام هذا العلم ومسائله ( المنظومات ) ، وأحسن المنظومات في هذا العلم ( المقدمة الجرزية ) .
وفي ( النحو والصرف ) : اعتاد المتفقهون إلى اليوم أن يبدأوا بدراسة ( الآجرومية ) ، فإذا أتقنوها انتقلوا إلى ( ملحة الإعراب ) للزمخشري ، فإذا اتقنوا هذه المنظومة انتقلوا إلى ( ألفية ابن مالك ) ، فإذا كان هناك بقية من عمر وهمة وأراد المتفقه التبحر في هذا العلم بعد انتهائه من العلوم الضرورية يدرس ( الكافية الشافية ) لابن مالك ويحفظها .
وفي ( المصطلح ) : يبدءون بنظم ( البيقونية ) ، فإذا اتقنوها وحفظوها انتقلوا إلى متن ( نخبة الفكر) للحافظ ابن حجر ، فإذا اتقنوا ( النخبة ) انتقلوا إلى ( مقدمة ابن الصلاح ) في علوم الحديث ، أو إلى ( علوم الحديث ) للحافظ ابن كثير ، ثم بعد ذلك من يريد التبحر في هذا العلم عنده من الكتب الموسعة والمنظومات شيء كثير ، مثل ( ألفية الحافظ العراقي ) و ( الفية السيوطي ) ونحو ذلك من المطولات .
في ( أصول الفقه ) : اعتاد المتفقهون أن يبدأوا بمتن من متونه المختصرة ، إن كنت حنبلياً فـ( روضة الناظر ) لابن قدامة ، وإن كنت شافعياً أو مالكياً فـ( الورقات ) لإمام الحرمين ، وإن كنت حنفياً فـ( المنار) للنسفي أبي البركات عبدالله بن أحمد المعروف بحافظ الدين النسفي المتوفي سنة 710هـ .
وفي (التفسير ): يبدأون بتفسير ( الجلالين ) ثم ( البيضاوي ) ثم تفسير ابن كثير ، وسبب تأخير تفسير ابن كثير بعد الجلالين والبيضاوي ؛ لأن تفسير ابن كثير فيه ( اسرائيليات ) وروايات حديثية تحتاج إلى طالب علم متبصر ، وإلا فهو من أجل التفاسير قدراً .
وفي ( الحديث ) : يبدأون بمتون أدلة الأحكام ، مثل ( عمدة الأحكام ) للحافظ عبد الغني ابن عبدالواحد الجماعيلي المقدسي المتوفي سنة ( 600) هـ أو بلوغ المرام ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، أو نحو ذلك من كتب أحاديث الأحكام .
هذا التأسيس والتدرج في سلم التعلم ضروري لكل متفقه ، بعد ذلك فليتوسع وليتبحر فيما يشاء ويختار من العلوم .
وهذا السلم لابد من المحافظة عليه فإذا أحكمت هذا التأسيس العلمي ، عندئذٍ تصل إلى علوم الاجتهاد، فإن كان عندك بقية من همة عالية وقريحة وقادة فلتدرس علوم الاجتهاد ، مثل: ( علم التخريج ) و ( علم الإسناد والرواية ) وشروح الحديث الكبرى مثل ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) للحافظ ابن حجر ، وشرح النووي على صحيح مسلم ، وشرح العيني ( عمدة القاري ) ونحو ذلك من الموسوعات العلمية ، ومثل موسوعات الفقه المقارنة بين مذاهب أهل العلم ، وكتب الخلاف ، وأدلة المذاهب ، ونحو ذلك من أمهات الفقه الكبرى .
يجب المحافظة على سلم السلف في التعلم ، وإلا فيخاف على المتفقه إذا استعجل وقفز أن يقع في البدع ؛ لأنه يخشى عليه حينئذٍ من شطط الفهم .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرجع/ كتاب (برنامج عملي للمتفقهين) لعبد العزيز القارئ.
تعليق