إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)






    الدرس الرابع: القواعد الكلية الكبرى

    تحدثنا في الدرس الأول من هذه السلسلة عن القواعد الفقهية من حيث نشأتها ومصادرها وأقسامها، وفي الدرس الثاني تناولنا القاعدة الكبرى الأولى (قاعدة الأمور بمقاصدها). ثم تناولنا في الدرس الثالث القاعدة الكبرى الثانية (قاعدة اليقين لا يزول بالشك) ، والآن جاء دور القاعدة الكبرى الثالثة وهي:

    3- القاعدة الكبرى الثالثة: المشقة تجلب التيسير


    1- شرح ألفاظ القاعدة:
    المشقة: من شق عليه الشيء يشق شقاً، إذا أتعبه، وأجهده وعنّاه، كقوله تعالى:(وتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)

    تجلب: الجلب، سَوقُ الشيء من موضع إلى موضع، ومنه نهيه صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجَلَب.

    التيسير: التسهيل، والتخفيف، والسهل ضد الصعب.

    2- معنى القاعدة:
    هذه القاعدة من أوضح الأدلة على رفع الحرج في هذا الشريعة الغراء، وتؤكد قول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، وهي تفيد: أن ما يحصل على المكلف من مشقة بسبب العبادة، فإن هذه المشقة توجب له التسهيل والتخفيف، إما بسقوط العبادة برمتها، أو التخفيف من بعض تكاليفها.

    1:2 أنواع المشاق:
    قسم العلماء المشاق إلى قسمين:
    أ- مشاق لا تنفك عنها العبادة، كمشقة الجهاد، أو الصوم أو الحج، وكمشقة إخراج المال الزكوي –وبالأخص إذا كثر- على بعض النفوس ب- مشاق تنفك عنها العبادة غالباً وهي على ثلاثة أنواع:
    1- مشقة عظيمة فادحة كالخوف على النفس من الهلاك إن اغتسل بسبب مرض بجرح أو برد شديد، ونحوه.
    2- مشقة خفيفة كأدنى وجع في أصبع أو سن ونحوه، وإذا أصابه ماء الوضوء حصل له هذا الألم الخفيف، فيقال لا أثر لهذه المشقة.
    3- مشاق واقعة بين تلك المشقتين، فينظر: فما دنا من أحدهما ألحق به.
    لذا فقد وضع العلماء بناء على هذا ضوابط للمشقة، إذا تحققت حصل التيسير، وهذه الضوابط هي:

    2:2 ضوابط المشقة:
    1- أن لا تكون من المشاق التي لا تنفك عنها العبادة غالباً، لأن هذه لا تؤثر في التخفيف، بل هي مرادة للشارع، وهي جزء من المقصود بالتكليف، بل إنما التكليف لما فيه من الكلفة وشيء من مشقة، فلذا فإن المشقة وحصول التعب الشديد والتعرض للقتل الحاصل من الجهاد، ليست مشقة مسقطة للتكليف، ولا المشقة في طلب العلم والسهر في تحصيله مسقطة له، ولا مشقة الصوم مسقطة له، ولا مشقة الوضوء بالماء البارد في الشتاء مسقطة له وهكذا... وكذلك فقد أمرنا الله تعالى بالقصاص، وبرجم الزاني المحصن، وقطع يد السارق، ولاشك أن في هذا مشقة سواء على المقام عليه الحد، أو مقيمه، فلا يَسقط حكمها.

    2- أن تكون المشقة خارجة عن المعتاد في مثلها، وإن أمكن فعل العبادة معها، وقال الشاطبي رحمه الله في وصفها: «التي تشوش على النفوس في تصرفها، ويقلقها القيام بما فيه تلك المشقة سواء كان ذلك في الحال أو المآل»، والمعنى كما ذكر أيضاً: إن هذه المشقة الحاصلة يؤدي الدوام عليها إلى الانقطاع عن العمل، أو عن بعضه، أو وقوع خلل في صاحبه في نفسه أو ماله، أو حال من أحواله. ومن أمثلتها:
    - المريض في رمضان الذي يخاف من الصوم زيادة مرض أو بطء البرء أو تأخيره.
    - الخوف من الاغتسال للجنابة من شدة البرد بأن لا يجد مكاناً يؤويه ولا ثوباً يتدفأ به، ولا ماء مسخناً ، فجاز له التيمم.
    - المريض مرضاً شديداً يشق عليه الوقوف معه، يصلي جالساً.

    3- أن تكون المشقة واقعةً حقيقة لا توهماً؛ لأنه ربما ظن المكلف عدم قدرته وهو قادر، يدل على هذا أن بعضاً من الناس يمنع الصغير من الصوم بزعم المشقة التي تحصل له، فإذا صام لم ير للمشقة المظنونة أثر، أو كالمريض الذي يفطر في نهار رمضان لكونه مريضاً دون أن يتيقن حصول المشقة له في الصوم، وهذا أمر مهم يجب التنبه له وتنبيه الناس عليه، ولكن إذا كانت المشقة مظنونةً ظناً غالباً فإن الظن الغالب كالمحقق.

    3:2 ضوابط التيسير:
    1- التحقق من حصول المشقة التي تستدعي التيسير.
    2- التحقق من حصول التيسير.
    3- طلب التيسير من الوجه الذي شرعه الشارع.
    4- عدم ترتب مفسدة على التيسير عاجلا أو آجلاً.
    5- عدم مخالفة التيسير للنصوص الشرعية.

    4:2 أسباب التخفيفات:
    الشارع الحكيم جل وعلا رأفة بالعباد، وتخفيفاً عليهم، ورفعاً للحرج والمشقة عنهم، جعل أسباباً إذا وجدت خفف بها عنهم بعض ما كلفهم به، وحصر العلماء الأسباب في أمور سبعة، هي: السفر- المرض- الإكراه- النسيان- الجهل- النقص- العسر وعموم البلوى .
    ونورد صوراً من التخفيفات التي حصلت بهذه الأسباب:

    1- السفر: ومن صور التخفيف: قصر الرباعية، الجمع بين الصلاتين، الفطر، وغير ذلك، وبعض العلماء يشترط أن يكون السفر لغير المعصية، فإن كان السفر لمعصية لم يستبح بالسفر ما حرم عليه قبله، ولذا جاءت القاعدة الفقهية:« الرخص لا تناط بالمعاصي».

    2- المرض: فللمريض -غير القادر- أن يصلي قاعداً، فإن عجز فمستلقياً، فإن عجز أومأ إيماء، وإذا عجز عن الصيام أفطر، ومن ذلك سقوط الصيام عن الحائض لأنه نوع مرض، وربما أرهقها ذلك بسبب الخارج، وإذا لم يستطع استعمال الماء تيمم، كما له أن يمسح على الجبيرة، وله أن يستنيب في الحج، ونحو تلك التخفيفات.
    3- الإكراه، وخفف الله به عن المكرَه ما يكون فيه الإكراه ملجئاً، وضابط الإكراه الملجئ: ما توفر فيه شروط:
    أ- أن يخشى فيه على النفس أو عضو منها.
    ب- أن يكون المكرِهُ قادراً على تنفيذ ما هدد به.
    ج- أن يغلب على ظن المكرَه تنفيذ المكرِه ما هدد به.
    ومن أمثلة ذلك، أن يكرهه على قول كلمة الكفر، فيقولها، ولكن إن أكرهه على القتل أو الزنا، فقال العلماء: يحرم عليه الفعل.

    4- النسيان: وقد رفع الله تعالى عن المكلفين إثم النسيان قال تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، والحرج المرفوع هنا هو الإثم، فإن الناسي لا إثم عليه؛ لأن في تحميله الإثم مشقة عليه وحرج، والشريعة جاءت بالتيسير ورفع الحرج، فيكون هذا متعلقاً بحقوق الله الأخروية، وأما الحقوق الدنيوية فلا يؤثر النسيان عليها، فمن أكل مال غيره ناسياً فيجب عليه بدله،وهنا قاعدة وضعها الفقهاء فقالوا: «النسيان إنما يؤثر في جعل الموجود معدوماً لا في جعل المعدوم موجوداً» فمن أكل ناسياً، كأنه لم يوجد فعل الأكل، ولكن من ترك صلاة ناسياً فلا يعتبر انه صلاها فلا تلزمه، ومثاله في الحج فمن نسي وغطى رأسه لاشيء عليه، فجعلنا الموجود وهو تغطية الرأس معدوم فلا كفارة، ولكن من ترك واجباً ناسياً، فلا يقال: لا شيء عليه؛ لأن النسيان لايجعل المعدوم وهو الواجب هنا موجوداً.

    5- الجهل: وهو ضد العلم وفي الاصطلاح، اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه، فمن ارتكب محرماً من المحرمات جاهلاً أنه محرم، فلا عقاب عليه، ومن جهل حكم شرب الخمر فلا حد عليه، وهكذا، لكن يجب أن يلاحظ أنه ليس كل من ادعى الجهل يصدق، ولكن إذا ظهرت أمارات صدقه وإلا فلا، فلا يقبل من عاش بين المسلمين وفي حواضر بلدانهم، دعوى عدم علمه بتحريم الخمر مثلاً، وكذا لا يحكم بكفر من استحل معلوماً من الدين بالضرورة بمجرد استحلاله، لذا أورد الإمام ابن قدامة رحمه الله ضابطاً في هذا فقال: «كل جاهل بشي يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يُعَرَّف ذلك وتزول عنه الشبهة ويستحله بعد ذلك»، وينبه هنا أن الجهل لا يسقط حق الغير، فمن أتلف مال غيره جهلاً ضمنه، فليس الجهل بعذر في حقوق العباد.

    6- النقص: هو لغة الضعف، والمراد بالنقص هو عدم الكمال، وقد خفف الله عمن كان فيه شيء من النقص، ومن هؤلاء غائب العقل ، والعبد، والمرأة، ويدخل في غائب العقل: المجنون، والمعتوه، والنائم، والمغمى عليه، فهذه العوارض إذا عرضت للإنسان بعد كمال أهليته أثرت في تكليفه، وخففت عنه، فلذا فليس على المجنون تكليف، وكذا المعتوه، وإن كانت تصح منه إن عقلها، وجعلوا حكمه حكم الصبي المميز، وأما النائم فلا تكليف عليه، فلو طلق أو قذف وهو نائم فلا مؤاخذة عليه، وكذا الحكم في المغمى عليه.
    وأما العبد فمن التخفيفات التي حصلت بسبب رقِّه: سقوط الجمعة والجماعة عنه، وكذا الحج والعمرة، وخفف عنه في العقوبة فكان على النصف من الحر.
    وأما المرأة فخفف عنها بإسقاط الصوم والصلاة حال حيضها وحال نفاسها، وسقوط طواف الوداع عنها إذا حاضت ولم تطف، وعدم وجوب الجمعة والجماعة عليها.

    7- العسر وعموم البلوى: والمراد به ما لا يمكن التحرز عنه عند أكثر الناس، فإذا كان من هذا النوع فلا يلزم المكلف التزامه، ومن ذلك رذاذ البول الذي لا يُرى لصعوبة التحرز منه، وهو مما تعم به البلوى، وكذلك العفو عن دم البراغيث والبعوض، وما يكون في أرجل الذباب من النجاسات، ونحو ذلك.

    5:2 أنواع التخفيفات:
    وهي سبعة أنواع:
    1- تخفيف إسقاط: كسقوط الجمعة والصوم عن المسافر أو المريض ونحوهم
    2- تخفيف تنقيص: كقصر الرباعية في السفر إلى اثنتين.
    3- تخفيف إبدال: كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم، والقيام بالقعود للعاجز، ونحو ذلك
    4- تخفيف تقديم: كتقديم إحدى الصلاتين إلى الأخرى حال الجمع
    5- تخفيف تأخير: كتأخير إحدى الصلاتين المجموعتين مع التي تليها.
    6- تخفيف ترخيص: كصلاة المتيمم مع الحدث، وشرب الخمر للغصة، والتلفظ بالكفر عند الإكراه.
    7- تخفيف تغيير: كتغيير هيئة الصلاة كما في صلاة الخوف.

    التعديل الأخير تم بواسطة ام هالة30; الساعة 04-10-2013, 05:16 PM.

  • #2
    رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

    - أدلة القاعدة:
    أدلة هذه القاعدة متكاثرة في الكتاب والسنة، نذكر بعضاً منها:
    أولاً: من الكتاب:
    1- قوله تعالى:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
    2- قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)،
    3- قوله تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا )
    4- قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
    5- قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
    ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لن يغلب عسر يسرين).

    ثانياً: من السنة:
    1- قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا)
    2- قوله صلى الله عليه وسلم : (بعثت بالحنيفية السمحة)
    3- ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.

    ثالثاً: ما ثبت من مشروعية الرخص:
    وهذا أمر مقطوع به ومما علم من دين الأمة بالضرورة: كرخص القصر، والفطر والجمع، وتناول المحرمات في الاضطرار، فإن هذا نمط يدل قطعاً على مطلق رفع الحرج والمشقة.
    وكذلك ما جاء في النهي عن التعمق والتكلف، وعن كل ما يسبب الانقطاع عن دوام الأعمال.

    4- من فروع القاعدة:
    1- تشريع الرخص عموماً، وهذا من فروع القاعدة وأدلتها أيضاً، فللمسافر القصر والجمع، وللمضطر أكل الميتة ولحم الخنزير، وللمصلي التيمم عند عدم الماء أو الخوف من استعماله، وإساغة اللقمة بالخمر للغاص، وإباحة السلم والإجارة ونحوها، فكل هذه من الرخص التي شرعها الله تيسيراً على العباد بسبب حصول المشقة في فعلها.
    2- ليس على قيم المسجد الذي يتكرر دخوله صلاة تحية المسجد كلما دخل.
    3- جواز النطق بكلمة الكفر عند الضرورة.
    4- إذا اشتبهت أخته مع غيرها في بلد كبير، لا يجب عليه أن يتحرى، للمشقة الحاصلة بذلك.
    5- إذا وقعت نجاسة في مكان واسع صلى حيث شاء.

    تعليق


    • #3
      رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

      - من القواعد المندرجة تحت قاعدة: المشقة تجلب التيسير:

      أ- قاعدة "إذا ضاق الأمر اتسع"
      ب- قاعدة "إذا اتسع الأمر ضاق"

      1- معنى القاعدة:
      ذكر الحموي: أن هذه القاعدة مرادفة لقاعدة المشقة تجلب التيسير، وقال تاج الدين السبكي: «المشقة تجلب التيسير وإن شئت قلت: إذا ضاق الأمر اتسع »
      وتفيد أن الأمر إذا ضاق بحيث حصل منه مشقة، فإنه يتسع بحيث لا تبقى معه مشقة.
      وأحياناً يضاف إلى هذه القاعدة: وإذا اتسع ضاق.
      والمعنى: إذا حصلت ضرورة عارضة للشخص أو الجماعة أو طرأ ظرف استثنائي أصبح معه الحكم الأصلي للحالات العادية محرجاً للمكلفين ومرهقاً لهم حتى يجعلهم في ضيق من التطبيق، فإنه يخفف عنهم ويوسع عليهم حتى يسهل ما دامت تلك الضرورة قائمة، فإذا انفرجت الضرورة وزالت عاد الحكم إلى أصله، وهذا معنى "إذا اتسع الأمر ضاق".

      2-أدلة القاعدة:
      1- قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
      وجه الدلالة: إنّ الأمر إذا ضاق فهو عسر، واليسر يقتضي التوسعة، وهو نص الآية.

      2- قوله تعالى: "إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا * وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا".
      وجه الدلالة: ففي الآيتين الأولين دليل القاعدة الأولى، حيث إن الله سبحانه خفف على المؤمنين في حال الخوف فأباح لهم قصر الصلاة وتغيير كيفية أدائها وشرع لهم صلاة الخوف. وفي الآية الثالثة دليل القاعدة الثانية، حيث أمرهم سبحانه عند الاطمئنان وزوال حالة الخوف بإتمام الصلاة وأدائها على كيفيتها الأصلية.

      3- من فروع القاعدة:
      1- من به سلس بول فإنه يتوضأ وضوء واحدا فقط لكل صلاة ولو خرج منه شيء فلا يعيد وضوءه.
      2- قبول شهادة النساء فيما لا يطلع عليه إلا الرجال.
      3- قبول شهادة الصبيان فيما يحصل بينهم.
      4- إباحة أكل الميتة للمضطر، أو أكل مال الغير حفظاً للحياة.

      تعليق


      • #4
        رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

        ج- الضرورات تبيح المحظورات


        1- معنى القاعدة:
        أ- في اللغة: الضرورات جمع ضرورة مأخوذة من الاضطرار وهو الحاجة الشديدة. والضروري هو ما لا يحصل وجود الشيء إلا به كالغذاء الضروري بالنسبة للإنسان.
        والمحظورات جمع محظورة والمراد بها هنا الحرام المنهي عن فعله.

        ب- معنى القاعدة اصطلاحاً: أن ما حرمه الشارع، فإنه يباح تناوله عند الضرورة إليه، فينقلب عندئذ الحرام حلالا، والخبيث طيباً.

        تحديد الضرورة: «أَنْ يَخَافَ التَّلَفَ إمَّا مِنْ جُوعٍ أَوْ يَخَافَ إنْ تَرَكَ الْأَكْلَ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ، وَانْقَطَعَ عَنْ الرُّفْقَةِ فَيَهْلِكَ، أَوْ يَعْجِزَ عَنْ الرُّكُوبِ فَيَهْلِكَ، وَلَا يَتَقَيَّدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ؛ لِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فِي ذَلِكَ".
        وعرفها علي حيدر بقوله: «الضرورة هي الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعاً» .
        فمن بلغ به الحال إلى هذا الحد جاز له الترخص بارتكاب المحظور، وأما إذا كان الأمر متعلقاً بالطعام والشراب، فيجب عليه الأكل من الميتة، والشرب من النجس ونحوه.

        2- شرط القاعدة:
        اشترط بعضهم لتطبيق القاعدة: أن يكون ارتكاب المحظور أقل ضررا من تركه، أما إن كان مساويا أو أعلى منه فلا، لذا ذكر بعضهم القاعدة بقيدها فقال: "الضرورات تبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها"، ومن أمثلتها:
        - عدم حل قتل معصوم لينجو آخر.
        - إذا دفن الميت بلا تكفين لا ينبش عليه، لأن مفسدة هتك حرمته أشد من مفسدة عدم تكفينه، والتستر بالتراب قام مقامه.

        3- أدلة القاعدة:
        1- قوله تعالى: (إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)،
        2- وقوله تعالى: (مَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)
        3- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي قَمِيصٍ مِنْ حَرِيرٍ مِنْ حِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا.
        4- عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ: (أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ).

        من فروع القاعدة:
        1- جواز الأكل من الميتة للمضطر.
        2- جواز إساغة اللقمة بالخمر للغاص.
        3- جواز تبرع الحي بكليته لمن خيف هلاكه.
        4- إباحة اتخاذ الرجل أنفاً من ذهب لضرورته إليه.
        5- جواز أكل الدم الذي يكون في عروق المأكول ولو ظهرت حمرته لأنها ضرورة .
        6- جواز قتل الصائل. (إذا لم يمكن دفعه بدون القتل)
        7- جواز غصب المضطر لطعام احتاج إليه، ولم يعطه.
        8- جواز إيداع المال في البنوك الربوية للمضطر إلى ذلك.
        9- جواز الغيبة للضرورة؛ لأجل إزالة منكر أو التحذير ونحو ذلك.

        تعليق


        • #5
          رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

          د-الضرورة تقدر بقدرها


          1- معنى القاعدة:
          هذه القاعدة قيد للقاعدة السابقة: «الضرورات تبيح المحظورات»، فتفيد أن الضرورة إنما تباح بالقدر الذي تزول مع الضرورة، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
          وكل محظور مع الضرورة بقدر ما تحتاجه الضرورة

          2- دليل القاعدة:
          1- قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، ومن اندفعت ضرورته فهو مستطيع، فوجب عليه أن يتقي الله، وأن يترك ما زاد على حاجته.
          2- قوله تعالى: (...فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ومن زاد في الترخص بما زاد على ضرورته فهو باغ ومعتد.

          3- فروع القاعدة:
          1- من أبيحت له الميتة أكل منها بقدر ما يسد رمقه، وليس حتى الشبع.
          2- من أبيح له قول كلمة الكفر عند الإكراه فيقتصر منها على ما يدفع عنه الإكراه، فإن استطاع التعريض لم يجز له التصريح.
          3- ومن أبيح له كشف عورته كشف منها قدر الحاجة.
          4- أن من جازت له الغيبة فيقتصر منها على قدر ما يحتاج إليه الحال.
          5- أنَّ للمسلم أن يدفع الصائل بالأخف فالأخف، فإن اندفع بالصياح لم يدفع بالضرب، وإن اندفع بالضرب لم يدفع بالجرح.....
          6- الجبيرة يجب ألا تستر من العضو الصحيح - في مواطن الغسل- إلا بقدر ما لا بد منه في استمساك الجبيرة، فلو زاد لم يصح المسح عليها ولا الاكتفاء بغسل ظاهرها.

          تعليق


          • #6
            رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

            هـ - الاضطرار لا يبطل حق الغير


            1- معنى القاعدة:
            تفيد القاعدة أنه إذا أجازت الضرورة الاعتداء على أموال الغير، فإنه لا تسقط الحق المالي الواجب فيه، فإن الاضطرار يسقط إثم الفعل فقط، والعقوبة البدنية المترتبة على الفعل، دون الحق المالي.

            2- شرط تطبيق القاعدة:
            يشترط هنا أن لا يكون الغير معتدياً، أو ظالماً بالمنع، فلا ضمان إذن.
            ولذا ذكر ابن رجب في هذا قاعدة فقال: «القاعدة السادسة والعشرون: من أتلف شيئا لدفع أذاه له، لم يضمنه وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه».

            3- دليل القاعدة:
            1- قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، وفي إبطال حق الغير ضرار، والحديث جاء بمنعه.
            2- فعل عمر رضي الله عنه في غلمة حاطب بن أبي بلتعة، وإلزامه ضعفي قيمة الناقة التي ذبحها غلمانه.

            من فروع القاعدة:
            1- من دفعته ضرورته إلى أكل طعام الغير، وجبت عليه قيمته .
            2- من دفعته ضرورته إلى سكنى دار معدة للإيجار فعليه أجرة سكناه.
            3- من ألقى متاع غيره من سفينة ليخفف حملها ضمن.
            4- وجوب الفدية على من آذاه هوام رأسه فحلق شعره.
            5- من ركب سفينة وأشرفت السفينة على الغرق فألقى متاع غيره ليحفظها ضمنه.

            تعليق


            • #7
              رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

              و- الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة


              1- معنى القاعدة:
              وجاءت بلفظ:«الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة».
              والمراد بالقاعدة: أن الحاجة إذا عمت أكثر الناس فإنها تنزل منزلة الضرورة التي تكون لأحد الأفراد أو عمومهم، وليس معنى القاعدة أن الحاجة مطلقاً لأي شخص تنزل منزلة الضرورة، وإلا لكانت هي معنى الضرورة فلا معنى لإفراد الضرورة بإباحة فعل المحظور.

              قال في المنثور: « قَالَ شَارِحُهُ الْإِبْيَارِيُّ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الشَّرْعَ كَمَا اعْتَنَى بِدَفْعِ ضَرُورَةِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ لَا يَعْتَنِي بِهِ مَعَ حَاجَةِ الْجِنْسِ وَلَوْ مَنَعَ الْجِنْسَ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لَنَالَ آحَادُ الْجِنْسِ ضَرُورَةً تَزِيدُ عَلَى ضَرُورَةِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فَهِيَ بِالرِّعَايَةِ أَوْلَى »

              2-دليل القاعدة:
              1- يمكن الاستدلال بحديث ابن عباس رضي الله عنهما وطلبه من النبي صلى الله عليه وسلم استثناء الإذخر من حشيش مكة فاستثناه النبي صلى الله عليه وسلم ، فالحاجة إلى الإذخر ليست في حق كل احد ولكنها في حق كثيرين، ومع ذلك جاءت الرخصة عامة.

              3- من فروع القاعدة:
              1- جواز الجعالة مع ما فيها من الجهالة.
              2- جواز الحوالة مع أنها بيع دين بدين ولكنها جائزة للحاجة العامة.
              3- جواز بيع السلم والإجارة مع أنها بيع معدوم - وبيع المعدوم باطل - ولكنه جُوّز لحاجة الناس.
              4- جواز أن تكون الضَّبة اليسيرة في الآنية من الفضة.
              5- إباحة نظر الشاهد إلى وجه المرأة.

              تعليق


              • #8
                رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

                قواعد أخرى مندرجة تحت قاعدة المشقة تجلب التيسير:

                أـ ما جاز لعذر بطل بزواله:،
                - فمن جاز له التيمم فوجد الماء أو قدر على استعماله سقط عذره ووجب عليه الرجوع إلى الأصل.
                - من لبس الحرير لحكة وجب عليه خلعه عند زوال الحكة.
                - المومئ في الصلاة إذا قدر على القيام لزمه، والأمي إذا قدر على القراءة، والعاري إذا وجد ثوباً يلبسه لأن القيام والقراءة والستر فرض على القادر عليها والسقوط كان للعجز وقد زال.
                - المتيمم إذا وجد الماء وقدر على استعماله بطل تيممه.

                ب- ما حرم سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة :
                وعبر عنها بعضهم: "ما حرم تحريم وسائل يباح للحاجة". * ومن فروعها:
                - جواز النظر لوجه المرأة للحاجة، لأن تحريم النظر إليها تحريم وسائل،
                - نظر الخاطب إلى المرأة
                - جواز التبختر حال الحرب مع أنه منهي عن ذلك، للمصلحة الراجحة في إخافة العدو،
                - جواز الكشف عن العورة للحاجة.

                ج- لا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة :.
                والمعنى أنه إذا عجز عن الواجب لم يعد واجباً عليه فلا يلحقه إثم بذلك، ولا يعد تاركاً للواجب لأنه لا واجب عليه، وكذا الحرام إذا اضطر إليه فإنه يرتفع الحرام في حقه فيكون حلالاً، فينقلب الخبيث طيباً في حقه، ومن فروعها:
                - من دخل المسجد ووجد الصف قد اكتمل فلم يجد مكاناً فيه، ولم يجد من يقف معه، فيصح أن يصلي خلف الصف وحده، مع أنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف، إلا أن هذه مشقة أوجبت له التيسير.

                د- الميسور لا يسقط بالمعسور: بمعنى أن من قدر على بعض ما كلف به أتى منه بالقدر الذي يستطيع، ومن فروعها:
                - لو قدر المصلي على القيام في ركعة دون بقية الركعات وجب عليه القيام،
                - ومن قدر على استعمال الوضوء في بعض بدنه دون بعض استعمله فيما قدر عليه وتيمم للباقي،
                - ومن لم يجد سترة كاملة لبدنه ستر منها ما غلظ.

                هـ- إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل، ومن فروعها:
                - من لم يجد الماء أو خاف من استعماله فيصير إلى بدله وهو التيمم .

                د- المجهول في الشريعة كالمعدوم، أو المعجوز عنه: ومن فروعها:
                - إذا جهل مالك مالٍ من وديعة أو عارية ونحوها سقط وجوب الرد إليه،
                - ومن لم يعلم حكم مسألة فتكون في حقه كالمعدومة،
                - ومن أعطي مالاً لا يدري أحلال أم حرام فهو حلال لأن الحرمة مجهولة فكأنها معدومة.

                و- الحرج اللازم للفعل لا يسقطه،
                *ومن ذلك الجهاد وفيه مشقة التعرض للقتل وهو لازم للجهاد فلم يسقط.

                تعليق


                • #9
                  رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

                  المشاركة الأصلية بواسطة ام هالة30 مشاهدة المشاركة





                  الدرس الرابع: القواعد الكلية الكبرى

                  تحدثنا في الدرس الأول من هذه السلسلة عن القواعد الفقهية من حيث نشأتها ومصادرها وأقسامها، وفي الدرس الثاني تناولنا القاعدة الكبرى الأولى (قاعدة الأمور بمقاصدها). ثم تناولنا في الدرس الثالث القاعدة الكبرى الثانية (قاعدة اليقين لا يزول بالشك) ، والآن جاء دور القاعدة الكبرى الثالثة وهي:

                  3- القاعدة الكبرى الثالثة: المشقة تجلب التيسير


                  1- شرح ألفاظ القاعدة:
                  المشقة: من شق عليه الشيء يشق شقاً، إذا أتعبه، وأجهده وعنّاه، كقوله تعالى:(وتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)

                  تجلب: الجلب، سَوقُ الشيء من موضع إلى موضع، ومنه نهيه صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجَلَب.

                  التيسير: التسهيل، والتخفيف، والسهل ضد الصعب.

                  2- معنى القاعدة:
                  هذه القاعدة من أوضح الأدلة على رفع الحرج في هذا الشريعة الغراء، وتؤكد قول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، وهي تفيد: أن ما يحصل على المكلف من مشقة بسبب العبادة، فإن هذه المشقة توجب له التسهيل والتخفيف، إما بسقوط العبادة برمتها، أو التخفيف من بعض تكاليفها.

                  1:2 أنواع المشاق:
                  قسم العلماء المشاق إلى قسمين:
                  أ- مشاق لا تنفك عنها العبادة، كمشقة الجهاد، أو الصوم أو الحج، وكمشقة إخراج المال الزكوي –وبالأخص إذا كثر- على بعض النفوس ب- مشاق تنفك عنها العبادة غالباً وهي على ثلاثة أنواع:
                  1- مشقة عظيمة فادحة كالخوف على النفس من الهلاك إن اغتسل بسبب مرض بجرح أو برد شديد، ونحوه.
                  2- مشقة خفيفة كأدنى وجع في أصبع أو سن ونحوه، وإذا أصابه ماء الوضوء حصل له هذا الألم الخفيف، فيقال لا أثر لهذه المشقة.
                  3- مشاق واقعة بين تلك المشقتين، فينظر: فما دنا من أحدهما ألحق به.
                  لذا فقد وضع العلماء بناء على هذا ضوابط للمشقة، إذا تحققت حصل التيسير، وهذه الضوابط هي:

                  2:2 ضوابط المشقة:
                  1- أن لا تكون من المشاق التي لا تنفك عنها العبادة غالباً، لأن هذه لا تؤثر في التخفيف، بل هي مرادة للشارع، وهي جزء من المقصود بالتكليف، بل إنما التكليف لما فيه من الكلفة وشيء من مشقة، فلذا فإن المشقة وحصول التعب الشديد والتعرض للقتل الحاصل من الجهاد، ليست مشقة مسقطة للتكليف، ولا المشقة في طلب العلم والسهر في تحصيله مسقطة له، ولا مشقة الصوم مسقطة له، ولا مشقة الوضوء بالماء البارد في الشتاء مسقطة له وهكذا... وكذلك فقد أمرنا الله تعالى بالقصاص، وبرجم الزاني المحصن، وقطع يد السارق، ولاشك أن في هذا مشقة سواء على المقام عليه الحد، أو مقيمه، فلا يَسقط حكمها.

                  2- أن تكون المشقة خارجة عن المعتاد في مثلها، وإن أمكن فعل العبادة معها، وقال الشاطبي رحمه الله في وصفها: «التي تشوش على النفوس في تصرفها، ويقلقها القيام بما فيه تلك المشقة سواء كان ذلك في الحال أو المآل»، والمعنى كما ذكر أيضاً: إن هذه المشقة الحاصلة يؤدي الدوام عليها إلى الانقطاع عن العمل، أو عن بعضه، أو وقوع خلل في صاحبه في نفسه أو ماله، أو حال من أحواله. ومن أمثلتها:
                  - المريض في رمضان الذي يخاف من الصوم زيادة مرض أو بطء البرء أو تأخيره.
                  - الخوف من الاغتسال للجنابة من شدة البرد بأن لا يجد مكاناً يؤويه ولا ثوباً يتدفأ به، ولا ماء مسخناً ، فجاز له التيمم.
                  - المريض مرضاً شديداً يشق عليه الوقوف معه، يصلي جالساً.

                  3- أن تكون المشقة واقعةً حقيقة لا توهماً؛ لأنه ربما ظن المكلف عدم قدرته وهو قادر، يدل على هذا أن بعضاً من الناس يمنع الصغير من الصوم بزعم المشقة التي تحصل له، فإذا صام لم ير للمشقة المظنونة أثر، أو كالمريض الذي يفطر في نهار رمضان لكونه مريضاً دون أن يتيقن حصول المشقة له في الصوم، وهذا أمر مهم يجب التنبه له وتنبيه الناس عليه، ولكن إذا كانت المشقة مظنونةً ظناً غالباً فإن الظن الغالب كالمحقق.

                  3:2 ضوابط التيسير:
                  1- التحقق من حصول المشقة التي تستدعي التيسير.
                  2- التحقق من حصول التيسير.
                  3- طلب التيسير من الوجه الذي شرعه الشارع.
                  4- عدم ترتب مفسدة على التيسير عاجلا أو آجلاً.
                  5- عدم مخالفة التيسير للنصوص الشرعية.

                  4:2 أسباب التخفيفات:
                  الشارع الحكيم جل وعلا رأفة بالعباد، وتخفيفاً عليهم، ورفعاً للحرج والمشقة عنهم، جعل أسباباً إذا وجدت خفف بها عنهم بعض ما كلفهم به، وحصر العلماء الأسباب في أمور سبعة، هي: السفر- المرض- الإكراه- النسيان- الجهل- النقص- العسر وعموم البلوى .
                  ونورد صوراً من التخفيفات التي حصلت بهذه الأسباب:

                  1- السفر: ومن صور التخفيف: قصر الرباعية، الجمع بين الصلاتين، الفطر، وغير ذلك، وبعض العلماء يشترط أن يكون السفر لغير المعصية، فإن كان السفر لمعصية لم يستبح بالسفر ما حرم عليه قبله، ولذا جاءت القاعدة الفقهية:« الرخص لا تناط بالمعاصي».

                  2- المرض: فللمريض -غير القادر- أن يصلي قاعداً، فإن عجز فمستلقياً، فإن عجز أومأ إيماء، وإذا عجز عن الصيام أفطر، ومن ذلك سقوط الصيام عن الحائض لأنه نوع مرض، وربما أرهقها ذلك بسبب الخارج، وإذا لم يستطع استعمال الماء تيمم، كما له أن يمسح على الجبيرة، وله أن يستنيب في الحج، ونحو تلك التخفيفات.
                  3- الإكراه، وخفف الله به عن المكرَه ما يكون فيه الإكراه ملجئاً، وضابط الإكراه الملجئ: ما توفر فيه شروط:
                  أ- أن يخشى فيه على النفس أو عضو منها.
                  ب- أن يكون المكرِهُ قادراً على تنفيذ ما هدد به.
                  ج- أن يغلب على ظن المكرَه تنفيذ المكرِه ما هدد به.
                  ومن أمثلة ذلك، أن يكرهه على قول كلمة الكفر، فيقولها، ولكن إن أكرهه على القتل أو الزنا، فقال العلماء: يحرم عليه الفعل.

                  4- النسيان: وقد رفع الله تعالى عن المكلفين إثم النسيان قال تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وقال رسول الله
                  صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، والحرج المرفوع هنا هو الإثم، فإن الناسي لا إثم عليه؛ لأن في تحميله الإثم مشقة عليه وحرج، والشريعة جاءت بالتيسير ورفع الحرج، فيكون هذا متعلقاً بحقوق الله الأخروية، وأما الحقوق الدنيوية فلا يؤثر النسيان عليها، فمن أكل مال غيره ناسياً فيجب عليه بدله،وهنا قاعدة وضعها الفقهاء فقالوا: «النسيان إنما يؤثر في جعل الموجود معدوماً لا في جعل المعدوم موجوداً» فمن أكل ناسياً، كأنه لم يوجد فعل الأكل، ولكن من ترك صلاة ناسياً فلا يعتبر انه صلاها فلا تلزمه، ومثاله في الحج فمن نسي وغطى رأسه لاشيء عليه، فجعلنا الموجود وهو تغطية الرأس معدوم فلا كفارة، ولكن من ترك واجباً ناسياً، فلا يقال: لا شيء عليه؛ لأن النسيان لايجعل المعدوم وهو الواجب هنا موجوداً.

                  5- الجهل: وهو ضد العلم وفي الاصطلاح، اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه، فمن ارتكب محرماً من المحرمات جاهلاً أنه محرم، فلا عقاب عليه، ومن جهل حكم شرب الخمر فلا حد عليه، وهكذا، لكن يجب أن يلاحظ أنه ليس كل من ادعى الجهل يصدق، ولكن إذا ظهرت أمارات صدقه وإلا فلا، فلا يقبل من عاش بين المسلمين وفي حواضر بلدانهم، دعوى عدم علمه بتحريم الخمر مثلاً، وكذا لا يحكم بكفر من استحل معلوماً من الدين بالضرورة بمجرد استحلاله، لذا أورد الإمام ابن قدامة رحمه الله ضابطاً في هذا فقال: «كل جاهل بشي يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يُعَرَّف ذلك وتزول عنه الشبهة ويستحله بعد ذلك»، وينبه هنا أن الجهل لا يسقط حق الغير، فمن أتلف مال غيره جهلاً ضمنه، فليس الجهل بعذر في حقوق العباد.

                  6- النقص: هو لغة الضعف، والمراد بالنقص هو عدم الكمال، وقد خفف الله عمن كان فيه شيء من النقص، ومن هؤلاء غائب العقل ، والعبد، والمرأة، ويدخل في غائب العقل: المجنون، والمعتوه، والنائم، والمغمى عليه، فهذه العوارض إذا عرضت للإنسان بعد كمال أهليته أثرت في تكليفه، وخففت عنه، فلذا فليس على المجنون تكليف، وكذا المعتوه، وإن كانت تصح منه إن عقلها، وجعلوا حكمه حكم الصبي المميز، وأما النائم فلا تكليف عليه، فلو طلق أو قذف وهو نائم فلا مؤاخذة عليه، وكذا الحكم في المغمى عليه.
                  وأما العبد فمن التخفيفات التي حصلت بسبب رقِّه: سقوط الجمعة والجماعة عنه، وكذا الحج والعمرة، وخفف عنه في العقوبة فكان على النصف من الحر.
                  وأما المرأة فخفف عنها بإسقاط الصوم والصلاة حال حيضها وحال نفاسها، وسقوط طواف الوداع عنها إذا حاضت ولم تطف، وعدم وجوب الجمعة والجماعة عليها.

                  7- العسر وعموم البلوى: والمراد به ما لا يمكن التحرز عنه عند أكثر الناس، فإذا كان من هذا النوع فلا يلزم المكلف التزامه، ومن ذلك رذاذ البول الذي لا يُرى لصعوبة التحرز منه، وهو مما تعم به البلوى، وكذلك العفو عن دم البراغيث والبعوض، وما يكون في أرجل الذباب من النجاسات، ونحو ذلك.

                  5:2 أنواع التخفيفات:
                  وهي سبعة أنواع:
                  1- تخفيف إسقاط: كسقوط الجمعة والصوم عن المسافر أو المريض ونحوهم
                  2- تخفيف تنقيص: كقصر الرباعية في السفر إلى اثنتين.
                  3- تخفيف إبدال: كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم، والقيام بالقعود للعاجز، ونحو ذلك
                  4- تخفيف تقديم: كتقديم إحدى الصلاتين إلى الأخرى حال الجمع
                  5- تخفيف تأخير: كتأخير إحدى الصلاتين المجموعتين مع التي تليها.
                  6- تخفيف ترخيص: كصلاة المتيمم مع الحدث، وشرب الخمر للغصة، والتلفظ بالكفر عند الإكراه.
                  7- تخفيف تغيير: كتغيير هيئة الصلاة كما في صلاة الخوف.

                  جزاكم الله خيرا و نفع بكم

                  ملاحظة:
                  النقطة:4- النسيان هناك حديث مسبوق بقال تعالى.
                  التعديل الأخير تم بواسطة ام هالة30; الساعة 04-10-2013, 05:14 PM.

                  تعليق


                  • #10
                    رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

                    المشاركة الأصلية بواسطة ام هالة30 مشاهدة المشاركة
                    ]
                    الدرس الرابع: القواعد الكلية الكبرى
                    - أدلة القاعدة:
                    - من القواعد المندرجة تحت قاعدة: المشقة تجلب التيسير:

                    [/
                    جزاكم الله خيرا

                    تعليق


                    • #11
                      رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

                      المشاركة الأصلية بواسطة لطفيattou مشاهدة المشاركة
                      جزاكم الله خيرا و نفع بكم

                      ملاحظة:
                      النقطة:4- النسيان هناك حديث مسبوق بقال تعالى.
                      وإياكم
                      تم التعديل بارك الله فيكم

                      تعليق


                      • #12
                        رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

                        المشاركة الأصلية بواسطة لطفيattou مشاهدة المشاركة
                        جزاكم الله خيرا
                        بارك الله فيكم على حسن المتابعة

                        تعليق


                        • #13
                          رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)


                          ج- الضرورات تبيح المحظورات
                          د-الضرورة تقدر بقدرها
                          هـ - الاضطرار لا يبطل حق الغير
                          و- الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة
                          قواعد أخرى مندرجة تحت قاعدة المشقة تجلب التيسير:

                          تعليق


                          • #14
                            رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

                            المشاركة الأصلية بواسطة لطفيattou مشاهدة المشاركة
                            وإياكم
                            بارك الله فيكم

                            تعليق


                            • #15
                              رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (4)

                              جزاكم الله خيراً

                              قال الحسن البصري - رحمه الله :
                              استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                              [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                              تعليق

                              يعمل...
                              X