إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)







    الدرس الثالث: القواعد الكلية الكبرى

    تحدثنا في الدرس الأول من هذه السلسلة عن القواعد الفقهية من حيث نشأتها ومصادرها وأقسامها، وفي الدرس الثاني تناولنا القاعدة الكبرى الأولى (قاعدة الأمور بمقاصدها). والآن جاء دور الدرس الثالث ، وفيه نتحدث عن القاعدة الكبرى الثانية وهي:


    2 - القاعدة الكبرى الثانية: اليقين لا يزول بالشك

    هذه القاعدة الثانية من القواعد الكبرى، واتفق العلماء على اعتبار هذه القاعدة التي عمت فروعها جميع مسائل الفقه، حتى قال السيوطي رحمه الله: «إن المسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه أو أكثر».

    1- شرح ألفاظ القاعدة:
    معنى اليقين: لغة: العلم الذي لاشك معه، وقالوا: يقال للعلم الحاصل عن نظر واستدلال يقيناً، قال تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} ، أي: علمت علماً يقينياً أنها آيات من عند الله تعالى.
    اصطلاحاً [عند المناطقة والأصوليين]:«اعتقاد الشيء الجازم المطابق للواقع، غير ممكن الزوال».
    وبنحوه قيل: اعتقاد الشيء بأنه كذا، مع اعتقاد أنه لا يكون إلا كذا، مطابقاً للواقع غير ممكن الزوال.

    محترزات التعريف:
    قوله: «اعتقاد الشيء»: خرج به الشك لأن الشك لا اعتقاد فيه، لاستواء طرفيه.
    قوله: «الجازم» خرج به الظن.
    قوله: «المطابق» خرج به الجهل المركب، والذي هو اعتقاد جازم غير مطابق للواقع.
    قوله: «غير ممكن الزوال» خرج به علم المقلد؛ لأن المقلد يغير اعتقاده بتغيير من قلده.

    والفقهاء أدخلوا في معنى اليقين في هذه القاعدة الظنَّ الغالب فاعتبروه يقيناً وأوجبوا العمل به، لذا قال النووي رحمه الله : « واعلم أنهم يطلقون العلم واليقين ويريدون بهما الظن الظاهر لا حقيقة العلم واليقين، فان اليقين هو الاعتقاد الجازم وليس ذلك بشرط»

    2- تعريف الشك:
    الشك نقيض اليقين، إذا لا يجتمع في أمر واحد شك ويقين.
    ومعناه في اللغة، الضم و التداخل، لذا يقال: شككته بالدبوس أي: أدخلته في جسمه. وشك عليه الأمر، إذا التبس عليه.
    واصطلاحاً: قيل «ما استوى طرفاه»، وقيل: «تجويز شيئين لا مزية لأحدهما على الآخر»، وقيل: «هو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما». فإن ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو الظن، وإن طرحه فهو غالب الظن، وهو بمنزلة اليقين، وإن لم يترجح فهو وهم.
    وهذه التعاريف عند الأصوليين، وأما عند الفقهاء فهو: «مطلق التردد»، أي سواء كان الطرفان متساويين عند الشاك أو أحدهما راجحاً.

    المدركات العقلية:
    وقد رتب بعض الأصوليين المدركات العقلية كالآتي:
    1- اليقين: وهو جزم القلب مع الاستناد إلى الدليل العقلي.
    2- الاعتقاد: جزم القلب من غير استناد إلى الدليل العقلي، ومثلوا له باعتقاد العامي.
    3- الظن: وهو تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر.
    4- الشكك وهو تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، أي متساويين.
    5- الوهم: تجويز أمرين أحدهما أضعف من الآخر مع إدراك الجانب المرجوح.

    3- أقسام الشك:
    يقسم بعضهم الشك على عدة اعتبارات نذكر منها:
    أ‌- أقسام الشك باعتبار موضوعه، وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    1- الشك الطارئ على ما أصله حرام: مثاله شك في حل ذبيحة حيث إنه في بلد فيه مسلمون ووثنيون، أو رمى صيداً فوقع في الماء ووجده ميتاً، فشك هل مات بسبب رميته أم بغرقه، فيحرم؛ لأنه شك طرأ على أصل حرام، وهو أن الأصل في الذبائح الحرمة فتحرم، وكذلك لو خالط كلبُه كلاباً أخرى ولم يدر أصاده كلبه أو غيره لم يأكله لأنه لم يتيقن شروط الحل في غير كلبه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنك إنما سميت على كلبك ولم تسم علي غيره) رواه البخاري ومسلم.
    2- الشك الطارئ على ما أصله مباح، كما لو وجد ماء متغيراً، فشك هل تغيره بنجاسة أو بمكث، أم بشيء طاهر، فنقول الأصل في المياه الطهارة.
    3- الشك الطارئ على ما لا يعرف أصله، كمعاملة من أكثر ماله حرام، وشك هل ما أخذه من ماله من الحلال أم من الحرام، فلا تحرم معاملته، لعدم اليقين.

    ب‌- أقسام الشك باعتبار وقته: ينقسم إلى قسمين:
    1- الشك في أثناء العبادة: فإذا شك هل أتى في الصلاة بركن كذا أو لم يأت به، فالأصل أنه لم يأت به، ولذا قالوا من شك في ترك ركن فكتركه، ولذا جاء النص على هذا في الحديث الصحيح: من قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ).
    2- الشك بعد الفراغ من العبادة: وهذا لا يلتفت إليه، لأن سببه في الغالب الوساوس الشيطانية، وإلا لما تأخر هذا إلى الانتهاء من العبادة، وأيضاً فإن العبادة قد انقضت بيقين، حيث لم يحصل الشك إلا بعدها، فلا يزول هذا اليقين بهذا الشك الطارئ، ولذا وضعوا قاعدة نصوا بها على هذا فقالوا: «لا اثر للشك بعد الفراغ من العبادة».

    4- أركان القاعدة:
    ذكر بعضهم أن لهذه القاعدة ركنان، هما: اليقين السابق والشك اللاحق، فلا بد أن يكون لدى المكلف يقين مستقر، ثم يطرأ عليه بعده شك، عندها نقول تحققت القاعدة، فيكون الحكم: «اليقين لا يزول بالشك».

    5- المعنى الإجمالي للقاعدة:
    أنه إذا ثبت أمر من الأمور إما بدليل، أو أمارة قوية، أو أي طريق من طرق الإثبات، فإنه لا يرفع هذا الثابت ما يطرأ عليه من شك، وليس من شرط القاعدة، أن يكون الطارئ في قوة الثابت، بمعنى أن الثابت لو كان يقيناً، ثم طرأ عليه ظن غالب فإنه يزيله، لذا جوز أكثر العلماء نسخ السنة للقرآن.

    6- أدلة القاعدة:
    أ- من الكتاب العزيز:
    قوله تعالى: (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا)، قال المفسرون: يعني أن الشك لا يغني عن اليقين شيئاً ولا يقوم مقامه.

    ب- من السنة النبوية:
    /1- في الحديث الذي رواه الشيخان، أنه (شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ قَالَ: لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا)
    2- قوله صلى الله عليه وسلم: [color="red"](إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَح الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ).

    ج- دليل عقلي:
    وهو أن اليقين أقوى من الشك، لأن في اليقين حكماً قطعياً جازماً فلا ينهدم بالشك.

    7- أمثلة على القاعدة وبعض الفروع المخرجة عليها:
    1- المتقين للطهارة إذا شك في الحدث فهو متطهر.
    2- إذا ثبت دين على شخص وشككنا في وفائه، فالدين باقٍ.
    3- إذا وقع نكاح بعقد صحيح بين رجل وامرأة وشككنا في الطلاق، فالنكاح باقٍ لأنه شك طرأ على يقين فوجب اطراحه.

    وسوف نذكر تحت فروع القاعدة القواعد المندرجة تحتها وهي كثيرة اخترنا بعضاً منها، وذكرنا فروعه.


  • #2
    رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

    -القواعد المندرجة تحت قاعدة اليقين لايزول بالشك:

    أ- قاعدة: « الأصل بقاء ما كان على ما كان »
    1- معنى القاعدة:
    تعريف الأصل:
    لغة: أصل الشيء أسفله، وأصل كل شيء: ما يستند وجود ذلك الشيء عليه، وقيل: ما يبنى عليه غيره، وقيل: ما يتفرع عليه غيره، وقيل غير ذلك.
    اصطلاحاً: ماله فرع، ويطلق على عدة معان:
    1-الدليل، ومنه قولهم: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة.
    2-الراجح، أو الغالب كقولهم: الأصل في الكلام الحقيقة.
    3-القاعدة المستمرة، كقولهم: أكل الميتة على خلاف الأصل.
    4-المستصحب: (وهو المراد هنا)
    5- المقيس عليه.
    6-ما وضع اللفظ له، وهو حقيقة فيه.
    7-على التعبد كما يقال وجوب الطهارة بخروج الخارج على خلاف الأصل أي: لا يهتدي إليه القياس.
    8- المخرج، كقول الفرضيين: أصل المسألة من كذا ، أي مخرجها.
    9- الحالة القديمة ، أي: الحالة التي يكون عليها الشيء قبل عروض العوارض، وطرو الأحكام.
    10- ما يقابل البدل، فيقال الماء أصل، والتيمم بدل منه.

    2- تفيد القاعدة: أن ما ثبت حكمه واستقر فإن حكمه يكون كذلك حتى يأتي ناقل عنه، ولا اعتبار للشك أو الظن في تبديل هذا الحكم الثابت.
    وهذه القاعدة هي قاعدة الاستصحاب، فلذا فيناسب أن نذكر أقسام الاستصحاب كما ذكرها ابن القيم رحمه الله، وهي ثلاثة:
    1- استصحاب البراءة الأصلية.
    2- استصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي، حتى يثبت خلافه.
    3- استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع.
    فالأول: وهو استصحاب البراءة الأصلية: معناه أن الأمر يبقى على ما كان، حيث لم يرد دليل بالإبقاء، ولا دليل بالانتقال، فيبقى الأمر على ما كان عليه.
    الثاني: استصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي، حتى يثبت خلافه، ومعناه أن الحكم ثبت بدليل فيستصحب هذا الحكم الثابت إلى أن يأتي ما ينقله.
    الثالث: استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع، وفيه خلاف، ورجح ابن القيم رحمه الله أنه حجة، والجمهور على خلافه، ويمثلون له بالمتيمم إذا فقد الماء فصلى ولم ير الماء، فصلاته صحيحة بالإجماع، ولكن ما الحكم إذا رأى الماء أثناء الصلاة فالقائلون بهذا النوع، يستصحبون حكم الإجماع في المسألة التي لا إجماع فيها، فيصححون صلاته، فيقولون انه صلى وليس واجداً للماء فابتدأ الصلاة وهو في محل إجماع بصحتها، ثم طرأ عليه طارئ وهو حضور الماء أثناء الصلاة فيقولون يستصحب الحكم الأول وهو صحة الصلاة، والذين لا يقولون بهذا النوع من الاستصحاب يبطلونها.

    3- أنواع الاستصحاب عند الأصوليين:
    وهناك من قسم الاستصحاب إلى ثلاثة أقسام هي:
    1- استصحاب النص إلى أن يرد نسخ: أي العمل بالنص من كتاب أو سنة حتى يرد دليل ناسخ - وهذا متفق عليه بينهم.
    2- استصحاب العموم إلى أن يرد دليل تخصيص: أي العمل باللفظ العام حتى يرد المخصص، فيقصر العام على بعض أفراده- وهذا أيضاً متفق عليه بينهم.
    3- استصحاب الحال: وهو ظن دوام الشيء بناء على وجوده قبل ذلك - وهذا قريب من تعريف الفقهاء للاستصحاب - وقد اختلف الأصوليون في كونه حجة أو ليس بحجة:
    فذهب الأكثرون ومنهم مالك وأحمد وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه حجة.
    وذهب جمهور الحنفية وجماعة من المتكلمين والحنابلة إلى أنه ليس بحجة.

    4- فروع القاعدة:
    1- من أقر بدين عليه وادعى أنه قضاه فلا يقبل منه، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.
    2- من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو طاهر. ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث.
    3- عدم وجوب الزكاة في العنبر؛ لأن الأصل عدم وجوب الزكاة.
    4- من أكل آخر النهار - بلا اجتهاد - وشك في الغروب بطل صومه، لأن الأصل بقاء النهار. ومن أكل آخر الليل وشك في طلوع الفجر صح صومه،؛ لأن الأصل بقاء الليل.
    5- إذا ادعت المطلقة امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة صدقت، ولها النفقة لأن الأصل بقاء العدة.

    تعليق


    • #3
      رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

      ب- قاعدة: " الأصل في الأمور العارضة العدم"
      أو يقال:
      الأصل في الصفات الأصلية الوجود وفي العارضة العدم

      1- معنى القاعدة:
      وأورد بعض العلماء هذه القاعدة بلفظ: «الأصل العدم»، وهي التي ذكرها السيوطي وابن نجيم، ولكن ليس مرادهم العدم مطلقاً، لذا قال ابن نجيم في الأشباه والنظائر: «ليس الأصل العدم مطلقا، وإنما هو في الصفات العارضة، وأما الصفات الأصلية فالأصل الوجود».
      ولذا فإن بعض الفقهاء يعبر عن القاعدة بذات الألفاظ التي ذكرها ابن نجيم وهي:
      (الأصل في الصفات العارضة العدم وفي الأصلية الوجود)
      ،
      ولاشك أن هذا التعبير أوضح وأشمل ويزيل الإشكال، مع اختصار ألفاظه.والمراد بالعارضة التي ليست بثابتة لكل أحد، بل تكون مكتسبة، كالكتابة، والقراءة، ومعرفة العلوم، والمهن، وكذلك الموت، والمرض، ونحو ذلك، وأما الأصلية فهي التي توجد من غير اختيار صاحبها، كالحياة والسمع والبصر، ونحو ذلك مما هي ثابتة غالباً للحَيِّ.

      مقدمة:
      الأشياء لها صفات وهذه الصفات نوعان:
      1- صفات أصلية: ما كان الأصل وجودها في الموصوف ابتداءً؛ مثل كون المبيع صحيحاً سليماً من العيوب، وكون الإنسان سميعاً بصيراً سليماً من الأمراض.
      2- صفات عارضة: وهي صفات الأصل عدم وجودها في الموصوف، ولم يتصف بها ابتداءً؛ كالعيب في المبيع والربح والخسارة في مال المضاربة.
      مثال:
      لو اشترى شخص من آخر فرساً أو سيارة، وتسلمه ثم ادعى أن فيه عيباً قديماً، وادعى البائع السلامة من العيوب- ولا بينة لأحدهما- فالقول قول البائع مع يمينه، لأن الصحة من الصفات الأصلية والأصل فيها الوجود. والذي يدعي الصفة الأصلية متمسك بأصل متيقن وظاهر - فالقول له مع يمينه- لأنه مدعى عليه، والذي يتمسك بالصفة العارضة متمسك بخلاف الأصل - وهو مشكوك فيه- فكان مدعياً- ومن ادعى خلاف الأصل فعليه البيّنة.

      2- معنى القاعدة:
      " أنه عند الاختلاف في ثبوت الصفة العرضة وعدمها القول قول المتمسك بعدمها مع يمينه".

      3- فروع القاعدة:
      ويتفرع عن هذه القاعدة عدد من الأصول، فنذكرها مع ذكر فروع لها:
      أ-الأصل السلامة: والمراد أن الأصل والثابت والموجود هو سلامة الشيء من العوارض، كمرض الحي، وتلف السلعة، ونحو ذلك، من فروعه:
      *إذا قطع شخص عضواً من آخر، ثم ادعى القاطع شلل ذلك العضو، وأنكر المجني عليه ذلك، فالقول قول المجني عليه؛ لأن الأصل سلامة أعضائه.
      * عدم قبول قول المشتري في المبيع التالف، بأنه كان معيباً؛ لأن الأصل سلامة المبيع.

      ب- الأصل الحياة: ويمكن أيضا أن يندرج تحت «الأصل السلامة» ومن فروعه:
      * إذا قَدَّ إنساناً ملفوفاً أو ألقى عليه حائطاً، ثم ادعى أنه كان ميتاً، وأنكر ولي المقتول ذلك، فالقول قول الولي مع يمينه؛ لأن الأصل الحياة.
      * عدم الحكم بموت من غاب في تجارة ونحوها إلا بعد مضي تسعين سنة من مولده، لأن الأصل حياته.

      ج- الأصل الصغر: لأنه المتيقن ومن فروعها: * قبول قول الجاني مع يمينه بأنه كان صغيراً حال جنايته.
      *قبول قول القاذف بأن المقذوف كان صغيراً حال قذفه له .

      د- الأصل الحرية: لأن الرق طارئ واليقين عدم الرق ومن فروعها:
      * الحكم بحرية اللقيط ولو ألحقته القافة برقيق.
      * عدم قبول قول الجاني القاتل بأن المجني عليه كان رقيقا.

      هـ - الأصل في الإنسان الجهل: وذلك لأن العلم صفة مكتسبة، قال تعالى: [والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا] . ومن فروعها:
      * قبول قول القاتل بجهل حرمة القتل- إذا أمكن جهله .
      * قبول قول من كفر مدعيا جهله بالمكفر.

      تعليق


      • #4
        رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

        ج- قاعدة : " الأصل براءة الذمة"

        1- معنى القاعدة:
        تعريف الذمة لغة: العهد والكفالة، وفي الحديث (المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم).
        اصطلاحاً: وصف يصير به الشخص أهلاً للإيجاب له وعليه.

        والمراد ببراءتها هنا عدم إلزامها بالتكاليف الشرعية، أو الحقوق المالية.

        فتفيد القاعدة بأنَّ الذمة بريئة غير مشغولة بحق من الحقوق، فلا تُشغل براءتها بمجرد الشك العارض، بل بيقين يرفع اليقين الأول، لذا فلا تشغل الذمة بمجرد شاهد واحد بل لابد من شغلها بشاهدين، أو يعضد الشاهد ما يقويه كيمين المدعي.

        وعد بعض العلماء براءة الذمة أحد أدلة أصول الفقه، وتكون مرتبتها بعد القياس.
        تنبيه: الأصل براءة الذمة قبل ثبوت التكليف، أو الإشغال، وأما إذا ثبت التكليف، أو الإشغال، فالأصل عدم البراءة.

        وهذه القاعدة هي احد القواعد المندرجة تحت قاعدة: «الأصل بقاء ما كان على ما كان» والتي هي مندرجة تحت القاعدة الكبرى «اليقين لا يزول بالشك»، وتفيد أن الذمة خلقت بريئة من أي تكليف أو إلزام، فما لم يرد دليل على الإشغال فلا تشغل.

        2- دليل القاعدة:
        1- قوله تعالى: (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون).
        ووجه الدلالة من الآية: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما استغفر لعمه أبي طالب بعد موته على الشرك، وكذلك فعل المسلمون مع أقاربهم، أنزل الله تعالى النهي عن ذلك بقوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) ، فلما ندموا على فعلهم بين لهم تعالى أنه لا مؤاخذة عليهم في ذلك؛ لأنه وقع منهم قبل بيان منعه، فنفي الإضلال، دليل على براءة الذمة، وإنما تَرِدُ المؤاخذة، بعد إشغال الذمة، كما قال سبحانه: ( حتى يبين لهم ما يتقون).

        2- قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعطى الناس بدعواهم؛ لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)، فدل الحديث على أنَّ ذمة المدعى عليه بريئة، حيث لم يقبل في شغلها مجرد شاهد واحد، ما لم يعتضد بآخر، أو يمين المدعي، لأنه لولا الحكم ببراءة الذمة، لادعى الناس على بعضهم حقوقاً موهومة، فالحكم ببراءة الذمة، وعدم شغلها بالشك، يقطع مثل تلك الدعاوَى المجردة.

        3- من فروع القاعدة:
        1- إذا صلى المصلي فرضَه باجتهاد، ولم يتبين له هل صلى في الوقت، أو قبله، فلا إعادة عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته.
        2- قبول قول الوكيل في عدم التفريط فيما تلف تحت يده؛ لأن الأصل براءة ذمته.
        3- قبول قول القاتل الغائب العاقل مع يمينه، بأنه كان حال قتله مجنوناً، لا سكراناً كما يدعي أولياء القتيل؛ لأنه أعرف بنفسه، والأصل براءة ذمته.
        5- إذا وقع عدد من الناس في بئر يُغرق الواقع فيه، فماتوا جميعاً، ولم يُعلم أكان موتهم بسبب وقوع بعضهم على بعض، أم بسبب الماء، فلا يضمن بعضهم بعضاً؛ لأن الأصل براءة ذمتهم.
        6- قبول قول المودَع بأنه رد الوديعة إلى المودِع؛ لأنه أمين، والأصل براءة ذمته .
        7- إذا اختلفا في قيمة المتلف - كالمستعير - والمودع والمتعدي والغاصب- فالقول قول الغارم مع يمينه لأن الأصل براءة الذمة.

        تعليق


        • #5
          رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

          د- قاعدة: "ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين"
          أو
          " الذمة إذا أغمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين "

          هاتان القاعدتان في الحقيقة بيان للقاعدة الكبرى، لأن اليقين لم يُزل بالشك فهو يزول ويرتفع بيقين مثله.

          ويرتبط بهاتين القاعدتين قواعد:
          1- قاعدة : "من شك هل فعل شيئاً أو لا ؟ فالأصل أنه لم يفعله" (لأن الأصل براءة الذمة).
          2- قاعدة: "من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير حمل على القليل لأنه المتيقن. اللهم إلا أن تشغل الذمة بالأصل فلا تبرأ إلا بيقين".
          3- قاعدة - عند المالكية- : "إن الشك في النقصان كتحققه، وإن الشك في الزيادة كتحققها"

          فروع هذه القاعدة وأمثلة عليها:
          .1- شك في ترك مأمور في الصلاة: قالوا يسجد سجود السهو.
          2- شك في ارتكاب فعل منهي -وهو في الصلاة - فلا يسجد، لأن الأصل عدم الفعل.
          3- سها وشك هل سجد للسهو ؟ يسجد . لأن الذمة أغمرت بيقين، والسجود مشكوك فيه، فعليه باليقين وهو السجود.
          4- لو شك أصلى ثلاثاً أو أربعة ، أتى برابعة.
          5- لو نسي صلاة من الخمس ، أتى بالخمس.
          6- شك في حصول التفاضل في عقود الربا، فالعقد باطل.
          7- لو شك في عدد أشواط الطواف، يبني على الأقل.
          8- من شك في صلاة هل صلاها أو لا ؟ أعاد في الوقت ، وإن خرج الوقت فلا إعادة.
          9- إذا شك فيما عليه من صيام، أو شكت فيما عليها من عدة، هل هي عدة طلاق أو وفاة، ينبغي أن يلزم الأكثر عليها وعلى الصائم أخذاً بالأحوط، وهذا بناء على قاعدة، " الشك في الزيادة كتحققها" وأيضاً قاعدة"الذمة إذا أغمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين"

          تعليق


          • #6
            رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

            هـ -قاعدة : " الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته"
            أو
            "الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن"


            1- معنى القاعدة:
            تفيد القاعدة أنه إذا حصل خلاف في زمن حدوث أمر، فإن المعتبر أن يحال هذا الحدوث إلى أقرب الأوقات الممكنة من زمن الحدوث لأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه، فلا يزول اليقين بالشك.

            2- من فروع القاعدة:
            1- إذا جرح المحرم صيداً جرحاً غير مُوَحٍّ ثم غاب عنه ووجده ميتاً، فلا يلزمه سوى أرش ما نقص بالجرح.
            2- إذا رمى صيداً ولم يوَحِّه، فوقع في ماء يسير، فوجده ميتاً، فيحرم عليه.
            3- إذا ضرب إنساناً فبقي مدة غير متألم ثم مات، فلا ضمان على الضارب.
            4- إذا ضرب بطن حامل فانفصل الولد حياً ، وبقي زمانا بلا ألم ثم مات، فلا ضمان على الضارب لأن الظاهر أن الولد مات بسبب آخر أقرب في الزمان إلى موته.*
            5- إذا مات مسلم وخلف زوجة وورثةً سواها، وكانت الزوجة كافرة ثم أسلمت فادعت أنها أسلمت قبل موت زوجها فأنكر الورثة فالقول قول الورثة.
            6- إذا رأى في ثوبه منياً، ولم يذكر احتلاماً، لزمه الغسل، ويجب عليه إعادة كل صلاة صلاها من آخر نومة نامها.
            7- لو تبين في المبيع عيب بعد القبض - وادعى البائع حدوثه عند المشتري وادعى المشتري حدوثه عند البائع، فالقول لمدّعي الوقوع في الزمن الأقرب، ويعتبر العيب هنا حادثاً عند المشتري، وليس للمشتري حق فسخ البيع حتى يثبت أن العيب كان قديماً عند البائع. ويمكن لهذا المثال أن يقع تحت قاعدة: " الأصل في الصفات العارضة العدم" . لأن المشتري متمسك بالوصف العارض والأصل فيه العدم. والبائع متمسك بالوصف الأصلي وهو سلامة المبيع من العيب.

            تعليق


            • #7
              رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

              و- قاعدة: " لا عبرة بالدَِّلالة مقابل الصريح"

              1- معنى القاعدة:
              المراد بالدلالة هنا: ما يقابل الصريح، فيكون إرادة الأمر الذي دل عليه الحال أو اللفظ محتملاً.
              والصريح: « ما ظهر المراد به ظهوراً بينا حقيقة كان أو مجازاً».
              فتفيد القاعدة: انه إذا تعارض أمران أحدهما بدلالة حال أو لفظ، والآخر بالتصريح إما بالحال أو اللفظ، فإن المقدم هو الصريح، ولا عبرة بالدلالة في مقابله، لأن الصريح يقين والدلالة مشكوك في المراد بها، فلا يزول اليقين بالشك.
              وهذه القاعدة فيما إذا وجد صريح ودلالة، أما إذا لم يكن صريح، فتعتبر الدلالة عندئذ.
              وقد عد بعضهم هذه القاعدة من قواعد أصول الفقه.

              2- دليل القاعدة:
              ومع وضوح هذه القاعدة والاتفاق عليها، إلا أني أذكر ما استدل به بعض العلماء عليها، فمن ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم : (رفع عن أمتي الخطأ...) ففيه دلالة على أن قاتل الخطأ لا يلزمه شيء، إلا أنه يعارض قوله تعالى: (فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله). فالآية صريحة في إيجاب ما ذكر فهو أرجح من الحديث، فلذا قالوا بوجوب تحرير رقبة مؤمنة على القاتل خطأ .

              3- من فروع القاعدة:
              1- للمودَع أن يسافر بالوديعة، إذا كان أحفظ لها، فإن نهاه صاحبها، فخالف ضمن.
              2- إذا أذن للوكيل أن يشتري من نفسه جاز له ذلك، لأنه وإن كان الأصل أن الموكل لا يرضى بشراء الوكيل لنفسه، لاحتمال عدم الاستقصاء لموكله، فالمنع لدلالة الحال، وقد صرح الموكل بخلاف ذلك، فصح.
              3- عدم وقوع طلاق من استعمل إحدى كنايات الطلاق، وقال أردت غير الطلاق، لأن الكناية دلالة لا تصريح، وقد صرح بخلاف الدلالة، فقبل منه.
              4- إذا وضع صاحب البيت طعاماً بين يدي ضيفه، ثم نهاه عن الأكل منه، حرم عليه الأكل.
              5- حرمة كلام المأموم أثناء الخطبة مع غيره من المأمومين، لأن النبي نص على المنع من ذلك بقوله: (من قال لصاحبه يوم الجمعة أنصت فقد لغا..)، وفي حديثه مع الأعرابي، وقوله لسليك الغطفاني هل صليت؟ فأجابه: بلا، فأمره أن يصلي ركعتين، احتمال بجواز الكلام، إلا أنه لا عبرة بالدلالة في مقابلة الصريح.

              تعليق


              • #8
                رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

                ز- قاعدة: " لا ينسب إلى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان "

                1- معنى القاعدة:
                تتكون هذه القاعدة من شطرين، كل منهما قاعدة في نفسها الأول:« لا ينسب إلى ساكت قول »، والثانية: « السكوت في معرض الحاجة بيان »

                فتفيد القاعدة: أن الشارع الحكيم إنما علق الأحكام إما على الأفعال أو على الأقوال، وأما الساكت فليس له حكم، فقررت القاعدة انه لا يصح نسبة قول إلى ساكت لم يتكلم به، إلا أن القاعدة ذاتها استثنت من ذلك حالة يمكن أن ينسب إلى الساكت فيها قول، وهي في حالة احتياج الحال إلى قبوله و رفضه، فطالما أنه سكت في محل كان يجب فيه أن يتكلم كان هذا السكوت دلالة على الموافقة.

                تنبيهان:
                الأول: المراد بالساكت القادر على الكلام.
                الثاني: إنما لم يعتبر السكوت دليلاً على الرضا لأنه محتمل وليس بيقين، إذ يحتمل أن يكون سكوته: لشرود ذهن، أو لعدم الاكتراث، أو الاستهزاء، أو التعجب، أو الإنكار، أو غير ذلك من المعاني

                2- وجه اندراجها تحت قاعدة «اليقين لا يزول بالشك»:
                أن المتيقن من الساكت أنه لم يتكلم فلم ينسب له قول، ولكن يحتمل أنه أراد بالسكوت الموافقة، فيقال: اليقين لا يزول بالشك.

                3 - دليل القاعدة:
                1- يدل على الشطر الأول من القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ ) [رواه البخاري] وهذا نص على عدم نسبة قول إلى ساكت.

                2- يدل على الشطر الثاني، قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} فدلت الآية أن من سكت في هذه الحال التي يستهزأ فيها بآيات الله، فحكمه حكم المستهزئ.

                3- قوله صلى الله عليه وسلم عن البكر: (إِذْنُهَا صُمَاتُهَا)[رواه الشيخان]، فدل الحديث على أن سكوت البكر عند إرادة تزويجها يحتاج إلى بيان رغبتها أو عدم رغبتها، فلما سكتت دل هذا على إذنها؛ لما في المرأة البكر خاصة من الحياء الذي يمنعها عن التصريح بالموافقة، قال ابن بطال: « إنه جعل جواب البكر بالرضا في صماتها لاستحيائها، وجعل جوابها بالكراهة لذلك في الكلام؛ لأنه لا حياء عليها في كراهيتها كما يكون الحياء في رضاها»

                4- من فروع القاعدة:
                فروع على الشطر الأول:
                1- إذا أتلف شخص متاعَ آخر، وصاحبُ المتاع ينظر إليه وهو ساكت، فلا يسقط الضمان عن الجاني.
                2- إذا قال راكب في سفينة لآخر «ألق متاعك وكل منا ضامن لك متاعك أو قيمته»، والركاب سمعوا وسكتوا، فالضمان بجميع المتاع على القائل وحده .
                3- إذا باع شخصٌ سلعة وصاحبها حاضر ساكت، فبيعه باطل.
                4- إذا سكتت الثيب عند الاستئذان ، لم يتم سكوتها مقام الإذن.
                5- لو سكن شخص داراً لآخر غير معدة للإيجار وصاحبها ساكت لا يطالب بالإيجار.
                6- لو أتلف شخص مال آخر وصاحب المال يشاهد وهو ساكت، لا يكون سكوته إذن بالإتلاف، بل له أن يُضمِّنه.

                فروع على الشطر الثاني:
                1- إذا علم الشفيع بالبيع فلم يطالب سقط حقه بالشفعة، لأن الحاجة داعية إلى طلبها إذا رغبها، فتركه للطلب دليل على عدم رغبته بالشراء.
                2- سكوت البكر عند سؤالها النكاح يعتبر إذنا في الإنكاح.
                3- سكوتها عند قبض أبيها مهرها يعتبر استلاماً له وقبول به.
                4- لو حلفت ألا تتزوج فزوجها أبوها فسكتت حنثت.
                5- إذا بُشِّر بولد فسكت كان إقرارا منه بأبوته له، فلم يصح نفيه بلعان .
                6- إذا استأذن رجل الخاطب السابق في التقدم للخطبة فسكت، كان إذنا.
                7- القراءة على الشيخ وهو ساكت ينزل منزلة نطقه في الأصح.
                8- إذا سكت المحرم ، وقد حلق رأسه حلال - مع القدرة على منعه - لزمه الفدية في الأصح.
                وذكر بعضهم منها: إذا كان من عادة قوم النوح على الميت، فترك الموصي نهيهم عن ذلك مع علمه بفعلهم، تأذى بذلك.

                تعليق


                • #9
                  رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

                  ح- قاعدة: " لا عبرة بالتوهم"

                  1- معنى القاعدة:
                  التوهم: هو الاحتمال المرجوح، وعرفه الإمام ابن قدامة بقوله: « الوهم ميل النفس من غير سبب».

                  وتفيد القاعدة أن التوهم الذي يحصل للمكلف، هو ما تخيله في ذهنه، دون أن يكون له في الواقع مستند، لا أثر له، وكما أن اليقين لا يزول بالشك فلا يزول أيضا بالوهم وهو أقل رتبة منه، وقد يثار هنا سؤال فيقال: ما الفرق بين الوهم والشك في الحكم هنا؟ فحيث ألغينا الشك مع اليقين فهو مع الوهم أولى، فما الحاجة لمثل هذه القاعدة؟

                  الجواب: لعل المراد –والله اعلم- أن الشك في بعض الأحيان يوجب الاحتياط كالشك في ترك الركن فهو كتركه، فيكون للشك تأثيراً، بخلاف الوهم، فإنه لا أثر له.

                  2- من فروع القاعدة:
                  1- إذا أخبره عدل بنجاسة ماء، لا يلزمه تصديقه، ما لم يعين سببها؛ لاحتمال توهمه في اعتبار النجاسة.
                  2- عدم جواز بيع العبد الآبق، ولو لقادر على تحصيله، لأن تحصيله مجرد توهم، لا ينافي تحقق عدمه، ولا ظنه.
                  3- عدم قبول تأخر الوالد بنفي ابنه بدعوى أن الولد سيموت، لأن موته أمر موهوم.
                  4- لو اشتبهت عليه القبلة فصلى إلى جهة بدون تحرّ ولا اجتهاد، لا تصح صلاته؛ لابتنائها على مجرد الوهم بخلاف ما لو اجتهد مع غلبة الظنّ إذ تصح صلاته إذا أخطأ في القبلة.

                  ************************* ************************* *******
                  ط- قاعدة : " لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل"

                  1- معنى القاعدة:
                  تفيد القاعدة انه لا تبقى حجة ولا دليل لما عارضه احتمالٌ نشأ عن دليل، ومفهوم القاعدة أنه إذا لم يكن الاحتمال ناشئ عن دليل فلا أثر له، كمن أقر في حال صحته بمال لولده أو زوجه، فلا يقال انه يحتمل انه أراد حرمان الورثة؛ لأنه وإن كان ممكناً لكنه موهوم لا دليل عليه، والقاعدة تنص على أنه: «لا عبرة بالتوهم».

                  ويمكن أن تعتبر هذه القاعدة من القواعد المشتركة بين القواعد الفقهية وأصول الفقه، ويشبهها قولهم: «اذا طرق الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال».

                  2- من فروع القاعدة:
                  1- عدم قبول شهادة الزوجين لبعضهما، ولا الأصول للفروع والعكس.
                  2- عدم قبول إقرار المريض مرض الموت لأحد ورثته.
                  3- عدم جواز الاستدلال بمحاريب الكفار التي بها آثار الإسلام، لأنه يحتمل انها بنيت للزينة، أو لتغرير المسلمين.

                  تعليق


                  • #10
                    رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

                    ي- قاعدة: " لا عبرة بالظن البين خطؤه "

                    1- معنى القاعدة:
                    تفيد القاعدة: أنه إذا بني حكم، أو استحقاقٌ على ظنٍ ظهر أنه خطأ، فإن هذا الحكم يبطل.
                    ولعل القاعدة أكثر اطراداً في مسائل الحكم والمعاملات.

                    2- من فروع القاعدة
                    1- صلى ظاناً أنه على طهارة فبان محدثاً، أعاد.
                    2- ظن دخول الوقت فصلى ثم تبين له أن الوقت لم يدخل، لم يصح فرضه.
                    3- لو ظن طهورية ماء ثم تبين له نجاسته، لم يصح وضوؤه.
                    4- إذا أكل في رمضان ظاناً بقاء الليل فتبين له خروجه لم يصح صومه.
                    5- إذا دفع زكاته إلى من ظنه فقيراً فبان غنياً، لزمه الإعادة .
                    6- من صلى صلاة الخوف لسوادٍ ظنه عدواً، فبان أنه ليس بعدو، أو بينه وبينه ما يمنعه فعليه الإعادة.
                    7- من رضي بقسمة شيء ظن أنه حقه فبان أنه دونه، فله حق الرجوع.

                    3- مستثنيات القاعدة:
                    1- من صلى بالاجتهاد في القبلة، ثم علم أنه أخطأ القبلة فلا إعادة عليه.
                    2- من صلى خلف من ظن حدثه فبان متطهراً أعاد صلاته .
                    3- من صلى خلف من ظن طهارته، فبان محدثاً أجزأته صلاته.
                    4- إذا أخطأ عموم الناس في الوقوف بعرفة، أو في يوم العيد أجزأهم.
                    5- لو صلى في ثوب وعنده أنه نجس فظهر أنه طاهر ، أعاد الصلاة.
                    6- وكذلك لو صلى وعنده أنه محدث ثم ظهر أنه متوضئ، أعاد كذلك.
                    7- إذا رأى المتيمم ركباً فظن أن معهم ماء توجه عليه الطلب.
                    8- لو صلى الفرض وعنده أن الوقت لم يدخل فظهر أنه كان قد دخل ، لم يجزئه ووجب عليه إعادة الصلاة.

                    تعليق


                    • #11
                      رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

                      ك - هل الأصل في الأشياء الإباحة أو الحرمة؟
                      هذه القاعدة وإن كنا نقرؤها كثيراً تحت لفظ الأصل في الأشياء الإباحة إلا أنها من القواعد المختلف فيه على ثلاثة أقوال:
                      1- القول الأول: (الأصل في الأشياء الإباحة): وهو قول الأكثرين من الفقهاء
                      2- القول الثاني: (الأصل في الأشياء الحظر أو التحريم) وهو قول أبي حنيفة وابن حامد البغدادي وبعض المعتزلة.
                      3- القول الثالث: الأصل الوقف( أي عدم العلم بوجود حكم في الأصل إباحة أو حرمة)، وهذا رأي بعض الحنفية وأبي الحسن الأشعري وأبي بكر الصيرفي.
                      ولن ندخل في أدلة كل فريق بتفصيلاتها . ولك يكفي أن نقول بأن الرأي الأول وهو رأي الأغلبية هو الصواب، وهو ما يتناقله العلماء عند النص عن حكم لم يرد فيه نص.

                      الفروع على هذه القاعدة:
                      يتخرج على هذه القاعدة ما أشكل حله مما لم ينص الله عز وجل ولا رسول الله صلى الل عليه وسلم على تحليلها أو تحريمها بدليل عام أو خاص. ومن ذلك:
                      1- بعض الحيوانات التي لم ينص على حكمها كالزرافة والفيل. ففيها وجهان ، أصحهما في الزرافة الحل.
                      2- النباتات التي تنبت في الأرض وليست ضارة لمستعملها، وهذه أيضاً فيها خلاف والأظهر الحل.
                      3- ويتخرج عليها بعض العقود المستحدثة والمعاملات الجديدة إذا ثبت خلوها من الربا والجهالة والغرر. والضرر.
                      4- ويتخرج عليها كثير من الأطعمة والأشربة من النباتات والفواكه والحبوب التي ترد إلينا من بلاد بعيدة ولا نعرف أسماءها ولم يثبت ضررها.

                      واستثني من هذه القاعدة قواعد أخرى متفق عليها هي:

                      1- الأصل في الذبائح الحرمة:
                      لأن الله عز وجل حرم كُلَّ ذبيحة إلا مذكاة فكان الأصل الحرمة.

                      2- الأصل في النفوس المعصومة الحرمة، فلا نزيل هذا الأصل، الذي نص عليه صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم..الحديث)، وقوله صلى الله عليه وسلم : (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) باحتمال، * ومن فروعها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، من أن من ثبت له الإيمان، ثم صدر عنه مقالة كفر، فلا يحكم بكفره حتى تثبت في حقه شروط التكفير، وتنتفي موانعه.

                      3- الأصل في الأبضاع الحرمة، فلا يحل له وطء أي امرأة أبداً فكل النساء محرماتٌ عليه، هذا هو الأصل، فإذا أراد وطأ امرأة نظر: هل هي من أباحها الله له، أم هي من المحرمات عليه، وهل هي من المحرمات على التأبيد أم لعارض، فإذا كانت ممن تحل له، لم يجز له وطؤها إلا بسبب إما بعقد نكاح صحيح، وإما بملك يمين صحيح، ومن المسائل التي يمكن أن يستدل بها على هذا الأصل، مسألة الزواج بنية الطلاق المعروف عند الناس في هذا الوقت فنقول لهم الأصل في الأبضاع الحرمة، حتى يتيقن من الحل، فإذا شككت في حل هذا العقد، فالأصل في الأبضاع الحرمة.

                      تعليق


                      • #12
                        رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

                        قواعد أخرى مندرجة تحت قاعدة " اليقين لا يزول بالشك ":

                        1- لا يثبت الحكم مع الشك في سببه:
                        ومن فروعها:
                        * عدم وجوب الصلاة على من شك في دخول الوقت
                        *عدم وجوب الإمساك على من شك في طلوع الفجر في نهار رمضان.
                        * إذا حَبَس إنسـانٌ آخرَ في مكان، ومنعه الطعام والشراب مدة، فمات، وحصل الشك في هذه المدة هل يمكن أن يبقى حياً فيها أولا، وهل الغالب في هذه المدة أن يموت فيها من حبس عنه الطعام والشراب أولا، فلا قود في الكل، للشك في السبب.

                        2- الشك في الزائد كعدمه، والشك في النقصان كتحققه،
                        فمن شك هل صلى ركعة رابعة فالأصل أنه لم يصلها.

                        3- الأصل أن وجوب الضمان على الجاني وحده، لأن هذا هو اليقين، وكونه يدخل معه أحد سواه مشكوك فيه،
                        ومن فروعها:
                        * دية القتل العمد تكون على القاتل وحده، دون العاقلة.
                        * عدم قتل أسرى البغاة، الذين هم عند أهل العدل، ولو قتل البغاة أسرى أهل العدل؛ لأنهم لا يُقتلون بجناية غيرهم.

                        4- التأسيس أولى من التأكيد: لأن الأصل واليقين أن المتكلم يريد بكلامه فائدة زائدة على مجرد التأكيد، لأنه لم يوضع الكلام إلا لإفهام السامع ما ليس عنده. هذا هو الأصل،
                        ومن فروعها:
                        * إذا قال لامرأته: «أنت طالق أنت طالق»، ولم يقصد التأكيد، بل أطلق النية طلقت مرتين، وفي المسألة خلاف، وهذا الفرع يمكن أن يدخل تحت قاعدة «الأمور بمقاصدها».

                        5- الأصل في الكلام الحقيقة لا المجاز، لأن الأصل واليقين أن الناس في كلامهم إنما يريدون الحقيقة لا المجاز، وإن كان المجاز يستعمل إلا أنه قليل بالنسبة لإرادة الحقيقة،
                        ومن فروع هذه القاعدة:
                        * إذا حلف لا يأكل لحماً فأكل شحماً أو كبداً، لم يحنث، لأنها لا تسمى لحماً حقيقة.

                        6- لا مساغ للاجتهاد في مورد النص، سواء كان هذا النص من الشارع أو غيره، فلا يُجتهد في حكم مسألة فقهية وقد وردت في الكتاب أو السنة النص عليها، كما لا يجتهد في مراد عاقد، أو حالف، أو مُوصٍ.
                        ومن فروعها:
                        * عدم صحة الاجتهاد في عدد الصلوات أو الركعات.
                        * كما أنه إذا أوقف الموقف على جماعة معينين، فلا يصح إشراك غيرهم معهم.

                        تعليق


                        • #13
                          رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

                          جزاكم الله خيرا على الموضوع
                          التعديل الأخير تم بواسطة ام هالة30; الساعة 30-09-2013, 05:00 PM.

                          تعليق


                          • #14
                            رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

                            المشاركة الأصلية بواسطة ام هالة30 مشاهدة المشاركة






                            الدرس الثالث: القواعد الكلية الكبرى

                            تحدثنا في الدرس الأول من هذه السلسلة عن القواعد الفقهية من حيث نشأتها ومصادرها وأقسامها، وفي الدرس الثاني تناولنا القاعدة الكبرى الأولى (قاعدة الأمور بمقاصدها). والآن جاء دور الدرس الثالث ، وفيه نتحدث عن القاعدة الكبرى الثانية وهي:


                            2 - القاعدة الكبرى الثانية: اليقين لا يزول بالشك

                            هذه القاعدة الثانية من القواعد الكبرى، واتفق العلماء على اعتبار هذه القاعدة التي عمت فروعها جميع مسائل الفقه، حتى قال السيوطي رحمه الله: «إن المسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه أو أكثر».

                            1- شرح ألفاظ القاعدة:
                            معنى اليقين: لغة: العلم الذي لاشك معه، وقالوا: يقال للعلم الحاصل عن نظر واستدلال يقيناً، قال تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} ، أي: علمت علماً يقينياً أنها آيات من عند الله تعالى.
                            اصطلاحاً [عند المناطقة والأصوليين]:«اعتقاد الشيء الجازم المطابق للواقع، غير ممكن الزوال».
                            وبنحوه قيل: اعتقاد الشيء بأنه كذا، مع اعتقاد أنه لا يكون إلا كذا، مطابقاً للواقع غير ممكن الزوال.

                            محترزات التعريف:
                            قوله: «اعتقاد الشيء»: خرج به الشك لأن الشك لا اعتقاد فيه، لاستواء طرفيه.
                            قوله: «الجازم» خرج به الظن.
                            قوله: «المطابق» خرج به الجهل المركب، والذي هو اعتقاد جازم غير مطابق للواقع.
                            قوله: «غير ممكن الزوال» خرج به علم المقلد؛ لأن المقلد يغير اعتقاده بتغيير من قلده.

                            والفقهاء أدخلوا في معنى اليقين في هذه القاعدة الظنَّ الغالب فاعتبروه يقيناً وأوجبوا العمل به، لذا قال النووي رحمه الله : « واعلم أنهم يطلقون العلم واليقين ويريدون بهما الظن الظاهر لا حقيقة العلم واليقين، فان اليقين هو الاعتقاد الجازم وليس ذلك بشرط»

                            2- تعريف الشك:
                            الشك نقيض اليقين، إذا لا يجتمع في أمر واحد شك ويقين.
                            ومعناه في اللغة، الضم و التداخل، لذا يقال: شككته بالدبوس أي: أدخلته في جسمه. وشك عليه الأمر، إذا التبس عليه.
                            واصطلاحاً: قيل «ما استوى طرفاه»، وقيل: «تجويز شيئين لا مزية لأحدهما على الآخر»، وقيل: «هو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما». فإن ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو الظن، وإن طرحه فهو غالب الظن، وهو بمنزلة اليقين، وإن لم يترجح فهو وهم.
                            وهذه التعاريف عند الأصوليين، وأما عند الفقهاء فهو: «مطلق التردد»، أي سواء كان الطرفان متساويين عند الشاك أو أحدهما راجحاً.

                            المدركات العقلية:
                            وقد رتب بعض الأصوليين المدركات العقلية كالآتي:
                            1- اليقين: وهو جزم القلب مع الاستناد إلى الدليل العقلي.
                            2- الاعتقاد: جزم القلب من غير استناد إلى الدليل العقلي، ومثلوا له باعتقاد العامي.
                            3- الظن: وهو تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر.
                            4- الشكك وهو تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، أي متساويين.
                            5- الوهم: تجويز أمرين أحدهما أضعف من الآخر مع إدراك الجانب المرجوح.

                            3- أقسام الشك:
                            يقسم بعضهم الشك على عدة اعتبارات نذكر منها:
                            أ‌- أقسام الشك باعتبار موضوعه، وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
                            1- الشك الطارئ على ما أصله حرام: مثاله شك في حل ذبيحة حيث إنه في بلد فيه مسلمون ووثنيون، أو رمى صيداً فوقع في الماء ووجده ميتاً، فشك هل مات بسبب رميته أم بغرقه، فيحرم؛ لأنه شك طرأ على أصل حرام، وهو أن الأصل في الذبائح الحرمة فتحرم، وكذلك لو خالط كلبُه كلاباً أخرى ولم يدر أصاده كلبه أو غيره لم يأكله لأنه لم يتيقن شروط الحل في غير كلبه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنك إنما سميت على كلبك ولم تسم علي غيره) رواه البخاري ومسلم.
                            2- الشك الطارئ على ما أصله مباح، كما لو وجد ماء متغيراً، فشك هل تغيره بنجاسة أو بمكث، أم بشيء طاهر، فنقول الأصل في المياه الطهارة.
                            3- الشك الطارئ على ما لا يعرف أصله، كمعاملة من أكثر ماله حرام، وشك هل ما أخذه من ماله من الحلال أم من الحرام، فلا تحرم معاملته، لعدم اليقين.

                            ب‌- أقسام الشك باعتبار وقته: ينقسم إلى قسمين:
                            1- الشك في أثناء العبادة: فإذا شك هل أتى في الصلاة بركن كذا أو لم يأت به، فالأصل أنه لم يأت به، ولذا قالوا من شك في ترك ركن فكتركه، ولذا جاء النص على هذا في الحديث الصحيح: من قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ).
                            2- الشك بعد الفراغ من العبادة: وهذا لا يلتفت إليه، لأن سببه في الغالب الوساوس الشيطانية، وإلا لما تأخر هذا إلى الانتهاء من العبادة، وأيضاً فإن العبادة قد انقضت بيقين، حيث لم يحصل الشك إلا بعدها، فلا يزول هذا اليقين بهذا الشك الطارئ، ولذا وضعوا قاعدة نصوا بها على هذا فقالوا: «لا اثر للشك بعد الفراغ من العبادة».

                            4- أركان القاعدة:
                            ذكر بعضهم أن لهذه القاعدة ركنان، هما: اليقين السابق والشك اللاحق، فلا بد أن يكون لدى المكلف يقين مستقر، ثم يطرأ عليه بعده شك، عندها نقول تحققت القاعدة، فيكون الحكم: «اليقين لا يزول بالشك».

                            5- المعنى الإجمالي للقاعدة:
                            أنه إذا ثبت أمر من الأمور إما بدليل، أو أمارة قوية، أو أي طريق من طرق الإثبات، فإنه لا يرفع هذا الثابت ما يطرأ عليه من شك، وليس من شرط القاعدة، أن يكون الطارئ في قوة الثابت، بمعنى أن الثابت لو كان يقيناً، ثم طرأ عليه ظن غالب فإنه يزيله، لذا جوز أكثر العلماء نسخ السنة للقرآن.

                            6- أدلة القاعدة:
                            أ- من الكتاب العزيز:
                            قوله تعالى: (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا)، قال المفسرون: يعني أن الشك لا يغني عن اليقين شيئاً ولا يقوم مقامه.

                            ب- من السنة النبوية:
                            /1- في الحديث الذي رواه الشيخان، أنه (شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ قَالَ: لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا)
                            2- قوله صلى الله عليه وسلم: [color="red"](إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَح الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ).

                            ج- دليل عقلي:
                            وهو أن اليقين أقوى من الشك، لأن في اليقين حكماً قطعياً جازماً فلا ينهدم بالشك.

                            7- أمثلة على القاعدة وبعض الفروع المخرجة عليها:
                            1- المتقين للطهارة إذا شك في الحدث فهو متطهر.
                            2- إذا ثبت دين على شخص وشككنا في وفائه، فالدين باقٍ.
                            3- إذا وقع نكاح بعقد صحيح بين رجل وامرأة وشككنا في الطلاق، فالنكاح باقٍ لأنه شك طرأ على يقين فوجب اطراحه.

                            وسوف نذكر تحت فروع القاعدة القواعد المندرجة تحتها وهي كثيرة اخترنا بعضاً منها، وذكرنا فروعه.

                            تعليق


                            • #15
                              رد: دروس في القواعد الفقهية الكبرى (3)

                              المشاركة الأصلية بواسطة ام هالة30 مشاهدة المشاركة
                              -القواعد المندرجة تحت قاعدة اليقين لايزول بالشك:

                              أ- قاعدة: « الأصل بقاء ما كان على ما كان »
                              1- معنى القاعدة:
                              تعريف الأصل:
                              لغة: أصل الشيء أسفله، وأصل كل شيء: ما يستند وجود ذلك الشيء عليه، وقيل: ما يبنى عليه غيره، وقيل: ما يتفرع عليه غيره، وقيل غير ذلك.
                              اصطلاحاً: ماله فرع، ويطلق على عدة معان:
                              1-الدليل، ومنه قولهم: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة.
                              2-الراجح، أو الغالب كقولهم: الأصل في الكلام الحقيقة.
                              3-القاعدة المستمرة، كقولهم: أكل الميتة على خلاف الأصل.
                              4-المستصحب: (وهو المراد هنا)
                              5- المقيس عليه.
                              6-ما وضع اللفظ له، وهو حقيقة فيه.
                              7-على التعبد كما يقال وجوب الطهارة بخروج الخارج على خلاف الأصل أي: لا يهتدي إليه القياس.
                              8- المخرج، كقول الفرضيين: أصل المسألة من كذا ، أي مخرجها.
                              9- الحالة القديمة ، أي: الحالة التي يكون عليها الشيء قبل عروض العوارض، وطرو الأحكام.
                              10- ما يقابل البدل، فيقال الماء أصل، والتيمم بدل منه.

                              2- تفيد القاعدة: أن ما ثبت حكمه واستقر فإن حكمه يكون كذلك حتى يأتي ناقل عنه، ولا اعتبار للشك أو الظن في تبديل هذا الحكم الثابت.
                              وهذه القاعدة هي قاعدة الاستصحاب، فلذا فيناسب أن نذكر أقسام الاستصحاب كما ذكرها ابن القيم رحمه الله، وهي ثلاثة:
                              1- استصحاب البراءة الأصلية.
                              2- استصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي، حتى يثبت خلافه.
                              3- استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع.
                              فالأول: وهو استصحاب البراءة الأصلية: معناه أن الأمر يبقى على ما كان، حيث لم يرد دليل بالإبقاء، ولا دليل بالانتقال، فيبقى الأمر على ما كان عليه.
                              الثاني: استصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي، حتى يثبت خلافه، ومعناه أن الحكم ثبت بدليل فيستصحب هذا الحكم الثابت إلى أن يأتي ما ينقله.
                              الثالث: استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع، وفيه خلاف، ورجح ابن القيم رحمه الله أنه حجة، والجمهور على خلافه، ويمثلون له بالمتيمم إذا فقد الماء فصلى ولم ير الماء، فصلاته صحيحة بالإجماع، ولكن ما الحكم إذا رأى الماء أثناء الصلاة فالقائلون بهذا النوع، يستصحبون حكم الإجماع في المسألة التي لا إجماع فيها، فيصححون صلاته، فيقولون انه صلى وليس واجداً للماء فابتدأ الصلاة وهو في محل إجماع بصحتها، ثم طرأ عليه طارئ وهو حضور الماء أثناء الصلاة فيقولون يستصحب الحكم الأول وهو صحة الصلاة، والذين لا يقولون بهذا النوع من الاستصحاب يبطلونها.

                              3- أنواع الاستصحاب عند الأصوليين:
                              وهناك من قسم الاستصحاب إلى ثلاثة أقسام هي:
                              1- استصحاب النص إلى أن يرد نسخ: أي العمل بالنص من كتاب أو سنة حتى يرد دليل ناسخ - وهذا متفق عليه بينهم.
                              2- استصحاب العموم إلى أن يرد دليل تخصيص: أي العمل باللفظ العام حتى يرد المخصص، فيقصر العام على بعض أفراده- وهذا أيضاً متفق عليه بينهم.
                              3- استصحاب الحال: وهو ظن دوام الشيء بناء على وجوده قبل ذلك - وهذا قريب من تعريف الفقهاء للاستصحاب - وقد اختلف الأصوليون في كونه حجة أو ليس بحجة:
                              فذهب الأكثرون ومنهم مالك وأحمد وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه حجة.
                              وذهب جمهور الحنفية وجماعة من المتكلمين والحنابلة إلى أنه ليس بحجة.

                              4- فروع القاعدة:
                              1- من أقر بدين عليه وادعى أنه قضاه فلا يقبل منه، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.
                              2- من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو طاهر. ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث.
                              3- عدم وجوب الزكاة في العنبر؛ لأن الأصل عدم وجوب الزكاة.
                              4- من أكل آخر النهار - بلا اجتهاد - وشك في الغروب بطل صومه، لأن الأصل بقاء النهار. ومن أكل آخر الليل وشك في طلوع الفجر صح صومه،؛ لأن الأصل بقاء الليل.
                              5- إذا ادعت المطلقة امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة صدقت، ولها النفقة لأن الأصل بقاء العدة.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X