إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ظلم الأبناء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ظلم الأبناء

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    خطب للشيخ عبد العزيز بن الطاهر بن غيث


    (1)

    ملخص الخطبة
    1- كل مولود يولد على فطرة الإسلام. 2- أشكال ظلم الآباء للأبناء كثيرة ومنها القسوة في التربية. 3- الحث على مداعبة الأبناء وتقبيلهم. 4- صور من رحمة النبي بالأطفال. 5- الآثار السيئة على شخصية الطفل بسبب القسوة في التعامل. 6- التربية الصحيحة بين القسوة والدلال. 7- من صور الظلم عدم تربيتهم على الأخلاق الحسنة. 8- أهمية التوجيه والنصح للأبناء. 9- وجوب الاهتمام بالأهل والأبناء. 10- صور سيئة في تعاملاتنا مع أبنائنا. 11- فضل الولد الصالح.

    الخطبة الأولى
    أما بعد: فقد تكلمنا في الجمعة الماضية عن أمرٍ عظيم هو ظلم الأبناء للوالدين، وهو جريمة عظيمة وعقوق من الأبناء في حق الآباء والأمهات. ونتكلم اليوم عن ظلم الوالدين في حق الأبناء؛ لأنه كما أن للوالدين حقوقًا إذا فرط فيها الابن كان ظالما في حق والديه فإن للأولاد حقوقًا إذا فرط فيها الوالدان كانا ظالمين في حق الولد. نتكلم عن هذا الأمر في هذه الخطبة مركزين على ظلم الآباء في التنشئة والتربية، وهي أخطر أنواع ظلم الآباء للأبناء؛ لأن الأمور المترتبة على سوء التربية أمور عظيمة، ونتكلم عن جوانب أخرى من ظلم الوالدين للولد في الخطبة القادمة بإذن الله.
    إخوة الإيمان، ظلم الوالدين للولد يبدأ من نشأته، فلا بد للوالدين إذا أرادا أن لا يكونا ظالمين في حق ولدهما أن يقوما بما يمليه عليهما دينهما، وأن يتقيا الله سبحانه في هذا الولد الذي رزقهما الله؛ لأن الولد يولد على الفطرة فطرة الإسلام التي فطر الله الناس عليها، والذي يؤثّر على هذه الفطرة ويساهم في إفسادها والداه ثم المجتمع، يقول كما في صحيح الجامع من حديث الأسود بن سريع: ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه))، فالولد في صغره كقطعة الطين اللين سهلة التشكيل، يتجه إلى الخير إن وجهته إليه، ولكن الآباء والأمهات يضيعون هذا الواجب نحو الولد، فلا يوجهونه ولا يعلمونه، فيظلمونه ويظلمون أنفسهم، وظلم الأبناء للآباء الذي تكلمنا عنه في الجمعة الماضية أول أسبابه الوالدان، فما وُجِد عاقٌ ظالم لوالديه في أكثر الأحوال إلا بسوء تربيةٍ وإهمال وسوء تصرف من الوالدين.
    أول أشكال ظلم الآباء للأبناء القسوة على الأبناء في مرحلة الطفولة، فالطفل الصغير يحتاج إلى رعاية وحنان وعطف ومداعبة؛ لكن الآباء والأمهات يضيّعون هذا الأمر ويهملون هذه الجوانب المهمة للطفل، فينشأ الطفل معقدا أو عصبيّا، وإذا كبر نشأ محبًا للشارع كارهًا للبيت؛ لأنه لا يجد فيه راحته ولا الاهتمام به.
    إنّ من الآباء من يعتبر مداعبته لولده أو تقبيله له عارًا أو جريمة، فهو لا يعامل أولاده مهما صغرت سنهم إلا بالقسوة والغلظة، وهذه أول أسباب نشوء العقوق في أنفسهم. إن مداعبة الابن ليست عارًا، وليست منقصة، وليست منافية للرجولة، وها هو رسول الله يعلمنا هذا الأمر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبّل رسول الله الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله ثم قال: ((من لا يَرحم لا يُرحم)) أخرجه الشيخان.
    حقًّا، إن من لا يرحم لا يُرحم، من لا يرحم غيره لا يرحمه الله، كما أن من لا يرحم أبناءه سوف لن يرحمه الأبناء عند كبره.
    بل إن رسول الله يرحم هؤلاء الأطفال حتى وهو في أهمّ أمر يقوم به وهو الصلاة، فقد يؤخر سجوده وهو يصلي بالناس مراعاةً للحسن بن علي رضي الله عنهما الذي صعد على ظهره، ولننظر كيف كان الحسن في كبره بسبب هذه المعاملة الرحيمة بينما نحن لا نتحمل بكاء طفل في المسجد ونقيم الدنيا ولا نقعدها، فينشأ أطفالنا بعُقَد ونشوز فالله المستعان.
    وبعض الآباء لا يقف ظلمه عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى حدٍ خطير، وهو أنه يتعامل مع أبنائه منذ صغرهم بالضرب حتى لمن عمره أربع أو خمس سنوات، ويصفعه على وجهه؛ مما يسبب في ضياع شخصية الطفل وفقده لاتزانه، ومما يخلف في ذاكرته شيئًا من الحقد على والده أو أمه، بينما يعلمنا ديننا الحنيف أن أهم واجب في الحياة وأهم شيء خلق الله من أجله الإنسان العبادة، وعلى رأسها الصلاة، لا يضرب من أجلها الإنسان حتى يبلغ العاشرة، يقول : ((واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا))، فأي جريمة ترتكب يوميًا في حق الأطفال؟! ثم تتعجب بعد ذلك من العقوق، ونتعجب من جنوح الأحداث، والواقع يقول بأننا نحن من أسهمنا في هذا العقوق وهذا الجنوح. وكلامنا هذا لا يعني الدعوة إلى تدليل الأطفال والمبالغة في الاهتمام بهم وتلبية كل مطالبهم، بل التوسط هو السبيل، لا إفراط ولا تفريط، ورحمة الصغير أمر شدد عليه ديننا الحنيف، يقول في الحديث الذي أخرجه أبو داود عن ابن عمرو: ((من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا)).
    ومن ظلم الآباء للأبناء عدم تربيتهم على الأخلاق الحسنة والسجايا الكريمة، بل يتركونهم ينشؤون دون توجيه أو رعاية، فيكتسبون أخلاقًا وسجايا ذميمة، والله أمر بتوجيه الأهل إلى الخير والبر فقال سبحانه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه: 132]، وأثنى على الذين يسعون في هذا السبيل فقال سبحانه: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74]، وبيّن لنا أن الأنبياء عليهم السلام وهم قدوتنا كانوا يرغبون في الذرية الصالحة، وليس مجرد الذرية، يقول سبحانه على لسان إبراهيم: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ [الصافات: 100]، ويقول على لسان زكريا عليه السلام: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران: 38].
    وأول ما يوجّه الوالدان إليه الولد الإيمان بالله والبعد عن الشرك وغيره مما ينافي العقيدة الصحيحة؛ لأن الإنسان إذا آمن بوجود الله واستشعر رقابته صلحت أموره كلها، وها هو العبد الصالح لقمان يوجه ولده هذه التوجيهات الإيمانية، يقول سبحانه: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13]، ويقول: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُر ْبِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 17-19].
    فلا بد للإنسان حتى لا يكون ظالمًا في حق ولده أن يوجهه ويرشده إلى الخير وإلى الإيمان والإحسان، وأن يبعده عن الشرك والفجور، لا بد أن يعلمه القرآن، ويبين له حقوق الله عليه وحقوق الناس؛ لينشأ نشأة كريمة، أما إذا ضيع هذا فقد أساء إلى ولده أيما إساءة، يقول ابن القيم في كتاب تحفة المودود: "من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثرُ الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم" انتهى.
    فلا بد إذًا من التوجيه والنصح، وهذا التوجيه للأبناء أمرنا به رسول الله ، فهو القائل كما في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة: ((علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا، وفرقوا بينهم في المضاجع))، فإذا فرطت في تعليمهم الصلاة صغارًا فلا تتعجب من تضييعهم لها كبارا، وإذا ضيعوا الصلاة فهل ترجو الخير من إنسان عديم الصلة بالله سبحانه؟! ويقول أيضا لعمر بن أبي سلمة وهو يوجهه في صغره أثناء الطعام: ((يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)) أخرجه الشيخان، فأين نحن من مثل هذه التعليمات التي إذا ضاعت في الصغر صعب تحقيقها في الكبر؟!
    إن التفريط في هذه التعليمات والتوجيهات وغيرها من أعظم الظلم للأبناء، حيث ينشؤون في جاهلية جهلاء، في بيوت لا تعرف لله حقا ولا مكان للأخلاق فيها، فيسهل عليهم سلوك سبيل الفساد والرذيلة، ويكون سوء التربية من أهم الأسباب في انتهاجهم لهذه السبيل، ورسول الله يبين لنا هذه المسؤولية حتى لا نتهاون فيها، فيقول في الحديث الذي رواه النسائي عن أنس: ((إن الله تعالى سائلٌ كل راع عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته))، فلا يظنن ظان أن أمر الاهتمام بالأهل والأبناء وتوجيههم أمر اختياري، لا بل هو مسؤولية يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة.
    ‌وليت الآباء يقفون عند هذا الحد من التفريط في توجيه الأبناء وتربيتهم، بل إنهم يقومون بأسوأ من هذا، وهو تعليم أبنائهم الأخلاق السيئة وتربيتهم على الكذب والوقاحة، فنجد الأب والأم يعلم ابنه كيف يقول لغيره: يا حمار، وكيف يبصق على الناس، وكيف يضرب الصغار، كما أنه يعلمه الكذب، فإذا جاء من يبحث عن الأب أمر ابنه بأن يذهب إليه ويقول له: أبي غير موجود وهو موجود، بل ويكذب الأب على الابن أكثر من مرة حتى ينشأ على عدم تصديق أبيه وعدم الثقة به، وهذا الأمر يفعله الكثير من الآباء والأمهات وللأسف، من ذلك أننا إذا أردنا أن نمسك بطفل فإننا نقول له: تعال خذ، متظاهرين بأننا سنعطيه شيئا، فإذا جاء أمسكنا به ولم نعطه شيئا، فإذا كررنا هذا مرارا تخلَّق الطفل بأخلاق ذميمة نحن السبب فيها، من هذه الأخلاق عدم الطاعة إذا ناديناه وفقد ثقته فينا وتكذيبنا لأنه جرب علينا الكذب، وهو أيضا درس عملي في الكذب يتعلم منه كيف يكذب، وهذه معاملة نهى عنها رسول الله ، فعن عَبْدِ الله بن عَامِرٍ أَنّهُ قالَ: دَعَتْنِي أُمّي يَوْمًا وَرَسُولُ الله قاعِدٌ في بَيْتِنا، فقالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقالَ لَهَا رَسُولُ الله : ((وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟)) قالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فقالَ لَهَا رَسُولُ الله : ((أُمَا إِنّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكَ كَذِبَةٌ)) أخرجه أبو داود.
    فلا تستهزئ بالطفل ـ يا عبد الله ـ وتقول: هذا طفل لا يفقه شيئا، بل إن الكذب كذب على الصغير أو على الكبير، بل هو مع الصغير أخطر؛ لأنه في طور التعليم، يحفظ كل ما يلقى إليه.
    كل هذا وغيره ـ عباد الله ـ ظلم من الآباء للأبناء، يترتب عليه في أكثر الأحيان خروج نشءٍ لا يعرفون حقا لله ولا لعباد الله، يعقون آباءهم، ويظلمون الناس.
    فاتقوا الله في أبنائكم عباد الله، وكونوا عونًا لهم في معرفة حق الله وحقكم عليهم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.


    الخطبة الثانية
    الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
    أيها الإخوة الأحبة، لا بد أن نقوم بواجبنا نحو أبنائنا إن كنا نرغب في أن لا نظلمهم، وإن كنا نرغب في أن يكونوا بارّين بنا محسنين إلينا، وهذا مقتضى العدل أن نعطي لكي نأخذ، أما إن ضيعنا هذا الواجب فإننا سنعاني آثاره في الدنيا، وسنحاسب عليه في الآخرة، وليس هذا وحسب، بل إننا إذا قمنا بواجبنا نحو أبنائنا في تربيتهم التربية الحسنة ووجهناهم إلى مرضاة الله فإننا نحصل على حساب جارٍ للحسنات بعد موتنا، يفتحه لنا أبناؤنا، فيضيفون به الحسنات والخيرات إلى سجل أعمالنا ونحن موتى، فهل يضيِّع هذا عاقل؟! وهل يزهد في هذا مسلم؟! يقول في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)). وأما إذا فرطنا في تربية أبنائنا ولم نقم بأمانتنا نحوهم فقد تلحقنا اللعنات في قبورنا والعياذ بالله.
    والملاحظ عندنا في أمر التربية ـ إخوة الإيمان ـ أن حال الوالد يكون على أحد شكلين إلا من رحم الله، فالوالد عندنا إما أن يكون مهملا أو يكون قاسيا فقط، أما أن يكون صديقا لولده رفيقًا به يتبادل معه المحبة والود فهذا مستحيل أو قليل، ثم بعد ذلك يتعجب من عقوق هذا الولد وهو لم يحسن إليه ولم يبذل جهده في تربيته ولم يعلمه حتى معنى العقوق وخطورته، بل تركه ينشأ معوجًا، ثم لما اشتد عوده وكبر جاء ليقومه وهذا مستحيل:
    إن الغصـون إذا قومتهـا اعتدلت ولا يليـن إذا قوّمتـه الخشـب
    فاتقوا الله عباد الله، وقوموا بواجبكم نحو أبنائكم وبناتكم؛ تنالوا برهم وإحسانهم.
    أسأل الله أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يقر أعيننا بأبنائنا، وأن يعيننا على القيام بواجبنا نحوهم، وأن يجعلهم ذخرا لنا، اللهم آت نفوسنا تقواها...
    منقول..
    مواضيعي
    أسألكم الدعاء

  • #2
    رد: ظلم الأبناء

    (2)


    ملخص الخطبة
    1- الإهمال وقرناء السوء من أخطر الأدواء التي تفتك بالأسر. 2- الحرص على الأبناء وحمايتهم من شياطين الجن. 3- من صور ظلم الأبناء عدم الإنفاق عليهم. 4- من صور الظلم الدعاء عليهم وإهانتهم والقسوة عليهم. 5- من صور الظلم التفريق بينهم وتفضيل بعضهم على بعض. 6- من صور الظلم بغض البنات وظلمهن. 7- أخطاء الوالدين لا تبرر العقوق.

    الخطبة الأولى
    وبعد: لا زلنا مع موضوع ظلم الآباء للأبناء، وهذا موضوع مهم يجب أن نركز عليه وأن نعطيه حقه من البحث والاستقصاء؛ حتى يعلم كل أب ما له وما عليه، وحتى لا نترك عذرا للمقصرين في هذه الأمور المهمة، أسأل الله أن يعين الآباء والأبناء في تأدية ما عليهم، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يزيننا بزينة الإيمان.
    إخوة الإيمان، من جوانب ظلم الآباء للأبناء ـ كما ألمحنا في الجمعة الماضية ـ الإهمال، وهو داء خطير، فلا شيء في هذه الدنيا يصلح مع الإهمال، بل الإهمال مفسد لكل شيء، حتى المزروعات والآلات إذا أهملت فسدت، فكيف بالإنسان الذي يحس ويشعر وتؤثر فيه الظروف والأشخاص؟! كيف سيصلح مع الإهمال؟! لهذا فلا ينبغي للوالد أن يكون مهملا لأبنائه لا يدري عنهم شيئا ولا عن أخلاقهم ولا عن صداقاتهم، هذا من أهم أسباب الضياع والانحراف؛ لهذا حذرنا الله سبحانه من التعرض للمؤثرات التي تحيد بالإنسان عن الطريق السوي، ومن هذه المؤثرات قرناء السوء من الإنس والجن فقال سبحانه: شيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام: 112]، فعلى الأب أن يحمي ابنه من تأثير شياطين الإنس من البشر بمعرفته لسلوك ولده وإبعاده عن الصحبة السيئة، كما أن لشياطين الجن تأثيرا على أطفالنا، لهذا حثنا رسول الله على كف أطفالنا عن الخروج من البيت في أوقات معينة؛ حتى نحفظ أبناءنا من هذا السوء، يقول : ((إذا جنح الليل وأمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهبت ساعة من الليل فخلوهم)) الحديث متفق عليه، قال النووي في شرح مسلم: "ومعناه أنه يُخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذ، والله أعلم" انتهى. فالإهمال إذًا واللامبالاة من أشد أنواع الظلم في حق الأبناء، فإذا أهمل المسلم أبناءه ولم يدر أين يذهبون وماذا يفعلون ومن يصادقون فقد فرط في حق عظيم من حقوق أبنائه وظلمهم.
    ومن ظلم الآباء للأبناء عدم الإنفاق عليهم وهم صغار مع قدرة الوالد على ذلك؛ لأن في هذا تضييعا لهم وتقصيرًا في حقهم وتعريضَهم للفتنة والانحراف ودفعهم إلى تحصيل حاجاتهم بغير ما أحل الله سبحانه، ولقد حذر رسول الله مِن هذا وعَدَّه من الإثم، فقال كما عند أبي داود من حديث عمرو بن العاص: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت))، بل إنه بين أن نفقة الإنسان على أهله من أعظم وأفضل أنواع النفقة التي يجزي الله عليها العبد فقال: ((دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك)) أخرجه مسلم. وهذا الإنفاق على الأهل الذي فاق كل وجوه الخير المذكورة ليس المقصود به أي إنفاق، إنما المقصود به الإنفاق البعيد عن الإسراف والتبذير.
    ومن ظلم الآباء للأبناء الدعاء عليهم بالشر، فقد تلجأ الأم أو يلجأ الأب إلى الدعاء على أبنائه في حالة الغضب، ولكن الشرع نهى عن ذلك؛ لأن ذلك لا يكون في صالح الأبناء ولا الآباء في الغالب، فلا ينبغي للوالدين أن يدعوا على أبنائهم بالشر، وليصبروا وليحتسبوا، فإن في ذلك الخير لهم ولأبنائهم، عن جابر أن رسول الله قال: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم)) أخرجه مسلم. إن رسول الله يحذر الوالدين من أن الله قد يستجيب لهذه الدعوة على الولد، فتسوء أموره، ثم لا تلبث الوالدة أو الوالد أن يندم، ولات حين مندم.
    ومن ظلم الآباء للأبناء الإهانة والقسوة، وهذا أمر خطير يفعله الكثير من الآباء والأمهات دون أن يشعروا بآثاره السيئة على الأبناء، والتي قد لا تمحى مدى الدهر. والعجيب أن الوالدين يفعلان هذا مهما كبر أبناؤهم؛ لأن الابن عند الوالد دائما صغير ولو تزوج وصار له أبناء، وهذا لا ينبغي، بل ينبغي إكرام الابن والتلطف معه ومصادقته وعدم الإغلاظ عليه باستمرار أو إهانته وخاصة أمام الناس؛ لأن في ذلك أسوأ الأثر، وهو من أهم أسباب جنوح الولد إلى ظلم والديه لاحقا، بل السعي للانتقام ورد الصاع صاعين.
    أورد القرطبي في كتاب بهجة المجالس أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأل الأحنف بن قيس عن الولد فقال: يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، نحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة، وبهم نصول ونجول عند كلّ جليلة، فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، يمنحوك ودهم ويحبوك جهدهم، ولا تكن عليهم قفلا فيتمنّوا موتك ويكرهوا قربك ويملوا حياتك.
    ومن هذا الظلم أيضا ـ إخوة الإيمان ـ التفريق بين الأبناء في المعاملة والعطاء، فتجد الأب رفيقا لطيفا مع بعض الأبناء وقاسيا مع الآخر، أو تجده يعطي أحد أبنائه مالا وهبات وعطايا ولا يعطي الآخرين، وهذا أمر لا يجوز ومعاملة حرمها ديننا الحنيف، فالعدل بين الأبناء أمر لا ينبغي أن يهمله مسلم يريد وجه الله سبحانه، أخرج الشيخان عن النعمان بن بشير أن والده بشير أراد أن يهبه شيئا دون إخوته، فذهب إلى رسول الله يسأله ويشهده على ذلك، فقال رسول الله : ((يا بشير، ألك ولد سوى هذا؟)) قال: نعم، فقال: ((أكلهم وهبت له مثل هذا؟)) قال: لا، قال: ((فلا تشهدني إذًا، فإني لا أشهد على جور)). فعلى الآباء أن يتقوا الله في أبنائهم، ولا يفعلوا أمورا تسبب في بغض أبنائهم لهم، وتسبب في بغض أبنائهم بعضهم لبعض وفي تقاطعهم وتدابرهم بل وتقاتلهم. إن هذه المعاملة غير العادلة تحول دون بر الأبناء بالآباء؛ لهذا قال كما في صحيح الجامع من حديث النعمان بن بشير: ((اعدلوا بين أولادكم في النِحَل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف)).
    ومن ظلم الآباء للأبناء بغض البنات وظلمهن، وهذه عادة كانت متأصلة في عرب الجاهلية، يقول سبحانه: وإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ [النحل: 58، 59]. ورغم أن هذه العادة عادة جاهلية ورغم أن الله سبحانه قد ذمها في كتابه إلا أننا لا زلنا نرى أن البنت مهضوم حقها، وكفة الميزان دائما مائلة تجاه الولد الذكر، وهذا حرمان للبنت الضعيفة من حق شرعه الله لها، ولكنه بالمقابل حرمان للوالد أيضا من فضل عظيم كان يمكن أن يحصل عليه لو أحسن إلى بناته، يقول فيما أخرجه الشيخان من حديث عائشة: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار))، ويقول أيضا: ((من ولدت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله بها الجنة)) أخرجه أبو داود.
    وظلم البنات ـ إخوة الإيمان ـ لا يقتصر على هذا، بل هناك ظلم عظيم يقع عليهن، وهو يحدث في كثير من المجتمعات الإسلامية، هذا الظلم هو حرمانهن من الميراث أو بخس حقهن، وهذا جور عظيم ورَدٌ لما جاء في كتاب رب العالمين الذي أوصى للبنت بحقها في الميراث أسوةً بالذكر دونما نقصان، يقول سبحانه: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا [النساء: 7]، ويقول سبحانه: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَك الآيات، هذا القرآن المحكم وهذا القول الفصل من رب العالمين كيف لمسلم يخاف الله سبحانه أن يتخطاه أو يتجاوزه أو يتجرأ عليه،؟! إن معنى قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ أي: يأمركم الله، فكيف نضيع أمر الله ونحجب حقا فرضه الله علينا اتباعا لعادات جاهلية ونعرات عمية؟! أليس هذا ظلما ما بعده ظلم؟!
    أيها الإخوة، ونختم وجوه الظلم بأمر يقع من الآباء على الأبناء، هو أمر بسيط يسير في نفسه قد لا يدرك خطورته الآباء والأمهات، ولكنه عظيم في أثره على الولد، هذا الأمر هو سوء التسمية، فأحيانا يصر الأب على تسمية ابنه اسما غير لائق ولا موافق لعصر الولد وبيئته، اسم غريب لأحد جدوده الغابرين أو غير ذلك من أسماء غريبة عن عصر الولد أو لا معنى لها، فيعيش الابن معقدا متحرجًا من هذا الاسم منطويا على نفسه، يستحي إذا سئل عن اسمه أن يذكره، ولا أريد أن أذكر أمثلة لهذه الأسماء احتراما لأصحابها، ولكن يعلم الله أن هناك من الأسماء ما يثير العجب والاستغراب والاستهجان، فلماذا نظلم الإنسان في أخص وألصق شيء به وهو اسمه الذي لا ينفك عنه حتى بعد موته؟!
    إن حسن التسمية أمر حثّ عليه الشرع، وليس هو أمرًا للوالد الحريةُ المطلقة فيه، فلا بد أن يتخير الوالد لابنه اسما جميلا يرضاه الشرع ويتماشى مع عصر الابن وبيئته لا مع عصر الوالد، يقول : ((إن من أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)) أخرجه مسلم، ويقول أمير المؤمنين على بن أبي طالب: (ينبغي لأحدكم أن يتخير لولده إذا ولد الاسم الحسن).
    هذه إخوة الإيمان جملة من أخطاء الآباء في حق الأبناء، أسأل الله أن يجنبنا الوقوع فيها، وأن يوفقنا إلى كل خير. أقول قولي هذا، وأستغفر الله.


    الخطبة الثانية
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
    إخوة الإيمان، ما ذكرناه فيما مضى من الخطبة من أمور هو توجيه لأنفسنا وإخواننا، علينا فهمه وتطبيقه إذا أردنا حقا القيام بما علينا، وهو تذكير للناسي منا والغافل، والله سبحانه أمر بالتذكير والذكرى، فقال عز من قائل: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: 55]، فإذا ذُكِّر المؤمن فلا بد أن يذكر ويتذكر، ولا بد أن يبذل جهده في العمل بأوامر الله سبحانه والاستقامة على صراطه؛ حتى يبتعد عن المؤاخذة ويفوز بالرضا.
    وليعذرنا الآباء والأمهات إذا أكثرنا عليهم بتعديد حق أبنائهم عليهم، فهذا أمر لا بد من التركيز عليه؛ لأن انحراف الأبناء وظلمهم للوالدين مترتب على هذه الأمور في الغالب، ولأن واجب الوالدين نحو الأبناء مقدم من حيث الزمن على واجب الأبناء نحو الوالدين؛ لأن الوالد هو السابق وليس الولد، وما دام هو السابق فهو المطالب بأن يرسي هذه العلاقة على ما يحب الله سبحانه ويرضى وعلى ما يفضي بها إلى النتائج الطيبة المرجوة.
    وليعلم الوالدان أن الإيفاء بحق أبنائهم هو من أهم الضمانات لأنْ يعرف الأبناء حق الوالدين ويقوموا به على أكمل وجه، فلا بد أن يقوم الوالدان بما عليهما تجاه الأبناء؛ حتى يغلقوا أو يضيقوا عليهم منافذ الظلم والعقوق، وحتى يساعدوهم على برهم والإحسان إليهم.
    كما أن على الأبناء أن يعلموا أن هذه الأخطاء من الآباء والأمهات ليست مبررا للعقوق والظلم وإن كانت سببا مباشرا فيه، بل إن ظلم وعقوق الوالدين أمر مذموم على كل حال، فعلى المسلم أن يظل محسنا لوالديه مهما كانت الظروف، داعيا لهما بالخير، مستغفرا لهما عما أخطآ في حقه، مرددا قوله تعالى: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف: 15].
    أسأل الله سبحانه بمنه وكرمه أن يوفقنا جميعا إلى ما يحبه ويرضاه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا...

    مواضيعي
    أسألكم الدعاء

    تعليق


    • #3
      رد: ظلم الأبناء


      لا تسأل الليل المسافر كم بقي
      هوّن عليك فلست أول من شقي
      هوّن عليك فلستَ أول صادقٍ
      يرميه إحساس الظنون بمأزقِ

      هوّن عليك وقُل خطيئة مُحسنٍ
      رام الوفاء, فكان غير مُوفّقِ !

      تعليق


      • #4
        رد: ظلم الأبناء

        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

        ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة ,
        ماشاء الله قضية هامة جدا فى هذه الآونه
        بارك الله فيكِ ابنتي الفاضلة وسلم نقلك وجعله فى ميزانك ,

        (وَأُفَوِّضُ أَمْرِ‌ي إِلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بَصِيرٌ‌ بِالْعِبَادِ )
        افضل موقع لحفظ والاستماع للقران الكريم
        ***}حــــــــــوار صريح جدا...{***
        مع المشرف العام للمنتدى

        تعليق


        • #5
          رد: ظلم الأبناء


          بارك الله فيك على الطرح القيم

          و أكبر ءظلم للأبناء هو عدم تربيتهم التربية السليمة


          تعليق

          يعمل...
          X