شم النسيم و الفكر العقيم .. لماذا التحريم؟
بقلم : علي جلال علي
شم النسيم ..
هل هو عيد مصري صميم؟
ما علاقة النصارى به؟
هل له علاقة باليهود؟
- الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده . شم النسيم عيد مصري فرعوني احتفل به القدماء المصريون و استمر الاحتفال به حتى أيامنا هذه مرورا بمختلف العصور .. فلماذا يحرمه من يحرمه؟
بداية نريد أن نعرف : ما أصل هذا العيد؟
- هو عيد فرعوني كان يحتفل به القدماء المصريون في الاعتدال الربيعي ، ويعود بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسميًا إلى عام 2700 ق.م ، أي في أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة ، و قيل أنه كان معروفًا ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة "أون" وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات ، و الاعتدال الربيعي غالبا يكون 21 مارس ، ذلك أن الاعتدال الربيعي عند الفرس و الكرد و الترك هو عيد النيروز(21 مارس) ، كما أن النصارى الغربيين (الكاثوليك و البروتستانت) يحددون عيد القيامة أنه أول أحد بعد اكتمال أول قمر يلي الاعتدال الربيعي (21 مارس).
هكذا كان عيد شم النسيم عند الفراعنة هو عيد الاعتدال الربيعي ، و كانوا يعتقدون أن هذا اليوم هو يوم بداية الخلق.
و لكن الملاحظ أن شم النسيم الآن ليس في الاعتدال الربيعي .. فما السبب؟
الجواب : بعد انتشار النصرانية في مصر ، وجد النصارى أن عيد شم النسيم يقع في أيام صومهم ، مما يحرمهم من الاحتفال بهذا العيد ، و أكل كل ما هو من أصل حيواني كالأسماك.
لذلك قرر النصارى أن يجعلوا شم النسيم بعد أيام الصوم ، فاتفقوا على أن يكون بعد عيد القيامة بيوم ، لذلك يكون عيد القيامة يوم الأحد و شم النسيم يوم الإثنين.
.. و هكذا تم إدخال الصبغة النصرانية على هذا العيد.
و لكن كيف يتم تحديد عيد القيامة عند الكنيسة المصرية و الكنائس الشرقية؟
- أولا: يشترط عند النصارى أن يكون عيد القيامة يوم أحد لاعتقادهم أن القيامة المزعومة للمسيح كانت يوم الأحد.
ثانيا: يشترط الشرقيون أن يكون عيد القيامة بعد عيد الفصح اليهودي لاعتقادهم أن القيامة المزعومة كانت بعد هذا العيد ، كما أن الشرقيين يؤكدون على ضرورة هذا الأمر حتى تكون قيامة المسيح المزعومة بعد ذبح خروف عيد الفصح عند اليهود حيث يرمز الخروف عندهم إلى المسيح الذي ذُبح على الصليب كي يفدي البشر من خطاياهم !!
و عيد الفصح يكون مساء 14 من شهر نيسان العبري (شهر قمري) لذلك يكون عيد القيامة بعد اكتمال القمر في النصف الثاني من الشهر العبري.
و عيد الفصح : هو عيد يهودي يزعم اليهود أنه يوم خروج نبي الله موسى ببني إسرائيل من مصر ، و يعتقد النصارى أن الصلب المزعوم للمسيح كان بعده و بالتالى كانت القيامة المزعومة كذلك ، و يقال أن الفصح كلمة عبرية معناها الخروج أو العبور.
ثالثا: يشترط النصارى أن يكون عيد القيامة بعد الاعتدال الربيعي (21 مارس) ، و ذلك لأن عيد الفصح عند اليهود يكون في الربيع في موسم الحصاد كما ورد في التوراة (سفر اللاوييين 23 :4-12)
- قد يكون اكتمال القمر في 20 مارس ، فهنا يضطرون إلى انتظار القمر الذي يليه في 18 إبريل ، فإن كان 18 إبريل يوافق الأحد فيكون الأحد الذي يليه هو عيد القيامة و يكون في هذه الحالة يوم 25 إبريل ، لذلك لا يأت عيد القيامة قبل 22 مارس و لا بعد 25 إبريل.
و حيث أن هناك تعديل في التقويم الميلادي القديم (اليولياني) في القرن السادس الميلادي عام 1582م ، فجعل فرقا وصل إلى 13 يوما حتى الآن ، ولم تأخذ الكنائس الشرقية بهذا التعديل بينما أخذت به نظيرتها الغربية (صاحب هذا التعديل هو بابا روما غريغوريوس الثالث عشر) ، لذلك نجد عيد الميلاد عند الغربيين 25 ديسمبر و عند الشرقيين 7 يناير ، و كذلك الاعتدال الربيعي عند الغربيين 21 مارس بينما صار عند الشرقيين 3 إبريل ، مما يوافق في التقويم القبطي 25 برمهات.
و بعد معرفة هذا التعديل نعرف أن عيد القيامة عند الشرقيين الآن لا يمكن أن يقع قبل 4 إبريل (26 برمهات) و لا بعد 8 مايو(30 برمودة).
- جدير بالذكر أن التعديل المذكور قد تم بعد اكتشاف خطأ في حساب الدورة الشمسية في التقويم القديم الذي كان يعتبر مدة السنة الشمسية 365 يوما و 6 ساعات (ربع يوم) ، لذلك يتم إضافة يوم كل 4 سنوات لتكون السنة الكبيسة 366 يوما ، و لكن في عام 1582م في عهد بابا روما (غريغوريوس الثالث عشر) اكتشفوا أن الدورة الشمسية السنوية تستغرق 365 يوما و 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية ، فبهذا يكون هناك فارق 11 دقيقة و 14 ثانية ، قد تسبب في فارق أيام مقداره عشرة أيام ، و قد وصل الفارق الآن إلى 13 يوما ، و سوف يصل عام 2100م إلى 14 يوما ، و قد أخذ العالم كله الآن بهذا التعديل ، حيث يتم حذف 3 أيام كل 400 عام ، و ذلك بجعل السنوات المئوية التي لا تقبل القسمة على (400) سنوات بسيطة كعام 1700 و 1800 و 1900 أما الأعوام التي تقبل القسمة على 400 تظل كبيسة كما هي مثل : 1600 و 2000، و لكن أبت الكنائس الشرقية إلا الإصرار على الأخذ بالحساب القديم ، و الكنيسة المصرية تسير على التقويم القبطى المرتبط بنجم الشعرى ، و عندهم السنة 365 يوم و 6 ساعات (ربع يوم) كالتقويم اليولياني القديم.
- و نعود إلى عيد القيامة لدى الكنيسة المصرية ، فهو يراعي شروطا ثلاث :
1- أن يكون يوم أحد.
2- أن يكون بعد فصح اليهود.
3- أن يكون بعد الاعتدال الربيعي (بين 26 برمهات إلى 30 برمودة)
- و لكن كيف يتم تحديد ميعاد عيد الفصح اليهودي؟
- الأمر باختصار دون تفصيل : أن الشهور اليهودية شهور قمرية ، و لكن لابد أن يكون عيد الفصح في الربيع كما ورد في التوراة ، و لو تُرك الأمر للدورة القمرية لانتقل الفصح اليهودي (14 نيسان) بين فصول السنة كما يحدث عندنا في رمضان و العيدين ، لذلك التزم اليهود ببدعة تعرف بالدورة الميتونية في تقويمهم, بحيث يتم التأليف بين الدورتين الشمسية و القمرية ، رغم وجود فارق بين السنة الشمسية و القمرية حوالي 11 يوما ، فقاموا بإضافة شهر كامل للسنة القمرية عندهم كل ثلاثة أعوام على الأغلب و ليس دائما ، فتكون السنة الكبيسة ثلاثة عشر شهرا ، فهم ألفوا دورة تتكون من تسعة عشر (19) عاما بها 12 سنة بسيطة و 7 سنوات كبيسة حتى تتوافق الدورتان الشمسية و القمرية، و السنوات الكبيسة في هذه الدورة تكون على النحو التالي : العام الثالث (3) و السادس (6) و الثامن (8) و الحادي عشر (11) و الرابع عشر (14) و السابع عشر (17) و التاسع عشر (19) ، و معلوم بطلان ذلك عندنا نحن المسلمين لقوله تعالى : "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرَاً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" (التوبة :36).
و لكن هذه البدعة اليهودية المرفوضة لدى المسلمين لم يرفضها النصارى بل قبلوها و أقاموا ما يسمى (حساب الأبقطي) لحساب ميعاد ذبح خروف الفصح عند اليهود بناء على دورة التقويم اليهودي دون الرجوع إليهم!!
فبعملية حسابية ليس هذا موضع التفصيل فيها يحددون تاريخ ذبح خروف الفصح عند اليهود ، و يكون الأحد التالى له هو عيد القيامة و الإثنين هو شم النسيم.
و هكذا نجد أن شم النسيم أصله عيد فرعوني ، غيّر موعده النصارى التزاما بقواعد التقويم اليهودي!!
- شم النسيم أيها المسلمون مرتبط بعيد القيامة الباطل الذي يحتفل فيه النصارى بقيامة المسيح من الموت بعد صلبه ، قال تعالى: "وَ مَا قَتَلُوهُ وَ مَا صَلَبُوهُ وَ لَكِن شُبِّهَ لَهُمْ"(النساء:157) ، كما التزم النصارى في تحديد عيدهم بقواعد التقويم اليهودي الغير دقيق الذي جعل بعض الأعوام ثلاثة عشر شهرا خلافا لكتاب الله!!
و الآن أسألك أيها المسلم : هل يجوز لك الاحتفال بهذا العيد؟
و الله إن المسلم المستسلم لشرع الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم لا يحتاج إلى كل ما سبق من كلام في إثبات الأباطيل المتشابكة التي تدخلت في تحديد شم النسيم ، فقد روى أبو داود في سننه عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر.
و يلاحظ في الرواية الآتي:
1- أن الألفاظ المستخدمة هي (و لهم يومان) و (ما هذان اليومان) و (يوم الفطر و يوم الأضحى) ، فليس يشترط أن يقال (عيد) حتى يكون حراما فإن تمت تسمية مناسبة غير إسلامية بيوم كذا أو عيد كذا فهذا في الحكم سواء لأن كل يوم يُتخذ كمناسبة متكررة فهو عيد ، و هذا ظاهر في لفظ نبي الله صلى الله عليه و سلم حين قال عن عيدي المسلمين : يوم الأضحى و يوم الفطر.
2- الظاهر أن اليومين كان أهل المدينة يلعبون فيهما كأمر خاص بأهل المدينة ، فكان أشبه بما يمكن أن نسميه (عيد أهل المدينة) ، فاليومان لم يرتبطا بعبادة ، لأن دين عامة أهل المدينة من الأوس و الخزرج في الجاهلية كان الشرك كسائر أهل جزيرة العرب آنذاك ، فلا حجة لمن يقول أن العيد إذا لم يكن مرتبطا بعقيدة او شعيرة كفرية فليس بحرام .. هذا باطل ، لأن نَهْى النبي صلى الله عليه و سلم لأهل المدينة كان عن اللعب في هذين اليومين ، فكانوا يلعبون لا يتعبدون بشعائر كفرية.
و في صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (إن لكل قوم عيد و هذا عيدنا) ، دلّ ذلك على اختصاص كل قوم بعيدهم ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم يتحدث عن المسلمين - هذا عيدنا - و ليس عن مهاجرين فقط أو أنصار أو من يسكنون المدينة ، فللمسلم عيدان فقط.
و الآن إن عدنا لعيد شم النسيم ، فقد دخل المسلمون مصر ، و للمصريين يوم يلعبون فيه و يمرحون ، فينبغي أن يقول كل مسلم : قد أبدلنا الله به خيرا منه يوم الفطر و يوم الأضحي.
- و الآن يثور التساؤل : ما حكم أكل الفسيخ أو الفطير أو أي من الأكلات الخاصة بشم النسيم في هذا اليوم؟
- روى أبو داود عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم. قال الشيخ الألباني: صحيح.
فلو كان هناك ببوانة عيد من أعياد المشركين لصار نحر إبل لله هناك معصية ، فإن كان هذا هو حال الطاعة فمن باب أولى تُحظر المباحات.
و لا ريب أن شم النسيم عيد للمشركين ، و من مظاهر الاحتفال به أكل الفسيخ أو الفطير و تلوين البيض ، فالحكم هو تحريم هذه المأكولات المباحة في هذا اليوم ، وقد ثبت في سنن أبي داود بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن تشبه بقوم فهو منهم.
هذا و أسأل الله أن يرزقنا الهدى و التقى و العفاف و الغنى ، و أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هدى الله و أولئك هم أولو الألباب.
منقول
تعليق