كنت أظن . . ولكني اكتشف . . فقررت!!
الحلقة (19)
كنت أظن :
أن الشباب المتدين، الذي أطلق كل واحد منهم لحيته، وقصر ثوبه، واتسمت تصرفاته بنوع من الشدة والحسم، وانصرف عن زينة الحياة الدنيا وبهجتها، هم مجموعة من الشباب المعقد نفسياً، والذي يعاني العدبد من المشاكل الاجتماعية والاضطرابات النفسية الحادة، وبالتالي اتخذوا هذا المسلك كنوع من التعبير عن رفضهم التام للمجتمع!!
ولكني اكتشفت :بعد بحث طويل في شأنهم، أن غالبيتهم من الشباب المثقف والمتعلم، بل والمتفوق في دراسته، كما لاحظت أن الكثير منهم يتسم بالهدوء وسعة الصدر، كما أن الكثير من عوام الناس الذين خالطوهم عن قرب، يثنون عليهم، ويمدحون في أخلاقهم، ويجزمون بأمانتهم، بل ويشهدون بحسن تعاملهم باستثناء القلة التي لا تسلم منها أي مجموعة من البشر!!
لذا فقد قررت :فلما اقتربت منهم، عرفت بأنهم شباب، آثروا تهذيب أنفسهم، وحاولوا مجاهدتها لكبح جماح الشهوات والشرور فيها، بعدما أيقنوا بأنهم مسؤولون عن جميع أفعالهم في هذه الحياة، وأن الله سوف يفرق يوم القيامة في سؤاله للعبد عن سائر عمره (على سبيل العموم)، وعن فترة الشباب تحديداً في سؤال منفرد ومستقل (على سبيل الخصوص)!!
وذلك لأنها فترة البذل والعطاء، فإما أن تبذل فيها جهدك في طاعة الله، وتسعى إلى مرضاته فتعمر آخرتك بقصورٍ في أعالي الجنان، وإما أن يستنفدها الشيطان منك في الشهوات والملذات التي سرعان ما تفنى منك، تاركة لك الحسرة والألم النفسي فقط، ثم تقبل على الله محملاً بأوزاك، في موقف يتمنى الأنبياء ألم يخلقوا على ظهر هذه الحياة، حتى لا يعاينوا شدة هوله!!
إن حقيقة مسار العبد على ظهر هذه الحياة تحددها أعماله (إما إلى جنة وإما إلى نار) ولكن الشيطان يحاول إغفال عقول الناس عن العاقبة والمآل؛ حتى يسقطوا كغيرهم في شراك سوء الخاتمة التي تأتي بغتة (عياذاً بالله)!!
لذا تزداد معاناة أهل الصلاح الساعين إلى اجتناب الشهوات والغفلات؛ كلما ازدادت نيران الفتن استعاراً (وما أشد استعارها في عصرنا الحاضر) وعلى الرغم من هذه المعاناة، إلا أن نفوسهم يحدوها الأمل في زوال تلك المعاناة بجميع ألوانها، مع أول لحظة لدخول جنة الرحمن، حيث تتبدد الهموم، وتنكشف الكروب في أقل من لمح البصر!!
وعليه فإن جميع الدروب على ظهر هذه الحياة تتلخص في مسيرتين لا ثالث لهما، مسيرة التائبين الساعين إلى مرضاة الله تعالى ومغفرته، ومسيرة الغافلين المتنكبين عن أوامر الله، والذين تعرضوا بسوء أعمالهم إلى غضبه وسخطه؛ بعدما ارتضوا أن يقود الشيطان مسيرتهم بشروره وحقده، ليلقوا حتفهم معه في نيران السعير!!
الالتحاق الفوري بقافلة التائبين، بعدما عرفت أن صحبة الشباب المتدين المقبل على ربه، هي قارب نجاتي الوحيد نحو صلاح الدنيا والآخرة، فبتشجيعهم لي على الطاعات تهون مشقتها، وبإرشادهم ونصحهم لي في الغفلات، أتجنب مزالق الجهل وكبوتها، وبمحبتهم الصافية النقية الخالصة لوجه الله فيَّ، واندماجي معهم في جسد واحد، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، تزهو الحياة وبهجتها!!
فالصحبة الطيبة أمان من استفراد الشيطان بالعبد، فالذئب إنما يأكل من الغنم القاصية، ولكوننا بشر، ولا يمكن أن تسلم بعض أفعالنا من الهفوات البشرية لكوننا غير معصومين، إلا أن الصحبة الطيبة تعين العبد على الرجوع لصوابه، فهي بمثابة الأم الحانية التي تسارع بجذب ولدها إلى حضنها الدافئ؛ بمجرد استشعار تعرضه للخطر، وكذا صحبة الأخيار، تعيدك إلى الطريق بتصحيح الهفوات، وتجنب الزلات، والحث على الطاعات!! فهل قرر أحد الالتحاق معي بركب التائبين؟!
ملحوظة : هذه حلقة خاصة لمن نحبهم ونرجو لهم الخير في دنياهم وآخرتهم.
تعليق