وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {1} وَطُورِ سِينِينَ {2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ {3} ". أيمان أربع متتابعة على أن الله خلق الإنسان فى أحسن تقويم. والتين والزيتون ثمرات معروفة ويرى جماعة من العلماء أن الله أراد القسم بهذا الثمر، ولو أقسم بغيره جاز، فكل ما تنبت الأرض من دلائل القدرة. وهل أروع وأبرع من أن ينشق الطين عن طعم حلو ورائحة زكية ولون زاه؟ ولعله مروى ومسمد بالأقذاء. من الذى أخرج من الحمأ المسنون هذه الثمرات الشهية؟ إنه الله. ويرى المحققون أن القسم هو بمواطن الشرائع الأولى، وهذا أوفق فى الجمع بينها. ويؤيده ما روى عن ابن عباس أن التين هو مسجد نوح الذى بناه على الجودى بعد انتهاء الطوفان. وأن الزيتون هو المسجد الأقصى الذى بناه إبراهيم بعدما بنى الكعبة. وطور سنين مكان تجلى الله على موسى وتشريفه بالرسالة. والبلد الأمين مكة موطن الإسلام ومشرق أنواره. والمقسم عليه هو خلق الإنسان فى أحسن تقويم! هل حسن التقويم صورته الحسنة وقامته المديدة؟ لا، ليس ذاك ما يشرف به الإنسان. وفى الحديث "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ". قد يكون القوام الممشوق بعض ما امتاز به بنو آدم، ولكن امتيازهم الأول، ولعله أيضا الأخير، هو ذكاء العقل واستقامة الفطرة. إن نفخة من روح الله الأعلى سرت فى أوصال الإنسان فجعلته كائنا خطير الشأن، وفى تكوينه الأول إشارة إلى أنه يولد بالتوحيد، والاستقامة؟ ثم تعدو عليه البيئة الرديئة، فإذا هو يميل ويعوج وينسى أصله الرفيع. وفى الآية " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ". ولكن الناس عندما ينسون ربهم وتفسد فطرتهم، يقترفون آثاما تقشعر منها الأبدان. لماذا توءد الطفلة؟ لماذا تحرق الزوجة السليمة مع زوجها الذى سبقها بالموت؟ لماذا يعذب سجين حتى
ص _529
يهلك؟ لماذا يكتم بعض الناس الحق؟ لماذا يضن البخيل بالعطاء وهو مستغن عنه؟ لماذا ننكر أن الله هو خالقنا؟ هذه كلها سفالات يرتكس البشر فيها، ويبتعدون بها عن فطرة الله.. إن الفطرة الجميلة تبقى مع الحفاظ على الصلاح والتقوى، وتضيع إذا جف الإيمان. وهذا معنى الآيات: "ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ " . " فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ " أيها الإنسان " بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ" . لماذا ينكر البعض الإسلام ويحاربه ويصد عنه؟ بأى فكر يفعل ذلك؟ وقد تركت شعوب حكمة الحكيم واستبدلت بالإسلام شرائع مغموصة لا تثمر خيرا أبدا فيا عجبا! جاء فى الحديث " من قرأ منكم " والتين والزيتون " فانتهى إلى قول " أليس الله بأحكم الحاكمين " ، فليقل : وأنا على ذلك من الشاهدين " .
ص _530
مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ.
الشيخ محمد الغزالي.
الشيخ محمد الغزالي.
تعليق