الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم،وبعد.....
فإن هدفى من هذه السلسلة -إن شاء الله- ليس طرح الأيات وشرحها ولكن هدفي هو التأمل في الأيات القرأنية بما يوقظ القلب ويجعل بيننا وبين الأيات علاقة ذهنية وروحية وعقلية....
إن الحس البشرى ليتبلد على المنظر المكرور والتجربة المكرورة ،فلم تعدد تهزه كما هزته أول مرة، ولا يستشعر لها الحركة الوجدانية التى صاحبتها أول مرة وهى تلقى بشحنتها الكاملة للحس المتفتح ....ومن هنا تفقد دلالتها، فلا تعطى توقيعها الصحيح على أوتار القلب البشرى ....لأن هذا القلب قد ((ران))عليه ما جعله لا يستجيب....
وهنا يأتى القرأن بطريقته الفذة فيمسح تلك القشرة الصلدة التى رانت على الحس فتبلد ورانت على القلب فلم يعد يستجيب.....
_ولكأنه_حين يزيل تلك القشرة الجاسية_يصل إلى العصب الحىَ،فيطلق له الشحنة فيتلقاها بكاملها..كأنما يتلقاها أول مرة ....فيهتز لها اهتزاز التجربة الجديدة....وينفعل بها كمن يعيشها أول مرة..وحين يبلغ الإهتزاز ذروته والإنفعال بالتجربة أشده يقول له :إنه الله!!!إنه الله الخالق المصور
الرزاق ...إنه الله المحيي المميت ....إنه الله القادر الذى لا يعجز قدرته شىء....وهكذا....
_وإن شاء سأتناول في هذه السلسلة الأيات بهذه الطريقة التى توقظ الفكر وتشحن القلب وتهز المشاعر
وهى سلسلة طويلة _إن شاء الله_....الله اسأل أن يعيننى على اتمامها وأن يجعلها نافعة لى ولأخواني وأخواتي في الله .......
فهرس السلسلة
الحلقة الأولى
الحلقة الثانية
الحلقة الثالثة
الحلقة الرابعة
الحلقة الخامسة
الحلقة السادسة
الحلقة السابعة
الحلقة الأولى:
قال الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا . ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان 45،46]
_تُرى هل أنت هنا مع الظل الذى تراه كل يوم،لا يلفت حسك ولا يثير انتباهك؟؟؟
وهل تستطيع أن تقرأ الأيتين السابقتين ثم يظل إحساسك بالظل كما كان من قبل؟؟؟
إنه هنا كائن جديد ولا شك ..وقد تدخلت جملة العناصر التى تعطى الحس شحنتها وتعطيه دلالتها!!
_فأنت ترى حركة الظل الرتيبة كل يوم وترى انتقاله من مكان إلى مكان ولكنك لا تخرج به في حسك عن أسبابه القريبة الظاهرة، ومن أجل ذلك لا يعود يشغل حسك،ولا تلتفت إليه إلا حين تتفيؤه هروباًمن الحر أو تنظر إليه لتقدير الوقت، وفى هذه وتلك لا يشغل من نفسك ولا مشاعرك إلا اللمحة العابرةالتي تنطفيء من لحظتها ثم ما تلبث أن تروح!!!!!!!!!
_ولكنك هنا_مع الأيتين_تعيش في جوٍ أخر مختلف تمام الإختلاف....
إنك بادىء ذى بدء مع حقيقة قد تفجؤك لأول مرة!!!!!...إن الظل ليس متحركاً من تلقاء نفسه،ولا تلقائياً من حركة الشمس الظاهرية التى يفسرها العلم بأنها ناشئة من حركة الأرض حول الشمس..
إنه متحرك لأن الله هو الذى حركه!!!!
قال الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [الفرقان 45]
فحركته إذن ليست وليدة هذه الأسباب الظاهرة التى تجعل تحركهأمراً ""حتمياًً"حسب (قوانين الطبيعة)!!! وإنما لأن الله هو الذى مده وحركه ...ولو شاء الله أن يجعله ساكناً لسكن، ولما استطاعتقوة في الوجود أن تحركه من سكونه الذى أراده له الله....
_وكون الله _سبحانه وتعالى_هو الذى أودع الكون تلك الصفات التى تنشأ منها في النهاية حركة الظلهذه حقيقة....ولكن التعبير القرأنى يصلك رأساً "بالمشيئة الإلهية" التى حركت الظل متخطياً الأسباب الظاهرة هو الذى يفتنه عن رؤية الحقيقة الكبرى من ورائها وهى ""إرادة الله التى تقول للشىء كن فيكون""،فيروح ينسب المشيئة لتلك الأسباب ،ويسميها ""قوانين الطبيعة""، ويقولإنها ""حتمية""، فيتبلد حسه من جراء ذلك ويبعد قلبه عن الله.....
والتعبير القرأنى يأخذه من هناك من حيث تبلد حسه وبَعُد فيرده مرة أخرى إلى الله!!...
_ومرة أخرى تستوقفنا الأية ،لتردنا إلى الله....
قال الله: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} [الفرقان 45]
إن ""العلم""يقول لنا _بحسب ما يرى من الأسباب الظاهرة_إن وجود الشمس ،وحركة الأرض حولها،هما السبب في حركة الظل....ولكن التعبير القرأنى يقول لنا إن إرادة الله هى التى حركت الظل ابتداءً ، ((ثم)) جعلت الشمس دليلاً على الظل!! ....فليست الأسباب الظاهرة هى الأصل ، ولكنهاتجىء تالية ، بل تجىء على التراخى بلفظ ((ثم))...بعد تقرير الله للأمر بمشيئته التى تقول للشىء""كن فيكون""!!!
_ثم تتحرك مع السياق حركة جديدة....
قال الله: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان 46]
_إن التعبير يصور حركة الظل التى تراها العين فلا تلتفت إليها ،أو لا تلتفت إليها بكليتها ...
ولكن الخيال هنا_مع التعبير القرأنى_ لا يملك أن يفلت من أسر الصورة التى تصورها تلك الكلمات القلائل في إبداع معجز!!...إن الظل هنا لا يتحرك راجعاً من تلقاء نفسه ، ولا من أثر الأسباب الظاهرة التى نعرفها ....إننا مع السبب الحقيقى مرة أخرى....لكننا نقف مبهورين ننظر إلى الظل وهو يقفل راجعاً بعد ما امتد.....لماذا؟؟؟؟؟!!!!
لأن يداً خفية هى التى تطويه في حركة كحركة الظل....
إنها يد الله!!!!!!!!!!!!!!!!!وهكذا تجدنا مع الله مرة أخرى نرقب _من خلال حركة الظل_قدرته الفائقة،ويده الخفية _سبحانه_التى لا تدركها الأبصار!!!!
على أن أن أروع ما في التعبير القرأنى هو هذه اللفظة.....{إِلَيْنَا}...{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان 46]
**أتدرى ماذا فعلت هذه اللفظة المفردة((إلينا))في كيان الصورة كلها؟؟؟؟؟!!!!!
_لقد كنت_بخيالك تتبع حركة الظل في ذهابه وأوبته ،هنا،""هنا في الأرض""!!!!
ويمتد بك البصر أو الخيال هناك....ولكنك _فجأة_حين تصل إلى كلمة {إِلَيْنَا}تجد إطار الصورةقد امتد وامتد وجاوز الشمس والأرض ..... إلى ......؟؟؟؟؟ إلى غير حدود !!!{إِلَيْنَا}
سبحان من {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام 103]
هذه هى الأية الأولى التى سأتناولها في هذه السلسلة ....
الله أسأل أن تكون الفكرة وصلت وأن ينفعنا وينفعكم بها ....
وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل.....
يُتبع إن شاء الله
تعليق