إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله...
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران: 102)
فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالي- وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ،، أما بعد ،
لقد جاء شهر رجب وشارف على الإنتهاء ، وبسبب الأحداث الجارية نسينا أن نوضح ما فيه من بدع وضلال لينتبه لها كل مسلم يقتفي أثر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويريد الفوز بالجنة والنجاة من النار ،
لقد جاء الإسلام ولم يخص شهر رجب بعبادة دون غيره من الشهور ، لكن ذهب بعض الناس في هذا الزمان بتخصيص رجب ببعض العبادات والاجتهاد فيها ، بل والدعوة إليها ، وما فعلوا هذا إلا تقليداً ,,
فهي أمور توارثوها عن الآباء والأجداد وليس عليها أثارة من علم ، أو فعلوا هذه العبادات اعتماداً على أحاديث موضوعة أو ضعيفة ، جعلوا من شهر رجب موسما أو عيداً ، ولقد نهي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نتخذ شهراً معيناً عيداً، أو يوماً معيناً عيداً طالما أن الشرع لم يعين ذلك .
ولكن كيف اتخذوا رجب عيداً ، يكون ذلك بأن يحتفل به بصيام أو بقيام مخصوص أو ذبح ونفعل هذا في نفس الوقت من كل عام، فهذا نوع من الاحتفال به واتخاذه عيداً، والأصل أنه لا يشرع أن يتخذ المسلمون عيداً إلا ما جاءت الشريعة باتخاذه عيداً، وهو يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق، وهي أعياد العام (يوم الفطر، ويوم الأضحى) وكذلك يوم الجمعة (وهو عيد الأسبوع)
وماعدا ذلك فاتخاذه عيداً وموسما بدعة لا أصل له في الشريعة .
هذا عن رجب عامة فماذا عن ليلة الإسراء والمعراج "
فنقول :
قال شيخ الإسلام – ابن تيمية – رحمه الله-:
" في صلاة ليلة السابع والعشرين من رجب وأمثالها، فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام، كما نص على ذلك العلماء المعتبرون ولا ينشيء مثل هذا إلا جاهل مبتدع ."
والإسراء لم يكن في شهر رجب ، والقول بأن الإسراء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان في سابع وعشرين من رجب . أنكره إبراهيم الحربي وغيره من أهل العلم .
والخلاف في تحديد وقته يزيد على عشرة أقوال منها :
أنه وقع في رمضان ، أو في شوال ، أو في رجب ، أو في ربيع الأول ، أو في ربيع الآخر .
وقال الحافظ ابن حجر أيضاً في رسالته " تبين العجب فيما ورد في فضل رجب صـ 6" :
أن أبى دحية ذكر بعض القصص : إن الإسراء كان في رجب ، وذلك كذب .
إن ليلة الإسراء لم يقم دليل معلوم على تحديد شهرها أو عشرها – أي العشر التي وقعت فيها – أوعينها – يعنى نفس الليلة ، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ليس فيها ما يقطع به .
وخلاصة أقوال المحققين من أهل العلم أن ليلة الإسراء والمعراج عظيمة القدر ولكنها مجهولة العين .
فالاعتقاد أن ليلة السابع والعشرين هي ليلة الإسراء والمعراج باطل من وجهين:
الأول: عدم ثبوت وقوع الإسراء والمعراج في تلك الليلة المزعومة، بل الخلاف بين المؤرخين كبير في السنة والشهر الذي وقع منه فكيف بذات الليلة .
الثاني: أنه لو ثبت أن وقوع الإسراء والمعراج كان في تلك الليلة بعينها، لما جاز إحداث أعمال لم يشرعها الله ولا رسوله، ولاشك أن الاحتفال بها عبادة، والعبادة لا تثبت إلا بنص، ولا نص حينئذ فالاحتفال بها من المحدثات في الدين، فكيف إذا انضم إلى ذلك أوراد وأذكار مبتدعة ؟ وفي بعضها شركيات وتوسل واستغاثة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما لا يجوز صرفه إلا لله تعالى .
ولتبسيط هذه المسألة يجب أن تعرف:
1-أن بعض العبادات تتعلق بوقت معلوم لا تتعداه ولا نتخطاه كالصلاة المكتوبة:
{ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }(النساء:103)، والحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (البقرة:197)
والصيام: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(البقرة:185)
2- وهناك بعض العبادات أخفى الله وقتها عنا وأمرنا بالتماسها؛ ليتنافس المتنافسون ويجتهد المجتهدون، كليلة القدر في ليالي الوتر في العشر الأواخر من رمضان، وكذلك ساعة الإجابة في يوم الجمعة.
3- وهناك أوقات جليلة القدر عند الله، وليس لها عبادة مشروعة ولا صلاة ولا صيام ولا غير ذلك، ولذلك أخفى الله علمها عن عباده، ولم يأمرنا بالتماسها كليلة الإسراء.
والصيام: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } (البقرة:185)
وعلى هذا فالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من رجب بدعة ، وتخصيص بعض الناس لها بالذكر والصدقة والصيام والصلاة والذبح لا أصل لها .
وتتمة للفائدة نُورِد الأحاديث الضعيفة والموضوعة المتعلقة برجب:
1 - كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال:
"اللهم بارك لنا في رجب، وشعبان، وبلغنا رمضان". " ضعيف "
(رواه البذار، والطبراني في الأوسط)
2- "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي."
" باطل موضوع "(انظر تبين العجيب صـ 33)
3ـ خيرة الله من الشهور، وهو شهر الله، من عظَّم شهر رجب فقد عظم أمر الله أدخله جنات النعيم، وأوجب له رضوانه الأكبر، وشعبان شهري فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمري، ومن عظم أمري كنت له فرطاً وذخراً يوم القيامة. وشهر رمضان شهر أمتي، فمن عظم شهر رمضان، وعظم حرمته ولم ينتهكه، وصام نهاره، وقام ليله، وحفظ جوارحه، خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطالبه الله تعالى – به. " موضوع "
(انظر تبين العجيب صـ 37-38)
4ـ فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار، وفضل شعبان على سائر الشهور كفضل محمد على سائر الأنبياء، وفضل رمضان على سائر الشهور كفضل الله على عباده" " موضوع "
(انظر تبين العجيب صـ 39)
وأخيرًا، لا بد أن نعلم أن محبة الله تعالى تنال باتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
قال الحسن البصري - رحمه الله -:
ادعى ناس محبة الله فابتلاهم بهذه الآية :
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (آل عمران:31) .
واتباع النبي هو سبيل النجاة في زمن الغربة والاختلاف .
فقد أخرج أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية ـ رضى الله عنه ـ قال:
وعظنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ موعظة بليغة، وجلت منها القلوب وذرَفت منها العيون ، فقلنا :
يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : " أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبداً ، وإنه من يعش منكم فسيرىَ اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عُضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة " .
ـ "وجلت منها القلوب" : خافت .
ـ " النواجذ " : الأنياب وقيل الأضراس .
فعلى المسلم أن يتبع ولا يبتدع، فقد أخرج البخاري مسلم عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد "
وأخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما - عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " بعثت بالسيف بين يدي الساعة وجعل رزقي تحت ظل رمحى، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري " .
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" أنا فرطكم على الحوض وليختلجن رجل دوني فأقول : يا رب أصحابي
فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعد ذلك "
ـ " فرطكم ":يقال فرط ما لان قومه أي: تقدمهم إلى مورد الماء لإصلاح الحوض والدلاء .
ـ " ليختلجن ": يموجون في تدافع، عطاشى .
هذا ما تيسر لي جمعه حول الإحتفال بليلة الإسراء والمعراج فما فيه من صواب فمن الله وحده ، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله منه براء ، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب ،
وإن وجدت العيب فسد الخللا *** جل من لا عيب فيه وعلا
فاللهم اجعل عملنا كله صالحاً وخالصا لوجهك الكريم ، ولا تجعل لأحد فيه نصيب
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، هذا والله تعالى أعلى وأعلم ..
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك
تعليق