إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير سورة الحجرات (4) من محبطات الأعمال - عبد الحليم توميات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفسير سورة الحجرات (4) من محبطات الأعمال - عبد الحليم توميات

    الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
    فقد قال المولى تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
    وقد رأينا شرح ألفاظ هذه الآية الكريمة، ثمّ وقفنا أمام أدبٍ رفيع من آداب الإسلام، ألا وهو النّهي عن رفع الصّوت من غير حاجة.
    وممّا يجدر الوقوف عنده في هذه الآية قوله تعالى:{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
    وحبوطُ العمل هو: ذهابه وزواله، وهو عقاب شديد من الله تعالى؛ لأنّ عمل المسلم هو رأس ماله، وزاده الّذي يحمله معه إلى ملاقاة ربّه تعالى، فيُخْشَى أن يكون ممّن قال المولى تعالى فيهم:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].

    ومن محبطات الأعمال: 1- الشّرك بالله تعالى:
    قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزّمر:65]، وقال بعد أن ذكر ثمانية عشر رسولا:{ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعـام:88].
    وفرع الشّرك:
    2- الرّياء:
    قال تعالى:{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف: 110].
    وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( قَالَ اللهُتبارك وتعالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِالشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِى غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ )).
    وما أحسنَ قولَ ابن القيّم رحمه الله في " الفوائد ":" العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه ".
    3- الردّة:
    فقد قال تعالى:{فَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5]. وذلك بشرط أن يموت على الكفر، فهذا الإطلاق قُيِّد في آية البقرة حيث قال تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: من الآية217]، وهو قول جمهور العلماء، خلافا للمالكيّة.
    وثمرة الخلاف في رجل حجّ، ثمّ ارتدّ، ثمّ عاد إلى الإيمان، فعلى قول الجمهور لا يجب عليه الحجّ مرّة أخرى، وعلى مذهب غيرهم يجب عليه؛ لأنّ حجّه الأوّل حبط.
    هذا أثر الرّدّة في الدّنيا.
    أمّا أثر الردّة في الآخرة: فإنّه إذا مات على الكفر فإنّه زيادة على حبوط عمله، فإنّه يؤاخذ بكفره الأوّل:
    روى البخاري ومسلم عن ابنِ مسعُودٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ: (( مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ )).
    ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَسَاءَ فِي الإِسْلاَمِ )) أنّه ارتدّ بعد إسلامه، وهو إجماع من أهل العلم على هذا التّأويل؛ لإجماعهم أنّ الإسلام يجبّ ما قبله، غاية ما في الأمر، أنّه يقيّد، فيقال: الإسلام يجبّ ما قبله إن مات عليه، أمّا لو ارتدّ - والعياذ بالله - فإنّه يحاسب بما سلف منه.
    4- المنّ والأذى:
    قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:264].
    والمنّ: هو ذكر النّعمة على وجه التّعديد لها والتّقريع بها، مثل أن يقول: قد أحسنت إليك ونحو ذلك، ولقد سمع ابن سيرين رجلا يقول لرجل: فعلت إليك وفعلت ! فقال له: اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصِي.
    والمنّ من الكبائر، فقد روى مسلم عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه عنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )). قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقُلْتُ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قال: (( الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلَفِ الْكَاذِبِ )).
    والأذى: هو أن ينفق مع غضب وإهانة، كأن يقول للسّائل: ما أشدّ إلحاحك ! ونحو ذلك.
    وفي الآية مثل في غاية الحسن:
    فشبّه صاحبَ العمل بالحجر الّذي هو صفوان، وشبّه عمله وصدقته بالتّراب الّذي ترسّب على الحجر، والمنّ والأذى والرّياء بالوابل وهو المطر الغزير، فينزل الوابل على الحجر بما عليه من تراب، فيُذهب التّراب كلّه.
    كذلك المنّ والأذى والرّياء يذهب كلّ ذلك ثوابَ الأعمال.
    5- ترك صلاة العصر:
    فقد روى البخاري عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الحَصِيبِ أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ )).
    وفي تخصيص العصر بالذّكر وفي معنى الحبوط أقوال كثيرة لأهل العلم، وأقربها إلى الصّواب إن شاء الله:
    أنّ المراد بحبوط العمل ذهابه هباءً منثورا، وإنّما خُصّت صلاة العصر بالذّكر؛ لأنّها وقتَ صعود أعمال العباد إلى الله، فقد روى الشّيخان عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
    (( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَأَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ )).
    فمفوّت صلاة العصر عن وقتها لا ترفع أعماله إلى الله عزّ وجلّ.
    6- التألّي على الله:
    فقد روى مسلم عن جُنْدَبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم حَدَّثَ:
    (( أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ ! وَإِنَّ اللهَتعالىقَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ )).
    وفي رواية لأبي داود عن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ:
    (( كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَىالذَّنْبِ، فَيَقُولُ: أَقْصِرْ ! فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَقْصِرْ ! فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا ؟! فَقَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ. فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ: أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ؟ وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ )).
    قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ.
    7- تقديم شيء على الكتاب والسنّة ورفع شيءٍ عليهما:
    وهو ما جاء ذكرُه في هذه الآية الكريمة.
    قال ابن القيّم رحمه الله:" فما الظنّ برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنّته وما جاء به ؟!".
    والله الموفّق لا ربّ سواه.

    التعديل الأخير تم بواسطة يكفينى أنى مسلمة; الساعة 13-05-2012, 06:00 PM.

  • #2
    رد: تفسير سورة الحجرات (4) من محبطات الأعمال - عبد الحليم توميات

    جزاك الله كل خير أخي الحبيب
    أحسنت أحسن الله إليك
    بارك الله في جهودك
    وجعلها في ميزان حسناتك

    قال الحسن البصري - رحمه الله :
    استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
    [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


    تعليق


    • #3
      رد: تفسير سورة الحجرات (4) من محبطات الأعمال - عبد الحليم توميات

      جزاك الله كل خير أخي الحبيب
      يُـنقل للقسم المناسب
      نسألكم الدعاء
      اذكر الله ^_^


      تعليق


      • #4
        رد: تفسير سورة الحجرات (4) من محبطات الأعمال - عبد الحليم توميات

        بارك الله فيكم
        اسأل الله ان يجعلة فى موزين حسناتكم

        تعليق

        يعمل...
        X