محاضرة( الباقيات الصالحات ) للشيخ محمد المنجد
عناصر الموضوع:
1. أقوال المفسرين في المراد بالباقيات الصالحات
2. أجور الذين آمنوا وعملوا الصالحات
3. بعض الأعمال الصالحة وما ورد فيها من ثواب وجزاء
4. الأسئلة
الباقيات الصالحات:
بدأ الشيخ حفظه الله درسه بذكر أقوال أهل العلم في معنى (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ) وثنى بذكر أجور هؤلاء العاملين للصالحات من كتاب الله عز وجل، ثم عدد أعمالاً كثيرة يبقى أجرها لفاعلها في حياته وبعد مماته، وأجاب في نهاية المحاضرة عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالصيام وغيره من الأحكام الشرعية.
أقوال المفسرين في المراد بالباقيات الصالحات:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعــد: فهذه أيام عشر ذي الحجة قادمة علينا، وليس هناك من أيام العمل الصالح أحب إلى الله تعالى فيهن من هذه الأيام. وحول العمل الصالح والباقيات الصالحات يدور درسنا هذه الليلة. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46]. ويقول سبحانه وتعالى في سورة مريم: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً [مريم:76] مرداً، أي: عاقبة ومرداً على صاحبها. أما بالنسبة للباقيات الصالحات فهذه طائفة من أقوال المفسرين في تفسير هذه الكلمة: قال ابن الجوزي رحمه الله: والباقيات الصالحات فيها خمسة أقوال: أحدها: أنها (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر). والثاني: أنها (لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله ولا قوة إلا بالله). والثالث: أنها الصلوات الخمس. والرابع: أنها الكلام الطيب. والخامس: جميع الأعمال الحسنة. وقال الشيخ صديق حسن خان رحمه الله في تفسيره فتح البيان: الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [مريم:76] أي: أعمال الخير التي تبقى لها ثمرتها أبد الأبد وهي ما كان يفعله فقراء المسلمين من الطاعات. وقال في البحر المحيط : الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [مريم:76] قال الجمهور: هي الكلمات المأثور فضلها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقال ابن عباس وابن جبير وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل: [هي الصلوات الخمس] وعن ابن عباس: [كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة] ورجحه الطبري. وعن قتادة: كل ما أريد به وجه الله. وعن الحسن وعطاء: إنها النيات الصالحة، فإن بها تقبل الأعمال وترفع. ومعنى: خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ [مريم:76] أنها دائمة باقية وخيرات الدنيا منقرضة فانية، والدائم الباقي خير من المنقرض المنقضي. وقال القرطبي رحمه الله عن ابن عباس: [إنها كل عملٍ صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة]. وقال ابن زيد ورجحه الطبري وهو الصحيح إن شاء الله: بأن كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا، أي: إنه من الباقيات الصالحات. وقال علي رضي الله عنه: [حرث الآخرة الباقيات الصالحات] وقد قيل: إن الباقيات الصالحات.. هي النيات والهمات؛ الهمة الحسنة والنية الحسنة؛ لأنه بها تقبل الأعمال وترفع. قاله الحسن. وقال عبيد بن عمير -وهو قول فيه غرابة- في تفسير الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [مريم:76]: هن البنات، يدل عليه أوائل هذه الآية، قال الله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [الكهف:46] أي: البنات الصالحات هن عند الله لآبائهن خيرٌ ثواباً وخيرٌ أملاً في الآخرة لمن أحسن إليهن. ثم استدل القرطبي رحمه الله بحديث عائشة في المرأة التي دخلت عليها وهي مسكينة ومعها ابنتان لها، فأعطتها عائشة تمرة كانت عندها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئاً، ثم أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فامتدح هذا الفعل وأخبر أن من عال هؤلاء البنات وابتلي بشيء منهن فصبر فإن الجنة ثوابه. وقال الألوسي رحمه الله في حديثٍ فيه أن الباقيات الصالحات هن بعض الأذكار، قال: وهن الباقيات -هذه الأذكار- المفيد للحصر بعد التنصيص على ما لا عموم فيه، وأياً ما كان فالباقيات صفة لمقدر كالكلمات أو الأعمال، أي: الأعمال الباقيات الصالحات، أو الكلمات الباقيات الصالحات، فما هي الباقيات الصالحات؟ الباقيات صفة، والموصوف محذوف تقديره: الكلمات أو الأعمال، وكذا تدخل أعمال فقراء المؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه دخولاً أولياً، فإن لهم من كل نوع من أنواع الخيرات الحظ الأوفر. أما ابن كثير رحمه الله تعالى فكان من أكثر المفسرين نقلاً للآثار والتفسير في هذه الكلمات في سورة الكهف الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [الكهف:46] وبعد أن ساق أقوالاً كثيرةً وآثاراً في هذا، ساق رواية الإمام أحمد رحمه الله عن الحارث مولى عثمان رضي الله عنه قال: جلس عثمان وجلسنا معه، فجاءه المؤذن فدعا بماءٍ في إناءٍ أظنه سيكون مداً -وهو كيل عند أهل الحجاز - فتوضأ ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته، ثم إن قام فتوضأ وصلى صلاة الصبح، غفر له ما بينها وبين العشاء، وهي الحسنات يذهبن السيئات. قالوا: هذه الحسنات، فما الباقيات الصالحات يا عثمان؟ قال: هي: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله) قال الهيثمي رحمه الله في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح، غير الحارث بن عبد الله مولى عثمان وهو ثقة. وختم ابن كثير كلامه في هذه الآية بقوله: وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي الأعمال الصالحة كلها، واختاره ابن جرير رحمه الله تعالى. وقد ثبت حديثٌ مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباقيات الصالحات، وهو ما رواه النسائي والحاكم عن أبي هريرة قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خذوا جنتكم من النار) في رواية الحاكم قالوا: (من عدوٍ يا رسول الله؟ قال: بل من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدماتٍ ومعقبات ومجنبات، وهن الباقيات الصالحات) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير. وقال الشوكاني رحمه الله -بعدما نقل آثاراً وأخرجها ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة- قال: كل شيء من طاعة الله فهو من الباقيات الصالحات. وقال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان : وأقوال العلماء في الباقيات الصالحات كلها راجعة إلى شيء واحد، وهي الأعمال التي ترضي الله، سواء قلنا: إنها الصلوات الخمس كما هو مروي عن جماعة من السلف ، منهم ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل ، أو أنها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وعلى هذا القول جمهور العلماء، وجاءت أحاديث مرفوعة عن أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وأبي هريرة والنعمان بن بشير وعائشة رضي الله عنهم.. ثم قال الشنقيطي : قال مقيده عفا الله عنه -يعني نفسه-: التحقيق أن الباقيات الصالحات لفظ عام يشمل الصلوات الخمس والكلمات الخمس -والكلمات الخمس: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم- وغير ذلك من الأعمال التي ترضي الله تعالى؛ لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية كزينة الحياة الدنيا؛ لأنه قال في سورة الكهف: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:48] لكنها تفنى وتبيد: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46] لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية كزينة الحياة الدنيا، ولأنها أيضا صالحة لوقوعها على الوجه الذي يرضي الله تعالى. وقال القاسمي رحمه الله في تفسيره محاسن التأويل: وقع في كلام السلف تفسير الباقيات الصالحات بالصلوات وأعمال الحج والصدقات والصوم والجهاد والعتق وقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والكلام الطيب وبغيرها: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46] أي: والأعمال التي تبقى ثمراتها الأخروية، من الاعتقادات والأخلاق والعبادات الكاملات، خيرٌ عند ربك من المال والبنين في الجزاء والفائدة، وخيرٌ مما يتعلق بهما من الأمل؛ لأن الإنسان في الدنيا عنده آمال، لكن الأمل في هذه الأعمال الصالحة خير من الأمل في الدنيا، فإن ما ينال بهما من الآمال الدنيوية أمرها إلى زوال، وما ينال من الباقيات الصالحات من منازل القرب الرباني والنعيم الأبدي لا يزول ولا يحول. وقال العلامة الشيخ/ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : وإن الذي يبقى للإنسان وينفعه ا
أجور الذين آمنوا وعملوا الصالحات:
والملفت للنظر في الذي يقرأ القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى كثيراً ما يذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ذكراً كثيراً جداً، وكذلك من عمل صالحاً، ورتب للذين آمنوا وعملوا الصالحات والذي عمل صالحاً أجوراً عظيمة ومكافآت جزيلة جداً، فمن ذلك: قوله سبحانه وتعالى في القرآن -وينبغي أن تحرك هذه الآيات النفوس وتحدوها إلى هذه الأعمال الصالحات-: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة:62]. مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [المائدة:69]. مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى [الكهف:88]. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم:60]. إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ [سبأ:37].. وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر:40] وقال للنسوة: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً [الأحزاب:31].. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ [التغابن:9]. هذه بعض الآيات التي فيها ذكر جزاء العمل الصالح، أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فحدث عنهم في أجورهم وثوابهم مما ذكره الله في كتابه، ومن ذلك قوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [البقرة:25]. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ [البقرة:82]. وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ [آل عمران:57]. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة:9]. الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد:29]. وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً [الإسراء:9]. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم:96]. وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه:75]. فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الحج:50] وفي آية أخرى: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [فصلت:8] وفي آية: فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ [الشورى:22] يدخلهم ربهم برحمته. لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ [العنكبوت:9]. لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً [العنكبوت:58]. فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [الروم:15] يسمعون الغناء اللذيذ. هذا بعض ما ذكره الله في كتابه في أجر الذين يعملون الصالحات ومن عمل صالحاً، وهذه الأعمال الصالحة هي الباقيات الصالحات التي يبقى أجرها عند الله ذخراً لصاحبها، يحفظ حتى إذا جاء يوم القيامة وجده عنده، فيؤتى كتابه بيمينه، ويدخل الجنة برحمة الله سبحانه وتعالى جزاءً لهذه الأعمال الصالحة.
بعض الأعمال الصالحة وما ورد فيها من ثواب وجزاء:
أما الأعمال الصالحة فهي كثيرة جداً، والذي يستعرض القرآن وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام يجد من الأعمال الصالحة ما لا حصر له.. أبواب مختلفة، وأعمال متنوعة، وأجور عظيمة لهذه الأعمال الصالحة، وسنذكر -إن شاء الله- في هذا الدرس طائفة من الأعمال الصالحة في أبواب متنوعة من العبادات والمعاملات وغيرها، والأخلاق والآداب، ولكي تهفو النفوس إلى هذه الأعمال وتتحمس وتتوقد الهمم والعزائم لمواقعتها وفعلها. فهذه الأحاديث التي سنذكرها -إن شاء الله- فيها ذكر للجزاء والثواب، والله سبحانه وتعالى ذكر الجزاء والثواب لكي يتحمس العباد، وما عيشنا في هذه الدنيا -أيها الإخوة- إذا لم يكن لأجل الأعمال الصالحة؟! وما قيمة أعمالنا وأوقاتنا إذا لم تكن مملوءة بالأعمال الصالحة؟! وبأي شيء ندخل الجنة بعد رحمة الله إلا بسبب أعمالنا الصالحة؟! وما الذي ينجينا من نار جهنم التي حرها شديد وقعرها بعيد إلا الأعمال الصالحة؟! وما الذي يثبت أقدام المؤمنين على الصراط فلا تزل ولا تقع في النار إلا الأعمال الصالحة؟! وهذا العمل هو مقتضى الإيمان، فلا إيمان بغير عمل، والله سبحانه وتعالى ذكر لازم الإيمان بعد ذكر الإيمان كثيراً جداً في القرآن؛ فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25] وهذا كثير جداً في القرآن، فلابد من الأعمال الصالحة. وهذه الأحاديث التي سنذكرها من أقواله صلى الله عليه وسلم مما ذكر أهل العلم صحته، وهي من الأحاديث الصحيحة التي صححها أهل العلم، وعلى الأقل سيكون فيها دافع وباعث وتحميس لفعل هذه الأعمال والقيام بها.
الطهارة والوضوء وبعض ما ورد فيهما:
فمما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الأعمال الصالحة: الطهارة والوضوء.. قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (وأيما رجل قام وهو يريد الصلاة فأفضى الوضوء إلى أماكنه؛ سلم من كل ذنب وخطيئة هي له، فإن قام إلى الصلاة رفعه الله تعالى بها درجة، وإن رقد رقد سالماً) الوضوء لقيام الليل والوضوء للصلوات. وروى البخاري رحمه الله عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـبلالٍ عند الفجر: (يا بلال! حدثني بأرجى عملٍ عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة -أمام النبي عليه الصلاة والسلام- فقال بلال رضي الله عنه: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهارٍ إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) فهذا أجر الطهور والصلاة. وأما السواك وفي قيام الليل بالذات فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليستك -يستعمل السواك ويتسوك- فإن أحدكم إذا قرأ في صلاته وضع ملك فاه على فيه، ولا يخرج من فيه شيءٌ إلا دخل فم الملك) يطوف الملك بالمصلي، فإذا قرأ القرآن وضع الملك فمه على فم المصلي المتسوك المتطهر، فلا تخرج آية من فم المصلي إلا دخلت في فم الملك.
تعليق