إعجاز الرواية القرآنية
يقسم النص الروائي طبقًا للوحدات الزمنية؛ لمعرفة كيفية ترتيبها وتربيطها وانسجام مفاصلها، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن القصص القرآني جزء لا يتجزأ من الإعجاز القرآني، وأن هذا القصص قد أثر في الغرب، كما أشار إلى ذلك مؤرخو الأدب الغربي.وينقسم النص الروائي إلى مقاطع وصفية، ومقاطع سردية، تمثل المقاطع الوصفية تمثيل الأشياء الساكنة، أما المقاطع السردية فتتناول الأحداث وسريان الزمن، وبتتبعنا لسورة يوسف مثلًا يمكن بسهولة أن نستخرج المقاطع الوصفية، أقصرها آية، وأطولها بضع آيات.
يقوم الوصف على مبدأين متناقضين، المبدأ الأول هو الاستقصاء، والمبدأ الثاني هو الانتقاء، يقوم الاستقصاء على تناول أكبر عدد ممكن من التفاصيل، في حين يقوم الانتقاء على تناول أقل عدد ممكن، وقامت الخلافات بين الكتاب- ولا تزال- على أيهما أكثر واقعية، وأيهما أكثر تعبيرًا؟!
تولستوي كان يرفض الاستقصاء، وبلزاك كان من أنصار الاستقصاء، وفلوبير بين الاتجاهين.
وقد فطن النقاد العرب إلى الظاهرة، فهذا قدامة يضع بين صفات الشعر الجيد ما أسماه التتميم، وهو أن يذكر الشاعر المعنى فلا يدع من الأحوال التي تتم بها صحته، وتكتمل بها جودته شيئًا إلا أتى به.
وفي سورة يوسف نجد أن القرآن قد انحاز إلى الانتقاء في مواضع، وإلى الاستقصاء في مواضع، الاستقصاء على سبيل المثال وصف المراودة.. تناول تفاصيل التفاصيل في سبع آيات، من الآية 23 إلى 29 من السورة الكريمة، والانتقاء مثاله: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} (يوسف: 93).
وإذا كان التراث العربي يعد كنزًا لا ينضب قادرًا على إمداد الكتاب بالموضوعات والأفكار، فكثيرا ما نجد فيه سبقًا لأمور كثيرة تعد من القضايا المعاصرة، فما بالنا بالقرآن العظيم!!
تعليق