بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا حفِظ الله القرآنَ مِن التحريف، بينما لم يحفظ الكُتب السابقة ؟
الجواب
أولاً : القرآن كلام الله عزّ وجلّ ، وقد حفظه من التحريف والزيادة والنقصان ، وواقع الحال شاهد بذلك ، فمخطوطات القرآن قبل ألف سنة هي نُسخ القرآن الموجود بأيدينا الآن .
ولا يزال إلى يومنا هذا يُنقل بالأسانيد إلى القراء المشهورين إلى الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين سبحانه وتعالى .
بينما لا تكاد تجد نُسخ التوراة ولا الأناجيل قبل مائة سنة لا تجدها مُتطابقة مع ما في أيدي النصارى اليوم ، بل أثبت الشيخ أحمد ديدات رحمه الله في مناظرته للقس " سويجارت " أن نُسخ الإنجيل تخضع للأهواء والاختلافات السياسية ! وأحضر الشيخ ديدات في مناظرة القس نُسخا من الإنجيل طُبِعت في بلد واحد بينها تباين كبير واختلاف واضح !
ثانيا : إنما تكفّل الله عزّ وجلّ بحفظ كتابه لأنه هو الكِتاب الخاتم ، ولأن الرسول الذي أُنْزِل عليه ذلك الكتاب هو خاتم الأنبياء والمرسلين .
فما ادّعاه من السؤال المنطقي ليس منطقيا ، إذا علمنا أن الله تبارك وتعالى خَتَم الكُتب بالقرآن ، وخَتَم الرُّسُل برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
ولا يحتاج الأمر إلى ما قيل من اختبار الشعب (إذا ما كانوا سيحافظون عليه أم يغيروه) ؛ لأن الله يُحكم ما يُريد ، ويفعل ما يشاء ، وهو سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية .
وقد يُقال مثل هذا القول تجوّزا لو قيل إن الله وَكَل حِفْظ كِتابه إلى المسلمين فحفظوه !
ونحن لا نقول بذلك ، بل نقول إن الله تكفّل بِحفظ كِتابه ، ولم يَكِل ذلك إلى البشر .
وهذا الأمر شَهِد به اليهود والنصارى الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم قبل غيرهم ، شَهِدوا بِوقوع التحريف .
روى القرطبي بإسناده إلى يحيى بن أكثم قال : كان للمأمون وهو أمير إذّ ذاك مجلس نَظَر ، فدخل في جملة الناس رجل يهودي ، حسن الثوب ، حسن الوجه ، طيب الرائحة ، قال : فتكلَّم فأحسن الكلام والعبارة ، قال : فلما تقوّض المجلس دعـاه المأمون ، فقال له : إسرائيلي ؟ قال : نعم . قال له : أسْلِم حتى أفعل بك وأصنع ، ووَعَدَه ، فقال : ديني ودين آبائي ، وانصرف . قال : فلما كان بعد سنة جاءنا مُسلِماً . قال : فتكلّم على الفقه فأحسن الكلام ، فلما تقوّض المجلس دعاه المأمون ، وقال : ألستَ صاحبنا بالأمس ؟ قال له : بلى . قال : فما كان سبب إسلامك ؟ قال انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان ، وأنت تراني حسن الخطّ ، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ ، فزِدتُ فيها ونقصت ، وأدخلتها الكنيسة فاشتُريت مِنِّي ، وعمدتُ إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزِدتُ فيها ونقصت ، وأدخلتها البَيْعَة فاشتُريت مِنِّي ، وعمدتُ إلى القرآن فعملتُ ثلاث نسخ وزِدتُ فيها ونقصت وأدخلتها الورَّاقِين ، فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رَمَوا بها ، فلم يَشتروها ، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ ، فكان هذا سبب إسلامي . قال يحيى بن أكثم : فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر ، فقال لي : مصداق هذا في كتاب الله عز وجل ! قال : قلت : في أي موضع ؟ قال : في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل : ( بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ) فجعل حفظه إليهم فَضَاع ، وقال عز وجل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) فحفظه الله عز وجل علينا فلم يَضِع .
ثالثا : لم يأتِ الإسلام لأن الكُتب السابقة حُرِفت ، وإنما كانت الكُتب السابقة وقتية ، وخاصة بالأمم التي نَزَل فيها ، ولذلك لم تأخذ صِفة الدوام ، ولا تكفّل الله بِحفظها .
وهكذا نجد هذه الصفة في كُتُب الأنبياء المتقدِّمين ، مثل صُحُف إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، بل كل ما نَزَل على الرسل السابقين لم يأخذ صِفة الدوام ولا تكفّل الله بحفظه .
وإلاّ لو كان الأمر كذلك لَما نَزلت التوراة ولا الإنجيل أصلا ؛ لأنها كانت بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فأين صُحُف إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؟
خامسا : الأسانيد في نقل الكُتب تُثبت ما نقوله هنا .
فالأسانيد في نقل القرآن – كما تقدّم – لا تزال قائمة ثابتة بين القراء الناس اليوم وبين الصحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل إلى رب العالمين ، ليس فقط في نقل جُملة القرآن ، بل في نقل القرآن حرفا حرفا ، وفي نقل حركات تلك الأحرف حسب الإعراب ، ومن نقل قراءات الصحابة رضي الله عنهم ، بل ومن تتابع أمة الإسلام على تلقِّي القرآن مُشافهة تُعرف بها طريقة التلاوة ، وكيفية النُّطق .
وليس لدى النصارى ولا اليهود ما يقرُب من ذلك .
قال ابن حزم : كثير مِن نَقل اليهود بل هو أعلى ما عندهم إلاَّ أنهم لا يَقربون فيه من موسى كَقُرْبِنا فيه مِن محمد صلى الله عليه وسلم بل يقفون ولا بُدّ حيث بينهم وبين موسى عليه السلام أزيد من ثلاثين عصرا في أزيد من ألف وخمسمائة عام ، وإنما يُبْلُغون بالنقل إلى هلال وشماني ومرعقيما وأمثالهم ، وأظن أن لهم مسألة واحدة فقط يروونها عن حبر من أحبارهم عن نبي من متأخري أنبيائهم أخذها عنه مشافهة في نكاح الرجل ابنته إذا مات عنها أخوه .
وأما النصارى فليس عندهم مِن صِفة هذا النقل إلاَّ تحريم الطلاق وحده فقط ، على أن مَخْرَجه مِن كَذَّاب قد صَحّ كَذِبه . اهـ .
قال ابن تيمية في " الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح " : دعواهم أنهم متمسكون في هذا الوقت بالدِّين الذي نقله الحواريون عن المسيح عليه السلام كذب ظاهر ، بل هم عامة ما هم عليه من الدين عقائده وشرائعه كالأمانة والصلاة إلى المشرق واتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس واتخاذها وسائط والاستشفاع بأصحابها وجَعْل الأعياد بأسمائهم وبناء الكنائس على أسمائهم واستحلال الخنزير وترك الختان والرهبانية وجعل الصيام في الربيع وجعله خمسين يوما والصلوات والقرابين والناموس لم ينقله الحواريون عن المسيح ولا هو موجود لا في التوراة ولا في الإنجيل ، وإنما هم متمسكون بقليل مما جاءت به الأنبياء . اهـ .
فإذا كان بين النصارى في نقل الإنجيل ، وبين اليهود في نَقْل التوراة عصورا وأزمنة طويلة ، فمن التَّصَوّر المنطقي أن لا يُوثق بما في أيدي اليهود والنصارى من الكُتُب .
ومن المنطقي أيضا أن يقع النقص والتحريف في كُتُب لم تُدوّن إلاّ بعد وفاة الأنبياء الذين نَزَلت عليهم مئات السنين .
ولم تتصِّل أسانيدها إلى أولئك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
كل هذه الْمُعطَيات المنطقية تجعلنا نقول ما نقول مِن حفظ القرآن من التحريف ، والقول بأن تلك الكُتُب وقع فيها التحريف والنقص .
ومن ذلك أن اليهود كانوا يُغيِّرون الحدود والعقوبات الشرعية .
والنصارى غيّروا في الفرائض التي فرضها الله عليهم تبعا لأهوائهم !
فالنصارى غيّروا في الصيام ، فكان عُرضة لتلاعب الملوك ! زيادة وتأجيلا ! حتى بلغ الصيام إلى خمسين يوما بدل صيام شهر ! وجعلوا صيامهم الامتناع عن اللحم فحسب !
قال القرطبي : فإن الله تعالى كَتَب على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فَغَيَّروا ، وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض أحبارهم فَنَذَر إن شفاه الله أن يزيد في صومهم عشرة أيام ففعل ، فصار صوم النصارى خمسين يوما ، فصعب عليهم في الْحَرّ فنقلوه إلى الربيع . اهـ .
ومما يدلّ على وقوع التحريف أن عقيدة الصَّلْب عند النصارى – وهي إحدى الركائز العقدية عندهم – ليست في الأناجيل !
وكذلك أكل الخنْزِير .. كل هذه مما أُلْصِق بعقيدة المسيح عليه الصلاة والسلام .
قال ابن تيمية : وأما الشرائع التي هم عليها فعلماؤهم يعلمون أن أكثرها ليس عن المسيح عليه السلام ، فالمسيح لم يشرع لهم الصلاة إلى المشرق ولا الصيام الخمسين ولا جعله في زمن الربيع ولا عيد الميلاد والغطاس وعيد الصليب وغير ذلك من أعيادهم ، بل أكثر ذلك مما ابتدعوه بعد الحواريين مثل عيد الصليب فإنه مما ابتدعته هيلانة الحرانية أم قسطنطين ، وفي زمن قسطنطين غيروا كثيرا من دين المسيح والعقائد والشرائع فابتدعوا الأمانة التي هي عقيدة إيمانهم وهي عقيدة لم ينطق بها شيء من كتب الأنبياء التي هي عندهم ولا هي منقولة عن أحد الأنبياء ولا عن أحد من الحواريين الذين صَحِبوا المسيح ، بل ابتدعها لهم طائفة من أكابرهم
********
المجيب
فضيلة الشيخ
عبدالرحمن السحيم
لماذا حفِظ الله القرآنَ مِن التحريف، بينما لم يحفظ الكُتب السابقة ؟
الجواب
أولاً : القرآن كلام الله عزّ وجلّ ، وقد حفظه من التحريف والزيادة والنقصان ، وواقع الحال شاهد بذلك ، فمخطوطات القرآن قبل ألف سنة هي نُسخ القرآن الموجود بأيدينا الآن .
ولا يزال إلى يومنا هذا يُنقل بالأسانيد إلى القراء المشهورين إلى الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين سبحانه وتعالى .
بينما لا تكاد تجد نُسخ التوراة ولا الأناجيل قبل مائة سنة لا تجدها مُتطابقة مع ما في أيدي النصارى اليوم ، بل أثبت الشيخ أحمد ديدات رحمه الله في مناظرته للقس " سويجارت " أن نُسخ الإنجيل تخضع للأهواء والاختلافات السياسية ! وأحضر الشيخ ديدات في مناظرة القس نُسخا من الإنجيل طُبِعت في بلد واحد بينها تباين كبير واختلاف واضح !
ثانيا : إنما تكفّل الله عزّ وجلّ بحفظ كتابه لأنه هو الكِتاب الخاتم ، ولأن الرسول الذي أُنْزِل عليه ذلك الكتاب هو خاتم الأنبياء والمرسلين .
فما ادّعاه من السؤال المنطقي ليس منطقيا ، إذا علمنا أن الله تبارك وتعالى خَتَم الكُتب بالقرآن ، وخَتَم الرُّسُل برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
ولا يحتاج الأمر إلى ما قيل من اختبار الشعب (إذا ما كانوا سيحافظون عليه أم يغيروه) ؛ لأن الله يُحكم ما يُريد ، ويفعل ما يشاء ، وهو سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية .
وقد يُقال مثل هذا القول تجوّزا لو قيل إن الله وَكَل حِفْظ كِتابه إلى المسلمين فحفظوه !
ونحن لا نقول بذلك ، بل نقول إن الله تكفّل بِحفظ كِتابه ، ولم يَكِل ذلك إلى البشر .
وهذا الأمر شَهِد به اليهود والنصارى الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم قبل غيرهم ، شَهِدوا بِوقوع التحريف .
روى القرطبي بإسناده إلى يحيى بن أكثم قال : كان للمأمون وهو أمير إذّ ذاك مجلس نَظَر ، فدخل في جملة الناس رجل يهودي ، حسن الثوب ، حسن الوجه ، طيب الرائحة ، قال : فتكلَّم فأحسن الكلام والعبارة ، قال : فلما تقوّض المجلس دعـاه المأمون ، فقال له : إسرائيلي ؟ قال : نعم . قال له : أسْلِم حتى أفعل بك وأصنع ، ووَعَدَه ، فقال : ديني ودين آبائي ، وانصرف . قال : فلما كان بعد سنة جاءنا مُسلِماً . قال : فتكلّم على الفقه فأحسن الكلام ، فلما تقوّض المجلس دعاه المأمون ، وقال : ألستَ صاحبنا بالأمس ؟ قال له : بلى . قال : فما كان سبب إسلامك ؟ قال انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان ، وأنت تراني حسن الخطّ ، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ ، فزِدتُ فيها ونقصت ، وأدخلتها الكنيسة فاشتُريت مِنِّي ، وعمدتُ إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزِدتُ فيها ونقصت ، وأدخلتها البَيْعَة فاشتُريت مِنِّي ، وعمدتُ إلى القرآن فعملتُ ثلاث نسخ وزِدتُ فيها ونقصت وأدخلتها الورَّاقِين ، فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رَمَوا بها ، فلم يَشتروها ، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ ، فكان هذا سبب إسلامي . قال يحيى بن أكثم : فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر ، فقال لي : مصداق هذا في كتاب الله عز وجل ! قال : قلت : في أي موضع ؟ قال : في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل : ( بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ) فجعل حفظه إليهم فَضَاع ، وقال عز وجل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) فحفظه الله عز وجل علينا فلم يَضِع .
ثالثا : لم يأتِ الإسلام لأن الكُتب السابقة حُرِفت ، وإنما كانت الكُتب السابقة وقتية ، وخاصة بالأمم التي نَزَل فيها ، ولذلك لم تأخذ صِفة الدوام ، ولا تكفّل الله بِحفظها .
وهكذا نجد هذه الصفة في كُتُب الأنبياء المتقدِّمين ، مثل صُحُف إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، بل كل ما نَزَل على الرسل السابقين لم يأخذ صِفة الدوام ولا تكفّل الله بحفظه .
وإلاّ لو كان الأمر كذلك لَما نَزلت التوراة ولا الإنجيل أصلا ؛ لأنها كانت بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فأين صُحُف إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؟
خامسا : الأسانيد في نقل الكُتب تُثبت ما نقوله هنا .
فالأسانيد في نقل القرآن – كما تقدّم – لا تزال قائمة ثابتة بين القراء الناس اليوم وبين الصحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل إلى رب العالمين ، ليس فقط في نقل جُملة القرآن ، بل في نقل القرآن حرفا حرفا ، وفي نقل حركات تلك الأحرف حسب الإعراب ، ومن نقل قراءات الصحابة رضي الله عنهم ، بل ومن تتابع أمة الإسلام على تلقِّي القرآن مُشافهة تُعرف بها طريقة التلاوة ، وكيفية النُّطق .
وليس لدى النصارى ولا اليهود ما يقرُب من ذلك .
قال ابن حزم : كثير مِن نَقل اليهود بل هو أعلى ما عندهم إلاَّ أنهم لا يَقربون فيه من موسى كَقُرْبِنا فيه مِن محمد صلى الله عليه وسلم بل يقفون ولا بُدّ حيث بينهم وبين موسى عليه السلام أزيد من ثلاثين عصرا في أزيد من ألف وخمسمائة عام ، وإنما يُبْلُغون بالنقل إلى هلال وشماني ومرعقيما وأمثالهم ، وأظن أن لهم مسألة واحدة فقط يروونها عن حبر من أحبارهم عن نبي من متأخري أنبيائهم أخذها عنه مشافهة في نكاح الرجل ابنته إذا مات عنها أخوه .
وأما النصارى فليس عندهم مِن صِفة هذا النقل إلاَّ تحريم الطلاق وحده فقط ، على أن مَخْرَجه مِن كَذَّاب قد صَحّ كَذِبه . اهـ .
قال ابن تيمية في " الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح " : دعواهم أنهم متمسكون في هذا الوقت بالدِّين الذي نقله الحواريون عن المسيح عليه السلام كذب ظاهر ، بل هم عامة ما هم عليه من الدين عقائده وشرائعه كالأمانة والصلاة إلى المشرق واتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس واتخاذها وسائط والاستشفاع بأصحابها وجَعْل الأعياد بأسمائهم وبناء الكنائس على أسمائهم واستحلال الخنزير وترك الختان والرهبانية وجعل الصيام في الربيع وجعله خمسين يوما والصلوات والقرابين والناموس لم ينقله الحواريون عن المسيح ولا هو موجود لا في التوراة ولا في الإنجيل ، وإنما هم متمسكون بقليل مما جاءت به الأنبياء . اهـ .
فإذا كان بين النصارى في نقل الإنجيل ، وبين اليهود في نَقْل التوراة عصورا وأزمنة طويلة ، فمن التَّصَوّر المنطقي أن لا يُوثق بما في أيدي اليهود والنصارى من الكُتُب .
ومن المنطقي أيضا أن يقع النقص والتحريف في كُتُب لم تُدوّن إلاّ بعد وفاة الأنبياء الذين نَزَلت عليهم مئات السنين .
ولم تتصِّل أسانيدها إلى أولئك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
كل هذه الْمُعطَيات المنطقية تجعلنا نقول ما نقول مِن حفظ القرآن من التحريف ، والقول بأن تلك الكُتُب وقع فيها التحريف والنقص .
ومن ذلك أن اليهود كانوا يُغيِّرون الحدود والعقوبات الشرعية .
والنصارى غيّروا في الفرائض التي فرضها الله عليهم تبعا لأهوائهم !
فالنصارى غيّروا في الصيام ، فكان عُرضة لتلاعب الملوك ! زيادة وتأجيلا ! حتى بلغ الصيام إلى خمسين يوما بدل صيام شهر ! وجعلوا صيامهم الامتناع عن اللحم فحسب !
قال القرطبي : فإن الله تعالى كَتَب على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فَغَيَّروا ، وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض أحبارهم فَنَذَر إن شفاه الله أن يزيد في صومهم عشرة أيام ففعل ، فصار صوم النصارى خمسين يوما ، فصعب عليهم في الْحَرّ فنقلوه إلى الربيع . اهـ .
ومما يدلّ على وقوع التحريف أن عقيدة الصَّلْب عند النصارى – وهي إحدى الركائز العقدية عندهم – ليست في الأناجيل !
وكذلك أكل الخنْزِير .. كل هذه مما أُلْصِق بعقيدة المسيح عليه الصلاة والسلام .
قال ابن تيمية : وأما الشرائع التي هم عليها فعلماؤهم يعلمون أن أكثرها ليس عن المسيح عليه السلام ، فالمسيح لم يشرع لهم الصلاة إلى المشرق ولا الصيام الخمسين ولا جعله في زمن الربيع ولا عيد الميلاد والغطاس وعيد الصليب وغير ذلك من أعيادهم ، بل أكثر ذلك مما ابتدعوه بعد الحواريين مثل عيد الصليب فإنه مما ابتدعته هيلانة الحرانية أم قسطنطين ، وفي زمن قسطنطين غيروا كثيرا من دين المسيح والعقائد والشرائع فابتدعوا الأمانة التي هي عقيدة إيمانهم وهي عقيدة لم ينطق بها شيء من كتب الأنبياء التي هي عندهم ولا هي منقولة عن أحد الأنبياء ولا عن أحد من الحواريين الذين صَحِبوا المسيح ، بل ابتدعها لهم طائفة من أكابرهم
********
المجيب
فضيلة الشيخ
عبدالرحمن السحيم
تعليق