إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس // مفهرس

    السلام عليكم



    سلسلة آل البيت والصحابة
    الشيخ عثمان الخميس
    الحلقة الأولى من سلسلة آل البيت والصحابة



    التعريف بآل البيت والصحابة وبيان مكانة وفضل كل منهم

    الحمدُ لله ربِّ العالمين ، الحمدُ لله حمدَ الشاكرين ، الحمدُ لله حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى ،

    والصَّلاةُ والسَّلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين نبيِّنا وإمامِنا
    وحبيبِنا وقدوتِنا وقُرَّةِ عيننا وسيِّدنا محمدِ بنِعبد الله وعلى آلهِ وصحابتهِ أجمعين ،

    أما بعد :
    فقد رأى إخوانُكم في إدارةِ مساجدِ العاصمةِ أنْ تكونَ سلسلةُ دروسٍ تخصُّ أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وآلَ بيتهِ ،
    واختاروا أنْ تكونَ هذه الدُّروسُ مقسَّمةً على اثني عشرَ درساً .



    سنتناولُ مسائلَ الآلِ والأصحابِ ، وستكونُ كالآتي :


    الدَّرس الأول : سيكونُ الحديثُ فيه عن التَّعريفِ بآل ِالبيتِ والصَّحابةِ

    وبيان مكانةِ وفَضْلِ كلٍّ منهم .


    الدَّرس الثاني : سيكونُ عن حقوقِ آل البيتِ وحقوقِ الصَّحابةِ

    وحُكْم محبَّتهم وحُكْم بُغضهم .

    والدَّرس الثالث : سيكونُ عن العلاقةِ بين آلِ البيتِ والصَّحابةِ ،


    وهو مقسَّم إلى مسألتين :

    المسألة الأولى : وهي الثَّناء المتبادل بين آلِ البيتِ وبين الصَّحابةِ .

    والمسألة الثانية : تتعلَّق بالأسماءِ والمصاهراتِ بين آل ِالبيتِ والصَّحابةِ .

    هذه أربعةٌ كاملةٌ

    ثم ثمانية دروس اخترنا فيها شخصيات منْ آلِ البيتِ وشخصيَّات منَ الصَّحابةِ ،


    والشَّخصيات التي اخترناها منَ الصَّحابةِ
    هم : أبو بكر وعمر وعثمان والزبير ، وذلك لأنَّ كلَّ واحدٍ منْ هؤلاءِ الأربعة يجمعُ الأمرين ، يجمعُ الصُّحبةَ ويجمعُ العلاقةَ مع آلِ البيتِ .

    وأربعة منْ آل البيت : وهم عليّ وابن العباس وفاطمة وعائشة، وهؤلاء كذلك يجمعون الصُّحبةَ ويجمعون أنهم منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ،

    وبهذا تكملُ هذه الدروس ، أسألُ الله تبارك وتعالى أنْ يُيَسِّرَها .



    ابتداءً نقولُ كما قالَ القحطاني في نونيَّته ، يقولُ :

    قلْ خيرَ قولٍ في صحابةِ أحمدٍ *** وامدحْ جميعَ الآلِ والنّسوانِ
    دعْ ما جرىبين الصَّحابةِ في الوغى*** بسيوفِهم يومَ التقى الجمعانِ
    فقتيلُهم منهم وقاتلُهم لهم ***وكلاهما في الحشرِ مرحومانِ

    واللهُ يومَ الحشرِ ينزعُ كلَّ ما *** تحوي صدورُهمُ منَ الأضغانِ
    حُبُّ الصَّحابةِ والقَرابةِ سُنَّةٌ *** ألقى بها ربي إذا أحياني
    فكأنما آل ُالنبيِّ وصحبُه *** رُوحٌ يضمُّ جميعَها جسدانِ
    فئتانِ عَقدُهما شريعةُ أحمد ***بأبي وأمي ذانك الفئتانِ
    فئتان سالكتان في سُبُلَ الهدى *** وهما بدينِ الله قائمتانِ
    هاتان الفئتان أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وآل بيته هما محور هذه الأحاديثِ التي ستكونُ بيننا إنْ شاءَ الله تبارك وتعالى خلالَ هذه الأسابيع .



    نبدأ أوَّل ما نبدأ بالتَّعريف .
    مَنْ همُ الصَّحابةُ ؟
    مَنْ هم آلُبيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟


    عندما نرجعُ إلى اللُّغةِ

    فالصَّاحبُ مَنْ صحبَك وتابعَك ولازمَك ولقيَك فيقالُ له صاحب.
    والصَّحابي ُّفي الاصطلاح

    هو مَنْ لقيَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فخصَّصنا اللِّقاءَ بالنبيِّ لأننا نتكلَّم عن صحابةِ النبيِّ ، و إلا كلّ واحدٍ منَّا له أصحابٌ ، مافي إنسان إلا وله أصحابٌ ، لكنْ نحن نتكلَّم عن أصحابٍ خاصِّين ..

    عن أصحابِ رجلٍ بعينهِ هو محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولذلك لما نأتي لتعريف هؤلاءِ الصَّحابةِ لا بدَّ أنْ ننبِّه إلى هذا الرَّجل ، فيقولون الصَّحابيُّ هو كلُّ مَنْ لقيَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم

    سواءً لقيَه مدةً طويلةً أو وسطاً أو أقلّ أو مرَّة واحدةً ، وهذه تُطلقُ في اللُّغةِ على الصُّحبةِ ، وإنْ كانَ بعضُ أهلِ اللُّغةِ يطلقون كلمةَ الصَّاحبِ على مَنْ لازمَ وصحبَ مدَّة طويلةً ، ولكنْ أيضاً يطلقون في اللُّغةِ على مَنْ لقيَ مرَّة ،

    ولذلك اختارَ أهل العلم التَّعريفَ للصَّحابيِّ : هو كلُّ مَنْ لقيَ النبيَّ ولو مرَّة واحدةً ، ولقيَه ولو لم يره كالأعمى مثلاً .

    هناك بعضُ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غير مبصرين كابن أمِّ مكتوم مثلاً ، وهو صحابيٌّ لأنه لقيَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مؤمناً به ، إذاً لا بدَّ منَ اللُّقيا ولا بدَّ منَ الإيمانِ ، لقيَ النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأنَّ هناك مِنَ الناسِ مَنْ كانَ في الشَّامِ أو في مِصْرَ أو اليمنِ أو غيرها منْ جزيرةِالعربِ ، آمنَ ولم يلقَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم

    .. آمنَ في بلادهِ ، جاءَ ليُبايعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما تيسَّر له السَّفر ، ثم النبيُّ قد تُوُفِّيَ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فلا يُقالُ له صحابيّ يقال له مخضرم، لأنه عاشَ فترةَ البعثةِ وعاشَ بعدَها فيقال له مخضرم لكنْ لا يقالُ له صحابيّ ،لأنَّ شرفَ الصُّحبةِ هي لُقيا النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فهذا لم ينلْ هذا الشَّرفَ وهو لُقيا النبيِّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم مؤمناً به ، وقالوا مؤمناً به حتى يخرج الكفار لأنَّ الكفارَ لقوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وجلسوا معه ، لعلَّ منهم منْ أقاربهِ كأبي لهب مثلاً ، ومنهم مَنْ قاتلَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ومنهم مَنْ نافقَ وأظهرَ الإسلامَ وهو غير ذلك ، هؤلاء لقوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لكنْ غير مؤمنين فلا يدخلون في الصَّحابة .. لا يدخلون في الصَّحابةِ ، إذًا لا بدَّ أنْ يكونَ لقيَ النبيَّ ولا بدَّ أنْ يكونَ مؤمناً به يومَ لقيَه وماتَ على ذلك ، ليخرجَ المرتدُّون ، لأنَّ المرتدِّين لقوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وآمنوا به ولكنهم بعد وفاتهِ ارتدُّوا عن دين الله تبارك وتعالى ، فهؤلاء لا يُقالُ لهم صحابة .



    لماذا؟


    لأنهم لم يموتوا على الإسلام ، ارتدُّوا عن دينِ الله تبارك وتعالى .

    إذًا هذا تعريفُ الصَّحابيِّ ، وليسَ هناك خلافٌ كبيرٌ في تعريفِ الصَّحابيِّ وإنما الخلافُ في تعريفِ آلِ البيتِ .

    عندما ننتهي منْ تعريفِ الصَّحابيِّ نأتي إلى تعريفِ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ،فمَنْ هم



    آلُ بيتِ النبيِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه؟



    هناك أربعةُ أقوالٍ في آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم :


    *القول الأول : أنَّ آلَ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم أزواجُه وذريَّته، هؤلاء هم آلُ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وأخذوا ذلك منَ اللُّغةِ ، قالوا : آلُ الرَّجُلِ أهلُه ، وأصلُ آل أهل ،ولذلك نحن نقولُ فلان تأهَّل يعني تزوَّج .

    و قالَ الله عن موس"وَسَارَ بِأَهْلِهِ"القصص:29، أي بزوجتهِ ، وقالَ" : " .... رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ..."هود:73،إبراهيم وزوجته ، فأهلُ الرَّجُلِ زوجتُه وذريَّته ، وأخذوا ذلك منْ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في التَّشَهُّد ،نحن الآن في تشهُّدنا ماذا نقولُ ؟

    " اللهمَّ صَلِّ على محمَّد وعلى آلِ محمَّد كما صلَّيتَ على آلِ إبراهيم "هناك بعض ألفاظا لتَّشَهُّد في البخاري بدلَ اللهمَّ صَلِّ على محمَّد تقول: " اللهمَّ صَلِّ على محمَّد وعلى أزواجه وذريته كما صلَّيتَ على آلِ إبراهيم "

    فقالوا : قوله : " اللهمَّ صَلِّ على محمَّد وعلى أزواجهِ وذريته" هي تفسير لقولهِ : " اللهمَّ صَلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد "

    فقالوا : إذًا آلُ الرَّجُلِ هم زوجتُه وذريته ، هؤلاء هم آلُ الرَّجل ، إذاً هؤلاء هم آلبيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

    ولذلك عائشة رضيَ الله عنها لما سُئِلَتْ عن طعام النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في البيت فقالتْ : " كانَ طعامُ آلِ محمَّد قوتاً " .

    ( يعني الشيء اليسير ، وسمَّت بيتَها بيتَ آلِ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ) .

    وكانَ النبيُّ إذا دخلَ بيتَه أحياناً يقولُ : السَّلام عليكم أهلَ البيتِ ، لزوجتهِ عائشة أو حفصة أو... يسلِّم عليهنَّ بلفظِ أهلِ البيتِ .

    فهذا إذًا القول الأول أنَّ الأهلَ هم الزَّوجة والذُّرية، وكلُّنا يعلمُ قولَ الله تبارك وتعالى عن امرأةِ العزيز لما جاءَ زوجُها قالتْ : " .... مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا ...." يوسف:25

    ، تعني نفسَها أنها زوجة العزيز .


    *القول الثاني : أنَّ آلَ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم بنو هاشم ، أقارب النبيِّ منْ هاشم، نحن نعرفُ الآنَ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم محمَّد بنُ عبد الله بنِ عبد المطلب بنِ هاشم ، فقالوا : كلّ مَنْ يرجعُ نسبُه إلى هاشم فهو منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ،كلّ مَنْ يرجعُ نسبُه إلى هاشم فهو منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

    *- ومنْ ذلك أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم جاءَه اثنان وهما الفضل ابن العباس بن عبد المطلب ، والمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، إذاً الفضل بن العباس ،

    العباس عمّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذاً هذا ابن عمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، والمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أيضاً أبوه الذي هو ربيعة ابن عمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فهذا ابنُ ابنِ عمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ،
    إذاً كلاهما جدُّهما عبد المطلب ، ومعروف أنَّ هاشماً ليس له منَ الأولاد إلا عبد المطلب وأسد ،هذان ابنا هاشم ، عبد المطلب وأسد ، أما أسد فانقطعتْ ذُرِّيتُه ،
    عنده بنت التي هي فاطمة بنت أسد أمّ عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه وعنها لأنها أسلمتْ ولم تبقَ له ذرية ، إذاً كلّ ذرية هاشم في عبد المطلب الآن ،
    ذرية هاشم هم ذرية عبد المطلب ،إذاً نستطيعُ أنْ نقولَ : آلُ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم ذرية عبد المطلب ، هم ذرية عبد المطلب ، لكن الصحيح ذرية هاشم حتى تدخل فاطمة بنت أسد لأنها منْ بني هاشم ، فالشَّاهدُ منْ هذا أنه لما جاءَ الفضلُ بن العباس بن عبد المطلب والمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، لما أتيا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وطلبا منه أنْ يجعلَهما على الصَّدقةِ ، الله تبارك وتعالى يقولُ ماذا ؟يقول : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ... "أي الزكاة

    " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عليها "التوبة:60.

    إذًا العاملون على الزكاة و هم الذين يجبون الزكاةَ ويقسِّمونها ويُوصلونها إلى مَنْ يستحقُّها يجوزُ أنْ يُعْطَوا منَ الزَّكاةِ ، فجاءَ الفضلُ بنُ العباس والمطلب بنُ ربيعة بنِ الحارث أتيا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالا : يا رسولَ الله اجعلْنا على الصَّدقةِ ، منَ العاملين عليها حتى يأخذا منَ الزَّكاةِ .

    فماذا قالَ لهما النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟

    قالَ : "إنها لا تحلُّ لمحمَّد ولا لآل ِمحمَّد "

    فدلَّ هذا على أنهما منْ آل محمَّد .

    فحرَّم عليهما الزَّكاةَ ، لأنَّ الزَّكاةَ لا تحلُّ لمحمَّد ولا لآلِ محمَّد ، فلما حرَّم عليهما الزَّكاةَ واستدلَّ بقولهِ : " لا تحلُّل محمَّد ولا لآلِ محمَّد " دلَّ على أنَّ هذين منْآلِ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .

    *- وكذلك لما قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثِ زيدِ بنِ أرقم المشهور قالَ : " أذكِّرُكم الله أهلَ بيتي ، أذكِّرُكم الله أهل بيتي ، أذكِّرُكمالله أهل بيتي
    فَسُئِلَ زيدُ بنُ أرقم مَنْ أهلُ بيتهِ ؟

    طيب هو يذكِّرنا أهلَ بيتهِ ، مَنْ هؤلاء ؟

    قالَ : مَنْ أهلُ بيتهِ ؟

    قالَ : مَنْ حُرِمَ الصَّدقةَ .

    أي كلّ مَنْ تحرمُ عليه الصَّدقةُ فهو منْ أهلِ بيتهِ
    ثم قالَ زيدٌوهم : آلُ عليّ وآلُ عباس وآلُ عقيل وآلُ جعفر .
    آل عليّ ، آل العباس ، آل عقيل وآل جعفر .
    طيب ما الذي يجمعُ هؤلاء الأربعة

    عليّ وعقيل وجعفر ؟ أبناء أبي طالب ، والعباس أخو أبي طالب .

    طيب والمطلب بن الربيعة بن الحارث ، الحارث أخو أبي طالب وأخو العباس ، والفضل بن العباس ، ماالذي يجمعُ هؤلاء كلّهم ؟
    كلّهم هؤلاء أبناء عبد المطلب ،كلّ هؤلاء أبناء عبد المطلب .

    *- وكذا الحسن بن عليّ لما أرادَ أنْ يأكلَ منَ الصَّدقةِ قالَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنها لا تحلُّ لمحمَّد ولا آل محمَّد " فمنعَه منها .

    فما الذي يجمعُ هؤلاء كلّهم ؟

    قالوا : الذي يجمعُ هؤلاء كلّهم هو أنهم أبناءُ عبد المطلب وبالتالي أبناء هاشم .
    فقالوا : كلّ هؤلاء حُرِّمَتْ عليهمُ الزَّكاةُ وأدخلَهم النبيُّ بلفظِ آلِ محمَّد .
    فقالوا : إذاً آلُ النبيُّ هم أولادُ هاشم ، أقارب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منْ هاشم ، هذا القولُ الثاني .


    إذاً

    *- القول الأول أنَّ آلَ النبي هم أزواجُه وذريته
    *- القول الثاني آل النبيّ هم أقاربُه فقط منْ بني هاشم .
    *- القول الثالث : أنَّ آلَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم جميعُ المؤمنين .

    جميعُ المؤمنين آلُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، لأنهم تابعوه وناصروه ووقفوا معه ،فهؤلاء هم آلُه ، كما قالَ الله تبارك وتعالى"النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ"غافر:46، و ليس المقصود بآلِ فرعون أقارب فرعون وإنما المقصود أتباع فرعون على دينه .
    فقالوا : إذا سمَّى أتباعه آلاً ، سمَّى أتباعه آلاً له
    إذاً آلُا لرَّجُلِ هم مَنْ يتبعُه على دينهِ .

    ولذلك قالَ عبد المطلب الذي هو جدُّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما جاءَ أبرهةُ ليهدمَ الكعبةَ ، عندما قصدَ أبرهةُ لهدمِ الكعبةِ قامَ عبد المطلب وقالَ أبياتاً منَ الشِّعر ،

    قالَ في هذه الأبياتِ :
    لاهم..
    لاهم يعني اللهمَّ
    قال :


    لاهمَّ إنَّ العبد يمنعُ رحلَه فامنعْ رِحَالَكْ
    لا يغلبنَّ صليبُهم ومِحَالُهم غِدْواً مِحَالَكْ

    يعني يقولُ اهزمْ هؤلاء الذين أرادوا هَدْمَ الكعبةِ .
    لاهم إنَّ العبدَ يمنعُ رحلَه فامنعْ رحالَكْ .

    عبد المطلب لما دخلَ على أبرهة قالَ :

    أنا ربُّ الإبلِ وللبيتِ ربٌّ يحميهِ فالآن يسأل الله أنْ يحميَ هذا البيت .
    يقول :
    لاهم إنَّ العبدَ - يعني نفسَه - يمنعُ رحلَه فامنعْ رحالَكْ
    هذا بيتُك ياربّ ، هذا بيتك
    لاهمَّ إنَّ العبدَ يمنعُ رحلَه فامنعْ رِحَالَكْ
    لا يغلبنَّ صليبُهم ومِحَالُهم غِدْواً مِحَالَكْ
    وانصرْ على آلِ الصَّليبِ .. على آل الصليب
    وانصرْ على آل الصَّليبِ وعابديهِ اليومَ آلَكْ
    وانصرْ على آل الصَّليبِ وعابديهِ اليومَ آلَكْ

    فسمَّاهم آل الله
    وقالَ عن أتباع الصَّليب آل الصَّليب
    فقالوا : كلّ مَنْ تبعَ شيئاً صارَ منْ آلهِ

    إذاً هذه ثلاثةُ أقوالٍ .

    كما ترون أنَّ جميعَ الأقوالِ هذه لها وجهٌ منْ حيثُ اللُّغةِ ولها وجهٌ منْ حيثُ النُّصوص ،والأقربُ - والعلمُ عند الله تبارك وتعالى - أنَّ آلَ الرَّجُلِ زوجتُه وذُرَّيته لا شكَّ في هذا ، لكنْ آل الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بذاتهِ هم بنو هاشم بالأصالة لأنهم أقاربُه الأقربون صلَّى الله عليه وسلَّم ، ويدخلُ أزواجُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالتبعيَّة لما تزوجهنَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.
    هناك قولٌ رابعٌ ضعيفٌ جِدّاً وهو ما يتبنَّاه الشيعةُ في هذا الأمر ، وهو أنهم قالوا : إنَّ آلَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم أصحابُ الكساءِ ، يعنون عليّاً وفاطمةَ والحسنَ والحسين فقط ، يقولون إنَّ هؤلاء آلُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    قالوا : لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم جلَّلهم بالكساءِ ، وذلك أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دعى عليّاً وفاطمة والحسن والحسين وغطَّاهم بالكساء - اللي هو البشت ، العباءة - غطَّاهم ثم قالَ : " اللهمَّ هؤلاءِ أهلُ بيتي ، اللهمَّ أذهب عنهم الرِّجسَ وطهِّرهم تطهيراً " .
    نقولُ : نعم هذا دليلٌ على أنَّ هؤلاء منْ آلهِ لأنَّ فاطمةَ ابنتُه وعلي منْ أولاد عبد المطلب والحسن والحسين أبناء عليّ وأبناء فاطمة ، فطبيعي جِدّاً أنهم منْ آلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، لكنْ ليس في الحديثِ أنَّ هؤلاء فقط هم آلُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    فالحديثُ يدلُّ على أنَّ هؤلاء منْ آلِ النبيِّ ، ولا يعني أبداً أنَّ هؤلاء فقط هم آل ُالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فالرَّاجحُ - والعلمُ عند الله تبارك وتعالى - أنَّ آلَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم أبناءُ هاشم وأزواجُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، أمَّا أبناءُ هاشم فهم الذين حُرِّمَتْ عليهمُ الزَّكاةُ ، وأمَّا أزواجُه فباقترانهِ بهنَّ ، وإلا قبلَ زواجهِ بهنَّ لم يكنَّ منْ آلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    يعني منْ آخر مَنْ تزوَّج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ميمونة قبل أنْ يتزوَّجها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما كانتْ منْ آلِ البيتِ ، وعائشة قبل أنْ يتزوَّجها النبيُّ ما كانتْ منْ آلِ البيتِ ، كانتْ منْ آلِ أبي بكر ، وكذا حفصة ، وكذلك أم حبيبة ، وكذلك جويرية ، وصفية ، لم يكنَّ أبداً في يومٍ منَ الأيام منْ آلِ البيتِ قبلَ زواجِ النبيِّ بهنَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فلمَّا تزوَّجهنَّ صِرْنَ أهلَه وصِرْنَ بعد ذلك منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .

    بعد هذه المقدِّمة .
    نحن الآن في المقدِّمة ..طيب..
    بعد هذه هذه المقدمة ندخلُ في بيانِ فضلِ ومكانةِ أصحابِ النبيِّ وآلِ بيتهِ .


    أما أصحابُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فوردتْ فيهم نصوصٌ ، ويدخلُ في أصحاب النبيِّ آل البيت الذين صحبوه كعليّ وفاطمة وعائشة وأمّ حبيبة والعباس وعبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر وجعفر .. لأنَّ هؤلاء جمعوا الحسنين .
    جمعوا القرابةَ وجمعوا الصُّحبةَ ، يعني عليّ بن أبي طالب كمثال صحابيّ ومنْ آلِ البيت ،عائشة صحابيَّة ومنْ آلِ البيت ، فاطمة صحابيَّة ومنْ آل البيت ، عبد الله بن عباس صحابيّ ومنْ آلِ البيت ، حمزة صحابيّ ومنْ آل البيت ، العباس صحابيّ ومنْ آلِ البيت، عبد الله بن جعفر صحابيّ ومنْ آلِ البيت ، جعفر بن أبي طالب صحابيّ ومنْ آل ِالبيت وهكذا .

    فإذًا آل ُالبيتِ الذين سنتكلَّم عنهم الذين جمعوا الشَّرفين ، جمعوا شرفَ الصُّحبةِ وجمعوا شرفَ القَرابةِ .
    والصَّحابةُ الذين سنتكلَّم عنهم هم الذين جمعوا شرفَ الصُّحبةِ فقط وما أجملَ ما قالَ شريك بنُ عبد الله ،يقولً : لو جاءني أبو بكر وعليّ وكلاهما طلبَ مني حاجةً - يعني أبو بكر طلبَ مني شيئاً وعليّ طلبَ مني شيئاً - لقدَّمتُ عليّاً على أبي بكر ، وأبو بكر أفضل .


    طيب .. لماذا قدَّمتَ عليّاً ؟
    قالَ : لقرابتهِ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    إكراماً لقرابتهِ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
    فعندما نتكلَّم عن فضلِ أصحابِ النبيِّ يدخلُ القرابةُ وعندما نتكلَّم عن فضلِ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يدخلُ الصَّحابةُ .
    فمنْ ذلك قولُ الله تبارك وتعالى: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" الفتح:29

    شوفوا هذا الوصفَ العظيمَ منَ الله تبارك وتعالى ، يصفُ محمَّداً وأصحابَه .
    هذا متى هذا؟؟؟
    هذا في الحديبيةِ في السَّنةِ السَّابعةِ منَ الهجرة ، في آخرِ السادسةِ منَ الهجرة أوَّل السابعةِ منَ الهجرة ، يصفُ الله هؤلاء يقولُ: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً" الفتح:29" هذه عادتُهم" يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً " لا رياء لا سمعة وإنما يريدون ما عند الله" يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ الفتح:29 " ، و السِّيما هي النورُ الذي يكونُ فيالوجهِ
    " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ "
    ثم قالَ : " ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ "
    أي أنهم مذكورون في التوراةِ ثم قالَ :"وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ "فلا يغتاظُ منهم إلا الكفار ، وسنأتي إنْ شاءَ الله تعالى عن حُكْمِمُبغضهم ومحبِّهم إن شاءَ الله تعالى في الدَّرسِ القادمِ .
    " وَعَدَ اللَّهُ " الآن النَّتيجة ، بعد أنْ وصفَهم الله بما وصفَهم بهِ منَ الخيرِ والصَّلاحِ جاءتِ النَّتيجةُ " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً " ، هكذا يخبرُ الله تعالى عن هؤلاءِ القومِ
    ويقولُ جلَّ وعلا في الحديبية أيضاً لما بايعوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيعةَ الرِّضوان قالَ الله تباركَ وتعالى : " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الفتح:18، وهذه البيعةُ تُسَمَّى بيعةَ الرِّضوان ،لما بايعوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أنْ لا يفرُّوا و على أنهم ينصرونه .

    و قالَ بعضُ الصَّحابةِ : بايعناه على الموتِ.
    " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِيقُلُوبِهِمْ... "فكانتِ النَّتيجةُ " ... فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً"... الفتح:18هل يمكنُ أنْ يكونَ علمَ ما في قلوبهم منَ النِّفاقِ فيُنزلُ عليهمُ السَّكينةَ ويرزقُهم فتحاً قريباً؟!
    لا يمكنُ أبداً
    وإنما علمَ ما في قلوبهم منَ التَّقوى والدِّين والمحبَّة لله ورسولهِ والنُّصرة وغير ذلك منَ الأمورِ الطَّيِّبةِ التي يحبُّها الله تباركَ وتعالى .
    ولذلك أعلنَ الله على الملأ رِضَاهُ عنهم سبحانه وتعالى
    " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ ..." والله لا يرضى إلا عمَّن يعلمُ أنه يموتُ واللهُ راضٍ عنه ، وإلا الله يعلمُ ما في قلوبِ المنافقين منْ نفاقٍ ، و لذلك لا يُثني عليهم الله أبداً ثم يذمُّهم .
    فالقصدُ أنَّ الله تباركَ وتعالى أعلنَ رِضَاهُ عن أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    وقالَ جلَّ وعلا عن أصحابِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وكما قلنا يدخلُ فيهم آلُ بيتِ النبيِّ الذين عاشوا معه منْ أصحابهِ يقولُ الله لهم : "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"
    "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"
    فُضِّلَت ْعلى سائرِ الأممِ السَّابقةِ منْ أتباع إبراهيم وموسى وعيسى وزكريا ويحيى ويونس وهود وغيرهم منَ الأنبياء .


    هذه الأمَّةُ هي خيرُ الأُمَمِ ، وبيَّن الله السَّبَبَ في ذلك: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْلِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.... "آل عمران:110
    فوصفَهم الله بما هم عليه منَ الخيرِ ، وقالَ الله جلَّ وعلا في وصفِهم : "لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ "الحشر:8
    هكذا يقولُ عنهم الله جلَّ وعلا ، هؤلاء المهاجرون ، ثم يُثنِّي جلَّ وعلا بذكرِ الأنصارِ فيقولُ سبحانه وتعالى: " وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ - هؤلاء الأنصار -يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَايَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " الحشر:9
    فنجد أنَّ الله تبارك وتعالى يُثني على المهاجرين ويُثني على الأنصار سبحانه وتعالى .

    بلْ قال َالله جلَّ وعلا "لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ..."الحديد:10
    لأنَّ الصَّحابةَ يتفاضلون كما أنَّ الأنبياءَ يتفاضلون

    " تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ .." البقرة:253
    حتى الصَّحابةُ يتفاضلون ، الملائكة يتفاضلون ، فالصَّحابةُ إذاً هناك مَنْ هو أفضلُ منْ غيره ، لا يمكنُ أبداً أنْ نسوِّي صحابي أسلمَ وتابعَ النبيَّ في بدايةِ الدَّعوةِ وتحمَّل ما تحمَّل وآخر تأخَّر إسلامُه ولعلَّه قاتلَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتأخَّر إسلامُه ، فهناك فرقٌ بين هذا وذاك .

    ولذلك الله تبارك وتعالى لم يسوِّ بينهم .
    فقالَ سبحانه وتعالى : مع أنهم جميعاً منْ أهلِ الجنة ، جميعهم أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، لكنْ ولو ، الأمرُ يختلف يقولُ الله تباركَ وتعالى :" لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا..." البقرة:253
    لماذا؟
    لأنَّ الذين أنفقوا منْ قبل الفتح وقاتلوا منْ قبل الفتح ، والفتح على المشهور هو صلح الحديبية، وليكنْ فتح مكة ، لكنَّ الذين أنفقوا وقاتلوا منْ قبل الفتح وهو صلح الحديبية على الصحيح أولئك أنفقوا وقاتلوا يومَ كانَ الإسلامُ بحاجةٍ ، ولذلك يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لو أنفقَ أحدُكم مثلَ أُحُدٍ ذَهَباً ما بلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه "


    لأنَّ الذي يُنفقُ وقتَ الحاجةِ ليس كالذي يُنفقُ والناسُ في رخاءٍ وعدم الحاجة .. الذين قاتلوا والإسلامُ يُعادى منْ كلِّ مكانٍ ليس كالذي يقاتلُ والإسلامُ استتبَّ أمرُه وانتشرَ صيتُه ، يختلفُ الوضعُ .


    ولذلك الله تباركَ وتعالى لم يسوِّ بين الطرفين و إنْ في النهايةِ قالَ سبحانه وتعالى : " وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ...."البقرة :253


    يعني كلّهممنْ أهلِ الجنَّة" وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى "، لكنْ لا يستوون عند الله تباركَوتعالى ، ويقولُ جلَّ وعلا عن أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم" إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ "الأنبياء:101.


    أي عن النَّار ، والذين سبقتْ لهمُ الحسنى منَ الله هم أصحابُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولذلك قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : "لنْ يدخلَ النارَ أحدٌ بايعَ تحتَ الشَّجرةِ " التي هي بيعة الرِّضوان .


    ولما سُئِلَ جابر رضيَ الله عنه عن عددِهم يومَ بايعوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيعةَ الرِّضوان قالَ : كانوا أربعَ عشرةَ مئة أو خمس عشرة مئة ، يعني ألف وأربع مئة أوألف وخمس مئة .
    هؤلاء هم أصحابُ النبيِّ الذين رضيَ الله تباركَ وتعالى عنهم
    وقدَّر الله أنه في هذه البيعةِ كانَ قد خرجَ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجلٌ منَ المنافقين يُقالُ له الجِدّ بن قيس ، فلمَّا جاءَ الصَّحابةُ يبايعون النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم تحتَ الشَّجرةِ بيعةَ الرِّضوان .. البيع على الموت .. البيع على النصرة .. اختبأ خلفَ جملٍ له أحمر ولم يبايعْ ، فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليهوسلَّم : " لنْ يدخلَ النَّارَ أحدٌ بايعَ تحت الشَّجرةِ إلا صاحب الجمل الأحمر" يعني الجِدّ بنقيس الذي اختبأ خلفَ جملهِ ، وإلاهنا بمعنى لكنْ ، لكنْ صاحب الجمل الأحمر هذا لنْ يدخلَ الجنةَ لأنه كانَ منافقاً ولم يكنْ منْ أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ،


    والله تباركَ وتعالى يقولُ عن أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ"التوبة:100


    لما ذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار عمَّهم جميعا ً قالَ : والسَّابقون الأولون منَ المهاجرين والأنصار جميعهم بلا استثناء .
    والتابعون؟
    قالَ : لا ،ليسوا كلّ التابعين
    إذاً مَنْ؟

    قالَ : " وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ " لأنَّ التَّابعين فيهم المحسن وفيهم غير المحسن ، فاختارَ المحسنين منهم .
    أمَّا الصحابة فكلُّهم محسنٌ ، ولذلك جاءَ الخِطابُ عامّاً شاملاً لهم جميعاً .

    والله تباركَ وتعالى لما ذكرَ أصحابَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أحداثِ السِّيرةِ قال َالله جلَّ وعلا عنهم في بدر: " إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ َلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ "الانفال:11.


    فنجدُ أنَّ الله تباركَ وتعالى هنا جلَّ وعلا أنزلَ عليهم منَ السَّماءِ ماءً ، ثم أخبرَ أنه طهَّرهم ، وأخبر أنه أذهبَ عنهم رِجْسَ الشَّيطان كما قالَ في آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"الاحزاب:33، قالها كذلك في أصحابِ النبيِّ صلَّىالله عليه وسلَّم .

    كذلك يقول ُالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن أهلِ بدر: " لعلَّ الله اطَّلعَ على أهلِ بدر فقالَ : إني قد غفرتُ لكم ، افعلوا ما شئتم " .

    وهذا خبرٌ منَ النبيِّ الصَّادقِ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
    في الخندق ..في الأحزاب ، ماذا قالَ عنهم ؟
    قالَ: " وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا" الأحزاب:22 .
    وكذلك في الحديبية قال : " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ... "الفتح:18 .
    وأما آلُ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع أنهم اشتركوا مع الصَّحابةِ فيما ذُكِرَ ،فعليّ شارك في بدر ، وشارك في الأحزاب ، وشارك في بيعةِ الرِّضوان ، وكذلك عبد الله بن العباس ، وكذلك العباس ، وكذلك غيرهم منْ أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم شاركوا في هذه الأحداثِ فنالوا فضلَ الصُّحبةِ وفضلَ القرابةِ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلا أنَّ الله خصَّهم بفضلٍ كذلك وذلك في قولِ الله تباركَ وتعالى : " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً " الأحزاب:56.
    إلىهنا
    فقالَ أصحابُ النبيِّ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : عرفنا كيف نسلِّم عليك فكيف نصلِّي عليك؟؟؟
    قالَ : " قولوا اللهمَّ صَلِّ على محمَّد وعلى آلِ محمَّد " .
    فبيَّن صلواتُ ربي وسلامُه عليه فضلَهم وأنه قرنهم باسمهِ صلواتُ ربي وسلامُه عليه ، وكذلك لما قالَ الله تباركَ وتعالى في ذِكْرِ نساءِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ": "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُالرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"الاحزاب:33، وقالَ الله تباركَ وتعالى : " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ " ، فذكرَ آلَ بيتهِ وهنَّ أزواجه أنهنَّ أمَّهات المؤمنين جميعاً .
    ولذلك مَنْ لم يرضَ بزوجةٍ منْ زوجاتِ النبيِّ أنها أمٌّ له فهو ليس منَ المؤمنين لأنَّ الله تباركَ وتعالى يقولُ : "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ ... " عمَّ الأزواجَ كلهنَّ قالَ : "وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ " فهنَّ أمَّهاتٌ المؤمنين .

    وأما ما جاءَ في السُّنة في فضلِ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وآلِ بيتهِ فمِنْ ذلك قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم :"النجومُ أَمَنَةٌ للسَّماءِ فإذا ذهبتِ النجومُ أتى السَّماءَ ما تُوعد ، وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يُوعدون ، و أصحابي أَمَنَةٌ لأمتي فإذا ذهبَ أصحابي أتى أمتي ما تُوعد ".
    ويقولُ صلواتُ ربي عليه : " خيرُ الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم "
    وقالَ صلواتُ ربي وسلامُه عليه : " لا تسبُّوا أصحابي فلو أنَّ أحدَكم أنفقَ مثلَ أُحُدٍ ذهباً ما بلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه " .
    وأمَّا آلُبيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ فيهم : " أذكِّركم الله أهل بيتي ، أذكِّركم الله أهل بيتي ، أذكِّركم الله أهل بيتي " .
    فلا بد إذاً أنْ نعرفَ لأصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَدْرَهم ولآلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَدْرَهم ، وأنْ نتقرَّب إلى الله بحبِّهم فإنهم أناسٌ اصطفاهم الله تباركَ وتعالى اختارَهم .
    والفرقُ بين الصَّحابةِ وآلِ البيتِ في مسألةٍ مهمَّة جداً وهو أنَّ أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يمكننا أنْ نكرمَهم لأنهم قد تُوُفُّوا الآن إلا بالسَّلام عليهم وذِكْرِهم بكلِّ خيرٍ ، لأنه لا يوجدُ الآنَ صحابيٌّ منْ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، أما آلُ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فما يزالون يعيشون بين ظهرانينا ، فكلُّ مَنْ يلتقي بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم اليوم عن طريق هاشم بن عبد مناف فهو منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فالصَّالحُ منهم نحبُّه ونتقرَّب إلى الله بحبِّهونكرمُه .
    وسيأتينا إنْ شاءَ الله حقوق آل البيت وحقوق الصَّحابة رضيَ الله عنهم لكنْ أحببتُ أنْ أفرِّقَ بين الصَّحابةِ وآلِ البيتِ ، أنَّ الصَّحابةَ ليسَ لهم منا الآن إلا الثناء والذِّكْر الحَسَن أما آلُ البيتِ فيمكنُ أنْ يستمرَّ إكرامُهم لأنهم مستمرون معنا، لا أعني أنَّ عليّاً وفاطمةّ موجودون لكنْ أعني ذرية آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سواء ذرية العباس أو ذرية أبي طالب أو ذرية الحارث أو ذرية أبي لهب ،لأنَّ هؤلاء هم الذين لهم ذرية اليوم ، ذرية هؤلاء المسلم منهم التقي فهذا له منَ التقدير والمحبة ما يستحقُّه لقرابتهِ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم

    و أختمُ بقولِ الشاعرِ:
    إني أحبُّأبا حفصٍ وشيعته *** كما أحبُّ عتيقاً صاحبَ الغارِ
    وقد رضيتُ عليّاً قُدوةً عَلَماً *** وما رَضِيْتُ بقتلِ الشَّيخِ في الدارِ

    والله أعلى وأعلم وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمَّد .
    التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 10-01-2012, 01:22 AM. سبب آخر: تنسيق الموضوع



  • #2
    رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

    الحلقة الثانية من سلسلة آل البيت والصحابة
    حقوق آل البيت والصحابة وحكم محبتهم وبغضهم رضوان الله عليهم
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدُ لله رَبِّ العالمين ، الحمدُ لله وليّ الصالحين ، الحمدُ لله إله الأوَّلين والآخرين ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين نبيِّنا وإمامِنا وسيِّدنا وحبيبِنا وقُرَّةِ عينِنا محمَّد بنِ عبدِ الله وعلى آلهِ وصحابتهِ أجمعين , ما زلنا مع هذه السِّلسةِ المباركةِ وهو حديثنا عن أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعن آلِ بيتهِ ، وذكرْنا أنَّ هذا الحديثَ سَيُسْرَدُ خلالَ اثنتي عشرةَ محاضرةً ، وقسَّمنا هذه المحاضراتِ إلى ما يلي :
    المحاضرة الأولى : التَّعريف بآلِ البيتِ وأصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبيانِ مكانتِهم وفضلِهم ، وهذه قد مرَّت
    ثم المحاضرة الثانية : محاضرة هذه الليلة وهي عن بيانِ حقوقِ آلِ البيتِ وأصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وحُكْم محبَّتهم وبغضِهم .
    والمحاضرة الثالثة : عن العلاقةِ بين آلِ البيتِ وأصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منَ المصاهراتِ والأسماءِ .
    والمحاضرة الرابعة : هي عن حالِ آلِ البيتِ مع الصَّحابةِ منْ حيثُ الثَّناء المتبادَل بينهم والعلاقة الوطيدة
    ثم المحاضرات الثَّمَان الأخرى : قلنا أربع محاضراتٍ نختارُ فيها أربعةً منَ الصَّحابةِ لهم علاقةٌ بآلِ البيتِوهم : أبو بكر وعمر وعثمان والزُّبير , وأربع شخصيَّاتٍ منَ الصَّحابةِ الذين هم منْ آلِ البيتِ وهم : عليّ وعائشة وفاطمة وابن عباس .
    هذه تقريباً مجملُ هذه المحاضراتِ .
    واللَّيلةُ إنْ شاءَ الله تعالى نتكلَّم عن المحاضرةِ الثَّانيةِ وهي : حقوق آل البيت والصَّحابة وكذلك حُكْم محبَّتنا لهم أوحُكْم مبغضهم , سنقسمُ هذه المحاضرةَ إلى قسمين :
    1- قسم يخصُّ الصَّحابةَ
    2- وقسم يخصُّ آلَ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
    ونبدأُ بآلِ بيتِ النبيِّ إكراماً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، واتِّباعاً لهديِ سلفِنا الصَّالحِ كما ذكرنا هذا عن شَريك وغيرهِ منْ أهلِ العِلْمِ أنه قالَ : " لو جاءَني أبو بكر وعمر وعليّ وكلٌّ سألني حاجةً لقدَّمتُ حاجةَ عليٍّ لقربهِ منْ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكر وعمر أفضلُ " لكنْ يُقَدَّمُ عليّ لقربهِ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولذلك فنسيرُ على هدي سلفِنا الصَّالحِ رحمهم الله تباركَ وتعالى فنتكلَّم ابتداءً عن حقوقِ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    حقوقُ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تنقسمُ إلى قسمين :
    1- حقوق معنويَّة
    2- وحقوق ماليَّة
    أشياء معنويَّة وأشياء ماليَّة .
    1- ونبدأُ بالأشياءِ المعنويَّةِ لأنها أهمّ ..
    نبدأُ بالأشياءِ المعنويَّةِ لأنها أهمّ ، وهذه المعنويَّة تتمثَّل أوَّلاً في محبَّتهم وتوقيرِهم وتقديرِهم و تقديمهم و احترامِهم ، كلُّ هذا لقُربِهم منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فإكرامُنا لهم هو إكرامٌ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    ويُكْرَمُ شيخُ القبيلةِ فَتُكْرَمُ القبيلةُ كلُّها ، ويُكْرَمُ فردٌ منَ القبيلةِ إكراماً لهذا الشَّيخِ , ولأجلِ عينٍ ألفُ عينٍ تُكْرَمُ
    فنُكْرِمُ هذا الجيلَ أو هذه المجموعةِ لقُربِهم منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومحبَّتهِ لهم ومحبَّةِ الله لهم سبحانه وتعالى .
    والفرقُ في كلامِنا عن آلِ البيتِ وعن أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مسألةٍ مهمَّةٍ جِدّاً ألا وهي أنَّ أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غيرُ موجودين الآن ، عاشوا في فترةٍ معيَّنةٍ وانتهى دورُهم في هذه الحياةِ .
    أمَّا آلُ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فينقسمون إلى قسمين : إلى قسمٍ تُوُفِّيَ وقضى نَحْبَهُ , وإلى قسمٍ ما زالَ موجوداً وسيستمرُّ موجوداً إلى أنْ يشاءَ الله تباركَ وتعالى , فهذا فرقٌ جوهريٌّ في كلامِنا عن أصحابِ النبيِّ وعن آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، أنَّ أصحابَه مَنِ التقَوا به أمَّا آلُ بيتهِ كلُّ مَنْ يمتُّ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بصلةِ قرابةٍ إلى يومِنا هذا ؛ إلى أنْ يشاءَ الله جلَّ وعلا , فأوَّل حقٍّ لآلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منَ الحقوقِ المعنويَّةِ هو حقُّ محبَّتِهم وتوقيرِهم وتقديرِهم واحترامِهم وتقديِمهم على غيرِهم في المجالسِ وغيرِها ، وهذا اتِّباعاً لوصيَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما قالَ : " أذكِّرُكم اللهَ أهلَ بيتي ، أذكِّرُكم الله أهلَ بيتي ، أذكِّرُكم الله أهلَ بيتي " , فنبَّه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أهميَّةِ رعايةِ هذه الأسرةِ التي تنتسبُ إلى هذا النَّسَبِ الشَّريفِ ، وجاءَ في الحديثِ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قالَ لعليٍّ ( خاصة ) رضيَ الله عنه : " إنه لا يحبُّك إلا مؤمنٌ ولا يُبغضُك إلا منافقٌ " , فلأجلِ هذا نحن نحبُّ آلَ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سواء كانَ عليّاً أو فاطمة أو العباس أو ابن عباس أو أزواج النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وغيرهم , وقد ذكرنا في المحاضرةِ السَّابقةِ أنَّ آلَ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم كلُّ مَنْ ينتسبُ إلى هاشم ..كلُّ مَنْ يرجعُ نسبُه إلى هاشم هم آلُ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم , وقلنا إنَّ نَسَبَ هاشم يرجعُ إلى عبد المطَّلب ، ونَسَبُ عبد المطَّلب يرجعُ إلى أربعةٍ : إلى العباس ، وإلى الحارث ، وإلى أبي طالب ، وإلى أبي لهب الذي هو عبد العُزَّى ، هؤلاء الأربعة منْ أولادِ عبد المطَّلب هم الوحيدون الذين ما زالَ لهم نَسْلٌ ، أمَّا جميعُ وَلَدِ عبد المطَّلب : عبد الله والزُّبير وحجل وعبد الكعبة وضرار والمقوِّم والحمزة كلّ هؤلاء انقطعَ نَسْلُهم ، وإنما بقيَ نَسْلُ أربعةٍ منْ أولادِ عبد المطَّلب وهم كما قلنا : أبو طالب والعباس والحارث وأبو لهب ، هؤلاء ما زالَ نَسْلُهم موجوداً , فكلُّ مَنِ انتسبَ إلى واحدٍ منْ هؤلاءِ الأربعةِ فإنه منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم , وقلنا كذلك آل بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدخلُ فيهم أزواجُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فأزواجُ النبيِّ منْ آلِ بيتهِ كما في قولنا في التَّشَهُّد : " اللَّهم صَلِّ على محمَّد وعلى آلِ محمَّد " ، وفي الصَّحيحين : " اللَّهم صَلِّ على محمَّد وعلى أزواجهِ وذُرَّيتهِ " , فدلَّ على أنَّ هؤلاءِ منْ أهلِ بيتهِ ، وهذا هو أصلُ الكلمةِ كما ذكرنا ذلك في المرَّة السَّابقةِ .
    إذًا هذا هو منْ حيثُ التَّعريف وقد فصلناه .
    إذًا المحبَّةُ لهم والتَّقديرُ والتَّوقيرُ .
    يقولُ ابنُ تيمية رحمه الله تباركَ وتعالى : يجبُ محبَّتهم وموالاتُهم ورعايةُ حقوقِهم ، وهذان الثَّقلان اللذان وصَّى بهما النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم , في الحديثِ الذي ذكرناه قريباً وهو عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " إني تاركٌ فيكم ثقلينِ " ثم قالَ : " أوَّلهما كتاب الله " ، فذكَّر بكتابِ الله وأمرَ بالتَّمَسُّك به وحَثَّ عليه ، ثم قالَ :" وأهل بيتي ، أُذكِّرُكم الله أهلَ بيتي ، أُذكِّرُكم الله أهلَ بيتي، أُذكِّرُكم الله أهلَ بيتي " فالقرآنُ ثقلٌ وأهلُ البيتِ الثقل الآخر , يقولُ القرطبيُّ رحمه الله : وجوبُ احترامِ أهله وإبرارِهم وتوقيرِهم ومحبَّتِهم وجوب الفُروضِ المؤكَّدة .
    يعني هذا واجبٌ ليس منَ السُّنَنِ .. ليس منَ المستحبَّات إنْ فعلَه الإنسانُ أُجِرَ وإنْ لم يفعلْه لم يأثم ، لا .. بل واجبٌ .. محبَّةُ آل النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منَ الأمورِ الواجبةِ التي إذا قصَّر فيها الإنسانُ أَثِمَ على هذا الفعلِ .
    ولذلك قالَ أبو بكر رضيَ الله عنه بعد أنْ سمعَ قولَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " أُذكِّرُكم الله أهلَ بيتي "
    قالَ أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه : "والذي نفسي بيدهِ لَقَرَابَةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ منْ قرابتي " , يقدِّم قرابةَ النبيِّ على قرابةِ نفسهِ ، وهكذا يجبُ علينا نحن جميعاً أنْ تكونَ قرابةُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأحياء منهم والميِّتين .. أنْ يكونوا أحبَّ إلينا منْ قراباتِنا الذين ينتسبون وننتسبُ إليهم .
    ويقولُ الحافظُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله تباركَ وتعالى : لا نُنكرُ الوصايا بأهلِ البيتِ والأمرِ بالإحسانِ إليهم واحترامِهم وإكرامِهم فإنهم منْ ذُرِّيةٍ طاهرةٍ .. مِنْ أشرفِ بيتٍ وُجِدَ على وجهِ الأرضِ فَخْراً وحَسَباً ونَسَباً ولا سيَّما إذا كانوا متَّبعين للسُّنةِ النبويَّةِ الصَّحيحةِ الواضحةِ الجليَّةِ كما كانَ عليه سلفُهم كالعباس وبنيهِ وعليّ وأهلِ بيتهِ وذُرِّيتهِ , إذًا هذه القضية الأولى أو هذا هو الحقُّ الأوَّل ، وهو حقٌّ معنويٌّ محبَّتهم وذِكْرهم بكلِّ خيرٍ وتوقيرهم وتقديرهم واحترامهم , وهذا بالنِّسبةِ لمنْ سَلَفَ يكونُ بالحبِّ والثَّناءِ والذِّكْرِ الحَسَنِ ، أمَّا بالنَّسبةِ لمنْ هو يعيشُ معنا في زمانِنا هذا فإننا نحبُّهم لقرابتِهم منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. نقرِّبهم .. نقدِّمهم .. نقدِّم حاجاتهم على حاجاتِ غيرهم .. إذا كانوا معنا في المجالسِ يُصدَّرون في المجالسِ لقُربِهم منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. يُقدَّمون في الإطعامِ .. في الشَّرابِ .. في غيرِ ذلك منَ الأمورِ .. إذا كانتْ لهم حاجاتٌ تُسَدُّ هذه الحاجاتُ .
    كلُّ هذا إكراماً لهذا الرَّجُلِ الذي له فضلٌ علينا جميعاً صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
    هذا الحقُّ الأول المعنويُّ .
    الحقُّ الثاني : الصَّلاة عليهم
    وذلك أنَّ الله تباركَ وتعالى قالَ في كتابهِ العزيزِ : " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) " سورة الأحزاب , أصحابُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جاؤوا إليه ، ككعب بن عجرة وأبي حُمَيْد السَّاعدي وغيرهم منْ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم , أتوا إليه فقالوا : يا رسولَ الله عرفنا كيف نسلِّم عليك فكيف نصلِّي عليك ؟ , لأنَّ الله يقولَ : " صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً " فجاؤوا يستفسرون عن هذه الصَّلاةِ , قالوا : كيف نُصلِّي عليك ؟
    قالَ :قولوا : اللَّهمَّ صَلِّ على محمَّد وعلى آلِ محمَّد كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم ، اللَّهمَّ باركْ على محمَّد وعلى آلِ محمَّد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم " , فإذاً منْ حقِّهم علينا أنْ نُصلِّيَ عليهم ، فإذا صلَّينا على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قلنا صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم ، أو صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ ، أو صلَّى الله عليه وعلى أزواجهِ وذُرِّيتهِ ، أو نقولُ الصَّلاة الإبراهيميَّة كاملةً ، اللَّهمَّ صَلِّ على محمَّد وعلى آلِ محمَّد كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم ، اللَّهمَّ باركْ على محمَّد وعلى آلِ محمَّد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم .. المهم أننا نُصلِّي عليهم .
    ولذلك قالَ بعضُ أهلِ العِلْمِ :
    يا آلَ بيتِ رسولِ الله حُبُّكمُ *** فرضٌ منَ الرَّحمنِ في القرآنِ أنزلَهُ
    يكفيكمُ فَخْراً عند اللهِ أنكمُ *** مَنْ لم يُصَلِّ عليكم لا صلاةَ لهُ
    وهذه مسألةُ خِلافيَّةٌ بين أهلِ العِلْمِ ؛ قضيَّة الصَّلاة على النبيِّ وآلهِ هل هي ركنٌ منْ أركانِ الصَّلاةِ أو ليس كذلك ؟
    بعضُ أهلِ العِلْمِ قالَ : إنَّ الصَّلاةَ على النبيِّ وحدَه تكفي ، لو قلتَ مثلاً في التَّحيَّات " التَّحيَّات لله والصَّلوات والطَّيِّبات ، السَّلامُ عليك أيُّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاته ، السَّلامُ علينا وعلى عبادِ الله الصَّالحين أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه .. اللَّهمَّ صَلِّ على محمَّد "قالوا : يكفي , وقالَ بعضُ أهلِ العِلْمِ : لا يكفي حتى تقولَ : اللَّهمَّ صَلِّ على محمَّد وعلى آلِ محمَّد .. معه , فالقصدُ إذاً أنَّ الصَّلاةَ عليهم مِنْ حقِّهم علينا .. أنْ نُصلِّيَ عليهم إذا ذكرناهم أو ذكرنا النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ و سلم , هذا بالنِّسبةِ للحقوقِ المعنويَّةِ .. الحبُّ ، التَّقديرُ ، الذِّكْرُ الحَسَنُ ، الثَّناء ، ومعرفة فضلِهم ومكانتهم وقدرِهم ونسبِهم الذي ينتسبون به إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو إلى هاشم كما قلنا .
    - الحقوق الأخرى هي حقوقٌ ماليَّةٌ ..
    حقوقٌ ماليَّةٌ ، وهذه الحقوقُ الماليَّةُ تنقسمُ إلى قسمين : الزَّكاة والخُمس , الله تباركَ وتعالى أكرمَ هذه الأسرةَ بأنْ حرَّم عليها الزَّكاةَ , ولذلك قالَ أهلُ العِلْمِ : تحريمُ الزَّكاةِ عليهم لا مِنْ بابِ الحرمانِ بل منْ بابِ الإكرامِ .
    يعني ما حرَّم الله عليهم الزَّكاةَ حرماناً وإنما حرَّم عليهمُ الزَّكاةَ إكراماً ، لأنَّ الله تباركَ وتعالى يقولُ : " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا (103)" سورة التوبة , فالزَّكاةُ إذا أُخْرِجَتْ منَ المالِ طَهُرَ ، وإذا لم تُخْرَجْ منَ المالِ خَبُثَ هذا المالُ ، فهذه إذاً التي هي اثنان ونصف في المئة ، هذه إذا بقيتْ في المالِ خَبُثَ هذا المالُ ، وإذا أُخْرِجَتْ مِنَ المالِ زَكَا هذا المالُ وطَهُرَ , إذاً عندما نُخْرِجُها يَطْهُرُ المالُ .
    إذًا ما هي هذه التي أخرجناها ؟؟
    يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " هذه أوساخُ النَّاسِ" أوساخُ النَّاسِ
    لأنها إذا أُخْرِجَتْ طَهُرَ المالُ وإذا بقيتْ خَبُثَ المالُ ، فهي أوساخٌ يُخْرِجُها النَّاسُ منْ أموالهم حتى تَطْهُر .
    الله تباركَ وتعالى أكرمَ هذه الأسرةَ بأنها لا تأخذُ أوساخَ النَّاسِ .. لا تأخذُ أوساخَ النَّاسِ ، إكراماً لها .
    ولذلك النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ عن الصَّدَقَةِ :" لا تحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآلِ محمَّدٍ " ، وقالَ : " إنما هي أوساخُ النَّاسِ " , ولما جاءَ الفضلُ بنُ العبَّاسِ والمطَّلب بنُ ربيعةَ بنِ الحارث بنِ عبد المطَّلب - وهما أبناء عمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم – جاءا يسألان النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يجعلَهما منَ العاملينَ على الزَّكاةِ ليأخذوا منَ الزَّكاةِ
    فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنها لا تحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآلِ محمَّدٍ " وقالَ : " إنما هي أوساخُ النَّاسِ
    ولما أرادَ الحَسَنُ بنُ عليّ أنْ يأخذَ تمرةً منَ الصَّدقةِ أخذَها منه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقالَ : " إنها لا تحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآلِ محمَّدٍ " .
    فإذاً محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم وآلُ بيتهِ سواءً كانَ هؤلاءِ منْ نسائهِ أو منْ أقاربهِ فلا تحلُّ لهم الزَّكاةُ ، منْ بابِ الإكرامِ لا منْ بابِ الحِرمانِ فتَحْرُمُ عليهمُ الزَّكاةُ .
    واختلفَ أهلُ العِلْمِ مَنِ الذين تَحْرُمُ عليهمُ الزَّكاةُ ؟
    بعضُ أهلِ العلمِ أو أكثرُ أهلِ العلم على عن أنهم بنو هاشم .
    بعضُ أهل العلمِ أدخلَ مع بني هاشم بني المطَّلب لأنهم أبناءُ عمومةٍ لبني هاشم لأنَّ المطَّلب أخو هاشم
    والصَّحيحُ الذي عليه أكثرُ أهلِ العِلْمِ أنَّ هذا خاصٌّ ببني هاشم ، هم الذين تَحْرُمُ عليهم الزَّكاةُ .
    طيِّب ..حَرُمَتْ عليهمُ الزَّكاةُ.. طيب ..
    الصَّدقةُ ؟؟ التي هي صدقةُ التَّطَوُّع ليستِ الزَّكاةُ ؟؟؟
    لأنك تُخْرِجُ مالكَ على ثلاثةِ أصنافٍ : إمَّا أنْ تُخْرِجَ زكاةً , وإمَّا أنْ تُخْرِجَ صدقةً , وإمَّا أنْ تُخْرِجَ هديَّةً
    - الزَّكاةُ أمرٌ واجبٌ تُخْرِجُهُ منْ مَالِكَ ، وتُعطى لثمانيةِ أصنافٍ ذكرَهمُ الله تباركَ وتعالى في كتابهِ : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ .....(60) " سورة التوبة . هؤلاء أهلُ الزَّكاةِ .
    - ثم هناك الصَّدقةُ التي هي الصَّدقة غير الواجبة .. الصَّدقة المستحبَّة .. التَّبرُّعات نسمِّيها ، هذه يجوزُ تعطيها لأيِّ أحدٍ حتى للكافر , ولذلكَ قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " في كلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجرٌ " بل حتى تُعطي للحيوان ، هذه هي صدقةُ التَّطَوُّع تُعطى لكلِّ أحدٍ .
    - الثالثة الهديَّة ، والهديَّة هذه عادةُ الإنسانِ يُعطيها ليتقرَّب منْ إنسانٍ يحبُّه فيعطيه هذه الهديَّة منَ المالِ أو غيرهِ .
    بالاتِّفاق أنَّ الهديَّة تجوزُ لمحمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ ، وبالاتِّفاق أنَّ الزَّكاةَ محرَّمةٌ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ .
    بقيَ النِّصفُ وهي الصَّدقةُ هذه ، صدقةُ التَّطوُّع أو التَّبرُّع هذه ، هل تجوزُ لمحمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ أو لا تجوزُ ؟
    أمَّا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فالصَّحيحُ أنها لا تحلُّ له صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولذلك لما جاءَ سلمانُ الفارسيُّ لِيُسْلِمَ
    قالوا له : لهذا النبيُّ له ثلاثُ صفاتٍ منها أنه لا يقبلُ الصَّدَقَةَ أو لا يأكلُ الصَّدقةَ ويأكلُ الهديَّةَ .
    فجاءَ سلمانُ يختبرُ ، فأعطى النبيَّ طعاماً .
    فقالَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :ما هذا الطَّعامُ ؟
    قالَ : صَدَقَة .
    فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابهِ :تعالوا فكُلُوا .
    ولم يأكلْ صلَّى الله عليه وسلَّم
    فقالَ سلمانُ : هذه واحدةٌ .
    ثم جاءَ بعد أيامٍ وقدَّم للنبيِّ طعاماً
    فقالَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : ما هذا الطعامُ ؟
    قالَ : هديَّة .
    فأكلَ منه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ودعا أصحابَه فأكلُوا
    فقالَ : هذه الثَّانيةُ .
    إذاً النبيُّ لا يأكلُ الصَّدقةَ صلَّى الله عليه وسلَّم وإنْ كانتْ مستحبَّةً ليستْ واجبة ، لكنه لا يأكلُها صلَّى الله عليه وسلَّم .
    طيب ..
    آل بيتهِ هل هم كحالهِ أو لا ؟
    اختلفَ أهلُ العِلْمِ
    جمهورُ أهلِ العِلْمِ على أنَّ الصَّدقةَ تحلُّ لآلِ البيتِ وإنما تحرمُ عليهم الزَّكاةُ الواجبةُ ، أمَّا الصَّدقةُ فيجوزُ أنْ يأخذوا منها .
    وذهبَ بعضُ أهلِ العِلْمِ كأبي حنيفة وغيره أنه تحرمُ عليهم حتى الصَّدقةُ اقتداءً بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    والأظهرُ والعِلْمُ عند الله تباركَ وتعالى أنَّ
    - الصَّدقة المفروضة وهي الزَّكاة لا تحلُّ للنبيِّ ولا لآلِ بيتهِ .
    - الصَّدقة المستحبَّة التي هي تبرعُ لا تحلُّ للنبيِّ و تحلُّ لآلِ بيتهِ .
    -الهديَّة تحلُّ للنبيِّ وآلِ بيتهِ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
    متى يأخذون منَ الزَّكاةِ ؟
    قالَ أهلُ العِلْمِ : يأخذون منَ الزَّكاةِ إذا احتاجوا .
    طيب ..
    آل بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليس بالضَّرورةِ يكونون كلّهم أغنياء كما أنَّ عامَّة النَّاسِ فيهم الغنيّ وفيهم الفقير ، كذلك آل بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيهم الغنيُّ وفيهم الفقيرُ فكيف يفعلون إذا احتاجوا إلى المالِ وهم فقراء ؟
    قالَ بعضُ أهلِ العِلْمِ : يأخذون منَ الزَّكاةِ إذا لم يجدوا سبيلاً آخرَ .
    مع أنَّ الواجبَ أنْ يُغْنَوا .. يعني يجبُ على وليِّ أمرِ المسلمين أنْ يُغنيَهم .
    يعني في الكويت عندنا مثلاً يجبُ أنْ يكونَ تخصيصٌ منْ وزارةِ الماليَّةِ لهذه الأُسَرِ إذا ثبتتْ أنسابُها ؛ أنهم إذا احتاجوا يأخذون منها ولا يلجؤون إلى الزَّكاةِ إكراماً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، لا يأخذون منَ الزَّكاةِ وإنما يُصْرَفُ لهم منْ بيتِ المالِ مبلغاً وقَدْرُهُ حتى لا ينزلوا إلى الزَّكاةِ ، لكنْ إذا احتاجوا ولم يُصْرَفْ لهم منْ بيتِ المالِ
    طيب ماذا يفعلون ؟
    يموتون ؟
    لا .. يأخذون منَ الزَّكاةِ .. عند ذلك يجوزُ لهم أنْ يأخذوا منَ الزَّكاةِ .
    وإنْ كانَ بعضُ أهلِ العِلْمِ قالَ : يأخذُ بعضُهم منْ زكاةَ بعضٍ .
    يعني يأخذون منْ زكاةِ بني هاشم وليس منْ زكاةِ عامَّة النَّاسِ ، أصلاً هذا الكلامُ لا دليلَ عليه ، والصَّحيحُ أنهم إذا حرموا .. يعني منْ بيتِ المالِ لم يُعطوا حقَّهم فإنهم يأخذون منَ الزَّكاةِ ولا شيءَ عليهم .
    طبعاً الله تباركَ وتعالى لما حرَّم عليهمُ الزَّكاةَ أعطاهمُ البَدَلَ .. أعطاهم البديلَ وهو ما يُسَمَّى بالخُمس ، وهذا الخُمسُ يكونُ في الجهادِ .. هذا الخُمسُ يكونُ في الجهادِ .
    يقولُ الله تباركَ وتعالى : " وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ..... (41) " سورة الأنفال .
    هؤلاء خمسة ، خمسة أصناف " وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ " هذا خمس " وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ " .
    ويقولُ في الآيةِ الأخرى : " مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ....(7) " سورة الحشر .
    فالله تباركَ وتعالى جعلَ ذوي القربى لهم نصيباً في الخُمسِ .
    وذلك أنَّ المسلمين إذا جاهدوا في سبيلِ الله تباركَ وتعالى يغنمون .. تكونُ هناك غنيمة .
    هذه الغنيمةُ تُقَسَّمُ إلى خمسةِ أخماسٍ .. الغنيمةُ في الجهادِ تُقَسَّمُ إلى خمسةِ أخماسٍ ، أربعةِ أخماسٍ التي هي ثمانون في المئة تُقَسَّمُ على الذين شاركوا في القتالِ .. الجندُ الذين شاركوا في القتالِ .
    يبقى خُمُسٌ الذي هو عشرون في المئة .. هذا الخمسُ الذي هو عشرون في المئةِ يُقَسَّمُ خمسةِ أخماسٍ : لله والرسولِ خمسٌ ، لذوي القربى خمسٌ ، لليتامى خمسٌ ، للمساكين خمسٌ ، لابنِ السَّبيلِ خمسٌ .. يعني أربعة بالمئة ، أربعة بالمئة ، أربعة بالمئة ، أربعة بالمئة ، أربعة بالمئة ، فهذه الأربعةُ بالمئةِ تُغنيهم عن الزَّكاةِ .. الأربعة بالمئة هذه التي هي خمس الخُمس تُغنيهم عن زكاةِ النَّاسِ ، ويكونون بذلك غير محتاجين لأموالِ النَّاسِ .
    وهذا الخمسُ الذي هو أربعة بالمئة يُقَسَّمُ على آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ،كلُّ مَنْ أثبتَ نسبَه إلى هاشم فإنه يُعطى منْ هذه الأربعةِ بالمئةِ .
    وعندما يُعْطَون منْ هذه الأربعةِ بالمئةِ يُعطى الذَّكَرُ كالأنثى ، والصَّغير والكبير ، والغنيُّ والفقيرُ ، يعني لا تُعطى للفقراءِ منهم ، يعني هذه الأربعة بالمئة أحياناً تصلُ ملايين أو دون أو حول .. يعني حَسَب المبلغ الذي غنمناه في الجهادِ .
    فهذه المبالغُ تُوْضَعُ في مكانٍ ثم تكونُ أسماءُ أقاربِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منْ آلِ بيتهِ معروفةً فينادَون بأسمائِهم للرِّجالِ والنِّساءِ ، الذُّكور والإناث ، الصِّغار والكبار ، الأغنياء والفقراء ، يُعْطَون منْ هذا الخُمس حتى يُغْنَوا عن الزَّكاةِ وغيره ، وهذا منْ حقِّهم .
    وكانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما أتاه خمس خيبر قسَّمَه على أقاربهِ .
    الخمس هنا .. ذكرَ أكثرُ أهلِ العِلْمِ أنه لا يُقَسَّمُ على بني هاشم فقط وإنما يُقَسَّمُ على بني المطَّلب أيضاً .
    وذلك أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما جاءَه خمسُ خيبر أعطى بني هاشم وأعطى بني المطَّلب ، وبنو المطلب غير عبد المطلب ، المطَّلب عمّ عبد المطَّلب أخو هاشم .
    فالمهمّ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعطى بني هاشم وأعطى بني المطَّلِب .
    طبعاً بنو المطَّلب منهم الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى ، يقالُ له الإمام المطَّلبيّ لأنه ينتسبُ إلى المطَّلب أخي هاشم ، فالشَّاهدُ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعطى بني المطَّلب وأعطى بني هاشم .
    فجاءَ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عثمان بن عفان وجبير بن مُطْعِم .
    جبير بن مطعم يرجعُ نسبُه إلى نوفل .. جبير بن مطعم يرجعُ نسبُه إلى نوفل
    عثمان بن عفان يرجعُ نسبُه إلى عبد شمس .
    عبد شمس ونوفل وهاشم والمطَّلب أخوان .. إخوة .. كانوا أربعة إخوة ، إذاً المطَّلب وهاشم وعبد شمس ونوفل إخوة .
    عبد شمس والمطَّلب وهاشم أشقَّاء .
    ونوفل أخوهم مِنْ أبيهم .
    لكن إخوة .. أربعة أخوة .
    فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعطى بني هاشم وأعطى بني المطَّلب ولم يعطِ بني عبد شمس ولم يعطِ بني نوفل .
    عثمان منْ بني عبد شمس وجبير بن مطعم من بني نوفل فأتيا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    قالا : يا رسولَ الله ، جاءتك هذه الأموالُ أعطيتً بني هاشم ..لا تتكلَّم يعني هؤلاء أقربُ لك نَسَباً ، ولكنْ أعطيتَ بني المطَّلب ونحن والمطَّلب سواء .. نحن وبني المطَّلب سواء ، ما فيه فرقٌ بيننا وبين المطَّلب ، فقالَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " لا .. إنَّ بني هاشم والمطَّلب لم يفترقوا في جاهليَّة ولا إسلام " ، وشَبَّكَ بين أصابعهِ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    لماذا ؟ لأنَّ بني المطَّلب حتى قبل الإسلام ، لما قُوْطِعَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المقاطعةَ المشهورةَ التي استمرَّت ثلاثَ سنواتٍ ؛ لما خرجَ بنو هاشم والمسلمون إلى شِعْبِ أبي طالب لمدَّة ثلاثِ سنواتٍ أكلوا ورقَ الشَّجَرَ .. حتى نقضت الصَّحيفة ، في القِصَّةِ المشهورةِ في السِّيرةِ ، لما خرجتْ بنو هاشم خرجَ المسلمون والكفار منْ بني هاشم منْ باب فزعة لأبناءِ عمومتِهم .. فزعة للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فخرجتْ بنو هاشم كلُّها ما عدا أبي لهب عمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع أنه منْ بني هاشم لم يخرج ، وخرجَ بنو المطَّلب مؤمنُهم و كافرُهم كذلك مع بني هاشم ، أما بنو عبد شمس وبنو نوفل خرجَ المسلمون منهم فقط ولم يخرجِ الكفَّارُ منهم
    فعلاقةُ هاشم مع المطَّلب أقوى منْ علاقةِ نوفل وعبد شمس معهما .
    فلذلك النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما جاءَ خمسُ خيبر أعطى بني هاشم وأعطى بني المطَّلب وقالَ : " لم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام " .
    ولذلك يقولُ أهلُ العِلْمِ : أعطي بني هاشم لقرابتِهم وأعطي بني المطلب لنصرتِهم .
    يعني لو كانَ أعطاهم للقرابةِ كانَ أعطى بني عبد شمس وأعطى بني نوفل ، لأنَّ القرابةَ واحدةٌ ، ولكنْ قدَّمهم لنصرتِهم ، لأنهم نصروا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وإنْ لم يُؤمنوا به صلواتُ ربي وسلامُه عليه . إذًا الحقُّ الماليُّ الذي لهم هو الخمسُ
    نؤكِّد الحقّ الأوَّل معنويّ وينقسمُ إلى قسمين توقيرهم واحترامهم وذكرهم بكلِّ حَسَنٍ ثم الثاني وهو الصَّلاة عليهم , الحقّ الماليّ ينقسم إلى قسمين حقّ حرمان وهو الزَّكاة إكراماً لهم والثاني حقّ عطاء وهو الخمسُ في الغنائم ، وقلنا هو خمسُ الخمسِ .
    طيب ..
    مَنْ الذي يُعْطَى ؟؟؟ أو كما يقالُ : ما شروطُ الاستحقاقِ ؟؟ هل كلُّ مَنْ هَبَّ ودَبَّ يأخذُ ؟؟؟ أو هناك شروطٌ للاستحقاقِ ؟؟؟
    هناك شرطان أساسيَّان
    الشَّرط الأوَّل : الإسلام ، أنْ يكونَ مسلماً , يعني لو جاءَنا إنسانٌ وأثبتَ نسبَه إلى هاشم مثلاً ..سواء الحارث أو أبي لهب أو أبي طالب أو العباس ، وأثبتَ هذا النَّسَبَ ولكنه كافرٌ لا يُؤمنُ بالله تباركَ وتعالى ، لا يُعْطَى ، لا حقّ الاحترام ولا التَّقدير ولا التَّبجيل ولا التَّقديم ولا الصَّلاة ولا الخُمس .. أبداً .. لأنه لا بُدَّ لمنْ يستحقُّ هذا الحقَّ أنْ يكونَ مسلماً ، أنْ يكونُ موحداً لله تباركَ وتعالى , ولذلك ما نفعتْ أبا لهب قرابتُه منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم , إذًا لا بُدَّ منَ الإسلام ، والله تباركَ وتعالى لو ترون في كتابهِ العزيزِ ما ذكرَ أحداً باسمهِ ذمّاً غير أبي لهبٍ ممنْ عاصرَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع امرأته : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (4)" سورة المسد , وذلك أنَّ هؤلاء لقرابتهم منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجبُ أنْ يكونوا قدوةً , ولذلك الله تباركَ وتعالى لما ذكرَ نساءَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : " يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ...(30) " سورة الأحزاب , ماذا ؟؟لأنك غير .. أنتِ غير" يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَالنِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَالَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ(32) " سورة الأحزاب , فقرابةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غير .
    ولذلك قالَ الحسنُ بنُ عليّ - وقيلَ إنه الحسن بنُ الحسن بنِ عليّ بنِ أبي طالب - أيّاً كانَ المهم أنه قالَ : أحبُّونا لله ، فإنْ أطعنا الله فأحبُّونا ، وإنْ عصينا الله فأبغضونا ، لو كانَ اللهُ نافعاً لقرابةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بغيرِ عملٍ لنفعَ بذلك مَنْ هو أقرب إليه منَّا - يعني أبا لهب - والله إني أخافُ أنْ يُضَاعِفَ الله المعاصي عليَّ ضعفين " يعني في العذاب .لماذا ؟لأنه يجبُ أنْ يكونَ أبعدَ و أنزهَ و أتقى لقرابتهِ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم , إذاً :-
    - الشَّرط الأوَّل للاستحقاق : هو الإسلام ، أنْ يكونَ مسلماً .
    طيب .. إنْ كانَ مسلماً فاسقاً ، عنده معاصي .. عنده تقصير .. عنده كذا ؟
    نحبُّه بقدرِ إيمانهِ ونُبغضُه بقدرِ فِسْقِهِ ، ونُقدِّره لقرابتهِ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    - الشَّرط الثاني للاستحقاق : هو ثبوت النَّسَب
    يعني ليس كلّ مَنْ جاءَ وادَّعى قالَ أنا منْ أقاربِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو أنا يرجعُ نسبي إلى أبي طالب أو إلى أبي لهب أو إلى العباس أو إلى الحارث نقولُ له تم !
    صحيح النَّاس مؤتمنُّون على أنسابِهم ، هذا أصل .. النَّاسُ مؤتمنون على أنسابِهم ، ولكن هذا النَّسَب الشَّريف مَنِ ادَّعاه يجبُ عليه أنْ يُثْبِتَ بهذه الدَّعوى الأدلَّة لينالَ الإكرامَ والتَّقدير ثم بعد ذلك ينال الخمس أو العطاء منْ بيتِ المالِ إذا كانَ يحتاجُ وهو منْ أهلِ الزَّكاةِ .
    ولذلك يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " ليسَ منْ رجلٍ ادَّعى لغير أبيه وهو يعلمُه إلا كفرَ بالله ، ومَنِ ادَّعى قوماً ليسَ له فيهم نسبٌ فليتبوَّأ مقعده منَ النَّارِ " فالقضيَّةُ حرجةٌ جِدّاً .
    ولذلك الإمام مالك رحمه الله تباركَ وتعالى قالَ : " مَنِ انتسبَ إلى بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وليس كذلك فإنه يضربُ ضرباً وجيعاً ويُشَهَّر ويحبس طويلاً حتى تظهر توبتُه لأنه استخفافٌ بحقِّ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم " ، هكذا يقولُ الإمامُ مالك رحمه الله تباركَ وتعالى , إذًا شرطان :
    الأوَّل : الإسلام ثم ثبوت النَّسب ، هذا بالنِّسبةِ لحقوقِ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    أمَّا حقوقُ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
    فأوَّلاً : محبَّتهم
    الله تباركَ وتعالى يقولُ في كتابهِ العزيز : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) " ، سورة الحشر
    ثم قالََ :" وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) " ، سورة الحشر
    ثم قالَ : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) " ، سورة الحشر , إذاً مَنْ جاءَ بعد أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الذين ذُكروا بالآيتين الأوليين يجبُ أنْ يقولَ هذا الكلامَ : " وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا "فإنْ لم يجعلْ في قلوبنا غِلا فما هو بدل الغِلّ ؟
    الحبّ ..
    لذلك يجبُ أنْ نحبَّ أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سواء كانوا منْ أهلِ بيتهِ أو منْ غيرِ أهلِ بيتهِ .
    وقالَ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الأنصارِ : " الأنصار حبُّهم إيمانٌ وبُغضُهم نفاقٌ "
    إذاً لا بُدَّ أنْ نحبَّ أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فإذا كانَ المهاجرون أفضل منَ الأنصار فحبُّهم منْ باب أولى , كذلك لا بُدَّ أنْ نعرفَ لهم قَدْرَهم وفَضْلَهم لأنهم نقلةُ الكتابِ والسُّنةِ .. فهمُ الذين نقلوا لنا الكتابَ والسُّنةَ .كيف أكرمَنا الله بالكتابِ ؟ كيف أكرمَنا الله بالسُّنة ؟ عن طريق هؤلاء .. هم الذين أوصلوا هذا الخيرَ لنا ... أوصلوه للتابعين .. أوصلوه لأتباع التابعين .. أوصلوه لأتباع أتباع التابعين .. ولمنْ بعدهم ، وهكذا حتى وصلَ إلينا هذا الخيرَ , فلا بُدَّ أنْ نعرفَ لهم فضلَهم وقَدْرَهم حيثُ إنَّ لهم علينا فضلاً عظيماً .
    كذلك أنْ نَذُبَّ عنهم وأنْ نردَّ على كلِّ مَنْ أرادَ أنْ يطعنَ فيهم لأنَّ الطَّعْنَ فيهم في النهايةِ هو طعنٌ في الدِّين الذي نقلوه ؛ ليس طعناً فيهم لذاتهم وإنما هو طعنٌ في الدِّين الذي نقلوه , لماذا ؟؟
    لأننا إذا قلنا إنهم كفَّار أو فَسَقَة أو فجَّار أو أو أو غيرها منَ الألفاظِ القبيحةِ .. إذا قلنا أنهم بهذا الوصفِ السيئ إذاً كيف يُؤتمنون على القرآن والسُّنة ؟؟؟!!!! لا نأتمنُهم على القرآن والسُّنة إذا كانوا سيِّئين .
    بل ائتمنَّاهم وائتمنَهم الله جلَّ وعلا قبلنا على الكتابِ والسُّنة لأنهم أمناء .
    ولذلك يقولُ أبو زرعة الرَّازي رحمه الله تباركَ وتعالى : إذا رأيتَ الرَّجُلَ ينتقصُ منْ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاعلمْ أنه زنديق ، وذلك أنَّ القرآنَ عندنا حقٌّ والسُّنَن عندنا حقٌّ وإنما نقلَ لنا القرآنَ والسُّنَنَ أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهؤلاء (يعني الطاعنين) يريدون أنْ يجرِّحوا شهودَنا.. النَّقَلَة .. الصَّحابة الذين نقلوا القرآنَ والسُّنة .. وهؤلاء يريدون أنْ يجرحوا شهودَنا .. لماذا ؟؟
    ليُبطلوا القرآنَ والسُّننَ ، والجرحُ بهم أولى وهم زنادقة " أي الذين يطعنون بأصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم "
    منْ حقِّهم علينا أنْ نذكرَهم بالثَّناءِ الحَسَنِ وأنْ نشكرَ لهم سَعْيَهم رضيَ الله عنهم وأرضاهم .
    الكفّ عمَّا شجرَ بينهم لأنهم بشرٌ يُصيبون ويخطئون سواء كانوا منْ أصحابِ النبيِّ أو منْ آلِ بيتهِ .. يُصيبون ويخطئون فنكفّ ألسنتَنا , كما قالَ عمرُ بنُ عبد العزيز والشَّافعيّ وغيرهما : تلك فتنةٌ عصمَ الله منها سيوفَنا فلنعصمْ منها ألسنتَنا , فنكفّ عما شجرَ بينهم ونقولُ : " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(134)(141) " ، سورة البقرة , فلا نخوضُ في هذا إلا بخيرٍ أو نسكت ونكفّ ولا نتكلَّم في أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
    بعد هذا كلّه فمَنْ جاءَنا اليومَ وتنقَّص أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو آل بيتهِ وسبَّهم وتعرَّض لهم
    فنقولُ : هؤلاء ينقسمون إلى قسمين : إذا كانوا منْ أصحابِ النبيِّ وآلِ بيتهِ ، يعني جمعوا الصُّحبةَ والقَرابةَ أو الصُّحبةَ فقط فهؤلاء لهم حُكْم ، ومَنْ جمعوا القرابةَ فقط ولم يكنْ لهم شرفُ الصُّحبةِ ممنْ هم في زمانِنا أو منْ قبلِ زمانِنا أو بعد زماننا هؤلاء أيضاً لهم حُكْمٌ آخر .
    فمَنْ تشرَّف بصُحبةِ النبيِّ سواء كانَ منْ قرابتهِ أو منْ غيرِ قرابتهِ فهؤلاء لهم حُكْمٌ .
    يقولُ القاضي عياض : نقطعُ بتكفيرِ كلِّ قائلٍ قولاً يتوصَّل به إلى تضليلِ الأُمَّةِ وتكفيرِ جميعِ الصَّحابةِ .
    وذُكِرَ عند مالك رجلٌ يتنقَّصُ الصَّحابةَ رضيَ الله عنهم ..
    فقرأ الإمامُ مالك قولَ الله تباركَ وتعالى : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ.....(29)" سورة الفتح , " بِهِمُ " , " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ "
    فقالَ الإمامُ مالك : فمَنْ أبغضَهم فقد كفرَ لأنَّ الله قالَ " لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ " فلا يغتاظُ منْ أصحابِ نبيِّنا إلا الكفَّار .
    وسُئِلَ الإمام أحمد عن رَجُلٍ يشتمُ أبا بكر وعمر وعائشة فقالَ : ما أراه على الإسلام .. ما أراه على الإسلام .
    طيب ..
    فما حُكْمُ سَبَّهم إذًا ؟
    يقولُ أهلُ العِلْمِ : *- إذا قالَ بكفرِهم ، أطلقَ القولَ بِكُفْرٍ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جملةً فهذا كافرٌ قولاً واحداً .
    *- وإذا قالَ بِكُفْرِ أغلبِهم فهذا كافرٌ .
    *- وإذا قالَ بِكُفْرِ أبي بكرٍ وعمرَ وعليّ وعائشةَ كافرٌ بلا كلامٍ .
    *- أو طعنَ في عرضِ أمَّهاتِ المؤمنين فهذا كافرٌ بلا كلامٍ .
    لكنْ مَنْ سبَّهم بغيرِ هذا ..كانَ سَبَّ أبا بكر كان اتهمه بالزِّنا أو عمر بالسَّرقةِ أو بالجبنِ ، اتَّهمَ عليّاً بالخوفِ أو البُخْلِ أو غير ذلك ، اتَّهمَ غيرَهم منَ الصَّحابةِ .. المهم اتَّهمَ الصَّحابةَ بأشياءَ دون الكُفْرِ فما حُكْمُ هذا ؟
    اختلفَ أهلُ العِلْمِ هنا
    فبعضُهم قالَ :كافر كسابقهِ , وبعضُهم قالَ : فاسق وليس بكافرٍ ، وهذا هو الصَّحيحُ ، لأنَّ الله فرَّق
    قالَّ الله تباركَ وتعالى عن الذين يُؤذون الرَّسولَ ، فقالَ :" إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) " سورة الأحزاب .
    ولا يُذْكَرُ العذابُ المهينُ إلا للكفَّار ، فدلَّ على أنَّ مَنْ آذى الله ورسولَه فإنه كافرٌ .
    لكنْ لما ذكرَ أذيَّةَ المؤمنين - والصَّحابةُ على رأسِ هؤلاء المؤمنين - قالَ : " وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) " سورة الاحزاب .
    لم يذكرِ اللَّعنَ ولم يذكرِ العذابَ المهينَ .
    ففرَّق .. فدلَّ على أنَّ سَبَّ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليس بِكُفْرٍ إلا إذا سَبَّ أمَّهاتِ المؤمنين بالزِّنا لأنَّ هذا سَبٌّ للنبيِّ ، لأنهنَّ عِرْضُ النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .
    فالقصدُ إذاً أنَّ بُغْضَ أصحابِ النبيِّ وبُغْضَ آلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا شكَّ أنه نفاقٌ .
    ولذلك قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الأنصارِ : " الأنصار حبُّهم إيمانٌ وبُغضُهم نفاقٌ "
    وقالَ عن عليّ : " لا يحبُّك إلا مؤمنٌ ولا يُبغضُك إلا منافقٌ " .
    إذاً ما هو الواجبُ علينا ؟؟
    الواجبُ علينا أنْ نُحِبَّهم ، وأنْ نُكْرِمَ ذِكرَهم ، وأنْ نذكرَهم بكلِّ خيرٍ ومَنْ عاشَ منهم اليوم منْ أقاربِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فنعرفُ لهم قَدْرَهم الذي ذكرناه لهم .
    وأمَّا البُغْضُ والسَّبُّ فهذا ليس منْ دينِنا وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
    والله أعلى وأعلمُ ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّد .
    لتحميل الدرس مرئي
    انتهت الحلقة الثانية
    التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 08-01-2012, 05:48 PM. سبب آخر: تنسيق الموضوع


    تعليق


    • #3
      رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

      السلام عليكم

      الحلقة الثالثة من سلسلة آل البيت والصحابة



      العلاقة بين آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم




      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



      بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدُ لله ربِّ العالمين ، الرَّحمن الرحيم ،
      مالك يوم الدين ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين نبيِّنا وإمامِنا وحبيبِنا وقُرَّةِ عينِنا محمَّد بنِ عبد الله وعلى آلهِ وصحابتهِ أجمعين أمَّا بعد :



      فما يزالُ حديثُنا مستمرّاً عن



      آلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابهِ والعلاقةِ التي كانتْ بينهم



      وقد تكلَّمنا في المحاضرةِ الأولى عن معنى آلِ البيتِ ومعنى الصَّحابةِ والتَّعريفِ بهما وبيانِ مكانتِهما وفضلِهما .



      ثم تكلَّمنا في المحاضرةِ الثَّانيةِ عن حقوقِ آلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابهِ ، وعن حُكْمِ محبَّتهم وبُغْضِهِم .



      وفي هذه اللَّيلةِ نتكلَّم عن العلاقةِ بين آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
      وأصحابهِ ،
      هذه العلاقة التي شهدَ القرآنُ والسُّنةُ والتَّاريخُ والعقلُ لها بأنها كانتْ متينةً طيِّبةً
      بخلافِ دعاوى البعضِ في أنه كانَ يبغضُ بعضُهم بعضاً أو يلعنُ بعضُهم بعضاً ، فهذا كلُّه منَ الكَذِبِ والافتراءِ .



      وقد تكلَّمنا عن رَدِّ القرآنِ لهذه الفِرْيَةِ و رَدِّ السُّنةِ لها ، وها نحن اليوم نتكلَّم عن رَدِّ التَّاريخِ لها .



      وقلنا إنَّ رَدَّ التَّاريخِ لهذه الفِرْيَةِ يتمثَّلُ في ثلاثةِ أمورٍ :



      أمَّا الأمرُ الأوَّل : فهو علاقاتُ المصاهرةِ التي تمَّتْ بين هذين البيتينِ الكريمينِ .. بيتِ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم و ذُرِّيَّتِهم وبيتِ آلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .



      والأمرُ الثاني : الأسماء .. حيثُ إنَّ الإنسانَ لا يُسَمِّي أولادَه إلا بمنْ يحبُّ رجاءَ أنْ يجعلَهمُ الله تباركَ وتعالى على دربِ مَنْ يحبُّ .



      ولذا تجدُ أنَّ أكثرَ اسمٍ في الوجودِ هو اسمُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم اقتداءً به صلواتُ ربي وسلامُه عليه ومحبَّةً له يُسَمِّي النَّاسُ أولادَهم باسمهِ صلَّى الله عليه وسلَّم .



      وهذه المسألةُ وتلك وهي المصاهراتُ والأسماءُ ستكونُ محورَ حديثِنا في الدَّرسِ القادمِ إنْ شاءَ الله تعالى .



      وأمَّا في هذه اللَّيلةِ فسنتكلَّم عن



      المحور الثالث :ألا وهو الثَّناء المتبادَل بين هذين البيتينِ الكريمينِ مما يدلُّ على شِدَّةِ المحبَّةِ والولاءِ اقتداءً بأمرِ الله تباركَ وتعالى : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا " سورة المائدة :55.



      فتولَّى المؤمنون المؤمنين ، وأحبَّ المؤمنون المؤمنين ، وصافى المؤمنون المؤمنين .



      *- ونبدأُ بِذِكْرِ ثناءِ الصَّحابةِ على آلِ البيتِ



      *- ثم نُثَنِّي بثناءِ آلِ البيتِ على الصَّحابةِ



      *- ثم نختمُ بعقيدةِ أهلِ السُّنةِ في هذه القضيَّةِ .




      أمَّا ثناءُ الصَّحابةِ على آلِ بيتِ النبيِّ الكريمِ صلواتُ ربي وسلامُه عليه فهو عبارةٌ عن نُقولاتٍ .. سننقلُ نُقولاتٍ منْ أقوالِ الصَّحابةِ ، وكذلك أشياءَ منْ أفعالِهم وتصرُّفاتِهم تدلُّ على نظرتِهم إلى أهلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كيفَ هيَ .



      *- ونبدأُ برأسِ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه ؛ حيثُ إنه لما جاءته فاطمةُ تطلبُ ميراثَها منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأخبرها أنَّ النبيَّ لا يُوْرَثُ صلواتُ ربي وسلامُه عليه ، فرأى الحزنَ في وجهِ فاطمةَ رضيَ الله عنها ، ولكنه ما كانَ يملكُ إلا أنْ يستجيبَ لأمرِ الله وأمرِ رسولهِ .



      ولكنه قالَ تلك الكلمةَ : " والذي نفسي بيدهِ لقرابةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحبُّ إليَّ أنْ أصلَ منْ قرابتي" .



      وهو البارُّ الصَّادقُ رضوانُ الله عليهِ



      " والذي نفسي بيدهِ لقرابةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحبُّ إليَّ أنْ أصلَ منْ قرابتي " .



      وكذا ثبتَ عنه رضيَ الله عنه أنه قالَ لأصحابهِ : " اِرْقَبُوا محمداً في آلِ بيتهِ "



      و ذلك أنه بعد وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا بُدَّ أنْ نُراعيَه حتى بعد موتهِ ، كيفَ وقد قالَ صلواتُ الله وسلامُه عليه منبِّهاً : " أُذكِّركمُ الله أهلَ بيتي" ، وأعادَها ثلاثاً " أُذكِّركمُ الله أهلَ بيتي ، أُذكِّركمُ الله أهلَ بيتي " .



      فما كانَ منْ أبي بكر الصِّدِّيق في ولايتهِ إلا أنْ ذكَّر النَّاسَ
      بما ذكَّرهم به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم



      فقالَ : " اِرْقَبُوا - أي راقبوا - محمَّداً في أهلَ بيتهِ " ، لا تنسوا وصيَّته صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ .



      *- ومَرَّ يوماً أبو بكر ومعه عليّ وإذا الأولادُ يلعبون
      وفيهمُ الحسنُ بنُ عليّ بنِ أبي طالب ، وكانَ عمرُه قد ناهزَ الثامنةَ ، فحملَه أبو بكر



      وقالَ للحَسَنِ : " بأبي شبيهٌ بالنبيِّ ، ليسَ شبيهاً بعليّ " .



      وذلك أنَّ الحسنَ كانَ منْ أشبهَ النَّاسِ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم



      كيف وهو جَدُّهُ صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ



      فيقولُ أبو بكر وهو يُلاعبُ الحسنَ : " بأبي شبيهٌ بالنبيِّ ، ليس شبيهاً بعليّ " ، وعليٌّ معه يضحكُ رضيَ الله عنهم أجمعين .



      *- وهذه أمُّنا أمُّ المؤمنين عائشةُ رضيَ الله تباركَ وتعالى عنها تقولُ : " ما رأيتُ أحداً أصدقَ لهجةً منْ فاطمةَ إلا أنْ يكونَ الذي أَوْلَدَهَا "



      تعني رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .



      *- وكانتْ تُخبرُ عنها أنها إذا جاءتْ كانتْ مِشيتُها كمِشيةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ،
      وكانتْ أشبهَ النَّاسِ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هَدْياً ودَلّاً .



      *- وتذكرُ مكانتَها منْ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيثُ قالتْ : " كانتْ إذا دخلتْ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قامَ إليها وقبَّل بين عينيها وأجلسَها في مكانهِ " صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ .



      *- وهذا أبو هريرةَ رضيَ الله عنه ، يمرُّ الحسنُ على مجلسٍ فيه أبو هريرةَ فيُسَلِّمُ عليهم ، فيردُّ النَّاسُ عليه السَّلامَ ويسكتُ أبو هريرةَ حتى تجاوزَهم الحسنُ .



      فقامَ إليه أبو هريرة و التزمَه وقالَ : " وعليك السَّلامُ ورحمةُ الله وبركاتُه يا سيِّدي " .



      فقالوا له : أوَ تقولُ له ذلك ؟؟! أي أنه سيّدك



      قالَ : نعم .. سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " إنَّ ابني هذا سيِّد "


      *- ويأتيهِ يوماً فيقولُ له : اكشفْ لي عن سُرَّتك .


      يقولُ للحسنِ بنِ عليّ



      فيقولُ له الحسنُ : ومالكَ و لها ؟



      ماذا تريدُ منْ سُرَّتي ؟



      قالَ : أريدُ أنْ أراها .



      فكشفَ له الحسنُ عن سُرَّتهِ فقبَّلها أبو هريرةَ ثم قالَ: رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يفعلُ ذلك .



      أي يقبِّل سُرَّةَ الحسنِ بنِ عليّ رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وعن أبيه وعن أبي هريرةَ وعنكم أجمعين .



      *- وكذلك جاءَ عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه ، لما ماتَ الحسنُ بنُ عليّ رضيَ الله عنه أنه



      كانَ يمرُّ بين النَّاسِ ويقولُ : يا أيُّها النَّاسُ ابكوا فقد ماتَ اليومَ سيِّدُ المسلمين ، وكانَ يبكي رضيَ الله عنه وأرضاه لموتِ الحسنِ بنِ عليّ .



      *- أمَّا عمرُ بنُ الخطاب فإنه لما طعنَه ذلك المجوسيُّ الحاقدُ أبو لؤلؤة



      قالوا له : استخلفْ .



      فقال: لا .. ولكنْ أُشِيرُ عليكم بهؤلاءِ السِّتة الذين ماتَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو عنهم راضٍ ، ثم سمَّى :" عليّاً وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير وطلحة "



      فقد ذَكَرَ عليّاً بل صدَّره ، ذكرَه أوَّل واحدٍ في هؤلاءِ السِّتةِ .



      *- ولما جاءتِ الملابسُ والكسا صارَ يُوَزِّعُها على أصحابِ
      رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبناء المهاجرين والأنصار ولم يعطِ الحسن والحسين شيئًا .



      ثم التفتَ وقالَ : كلُّ هذه لا تليقُ بالحسن والحسين ، ثم أمرَ أنْ يُشْتَرَى للحسن والحسين منَ اليمنِ كسوتين تليقانِ بهما رضيَ الله عنه وعنهما .



      وعندما يُعطى النَّاسُ منْ أموالِ الدَّولةِ مِنَ الخيرِ الذي يأتيهما منَ الجهاد وغيره كانَ عمرُ يُعطي المهاجرين والأنصار منْ أصحابِ رسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم أكثرَ ممَّنْ هم دونهم وهكذا .



      كانَ يُفاضلُ بحَسَبِ فضلِ الإنسانِ ومكانتهِ ، والذي حصلَ أنَّ عمرَ كانَ يُعطي الحسنَ والحسينَ كما يُعطي أباهما عليّاً ، زيادةً على أمثالِهما ممنْ هم في سِنِّهما أو دون أو فوق ذلك .



      *- حتى جاءَه ولدُه - ابنُ عمرَ - فقالَ له : يا أبتِ - يقولُ لعمرَ- يا أميرَ المؤمنين أنا أكبرُ سِنّاً منَ الحسن والحسين فلماذا تُفضِّلهما عليَّ في العطاءِ ؟!



      فقالَ :جدُّهما رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فَمَنْ جَدُّكَ ؟!



      يقولُ لابنهِ



      قالَ : جدُّهما رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمَنْ جَدُّك أنتَ ؟!



      فكانَ يُكْرِمُهُمَا إكراماً لرسولِ الله صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ .



      *- وكانَ أيضاً يميِّز عبدَ الله بنَ العبَّاس ويُدخلُه مع مَشْيَخَةِ قريش



      حتى قالَ له عبدُ الرَّحمن بنُ عوف: إنَّ في أولادِنا مَنْ هم في سِنِّهِ فلماذا تُقدِّمه دون أولادنا ؟؟!!



      فقالَ له عمرُ : إنه مَنْ قد علمتَ .



      أي شرفاً و نَسَباً بل و عِلْماً .



      ثم أرادَ عمرُ أنْ يُظهرَ فضلَ ابنِ عبَّاس فسألَ الحاضرين
      ما تقولون في قولِ الله تباركَ وتعالى :
      " إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ , وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا,فسبح فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا " النصر:2:3 .



      ففسَّروها على ظاهرِها .



      أنَّ الله تباركَ وتعالى يأمرُ نبيَّه محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم
      إذا جاءَ النَّصرُ وجاءَ الفتحُ واستقرَّتِ الأمورُ أنْ يُكثرَ منَ التَّسبيحِ والاستغفارِ . قالَ : صدقتم ..ثم التفتَ إلى ابنِ عبَّاس



      وقالَ له : أهكذا تقولُ ؟



      يعني أرأيُك مثل رأيِهم ؟



      قالَ : لا .



      قالَ : فما تقولُ إذاً .



      قالَ : هذا خبرٌ منَ الله لنبيِّه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم باقترابِ أجلهِ .



      خلص .. المهمَّة التي طُلِبَتْ منك أدَّيتَها ، جاءَ نصرُ الله .. جاءَ الفتحُ ما بقيَ لك يا محمَّد إلا أنْ تُكثرَ منْ ذِكْرِ الله وأنْ تستغفرَ لأنَّ مهمَّتك قَدِ انتهتْ .



      قالَ : هذا الذي أفهمُه أنه إيذانٌ منَ الله لرسولهِ باقترابِ أجلهِ .



      فالتفتَ عمرُ إلى النَّاسِ وقالَ : " والله لا أعلمُ منها إلا كما قالَ ابنُ عبَّاس "



      فعرفَ النَّاسُ قَدْرَ ابنِ عبَّاس رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه .



      كيف والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد قالَ عنه و له : " اللهم فقِّهه في الدِّين وعلِّمه التأويلُ " .



      *- وكذا لما دَوَّنَ عمرُ الدَّواوينَ ، وهو أوَّل مَنْ دَوَّنَ الدَّواوينُ وكتبَ أسماءَ النَّاسِ والجُنْدِ



      فقالَ يستشيرُ النَّاسَ : بِمَنْ نبدأُ ؟



      مَنْ أوَّل اسمٍ في دواوينِنا ؟



      نبدأُ بِمَنْ ؟



      وكانَ عمرُ في ذلك الوقتِ أفضلَ إنسانٍ على وجهِ الأرضِ بعد موتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وموتِ أبي بكرٍ



      يقولُ للنَّاسِ : بِمَنْ نبدأُ ؟



      قالوا : نبدأُ بكَ أنت ، فأنتَ خيرُنا وسيِّدُنا وأميرُ المؤمنين .



      فقالَ : لا ، بل نبدأُ بآلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .



      نبدأُ بالعبَّاسِ عَمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .



      لا يفعلون ذلك إلا إكراماً لنبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم .



      *- ولذلك قالها عمرُ مُدَوِّيةً للعبَّاس بنِ عبد المطَّلب : مَهْ يا عبَّاس والله لإسلامُك حين أسلمتَ كانَ أحبَّ إليَّ منْ إسلامِ الخطَّاب لو أسلمَ.



      وذلك لمحبَّة رسولِ الله لذلك .



      لأنك عَمُّ الرَّسولِ ، لكنَّ الخطاب بعيد جِدّاً عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منْ حيثُ النَّسَبِ ، لكنْ أنتَ عمُّ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكانَ يفرحُ لإسلامِك ففرحتُ لفرحهِ صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ .



      *- وكذلك جاءَ الحسينُ يوماً ليدخلَ على عمرَ ، يطرحُ عليه مسألةً..يستأذنُه في شيءٍ .. يطلبُ منه شيئاً .. الله أعلمُ ماذا كانَ يريدُ



      فجاءَ الحسينُ إلى عمرَ



      فقيلَ له : إنه خالٍ بمعاويةَ يعني بينه وبين معاوية مسألةٌ يكلِّمه .



      لأنَّ معاوية كان والياً على الشَّام



      فقالوا : هو خالٍ بمعاوية ، يعني بينه وبين معاوية كلامٌ .. انتظرْ



      فظلَّ ينتظرُ ، وكانَ ينتظرُ قبلَه عبدُ الله بنُ عمر ، أيضاً عبدُ الله كانَ يريدُ والدَه بأمرٍ وينتظرُ حتى ينتهيَ عمرُ منْ معاوية .



      فانتظرَ الحسين ، ثم بعد ذلك عبد الله بن عمر رأى
      أنْ يُؤَجِّلَ موضوعَه حيث إنَّ عمرَ أطالَ مع معاويةَ ، فانصرفَ عبدُ الله بنُ عمر ، ثم انصرفَ الحسينُ .



      فلما انتهى عمرُ منْ حديثهِ مع معاوية



      قالوا له : جاءَ عبدُ الله بنُ عمرَ وانتظرَ ثم انصرفَ



      قالَ : وبعد



      قالوا : جاءَ الحسينُ بنُ عليّ وانتظرَ ثم انصرفَ .



      قالَ : نادوه



      فنادوا الحسين ، فدخلَ على عمرَ



      فقالَ له : لماذا انصرفتَ ؟؟



      لماذا لم تنتظرْ حتى أقضي حاجتك التي أردتها ؟



      قالَ : رأيتُ ابنَ عمرَ انصرفَ ولم يُؤْذَنْ له فقلتُ أنا أولى أنْ أنصرفَ ولم يُؤْذَنْ لي



      قالَ : لا ، أنتَ أحقُّ منِ ابنِ عمرِ أنْ تدخلَ عليَّ



      يقولُ : أنتَ أحقّ منِ ابنِ عمرِ أنْ تدخلَ عليَّ لو جئتَ ودخلتَ .. والله ما أنبتَ الإسلامُ في قلوبنا إلا أنتم .



      أنتم منْ هذه الشَّجرةِ المباركةِ شجرةِ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .



      *- وأمَّا ابنُ عمرَ فإنه جاءَه رجلٌ فقالَ له : إني أُبْغِضُ عليّاً



      فقالَ ابنُ عمرَ : أَبْغَضَكَ الله .. تُبْغِضُ رجلاً سابقةٌ منْ سوابقهِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها ؟؟!!!!



      مَنْ أنتَ ؟



      مَنْ تكونُ ؟



      تبغضُ رجلاً سابقةٌ منْ سوابقهِ - واحدة فقط منْ سوابقهِ - خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها ؟؟!!!!



      *- ولما جاءَه رجلٌ منَ العراقِ يسألُه ، يسألُ عبدَ الله بنَ عمر عن قتلِ الذُّباب في المسجدِ للمحرَّمِ ؟



      فقالَ له ابنُ عمرَ : منْ أيِّ البلادِ أنتَ؟



      قالَ : منَ العراقِ .



      قالَ : منَ العراقِ ؟؟!!



      قالَ : نعم .



      قالَ : عجبتُ لكم يا أهلَ العراق ، تقتلون ابنَ بنتِ رسولِ الله – يعني الحسين – تقتلون ابنَ بنتِ رسولِ الله وتسألون عن قتلِ الذُّبابِ في المسجدِ ؟؟!!!!



      وقد سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ عن الحسن والحسين : " هما ريحانتاي منَ الدُّنيا " .



      *- وكانَ يقولُ ابنُ عمرَ لعبدِ الله بنِ جعفرَ بنِ أبي طالب ..



      وجعفر بن أبي طالب أخو عليّ وابن عمِّ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هاجرَ إلى الحبشةِ الهجرتين ، وجاءَ إلى المدينةِ مهاجراً مع فتحِ خيبر ؛ فلم يمكثْ إلا قليلاً حتى خرجَ إلى مؤتة يقاتلُ عن دينِ الله تباركَ وتعالى ، فاستُشهدَ في مؤتة .



      وكانَ قد أمسكَ الرَّايةَ فقُطعتْ يدُه ، فأمسكَها بيدهِ الثَّانيةِ فقُطعتْ ، فاحتضنَها حتى سقطَ ميتاً رضيَ الله عنه وأرضاه



      فكانَ ابنُ عمرَ إذا رأى ابنَه عبدَ الله بنَ جعفر يقولُ له : السَّلامُ عليكَ يا ابنَ ذي الجناحين .



      وذلك أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد أخبرَ أنَّ الله أبدلَ
      جعفرَ بنَ أبي طالب بيديه جناحين .



      ولذلك يقالُ له : جعفر الطَّيَّار رضيَ الله عنه وأرضاه .



      *- جاءَ رجلٌ فتكلَّم على عليٍّ رضيَ الله عنه بين يدي معاوية ، فزجرَه معاويةُ



      استغربَ الرَّجلُ !!



      أنتَ يا معاويةُ كانَ بينك وبين عليّ قتالٌ في صِفِّين والآن بينكما خصومة ، و تزجرُني عندما أتكلَّم !! المفروض تفرح إذا سببتُ عليّاً أو تكلَّمتُ عليه .



      زجرَه معاويةُ ولم يسمحْ له أنْ يتكلَّم على عليّ .



      حتى إنَّ رجلاً كانَ حاضراً في المجلسِ سافرَ إلى عليّ رضيَ الله عنه وذكرَ له هذه القِصَّةَ



      قالَ : رأيتُ أمراً عَجَباً



      فقالَ له عليّ : وماذا رأيتَ ؟!



      قالَ : تكلَّم فيك رجلٌ عند معاوية ، فزجرَه معاويةُ ، فأنكرتُ ذلك .



      ما توقَّعتُه يعني



      فقالَ له عليّ : أوَ ما علمتَ لمَ صنعَ معاويةُ ذلك ؟



      قالَ : لا .



      قالَ : لأجلِ المنافيَّة .



      والمنافية : هي الصِّلَةُ التي تربطُ معاويةَ بعليّ بنِ أبي طالب ، إذْ إنَّ عليّاً ومعاويةَ منْ بني عبدِ مناف .



      فعليُّ بنُ أبي طالب بنِ عبدِ المطَّلب بنِ هاشم بنِ عبدِ مناف .



      ومعاويةُ بنُ أبي سفيان بنِ حرب بنِ أميَّةَ بنِ عبدِ شمس بنِ عبدِ مناف .



      وهو ابنُ عمِّه في النِّهاية .



      قالَ : لأجلِ المنافية .



      لأجلِ إنه ابنُ عمِّي .



      *- يأتي زيد بنُ ثابت على بغلتهِ فيُمسكُ عبدُ الله بنُ عبَّاس له البغلةَ ويمسكُ له الرِّكاب .. مكانَ وضعَ القدمَ إكراماً لزيدٍ ، حتى إنَّ زيداً رضيَ الله عنه يُفاجأ بهذا الفعلِ .



      مِمَّنْ ؟



      منْ ترجمانِ القرآنِ ؟؟!!!



      منِ ابنِ عمِّ رسولِ الله ؟؟!!!



      منْ عبدِ الله بنِ العبَّاسِ ؟؟!!!



      فقالَ له : يا ابنَ عمِّ رسولِ الله ..



      - ولم يقلْ له يا عبدَ الله بنَ عبَّاس ، و إنما يذكرُ أجملَ ما يحبُّ -



      يا ابنَ عمِّ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إنه لا يليقُ بكَ ذلك .. ارفعْ يدكَ



      فيقولُ عبدُ الله بنُ عبَّاس بكلِّ أدبٍ : هكذا أُمِرْنا أنْ نصنعَ بعلمائِنا .



      أدباً مع العلماءِ .. فما كانَ منْ زيدٍ إلا أنْ نزلَ منْ دابَّته وأخذَ بيدِ ابنِ عبَّاس وقبَّلها



      وقالَ : و هكذا أُمِرْنا أنْ نصنعَ بآلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .



      ولولا ضيقُ الوقتِ لتوسَّعتُ في ذِكْرِ هذه الأمورِ ولكنْ ما ذكرناه فيه كفاية .



      ننتقلُ الآنَ إلى الموقفِ الآخر وهو موقف آلِ البيتِ منَ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .



      *- فهذا سيِّدُ أهلِ البيتِ في زمنهِ وهو عليُّ رضيَ الله عنه لما يسألُه ولدُه محمَّد



      فيقولُ له : مَنْ خيرُ النَّاسِ بعد رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟



      فيقولُ عليٌّ بكلِّ فخرٍ : أبو بكر .



      فيقولُ له ابنُه محمَّد : ثم أنت ؟



      قالَ : ثم عمر .



      فيقولُ له ولدُه : ثم أنت ؟



      قالَ : إنما أنا رجلٌ منَ المسلمين .



      *-بل جاءَ عنه أنه قالَ في مسجدِ الكوفةِ : مَنْ فضَّلني على أبي بكر وعمر جلدتُه حَدَّ المفتري .



      سمَّاه افتراءً ، وحكمَ بجلدِ مَنْ يقولُ مثلَ هذا الكلام ، يرى أنَّ هذا الكلامَ يستحقُّ صاحبُه الجلدَ .



      مَنْ فضَّلني على أبي بكر وعمر جلدتُه حَدَّ المفتري .



      *- وكذلك جاءَ عنه رضيَ الله عنه لما طُعِنَ عمرُ ، لما طعنَه ذلك المجوسيُّ الحاقدُ اكتنفَه النَّاسُ يسلِّمون عليه ويبشِّرونه بالجنَّة وغير ذلك منَ الأمور .



      يقولُ عبدُ الله بنُ عبَّاس :" فما انتبهتُ إلا و رجلٌ قد وضعَ يدَه على كتفي .



      يستندُ على كتفِ عبدِ الله بنِ عبَّاس وهو ينظرُ إلى عمر



      ثم قالَ : ما خلَّفت أحداً – يقولُ لعمرَ – ما خلَّفت أحداً أحبّ إليَّ أنْ ألقى الله بمثلِ عملهِ منكَ .



      يقولُ لعمرَ أتمنى أنْ ألقى الله بمثلِ عملِك .



      عليّ يقولُها لعمرَ



      ثم يقولُ له : وايمُ الله - أي يحلفُ- إنْ كنتُ لأظنُّ أنْ يجعلكَ الله مع صاحبيك .



      يعني النبيَّ وأبا بكر



      ثم قالَ : فإني كثيراً ما كنتُ أسمعُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " ذهبتُ أنا و أبو بكر وعمر ، ودخلتٌ أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجتٌ أنا و أبو بكر وعمر "



      يعني اسمك كانَ يتردَّد كثيراً في فمِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى لسانهِ .



      *-ويقولُ عبدُ الله بنُ جعفر بنِ أبي طالب رضيَ الله عنه : وَلِيَنَا أبو بكر فكانَ خيرَ خليفةٍ و أرحمه بنا و أحناه علينا .



      *- وهذا الباقر محمَّد بنُ عليّ بنِ الحسين بنِ عليّ بنِ أبي طالب رضيَ الله عنه يسألُه رجلٌ عن أبي بكر وعمر أتولاهما ؟



      فيقولُ له الباقر : تولَّهما فما كانَ منهما منْ إثمٍ فهو في عنقي .



      إذا كان في هذا التولِّي إثمٌ ففي عنقي ، تولَّهما يقولُ له الباقر رحمه الله تعالى .



      *- وهذا سالم بنُ أبي حفصة يسألُ الصَّادقَ والباقرَ



      الباقر هو محمَّد بنُ عليّ بنِ الحسين بنِ علي بنِ أبي طالب ، والصادق هو ابنُه جعفر



      يسألُهما عن أبي بكر وعمر هل يتولاهما ؟



      فقالا له : يا سالم تولَّهما و ابرأ منْ أعدائهما فإنهما كانا إمامي هدى .



      *-ويقولُ عليّ يومَ الجمل عن عثمانَ بنِ عفَّان رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وأرضاه ..يقولُ : اللهمَّ إني أبرأُ إليكَ منْ دمِ عثمانَ ، اللهمَّ خُذْ مني لعثمانَ حتى ترضى .



      وكانَ يقرأ قولَ الله تباركَ وتعالى : " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ... " الأنبياء:101



      ثم يقولُ : منهم عثمان سبقتْ له الحسنى منَ الله جلَّ و علا .



      *- ولما قُتِلَ الزُّبيرُ بنُ العَوَّام كانَ يقولُ عليّ رضيَ الله عنه لما جاءه الرَّجلُ ويخبرُه أنه قتلَ الزُّبيرَ



      فيقولُ : لا تفرحْ كثيراً



      يقولُها لابنِ جرموز قاتلِ الزُّبير رضيَ الله عنه



      قالَ له : لا تفرحْ كثيراً فإني سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " بشِّر قاتلَ ابن صفيَّة بالنار " .



      وابنُ صفيَّة هو الزُّبير ، وصفيَّة أمّ الزُّبير هي عَمَّةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .



      *-وقالَ عليّ رضيَ الله عنه كذلك عن مجموعِ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، يقولُ هذه الكلمات لأهلِ الكوفةِ



      يقولُ : لقد رأيتُ أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فما أرى أحداً منكم يُشبهُهم - ما رأى أحداً منهم يُشبهُهم - كانوا يُصْبِحُون شُعْثاً غُبْراً وقد باتوا سُجَّداً وقياماً ، يراوحون بين جباههم وأرجلهم ، إذا ذكروا الله هملتْ أعينُهم حتى تبلّ جيوبهم ، و مادوا كما يميدُ الشَّجَرُ في اليومِ العاصفِ رجاءَ الثَّوابِ وخوفَ العِقَابِ .



      هكذا يقولُ عليّ رضيَ الله عنه وأرضاه عن أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .



      *-ويقولُ عن عمرَ خاصَّة : لله بلاءُ فلانٍ ، لقد قوَّم الأَوَدَ ، و داوى العمد ، و أقامِ السُّنة ، و خلَّف الفِتنة ، و ذهبَ نقيَّ الثَّوبِ ، قليلَ العيشِ ، أصابَ خيرَها و سبقَ شرَّها ، أدَّى إلى الله طاعتَه واتَّقاه بحقِّه .



      هذا كلامٌ يقولُه عليٌّ عن عمرَ رضيَ الله عنهما .



      *- و أمَّا الحسنُ بنُ عليّ فكانَ منْ ضِمْنِ المجموعةِ التي دخلتْ مع عثمانَ في الدَّارِ تُدافعُ عنه رضيَ الله عنه وأرضاه ، وما رجعَ حتى أمرَه عثمانُ أنْ يرجعَ إلى بيتهِ ، هو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت وغيرهم ، وأبو هريرةَ ، كانوا مع عثمانَ بالدَّارِ يُدافعون عنه رضيَ الله عنه خوفاً من أولئك الخوارج أنْ يدخلوا عليه ويقتلوه .



      *-وقالَ جعفر الصَّادق ، جعفر بنُ محمَّد بنِ عليّ بنِ الحسين بنِ
      عليّ بنِ أبي طالب ، قالَ : كانَ أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم اثني عشر ألفاً ، ثمانية آلاف منَ المدينة ( أي منَ المهاجرين والأنصار ) ، وألفان منْ مَكَّةَ ، وألفان منَ الطُّلقاء ، لم يُرَ فيهم قدريّ ولا مُرجئ ولا حروريّ ولا معتزليّ ولا صاحب رأي ،كانوا يبكون اللَّيلَ والنَّهارَ .



      هكذا يصفُ جعفر الصَّادق أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأين الذي يكذبُ على جعفر وعلى أبيه الباقر فيقولُ : ارتدَّ أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا ثلاثة !!!



      أين ذاك منْ هذا ؟؟؟!!



      وهو يعدُّ اثني عشر ألفاً منْ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويصفُهم بهذا الوصفِ .



      وأمَّا ما وقعَ منْ خلافٍ بين أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وآلِ بيتهِ فهذا كذبٌ و زورٌ ، إذْ لم يخالف الصَّحابةُ آلَ البيتِ لأنهم آلُ البيتِ وإنما هي أمورٌ عاديَّة جداً تحصلُ في البيتِ الواحدِ .



      فإنْ ذكروا فَدَكَ وقالوا إنَّ أبا بكر حرمَ فاطمةَ منْ فَدَك نقولُ إنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو الذي أخبرَ بذلك ، وجاءَ بعد أبي بكر عمر ثم عثمان ثم عليّ ثم الحسن ، ولم يُعطِ أحدٌ منهم فدك لا لفاطمة ولا لأولادها .. أبداً لم يحصل شيءٌ منْ ذلك .



      فلم تكنِ القضيَّةُ بين الصَّحابةِ و آلِ البيتِ ، أبداً



      وأمَّا إذا ذكروا الجملَ وصِفِّين ففي الجمل مع عليّ جماعةٌ منَ الصَّحابةِ وكذا في صِفِّين كانَ مع عليّ جماعةٌ منَ الصَّحابةِ ، فليستِ القضيَّةُ قضيَّةَ آلَ بيتٍ و صحابةٍ .



      وأمَّا ما يدَّعونه منَ الكذبِ والبهتانِ منْ أنَّ بني أميَّة كانوا يحقدون على بني هاشم أو بني عبد شمس كانوا عداوة لبني هاشم فهذا منَ الكذبِ والزُّور والبهتان ،إذْ إنَّ الأمرَ لم يكنْ كذلك .



      فكما أنه كانَ منْ بني هاشم مَنْ تابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وآمنَ به في أوَّل الدَّعوة كعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطّلب ؛ فكذلك كانَ منْ بني عبدِ شمس مَنْ تابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أوَّل الدَّعوة كعثمان بنِ عثمان وسعيد بن العاص .



      وإنْ كانَ قد كفرَ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منْ بني عبدِ شمس ك شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة فقد كفرَ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم و عاداه منْ بني هاشم كأبي لهب و عقيل بن أبي طالب .



      فلم تكنِ القضيَّةُ بين بني هاشم و بني عبدِ شمس أبداً وإنما كانتِ القضيَّةُ قضيَّةَ كُفْرٍ وإيمانٍ ، بغضِّ النَّظر عن الأنساب ، ما كانَ النَّظر في الأنساب وإنما كانَ النَّظرُ في الدَّعوةِ إلى الله تباركَ وتعالى .



      *- سألَ رجلٌ شَريكَ بنَ عبد الله بنِ أبي نمر - وكانَ يُوصفُ بأنه شيعيٌّ - فقالَ هذا الرَّجلُ لشَريك : أيُّهما أفضلُ أبو بكر أم عليّ ؟



      فقالَ شَريك : أبو بكر أفضلُ منْ عليّ .



      فقالَ الرَّجلُ : تقولُ هذا وأنتَ شيعيٌّ ؟!



      كيف تقولُ هذا الكلام ؟!



      الشِّيعةُ لا يمكنُ أنْ يقولوا هذا الكلامَ ؟؟!!



      قالَ : تقولُ هذا وأنتَ شيعيٌّ ؟؟!!



      قالَ : نعم ، إنما الشِّيعيُّ مَنْ قالَ مثلَ هذا .



      يقولُ شريك : والله لقد رَقِيَ عليٌّ رضيَ الله عنه هذه الأعواد ( يعني المنبر في الكوفة ، منبر عليّ في الكوفة ) ، والله لقد رَقِيَ عليٌّ هذه الأعواد فقال : إنَّ خيرَ هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكر .



      عليٌّ يقولُ هذا.



      ثم قالَ له شَريك : ثم عمر .



      ثم رَدَّ عليه : أفكنَّا نردُّ قولَه ؟! أكنَّا نُكذِّبه ؟!



      والله ما كانَ كذَّاباً .



      عليٌّ ما كانَ كذَّاباً عندما قالَ : إنَّ أبا بكر وعمرَ أفضلُ منه رضيَ الله عنهم أجمعين .



      *-وقالَ سالمُ بنُ أبي حفصةَ لجعفر الصَّادق : ألا تسبُّ أبا بكر ؟



      فقالَ جعفر : يا سالم ، أبو بكر جَدِّي ، أيسبُّ الرَّجلُ جَدَّه ؟؟!!



      أيسبُّ الرَّجلُ جَدَّه ؟؟!!



      أيسبُّ الرَّجلُ جَدَّه ؟؟!!



      والله الذي لا إله إلا هو الآن هؤلاء القوم الذين يسبُّون أبا بكر إنما يسبُّون جَدَّ جعفر الصَّادق .



      أيسبُّ الرَّجلُ جَدَّه ؟؟!!



      *- وكانَ جعفرُ الصَّادق يقولُ : وَلَدَني أبو بكر مرَّتين .



      أي إنَّ أبا بكر جَدِّي منْ طريقين ، وذلك أنَّ أمَّ جعفر هي أمّ فروة فاطمة بنت القاسم بنِ محمد بنِ أبي بكر الصِّدِّيق ، أمُّه وجدَّته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق .



      أيسبُّ الرَّجلُ جَدَّه ؟؟!!



      أيليقُ للرَّجلِ أنْ يسبَّ جَدَّه ؟؟!!



      ومَنْ هذا الجدُّ ؟؟



      إنه أبو بكر رضيَ الله عنه وأرضاه



      ثم قالَ : لا نالتني شفاعةُ محمَّد إنْ لم أكنْ أتولاهما ( يعني أبا بكر وعمر) وأتبرَّأ منْ عدوِّهما .



      نسمعُ كثيراً فرقة الزَّيديةِ في اليمن وغيرها .



      ما هذه الفرقةُ ؟ فرقة الزَّيدية ؟



      تُنْسَبُ إلى رجلٍ هو زيد بن عليّ بنِ الحسين بنِ عليّ بنِ أبي طالب ، جَدُّه الحسين بن عليّ بنِ أبي طالب .



      *- جاءه جماعةٌ ممنْ يدَّعون أنهم أتباعٌ له .



      فجاؤوه فقالوا له : ما تقولُ في أبي بكر وعمر ؟؟



      فذكرَهما بخيرٍ



      فقالوا : ألا تبرأُ منهما ؟!



      قالَ : لا .. إنهما وزيرا جَدِّي .. وزيرا رسولِ الله ، كيف أبرأ منهما ؟؟!!!



      قالوا : إذاً نرفضُك .. لا نكونُ معك .



      قالَ : اذهبوا فأنتمُ الرَّافضةُ .



      فعُرفوا بالرَّافضةِ منذ ذلك اليوم لما رفضَ زيدٌ رضيَ الله عنه أنْ يُوافقَهما على قولهما ، وصارَ مَنْ بقيَ مع زيدٍ يُقالُ لهمُ الزَّيدية لأنهم لم يرفضوا أبا بكر ولا عمر رضيَ الله تباركَ وتعالى عنهم أجمعين ، أعني أبا بكر وعمر وزيد بن عليّ وأباه .



      *- وهذا عليّ بنُ الحسين سمعَ جماعةً يتكلَّمون في أبي بكر وعمر



      فقالَ لهم : أيُّها القومُ



      - لأن في ذلك الوقت بدأتِ الفتنةُ و بدأَ الكلامُ –



      فقالَ لهم عليّ بنُ الحسين بنِ عليّ بنِ أبي طالب ، جَدُّه عليّ بن أبي طالب ، قالَ لهم : يا قومُ إنَّ الله تباركَ وتعالى يقولُ في كتابهِ العزيزِ لما قسَّم المسلمين : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " الحشر:8



      هل أنتم منْ هؤلاء ؟



      قالوا : لا ، هذه في المهاجرين .



      قالَ : فإنَّ الله قالَ بعدها : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" الحشر:9


      فهل أنتم منْ هؤلاء ؟



      قالوا : لا ، هؤلاء الأنصار .



      قالَ : أمَا والله إنكم قد تبرَّأتم أنْ تكونوا منَ الأوَّلين - أي المهاجرين - ومنَ الآخرين - وهم الأنصار – فوَ الله إنْ لم تكونوا منْ هؤلاء ولا منْ أولئك فلستم ممنْ قالَ الله فيهم : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " الحشر:10



      أشهدُ أنكم لستم منْ هؤلاء .



      هكذا يستنبطُ عليّ بنُ الحسين رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وأرضاه



      ثم قالَ لهم : اخرجوا منْ مجلسي فعلَ الله بكم و فعلَ .



      فطردَهم رضيَ الله عنه وأرضاه .



      *- أمَّا ابنُه الباقر محمَّد بن عليّ بنِ الحسين بنِ عليّ بنِ أبي طالب ، فسألَه رجلٌ عن حِلْيَةِ السَّيف هل يجوزُ أنْ نحلِّي السَّيفَ بالذَّهبِ ؟



      فقالَ له : حلَّى أبو بكر الصِّدِّيق سيفَه .



      استغربَ الرَّجلُ !!



      قالَ : أوَ تقولُ عنه الصِّدِّيق ؟؟!!



      يعني تلقِّبه بهذا اللَّقب ؟؟ الصِّدِّيق ؟!!



      أوَ تقولُ عنه الصِّدِّيق؟؟!!



      فقامَ الباقر منْ مكانهِ ..قالَ : إي والله الصِّدِّيق .. لا صَدَّقَ الله مَنْ لا يقلْ له ذلك ، ولا نالته شفاعةُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .



      هكذا كانوا ينظرون لأصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .



      أمَّا مَنْ جاءَ بعدههم منْ سَلَفِ هذه الامة وكيف كانوا يتعامولون مع آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم



      *- فهذا أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي وهو منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فهو جَدُّه عبدُ الله بن العبَّاس بنِ عبد المطَّلب فأساءَ إلى الإمام مالك وضربَه



      فقيلَ للإمام مالك : ألا تدعو عليه



      يعني أقلّ شيء تفعلُه تدعو عليه .. آذاكَ وضربكَ بدونِ وجهِ حقٍّ وظلمَك .. أوَ لا تدعو عليه ؟



      فسكتَ الإمامُ مالك وقالَ : والله إني لأستحيي أنْ يُعَذَّبَ رجلٌ منْ آلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسببِ دعائي .



      ثم أبى أنْ يدعوَ عليه



      إكراماً لمنْ ؟؟؟



      لأبي جعفر ؟؟؟



      لا .. إكراماً لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم



      إكراماً لهذه الشَّجرةِ المباركةِ شجرةِ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .



      وتوالى أهلُ العلمِ على هذا الأمرِ ، ولذلك لا يُصَنَّفُ كتابٌ في عقيدةِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ إلا و يُبَيِّنُ صاحبُ الكتابِ عقيدةَ أهلِ السُّنةِ في أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفي آلِ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ويذكرون أنَّ حبَّهم إيمانٌ و أنَّ بُغْضَهم كُفْرٌ ونفاقٌ



      *- ونختمُ بمقولةِ الآجُرّيّ رحمه الله تباركَ وتعالى ، يقولُ رحمه الله ويمثِّل بقولهِ هذا أهلَ السُّنةِ والجماعةِ حيثُ نقلَه شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله جلَّ وعلا مُقِرّاً له على ذلك القولِ



      قالَ الآجُرّيّ : على مَنْ قتلَ الحسينَ بنَ عليّ لعنة الله ولعنة اللَّاعنين وعلى مَنْ أعانَ على قتلهِ وعلى مَنْ سَبَّ عليّ بنَ أبي طالب وسَبَّ الحسين والحسن أو آذى فاطمة أو آذى أهلَ بيتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فعليه لعنةُ الله وغضبُه ، لا أقامَ الله الكريمُ له وزناً ، ولا نالته شفاعةُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .



      فهذه هي إذاً العلاقةُ الصَّحيحةُ بين آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وجرى على ذلك عملُ أهلُ السُّنةِ والجماعةِ .



      وفي الدَّرسِ القادمِ إنْ شاءَ الله تعالى سَنُبَيِّنُ مزيداً منْ ذلك منْ خلالِ المصاهرات التي تمَّت بين هذين البيتين الكريمين والأسماء التي استُخدِمتْ بين هذين البيتينِ الكريمينِ .



      والله أعلى وأعلم ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّد .






      انتهت الحلقة الثالثة
      التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 10-01-2012, 01:25 AM. سبب آخر: تنسيق الموضوع


      تعليق


      • #4
        رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

        السلام عليكم
        الحلقة الرابعة من سلسلة آل البيت و الصحابة

        الأسماء والمصاهرات بين آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابهِ رضوان الله عليهم

        بسم الله الرَّحمن الرَّحيم ، الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّد وعلى آلهِ وصحابتهِ أجمعين :

        ما زلنا مع سلسلةِ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وآلِ بيتهِ ، وقلنا إننا سنقسمُ هذه السِّلسلةَ إلى اثني عشر درساً

        وتكلَّمنا في الدَّرس الأوَّل عن التَّعريفِ بالصَّحابيِّ والتَّعريفِ بآلِ البيتِ ، وبيان مكانةِ كلٍّ منهم وفضلهم

        ثم تكلَّمنا في الدَّرس الثَّاني عن حقوقِ أصحابِ النبيِّ وحقوقِ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم

        ثم تكلَّمنا في الدَّرس الثَّالث عن العلاقةِ بين آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم و أصحابهِ ،
        وقلنا هذه العلاقة يمكنُ تقسيمُها إلى ثلاثةِ أجزاءَ :

        والجزءُ الأوَّل هو الثَّناءُ المتبادلُ ، ثناءُ الصَّحابةِ على آلِ البيتِ وثناءُ آلِ البيتِ على الصَّحابةِ

        والجزءُ الثَّاني المصاهرات التي تمَّت بين أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وآلِ بيتِ النبيِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه

        والجزءُ الثَّالث وهو الأسماء ، حيثُ سمَّى آلُ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أسماءَ أولادِهم بأسماءِ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم


        وذلك أنَّ تهمةً قد وُجِّهَتْ إلى أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، مفادُ هذه التُّهمةِ أنَّ أصحابَ النبيِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه كانوا يبغضون عليّاً وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ وغيرهم منْ أقاربِ النبيِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه وهي تهمةٌ باطلةٌ لا شكَّ ولا ريبَ .

        على كلِّ حالٍ تفنيدُ هذه التُّهَم لا يكونُ إلا بالعلمِ لا بمجرَّد الدَّعاوى الباطلة التي لا تستندُ إلى دليلٍ .

        الأصلُ في الإنسانِ أنه إذا صاهرَ فإنه يُصاهرُ مَنْ يفتخرُ بهم بحيثُ يقولُ هؤلاء أخوالُ أولادي ، ولذلك يفتخرُ عليّ بنُ أبي طالب مثلاً بأنه تزوَّج فاطمةَ بنتَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ويفتخرُ عثمانٌ بأنه تزوَّج رقيَّة بنتَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهكذا غيرهم في غيرهم يفتخرُ الإنسانُ أحياناً - بل هذا هو الأصلُ - بأخوالِ أولاده ، ويعتزُّ بهم ، ويحرصُ الرَّجلُ على أنْ يختارَ الزَّوجةَ الصَّالحةَ .

        ولذلك كانَ عمرُ رضيَ الله عنه قد جاءَه رجلٌ يشتكي ولدَه

        فقالَ لعمرَ : إنَّ ابني يعقُّني .

        فاستدعى عمرُ رضيَ الله عنه الولدَ

        وقالَ له : إنَّ أباكَ يشكوك ويقولُ إنك تعقُّه .

        فماذا كانَ جوابُ الولدِ ؟؟

        قالَ لأميرِ المؤمنين عمرَ رضيَ الله عنه : يا أميرَ المؤمنين ، ما حقِّي على أبي ؟؟؟

        هو الآن يريدُ حقَّه ... أبي يريدُ حقَّه

        أنا ماذا حقِّي على أبي ؟

        فقالَ عمرُ : حقُّك عليه أنْ يحسنَ اختيارَ أمِّك ، وأنْ يحسنَ اختيارَ اسمِك ، وأنْ يعلِّمك القرآنَ .. هذا حقُّك عليه

        فقالَ الغلامُ لعمرَ رضيَ الله عنه : أمَّا القرآنُ فما علَّمني منه حرفاً ، وأمَّا أمِّي فأمَة - متزوِّج أمَة .. عبدة – وأمَّا اسمي فجُعَل .. سماني جُعَلا .

        فالتفتَ عمرُ إلى الرَّجلِ وقالَ له : عققْته في الصِّغَرِ فعقَّك في الكِبَرِ .

        فجعلَ عدمَ اختيارِ الأمِّ التي يرفعُ الإنسانُ بها رأسَه منَ العقوقِ .

        ولذلك جاءَ في الحديثِ - وإنْ كانَ ضعيفاً منْ حيثُ الإسنادِ - : " إذا جاءَكم مَنْ ترضون دينَه وخُلُقَه فزوِّجوه "

        فالإنسانُ دائماً يحرصُ على أنْ يُزَوِّجَ ابنتَه بالرَّجلِ الصَّالحِ ، ويحرصُ كذلك على أنْ يختارَ المرأةَ الصَّالحةَ .

        جاءتنا دعوى تقولُ :إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ يُبغضُ أصحابَه ، وكانَ يخشى منهم ويخافُهم ، ويرى أنهم غيرُ مؤتمنين على هذا الدِّين ، وأنهم كذلك كانوا يُبطنون النِّفاقَ ، ويكيدون لآلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ويُبغضون كما ذكرتُ قبلَ قليلٍ عليّاً وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ وجعفراً وعبد الله بنَ جعفر والعبَّاس وابنَ العبَّاس وغيرهم منْ أهلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        نقولُ : تعالوا نعرضُ هذا على العلمَ المبثوثَ في الكتبِ ، فهل هذا العلمُ المبثوثُ في الكتبِ يُصَدِّقُ هذه الدَّعوى أو يُكذِّبها ؟؟

        أوَّلاً ننظرُ في أصهارِ النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم

        ملاحظة
        الشيخ حفظه الله يشرح على شاشة عرض أمام الحضور


        *- الآن عندنا هؤلاء أمَّهات المؤمنين وأصهار النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
        1-هذه أمُّ حبيبة زوج النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نجدُ أنها ترتبطُ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في عبد مناف ، نسبُها مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في عبدِ مناف .

        وهي أمُّ حبيبة بنتُ أبي سفيان صخر بن حرب بنِ أُمَيَّة بنِ عبد شمس بنِ عبد مناف .

        فأمُّ حبيبة هي أقربُ نساءِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم به نَسَباً .. أقربُ واحدةٍ نَسَباً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        فلو ننظرُ في هاشم ، لم يتزوَّج النبيُّ منْ بني هاشم أبداً صلَّى الله عليه وسلَّم بل أقربهنَّ نسباً ما بعد هاشم ، و هي منْ عبد مناف ، أخت معاوية ، وهي أمُّ حبيبة بنتُ أبي سفيان .

        2- ثم بعد ذلك تأتي بعدها خديجةُ بنتُ خويلد ، تلتقي مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قُصَيّ .

        3- ثم تأتي بعدها عائشةُ ، تلتقي مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مُرَّة بنِ كعب .

        4- ثم بعد ذلك أمُّ سلمة ، تلتقي مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كذلك في مُرَّة بنِ كعب .

        5- ثم تأتي حفصة بنت عمر ، وهي تلتقي مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في كعب .

        6- ثم تأتي سودة بنتُ زَمْعَة ، وتلتقي مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في لؤي

        7- ثم تأتي زينبُ بنتُ جحش ، وهي تلتقي مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أسدِ خزيمة ، يعني بعيدة جداً ، مع أنَّ زينبَ بنتُ عمَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، يعني أمّها قريبة جداً منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، لكنْ منْ أبيها بعيدة جداً حيثُ تلتقي مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في خزيمة .

        8 و 9- ثم بعد ذلك ميمونة وزينب أمَّهات المؤمنين ، وهما تلتقيان مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في إسماعيل عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ، يعني بعيدة جداً عن النبيِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .

        هؤلاء تسعُ زوجاتٍ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، بقيَ عندنا :

        10- جويرية بنت الحارث المصطلقية ، وهي منْ قحطانَ ، لأنَّ كلَّ زوجاتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. هؤلاء كلهنَّ منْ عدنان ما عدا جويرية منْ قحطان .
        11- ثم بعد ذلك صفيَّة أمّ المؤمنين ، فهي تلتقي مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في إبراهيم عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ، لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم منْ نَسْلِ إسماعيل وصفيَّة منْ نَسْلِ إسحاق ، فتلتقي مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في إبراهيمَ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .

        فنجدُ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذاً صاهرَ أصحابَه فتزوَّج منهم

        فنجدُ أنه

        *- تزوَّج بنتَ أبي بكر رضيَ الله عنهما .

        *- تزوَّج بنتَ عمر رضيَ الله عنهما .

        *- تزوَّج بنتَ أبي سفيان رضيَ الله عنهما .

        وهؤلاء هم أصحابُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، البقيَّة أكثرُهنَّ آباؤهنَّ لم يُدركوا الإسلام .

        هذا منْ حيثُ زواج النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        *- أمَّا منْ حيثُ تزويج النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبناتهِ

        نجدُ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كذلك إنما زوَّج بناته صلَّى الله عليه وسلَّم لمنْ يحبُّ ، فنجدُ هنا

        أوَّلاً بالنِّسبةِ للخلفاءِ الرَّاشدين قلنا إنه تزوَّج عائشةَ بنتَ أبي بكر وحفصةَ بنتَ عمر رضيَ الله عنهم .

        ثم إذا نظرنا لبناتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نجدُ أنه

        *- زوَّج رقيَّة لعثمانَ بنِ عفَّان ، فلما تُوُفِّيَتْ زوَّجه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَّ كلثوم أختها ، وجاءَ في بعضِ الرِّوايات – وإنْ كانتْ لا تصحُّ - أنه بعد أنْ ماتتْ أمُّ كلثوم في السَّنةِ التَّاسعةِ منَ الهجرةِ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : " لو كانتْ عندنا ثالثة لزوَّجناكها " .

        بل ذكرَ ابنُ إسحاق وغيره منْ أهلِ السِّيَرِ أنه لا يُعْرَفُ رجلٌ على وجهِ الأرضِ تزوَّج بِنتيْ نبيٍّ غير عثمان بنِ عفَّان ، نعم هناك مَنْ تزوَّج بنتَ نبيٍّ وهم كُثُرٌ لأنَّ بنات الأنبياء يتزوَّجن ، لكن شخص تشرَّف بأنْ يتزوَّج بنتي نبيٍّ هذا لم يقع إلا لعثمانَ بنِ عفَّان رضيَ الله عنه ، حيثُ تزوَّج رُقيَّة بنت النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فلمَّا تُوُفِّيَتْ تزوَّج أختَها أمَّ كلثوم .

        *- ثم كذلك نجدُ أنَّ فاطمةَ بنتَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تزوَّجها عليّ بنُ أبي طالب .

        *- بقيتْ زينبُ بنتُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، تزوَّجها أبو العاص بنُ الرَّبيع ، وكذلك أبو العاص هذا منْ أصحابِ النبيِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .

        فدلَّت هذه المصاهراتُ على أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يحبُّ هؤلاء النَّاس ، وإلا لو لم يكنْ يحبُّهم ما زوَّجهم بناته ، ولا ألقى بأيديهنَّ إلى التَّهلكةِ .

        وذلك أنَّ الإنسانَ مسؤولٌ عن بناتهِ ، يُحاسبُه الله تباركَ و تعالى عن كلِّ مَنْ كانتْ تحتَ ولايتهِ سواء كانتْ بنتاً أو أختاً ، بل حتى أمّاً ، وهو مسؤولٌ عنها في تزويجها ، فيجبُ عليه أنْ يختارَ لها الأصلحَ ، وهكذا فعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين تزوَّج وحين زوَّج صلواتُ ربي وسلامُه عليه .

        هذا بالنِّسبةِ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بذاتهِ .

        *- الآن نتكلَّم عن بني هاشم بشكلٍ عام
        الذين يُدَّعَى أنَّ أصحابَ النبيِّ كانوا يعادونهم فنرى هل هذه الدَّعوى دعوى المعاداةِ صحيحة أوكاذبة ؟؟

        *- نجدُ هنا مثلاً هذه المصاهرات التي تمَّت بين آلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وآلِ الصِّدِّيقِ خصوصاً .

        *- لو ترون هنا نجدُ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم تزوَّج عائشةَ وهي منْ آلِ الصِّدِّيقِ ، فهذا أوَّلُ الخيرِ .

        *- ثم بعد ذلك نجدُ أنَّ الحسنَ بنَ عليّ بن أبي طالب تزوَّج حفصةَ بنتَ عبد الرِّحمن بن أبي بكر ، هذه حفصة بنت عبد الرَّحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق

        فلو قيلَ : إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما كانَ يعرفُ نفاقَ أبي بكر كما يدَّعون كَذِباً و زُوْراً أو أنَّ أبا بكر ارتدَّ بعد ذلك

        نقولُ : فما بالُ الحسن بن عليّ يتزوَّج حفيدةَ أبي بكر الصِّدِّيقِ ؟!

        فتزوَّج حفصةَ بنت عبد الرَّحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق .

        *- كذلك نجدُ هنا مثلاً إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، جعفر أخو عليّ بن أبي طالب ، حفيدة إسحاق يتزوَّج أمَّ حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق ، هذه كذلك المصاهرة إنْ دلَّت على شيءٍ فإنما تدلُّ على محبَّةٍ ومودَّةٍ .

        *- هذا إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يتزوَّج أمَّ حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق .

        *- نجدُ هنا محمَّداً الباقر الذي هو محمَّد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو عند الشِّيعة الإمام الخامس المعصوم ، عندهم : علي ، الحسن ، الحسين ، علي بن الحسين ، ثم محمَّد الباقر

        محمَّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب تزوَّج أمَّ فَرْوَة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق ، فهذا إنْ دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُّ على محبَّةٍ يُكنُّها محمَّد لهذا البيتِ الكريمِ بيتِ أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه .

        وقد رزقَ الله محمَّداً الباقر منْ أمِّ فَرْوَة هذه جعفر الصَّادق ، جعفر بن محمَّد الصَّادق هو ابنُ أمِّ فَرْوَة و ابن محمَّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب .

        وكانَ جعفرُ رحمه الله تباركَ وتعالى يقولُ :" وَلَدَني أبو بكر مرَّتين " ويفتخرُ بهذا " وَلَدَني أبو بكر مرَّتين " ، يفتخرُ بنسبهِ إلى أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه .

        وذلك أنَّ أمَّه ( أمّ جعفر الصَّادق ) هي أمّ فَرْوَة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق .. هذه أمّ الصَّادق .

        جَدَّةُ الصَّادق ..جَدَّته مَنْ هيَ ؟!

        جدَّته أسماء بنت عبد الرَّحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق .. جَدَّةُ جعفر الصَّادق .

        ولذلك كانَ يقولُ : " وَلَدَني أبو بكر مرَّتين " ، أي أصلُ إلى أبي بكرٍ عن طريق أمِّي و أصلُ إلى أبي بكر عن طريق جَدَّتي ..كِلا هذين الطَّريقين يُوصلني إلى أبي بكر الصِّدِّيق .

        *- ثم كذلك نجدُ هنا موسى الجَوْن بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ،.. جدُّه عليّ بن أبي طالب .

        تزوَّج مَنْ ؟؟؟

        تزوَّج أمَّ سَلَمَة بنت محمَّد بن طلحة بن محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق .

        *- وكذلك إسحاق بن عبد الله بن عليّ بن الحسين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب تزوَّج كَلْثَم بنت إسماعيل بن عبد الرَّحمن بن القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصِّدِّيق .

        فهذه المزاوجاتُ إنْ دلَّت على شيءٍ فإنما تدلُّ على العلاقةِ الطَّيِّبةِ بين هذين البيتين الكريمين وحبّ مُصَاهَرَةِ كلِّ بيتٍ للآخر .

        هذا بالنسبة لأبي بكر الصِّدِّيق وأسرتهِ .

        طبعاً قلنا رأس هذه المصاهرات هي مصاهرةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعائشةَ من أبي بكر الصِّدِّيق .


        *- نأتي لعمرَ بنِ الخطَّاب رضيَ الله عنه وأرضاه .

        كذلك هذا البيت الكريم بيت عمر بن الخطاب أيضاً صاهرَ آلَ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        فنجدُ شخصاً اسمُه زيد بن عمر بن الخطاب .. زيد بن عمر بن الخطاب .

        هذا زيد كانَ يقولُ كلمةً وهي : " أنا ابنُ الخليفتين "

        كانَ زيدٌ هذا ابن عمر يقولُ : " أنا ابنُ الخليفتين " يفتخر أمامَ النَّاسِ ، يقولُ :"أنا ابنُ الخليفتين "

        مَنْ هما الخليفتان ؟؟؟

        الخليفة الأوَّل : أبوه الذي هو عمر بن الخطاب رضيَ الله عنه

        الخليفة الثاني : هو جدُّه عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه ، لأنَّ عمرَ تزوَّج أمَّ كلثوم بنت عليّ وبنت فاطمة رضيَ الله عنهم .

        يعني عليّ رُزِقَ منْ فاطمةَ أربعة أولاد ( زينب ، وأم كلثوم ، والحسن ، والحسين )

        *- أمّ كلثوم بنت علي وبنت فاطمة تزوَّجها عمرُ بنُ الخطاب وأنجبتْ له زيداً

        وكانَ زيدٌ هذا يقولُ : " أنا ابنُ الخليفتين " يفتخرُ على النَّاسِ في ذلك .

        فلو كانَ عمرُ كما يقولون مُبْغِضاً لعليّ وعليّ كانَ مُبْغِضاً لعمرَ ؛ وكما يدَّعون كَذِباً و زُوْراً أنَّ عمرَ كَسَرَ ضِلْعَ الزَّهراءِ وأسقطَ جنينَها فهل يُقْدِمُ عليٌّ وفاطمةُ على تزويجِ عمرَ أمّ كلثوم ؟

        صحيح فاطمة قد تُوُفِّيَتْ ؛ لأنها تُوُفِّيَتْ في عهدِ أبي بكر ، و زواجُ عمر لأمِّ كلثوم في خلافتهِ هو ، ولكن القصدَ أنَّ عمرَ عندما يتزوَّج أمَّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب هل يُعقل أنْ يكونُ قتلَ أخاها وكسرَ ضِلْعَ أمِّها وتسبَّب في وفاتها ؟؟؟!!!

        هذا كلُّه كذبٌ و زُوْرٌ ..كذبٌ و زُوْرٌ ، وإنما الأمرُ كما كانَ يقولُ زيدٌ : " أنا ابن الخليفتين " ابن عمر وجَدِّي عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنهم أجمعين .


        *- بعد أبي بكر وعمر يأتينا عثمانُ بنُ عفَّان رضيَ الله عنه

        ونرى ما هي العلاقة التي كانت بين هذين البيتين ، بيتِ عثمان و بيتِ بني هاشم .

        أوَّلاً : عثمان بنُ عفان لو نرى اسمه الآن .. كما ترون الآن .. عثمان هو ابنُ عفَّان بن أبي العاص بن أُمَيَّة بن عبد شمس ، وهذا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم .

        وهنا نجدُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو محمَّد بن عبد الله أيضاً بن عبد المطَّلب بن هاشم ، يعني في درجة عليّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ابن عمِّه عليّ .

        فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذاً ابنُ عبد الله بنِ عبد المطَّلب بنِ هاشم وعثمان هو ابنُ عفَّان بنِ أبي العاص بنِ أُمَيَّة بنِ عبدِ شمس .

        عبد شمس وهاشم أخوان شقيقان ، منْ أمّ وأب ، أبوهما عبد مناف .. أبوهما عبد مناف .

        إذاً عثمان هو ابنُ عمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، صحيح عليّ بن أبي طالب أقرب لأنه يلتقي مع النبيِّ في عبد المطَّلب ؛ لكن عثمان بعده بجدَّين الذي هو هاشم يأتي عبد مناف على طول يلتقي مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        ننظرُ إلى المصاهراتِ بين هذين البيتين الكريمين .

        *- لو نظرنا أوَّل هذه المصاهرات بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعثمان فقلنا إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم زوَّج رقيَّة لعثمان فلمَّا تُوُفِّيَتْ زوَّجه أمَّ كلثوم ، تزوَّجها أيضاً عثمانُ بنُ عفان رضيَ الله عنه ، هذه أوَّل أول مصاهرةٍ تمَّت بين هذين البيتين .

        *- ثم نجدُ عبدَ الله هنا .. عبد الله بن عمرو بن عثمان .

        إذاً عثمان ماذا يكونُ له ؟؟؟

        يكونُ جَدَّه .. فهو عبد الله بنُ عمرو بنِ عثمان .

        مَنْ تزوَّج عبدُ الله بنُ عمرو بنِ عثمان ؟؟؟

        فاطمة بنت الحسين بن عليّ .

        إذاً ماذا يكونُ لها عليّ ؟؟؟

        جَدُّها .

        فحفيدُ عثمان تزوَّج حفيدةَ عليّ ، كما نرى هنا .. حفيد عثمان يتزوَّج حفيدةَ عليّ ، حفيدُ عثمانَ هو عبدُ الله بنُ عمرو بنِ عثمان يتزوَّج حفيدةَ عليّ فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب .

        فهل كانتْ عداوةٌ بين عليّ وعثمان ؟؟؟

        أبداً .

        هل الحسين كانَ يكرهُ عثمانَ ؟؟؟؟

        زوَّج حفيدَ عثمان ابنتَه فاطمةَ .

        *- بل أخوه زيد بن عمرو بن عثمان تزوَّج أختَها سُكَيْنة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب أيضاً .

        إذاً حفيدا عثمان تزوَّجا حفيدتي عليّ رضيَ الله عنهم أجمعين .

        هذه مصاهرةٌ .

        أيضاً نجدُ منَ المصاهراتِ بين هذين البيتين الكريمين

        *- نجدُ هنا مروان بن أَبَان بن عثمان .. هذا مروان بن أَبَان بن عثمان بن عفان أيضاً جدُّه عثمان بن عفان ، تزوَّج أمَّ القاسم بنت الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب .

        إذاً حفيدُ عثمان تزوَّج حفيدةَ عليّ منْ جهةِ الحسن .

        إذاً أحفادُ عثمان ثلاثةٌ تزوَّجوا ثلاثاً منْ حفيدات عليّ بن أبي طالب رضيَ الله تعالى عنهم أجمعين .

        العكس الآن

        *- نجدُ أنَّ إبراهيمَ بنَ عبدِ الله بنِ الحسن بن الحسنِ تزوَّج رُقَيَّةَ بنتَ محمَّد بنِ عبدِ الله بنِ عمرو بنِ عثمان ، يعني حفيد عليّ إبراهيم تزوَّج حفيدةَ عثمان رُقيَّة .

        *- ثم كذلك نجدُ هنا عائشة بنت عمر بن عاصم بن عمر بن عثمان بن عفان تزوَّجها إسحاق بن عبد الله بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب .

        على ماذا تدلُّ هذه المصاهراتُ ؟؟

        إنْ دلَّت على شيءٍ فإنما تدلُّ على العلاقةِ الوطيدةِ بين هذين البيتين .

        *- بل هذا أَبَان بن عثمان مباشرةً .. أَبَان بن عثمان تزوَّج أمَّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، يعني عمّها عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنهم أجمعين .

        فكلُّ هذه المصاهراتِ إنْ دلَّت على شيءٍ فإنما تدلُّ على ماذا ؟

        على محبَّةٍ ومودَّةٍ بين هذين البيتين الكريمين .

        هذه مجرَّد أمثلةٍ .

        الآن هذا الزُّبير بنُ العَوَّام الذي كما يُقالُ قاتلَ عليّاً في الجمَل وأنه توجدُ عداوةٌ بينه وبين عليّ .

        ترى ماذا يكونُ الزُّبيرُ لعليّ ؟؟

        وماذا يكونُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟؟

        هذا الزُّبيرُ بنُ العَوَّام حواري النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        *- أوَّل شيءٍ هو ابنُ عمَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، أمُّه صفيَّة بنتُ عبد المطَّلب عمَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وعثمان كذلك جدَّته عمَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. الزُّبير أمُّه عمَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        إذاً الزُّبير أوَّلاً منْ جهةِ أمِّه بنت عبد المطَّلب ، إذاً عبدُ المطَّلب جَدُّ الزُّبير .

        عبد المطَّلب جَدُّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ يقولُ : " أنا ابنُ عبد المطلب " ، كذلك الزُّبير يقولُ : أنا ابنُ عبد المطَّلب ، لكنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يكونُ عبدُ المطَّلب جَدُّه لأبيهِ والزُّبير عبدُ المطَّلب جَدُّه لأمِّه ، فالزُّبير إذاً ابنُ عمَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هذه منْ جهةٍ .

        *- الجهة الثانية أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كما هو معلومٌ تزوَّج عائشةَ بنتَ أبي بكر والزُّبير تزوَّج أسماء بنت أبي بكر ، إذاً الزُّبير ماذا يكونُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟

        يكونُ عديلاً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، هو والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تزوَّجا أختين ، هو أخذَ أسماءَ والنبيُّ عائشةَ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .

        *- خديجةُ أمُّ المؤمنين زوجةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تكونُ عمَّة الزُّبير بن العَوَّام أيضاً رضيَ الله عنه .

        فإذاً العلاقةُ بين هذين البيتين .. بيتِ الزُّبير بن العَوَّام وآل البيت قويَّة جَدّاً ، وسيأتينا أنَّ هذا البيتَ بالذَّاتِ بيت الزُّبير بن العَوَّام هو أكثرُ بيتٍ تزوَّج منْ بني هاشم .. أكثر بنات بني هاشم تزوَّجهنَّ أولادُ الزُّبير بن العوام .. أكثر بنات بني هاشم ذهبنَ إلى هذا البيتِ الكريم وهو بيت الزُّبير بن العَوَّام ابن عمَّة النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .

        كذلك منَ المصاهراتِ التي تمَّت ، عندنا بيتان الآن كما قلنا قبل قليل عبد شمس وهاشم .

        الآن عندنا هذا هاشم وهذا عبد شمس .

        قلنا هما أخوان شقيقان أبوهما عبد مناف ، إذاً عبد شمس وهاشم أخوان شقيقان أبوهما عبد مناف ، عبد شمس عنده أميَّة وعنده حبيب وعنده عبد العُزَّى ؛ هؤلاء أولاد عبد شمس ، بينما هاشم ليس عنده إلا عبد المطلب ، وعبد المطلب صارَ له أولاد كُثُر بعد ذلك .

        تعالوا ننظر إلى المصاهراتِ بين هذين البيتين الكريمين ، طبعاً هناك دعوى عريضة مكذوبة تقولُ إنَّ بني عبد شمس أعداء ألدَّاء لبني هاشم قبل البِعثة وبعد البِعثة ، في حياةِ النبيِّ وبعد وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        ويمثِّلون لهذا بأنَّ عبدَ شمس أكثرُهم كفروا بالنبيِّ ولم يتابعوه في البدايةِ وقاتلوه ، فكانَ أبو سفيان هو رأس الكفر الذي قاتل ، لأنَّ أبا سفيان منْ عبد شمس ، ثم بعد أبي سفيان معاوية مع عليّ ، ثم بعد معاوية يزيد مع الحسين ، قالوا واستمرَّت هذه العَداوةُ .

        وهذا منَ الكَذِبِ و الزُّوْرِ ، فكما أنَّ بني هاشم منهم مَنْ تابعَ النبيَّ وأسلمَ منْ بدايةِ الدَّعوةِ كحمزة وعبيدة بن الحارث وكعلي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب ، أسلموا بدايةَ الدَّعوةِ .

        كذلك عبد شمس فيهم مَنْ أسلمَ منْ بدايةِ الدَّعوةِ سعيد بن العاص وأبان بن سعيد ، وكذلك عثمان بن عفان ، أبو العاص بن الرَّبيع تأخَّر إسلامُه قليلاً ، لكن هؤلاء أسلموا وتابعوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهم منْ بني عبد شمس .

        وإنْ كانَ منْ بني عبد شمس مَنْ آذى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وشيبة بن ربيعة وأبي سفيان قبل أنْ يُسْلِمَ وأمّ جميل حمالة الحطب ، هؤلاء منْ عبد شمس ، وعادوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، نقولُ أيضاً منْ بني هاشم مَنْ عادى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بدايةِ الدَّعوة أبو لهب ، وعقيل بن أبي طالب عادى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عادى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ بل هجا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. فكما أنَّ منْ أولئك مسلمون متابعون منْ أولئك كذلك مسلمون متابعون ، معاندون معاندون

        فالقضيةُ لم تكنْ قضيَّة أنسابٍ وإنما كانتِ القضيَّةُ قضيَّةَ إيمانٍ وكُفْرٍ .. هناك مَنْ يتابعُ ويُسلمُ وهناك مَنْ يُعاندُ ويكفرُ .

        لكنَّ الشَّاهدَ منْ هذا هم يقولون هناك عداوات بين بني عبد شمس وبني هاشم !!!

        نقولُ تعالوا ننظر إلى التاريخ حتى ننظر إلى هذه العداواتِ مقابلَ المصاهرات التي تمَّت بين هذين البيتين الكريمين .

        *- فنبدأ أوَّلاً بأميَّة

        هذا أميَّة بن عبد شمس الذي هو جدّ بني أميَّة ، أميَّة عنده حرب وعنده أبو العاص .

        أبو العاص أمير الدولة المروانية وحرب أمير الدولة الأمويَّة .

        هذان الشخصان

        *- نرى المصاهرات التي تمَّت بين هذين البيتين وبين بني هاشم

        *- نبدأ بالبيت الأوَّل وهو بيت حرب ، حرب الذي هو والد أبي سفيان لأنَّ أبي سفيان صخر بن حرب ، لو تلاحظون هنا ، هذا حرب الآن .

        *- أوَّلاً هذه أمُّ حبيبة رملة بنت أبي سفيان .

        مَنْ تزوَّجها ؟؟؟

        تزوَّجها النبيُّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم ، إذاً هذه أوَّل مصاهرة .. سيِّدةُ المصاهراتِ ؛ وهي مصاهرةُ النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .

        *- المصاهرة الثانية لهذا البيت نجدُ هنا مثلاً يزيد بن معاوية ، يزيد بن معاوية الذي هو عندهم أكفر خَلْقِ الله ، يسبُّونه ويلعنونه ليلَ نهارَ .

        تُرَى مَنْ تزوَّج هذا اليزيدُ ؟؟

        مَنْ زوجةُ يزيد بن معاوية ؟؟

        هذه زوجةُ يزيد بن معاوية كما ترون أمّ محمَّد بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، إذاً زوجةُ يزيد بن معاوية هي أمّ محمَّد بنت عبد الله بن جعفر ، عمُّها عليّ بن أبي طالب .

        زوجةُ يزيد عمُّها عليّ بن أبي طالب ، وهي أمّ محمَّد بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب .. هذه زوجةُ يزيد بن معاوية ، يقولون يعني إنَّ يزيدَ ابنُ زنا وغيره وكلام فاضي هذا زوَّجه جعفرُ بنُ أبي طالب أو عبد الله بن جعفر لأنَّ جعفر كان قد تُوُفِّيَ رحمه الله تعالى و رضيَ عنه ، فعبدُ الله بنُ جعفر رضيَ يزيد زوجاً لابنتهِ أمِّ محمَّد .

        *- بل نرى هنا حفيدَ يزيد ، حفيد يزيد عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان .

        حفيد يزيد بن معاوية مَنْ تزوَّج ؟؟؟

        انظرْ مَنْ تزوَّج .. نَفِيسة بنت عُبيد الله بن العبَّاس بن عليّ بن أبي طالب ، جدُّها عليّ بن أبي طالب ، تزوَّجها حفيدُ يزيد بن معاوية ، فلو كانَ ليزيد مثلاً كما يقولون .. لوكان ليزيد دخلٌ في مقتلِ الحسين ، لأنَّ العبَّاس بنَ عليّ بنِ أبي طالب هذا قُتِلَ مع الحسين في الطَّفّ في كربلاء ، فلو قلنا إنَّ يزيد هو الذي قتلَ العبَّاس ، فهل يأتي ابنُه عُبيدُ الله ويزوِّج ابنتَه نفيسة لحفيدِ قاتلِ أبيه إذا كانَ متعمِّداً ؟؟!!

        لا يمكنُ أنْ يحدثَ هذا أبداً .. أبداً لا يحدثُ هذا .

        بل نجدُ أنَّ عُبيدَ الله بنَ العبَّاس بنِ عليّ بن أبي طالب لم يجدْ غضاضةً في أنْ يزوِّج مَوْلِيَّته وابنته نفيسة لعبدِ الله بنِ خالد بنِ يزيد بنِ معاوية ، ولم يجدْ في هذا أيَّ طعنٍ عليه ولا عيب .

        *- وهذا كذلك الوليد بن عتبة بن أبي سفيان .. يكونُ معاويةُ عمّه .

        معاوية عمّ الوليد بن عتبة ، أخو معاوية عتبة .

        الوليدُ هذا تزوَّج مَنْ ؟؟؟؟

        تزوَّج لبابة بنت عُبيد الله بنِ العبَّاس بنِ عبد المطَّلب .. جدُّها العبَّاس بنُ عبد المطِّلب عمّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        زوَّج عُبيدُ الله بنُ العبَّاس أخو عبد الله بن العبَّاس ابنتَه لبابة للوليد بن عتبة بن أبي سفيان .

        فهل بين هذا وهذا عداوةٌ ؟؟!! حتى يزوِّجه ابنتَه لُبابة !!

        هذا لا يقولُه إلا كذَّاب .. أبداً .

        ولم يكونوا في السَّابق يتساهلون في قضيَّة الزَّواج بل كانوا فعلاً يختارون الرَّجلَ المناسبَ لزواجِهم .

        *- نأتي لبيتِ أبي العاص .. هذا بيت أبي العاص الذي هو أخو حرب .

        أوَّلاً أبو العاص عنده ولدان الحكم وعفَّان .

        *- أوَّلهما عثمان ، وعثمان كما هو معلوم تزوَّج بنتي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        وقلنا أحفاد عثمان كما مرَّ بنا قبل قليل .

        *- تزوَّج زيد بن عمرو بن عثمان وعبد الله بن عمرو بن عثمان تزوَّجا حفيدتي عليّ بن أبي طالب .

        نجدُ هنا أوَّلاً عثمان قلنا هذا تكلَّمنا عنه بالتفصيل .

        *- معاوية بن مروان بن الحكم أخو عبد الملك بن مروان ، هم يقولون الشَّجرة الملعونة هي شجرة مروان بن الحكم .. يقولون هذه هي الشَّجرة الملعونة في القرآن .

        بينما نجدُ أنَّ معاويةَ هذا ابن مروان بن الحكم .. معاوية بن مروان بن الحكم مَنْ يتزوَّج هنا ؟؟؟

        يتزوَّج رملة بنت عليّ بن أبي طالب .. ابن مروان بن الحكم معاوية يتزوَّج بنت عليّ بن أبي طالب .

        فلو كانتْ هذه الشَّجرةُ ملعونةً فهل يزوِّجها عليّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه و أرضاه ؟؟؟!!!!

        فهذا عليّ رضي الله عنه يُزَوِّجُ ابنتَه رملةَ لمعاويةَ بنِ مروان بنِ الحكم .

        *- كذلك عبد الملك بن مروان بن الحكم الخليفة الأموي ،عبد الملك بن مروان نجدُ أنه يتزوَّج أمَّ أبيها بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب .

        هذا عبد الملك بن مروان أيضاً يتزوَّج حفيدة جعفر بن أبي طالب ، ولم يجد عبد الله بن جعفر غضاضةً في أنْ يُزَوِّجَ ابنتَه أم أبيها لعبدِ الملك بنِ مروان الذي يتَّهمونه في دينهِ .

        *- الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان أخو عمر بن عبد العزيز .. عمر بن عبد العزيز له أخٌ اسمُه الأصبغ .

        الأصبغ هذا مَنْ تزوَّج ؟؟؟

        هذا الأصبغ هنا تزوَّج سُكَيْنة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب .. سُكَيْنة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب تزوَّجها الأصبغ بن عبد العزيز أخو عمر بن عبد العزيز .

        قد يقولُ قائلٌ : كأنك ذكرتَ قبل قليلٍ أنَّ سُكَيْنة تزوَّجها حفيدُ عثمان ؟؟

        سُكَيْنة تزوَّجت سِتَّة ، سيأتينا إنْ شاءَ الله الكلام عليها .

        سُكَيْنة تزوَّجت سِتَّة ( الذي يطِّلقها الذي يموت...) يعني ما تجلس ، متى ما طُلِّقَتْ أو تُوُفِّي زوجُها تقدَّم لها آخر ، فمِمَّنْ تزوَّجها حفيدُ عثمان وكذلك حفيدُ مروان ، وهو الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم .

        *- الوليد بن عبد الملك الخليفة الأمويّ .

        الوليد بن عبد الملك الخليفة الأمويّ تُرَى مَنْ تزوَّج ؟؟؟

        تزوَّج زينب بنت الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب .. حفيدة عليّ تزوَّجها الوليد بن عبد الملك الخليفة الأمويّ .

        *- وتزوَّج بنت عمِّها نفيسة بنت زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب .

        يعني الوليد بن عبد المطَّلب الخليفة الأمويّ تزوَّج حفيدتي الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، ولم يجدِ الحسنُ أو أولادُ الحسن في هذا غضاضةً أبداً بل رأوه رَجُلاً كفؤاً وزوَّجوه بنتيهما .

        فهذا بالنِّسبةِ لهذا البيتِ .

        طبعاً عندنا سليمان بن هشام بن عبد الملك .. أيضاً هشام بن عبد الملك الخليفة الأمويّ أو المروانيّ نفس الشيء .

        *- تزوَّج سليمان رملةَ بنت محمَّد بن جعفر بن أبي طالب ، تزوَّجها سليمان بن هشام بن عبد الملك .

        هذه المصاهراتُ تدلُّ على حكمةٍ وهي أنَّ هؤلاء يحبُّ بعضُهم بعضاً وإلا ما تمَّت هذه المصاهراتُ ، وأنا سأنبِّه إلى شيءٍ قريبٍ الآن .

        الآن هنا عندنا الذي هو طرف عبد العزى بن عبد شمس هذا كذلك كانَ له نصيبٌ في المصاهراتِ .

        *- هنا نرى أمامة بنت أبي العاص بن الرَّبيع .. وأبو العاص بن الرَّبيع هذا تزوَّج بنت النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم زينب .

        ابنتُه أمامة مَنْ تزوَّجها ؟؟؟

        تزوَّجها عليّ بن أبي طالب .. عليّ بن أبي طالب تزوَّج أمامة بنت أبي العاص بن الرَّبيع .

        وهنا يأتي السُّؤال: هم الآن يقولون يوجد عداوات !!!

        طيب ..

        إذا كانتْ هناك عداوات لماذا تتمُّ هذه المصاهراتُ ؟؟؟؟!!!

        النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ له أصحابٌ ، نجدُ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صاهرَ أصحابه ، فتزوَّج بنت أبي بكر وبنت عمر ، وزوَّج عثمان وزوَّج عليّاً ، ثم أحفاد النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأحفاد عليّ بن أبي طالب .. نظرنا كيف تمَّت كلُّ هذه المصاهراتِ بينهم .

        طيب ..

        الآن عليّ بن أبي طالب له أصحابٌ و الحسن له أصحابٌ ، و الحسين له أصحابٌ ، و عليّ بن الحسين له أصحابٌ .. تلاميذ ، و الباقر ، و جعفر الصَّادق الخ .

        نقولُ أعطونا واحداً فقط تزوَّج بنتَ واحدٍ منْ هؤلاء ؟؟؟

        يعني ألا يُكْرِمُ عليٌّ أصحابَه ؟؟!!! خاصة أنَّ عليّ بن أبي طالب عنده عشرون بنتاً ، بنات عليّ بن أبي طالب عشرون .

        و لا واحدة زوَّجها شِيعيّا ؟؟!!

        ولا واحدة ؟؟!!!!

        منْ تلاميذه الذين يزعمون أنهم تلاميذُ عليّ بن أبي طالب !!!!!

        ولا واحدة زوَّجها لهم !!!!!!

        بينما النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُصاهرُ أصحابه

        الحسين بني عليّ .. ولا واحدة منْ بناته !!!!!

        انظروا .. سُكَيْنة على سبيل المثال ، وسيأتينا إنْ شاء الله تعالى .

        أُخرجُ لكم فقط الحسين بن علي بن أبي طالب .

        هذا أولاد الحسين.. الحسين كما نشاهدُ هنا كمثال :

        سُكَيْنة بنت الحسين ..هذه سُكَيْنة بنت الحسين

        *- تزوَّجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفَّان

        *- وتزوَّجها عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب

        *- وتزوَّجها مصعب بن الزُّبير بن العَوَّام

        *- وتزوَّجها إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف

        *- وتزوَّجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حِزام

        *- وتزوَّجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان الذي هو أخو عمر بن عبد العزيز .

        أين أصحابُ الحسين والذين خرجوا معه وقالوا نقاتلُ معه ؟؟؟!!!!

        ولا واحد تزوَّج سُكَيْنة بنت الحسين؟؟؟!!!!

        ما فكَّر الحسين يزوِّج واحد منهم!!! يُعطيه سُكَيْنة

        ولا واحد !!!!

        كذلك فاطمة بنت الحسين .. نجدُ أنَّ فاطمةَ بنتَ الحسين أيضاً

        *- تزوَّجها عبد الله بن عمرو بن عثمان

        *- وتزوَّجها الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .

        أين أصحابُ الحسين؟؟!!!

        لماذا لم يُزوِّجهم ؟؟؟؟

        لأنهم لم يكونوا أصحاباً له في يومٍ منَ الأيام لذلك لم يُزَوِّجهم .

        نأتي لعليّ بن الحسين ... أين بناتُ عليّ بن الحسين ؟؟؟؟

        عند أبناءِ الصَّحابة .

        محمَّد الباقر مَنْ تزوَّج ؟؟؟

        تزوَّج حفيدةَ أبي بكر .

        لماذا لم يتزوَّج منَ الشِّيعةِ ؟؟؟!!!

        لماذا لم يتزوَّج بنات أصحابه ؟؟!!!!

        ما تزوَّج .

        هل زوَّج بناته لأصحابهِ ؟؟؟؟

        لا .. لم يُزَوِّجهم .

        إذاً هؤلاء في دعواهم أنهم أصحابُ محمَّد الباقر كَذِبٌ و زُوْرٌ .

        لأنه لو كانوا أصحاباً له لكانَ زوَّجهم وتزوَّج منهم كما فعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

        كذلك جعفر الصَّادق أين بناته ؟؟؟؟

        مَنْ تزوَّج ؟؟؟؟

        تزوَّج كله منْ قريش وزوَّج بناته لقريش .

        لماذا ؟؟؟؟

        لأنه يعرف مَنْ يُناسبُ .. يعرفُ مَنْ يُصاهرُ .. فقضيَّةُ اختيار الزَّوج لابنتي أو اختيار الزَّوجة لنفسي هذه المسألةُ تدلُّ على شيءٍ .. تدلُّ على اختيار هذا البيتِ سواء أتزوَّج منهم أو أُزَوِّجُهم ، هذا بالنِّسبةِ لهذه المصاهراتِ .

        هذا البيت الذي قلتُ لكم هو أكثر بيتٍ تمَّت فيه المصاهراتُ بين آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع هذا البيتِ الكريمِ

        *- وهو بيت الزُّبير بن العَوَّام.. بيت الزُّبير بن العَوَّام أكثر بيت تمَّت فيه مصاهراتٌ مع بني هاشم ، خاصَّة زواج هؤلاء منْ بني هاشم.. يعني هم يتزوَّجون منْ بني هاشم أكثر .

        يعني لو نلاحظ هنا .. هذا الزُّبير بن العَوَّام وهذا عليّ بن أبي طالب .

        انظروا المصاهرات التي تمَّت بين هذين البيتين الكريمين

        *- فهذا عندنا عبيدة بن الزُّبير بن العَوَّام .. ابنه المنذر تزوَّج فاطمة بنت الحسن بن عليّ .

        *- مصعب بن الزُّبير تزوَّج بنات الحسن والحسين .

        *- المنذر بن الزُّبير تزوَّج بنت الحسن و ( المنذر ومحمَّد وفليح ) أولاده منها وتزوَّجوا بنات عبد الله والحسن والحسين.. المنذر وحمزة أنجبا أمينة والحسين .

        وهكذا تجدُ هذا البيت بالذَّات أكثر البيت مصاهرات لآلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم ، وأكثر بيت تزوَّج منْ بناتِ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. فما كانوا يزوِّجون هذا البيت إلا ويرونه بيتاً كريماً .

        أين زرارة بن أَعْيَن ؟؟؟!!!

        أين جابر الجعفي ؟؟؟!!!

        أين هؤلاء الذين يزعمون أنهم أنصارٌ لآلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟؟؟!!!

        لماذا لم يُزَوِّجوهم ؟؟؟!!!

        ما زوَّجوهم لأنهم ليسوا بأهلٍ لهذا الزَّواج .

        هذا بالنِّسبةِ للزَّواج والمسألة حقيقةً تطولُ وكنتُ أريدُ أتوَّسع أكثر لكن الوقت لعلَّه يُضايقُنا .

        *- أنتقلُ فقط إلى الأسماء .

        عادةً الإنسانُ إذا أرادَ أنْ يُسَمِّي ولداً منْ أولادهِ فإنما يُسَمِّي أولادَه بالأسماءِ الحسنةِ ، ولذلك الآن لما تكلَّمنا عن قضيَّة أكثر اسم موجود على الأرض .. اسم مَنْ ؟؟؟

        محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم

        لماذا يُسَمِّي النَّاسُ محمَّداً ؟؟؟؟

        لأجلِ أنَّ الله يحشرُ هذا الإنسانَ مع محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .. يقتدي بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .. يعني هذا الاسم اسم مبارك .. اسم النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. فلذلك النَّاسُ دائماً يحبُّون هذه الأسماء الطيبة فيُسمُّون أولادَهم بهذه الأسماء .

        لو كانَ عليٌّ رضيَ الله عنه كما يقولون يكرهُ أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. تعالوا نشوف أسماء أولاد علي بن أبي طالب وأحفاده .

        *- هذا عندنا أوَّلاً عليّ بن أبي طالب نفسه ...هذا عليّ بن أبي طالب .

        لنرى مَنْ هم أولاد عليّ بن أبي طالب .. هؤلاء أولاد عليّ بن أبي طالب : " عمر بن عليّ بن أبي طالب ، عثمان بن عليّ بن أبي طالب ، أبو بكر بن عليّ بن أبي طالب ".

        لماذا سمَّى أبا بكر وعمر وعثمان ؟؟؟؟

        مع أنَّ عليّاً ما سمَّى هؤلاء إلا بعد وفاةِ أبي بكر وعمر .. لماذا يُسَمِّي بأسمائِهم ؟؟؟؟

        لأنه يحبُّهم رضيَ الله عنهم .

        فما سمَّى بأسماءِ هؤلاء النَّاسِ إلا وهو يحبُّهم رضيَ الله عنه وأرضاه .

        *- كذلك لما نأتي للحسن بن عليّ بن أبي طالب هنا .. ننظر لأبناء الحسن" بعمر و أبو بكر " بل كان يُكَنَّى بأبي بكر الحسن بن عليّ بن أبي طالب.


        *- الحسين بن عليّ بن أبي طالب عنده ولد اسمه " عمر " .


        *-عليّ بن الحسين عنده ولد اسمه " عمر " وعنده ولد اسمه " عثمان " .

        ثم بعد ذلك نصعدُ قليلاً .

        *- هذا جعفر الصَّادق عنده بنت اسمها " عائشة " .. جعفر الصَّادق عنده بنت اسمُها عائشة .

        *-كذلك موسى بن جعفر عنده ولد اسمه جعفر وبنته اسمها " عائشة " .. حفيدته عائشة ..وموسى بن جعفر عنده كذلك "عمر" وعنده "أبو بكر" .

        *-عليّ الرِّضا ..عليّ الرِّضا عنده بنت اسمها " عائشة " .

        *- كذلك عندما نأتي لعليّ الهادي الذي هو العاشر عندهم كذلك عنده بنت اسمها " عائشة " .

        لماذا يُسَمُّون هذه الأسماء ؟؟؟؟

        ما سموا هذا إلا لأنهم يحبُّون هذه الأسماء ويحبُّون مَنْ تُنْسَبُ له هذه الأسماء رضيَ الله عنهم أجمعين .

        إذاً دعوى أنه كانت بينهم عداواتٌ أو أنه كانَ يكرهُ بعضُهم بعضاً هي دعوى كاذبةٌ يُكذِّبها العقلُ ويُكذِّبها التَّاريخُ ويُكذِّبها الثَّناءُ المتبادَلُ بينهم .

        والله أعلى وأعلم وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّد .

        انتهت الحلقة الرابعة
        **************************
        التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 10-01-2012, 02:05 AM. سبب آخر: تنسيق الموضوع


        تعليق


        • #5
          رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

          الحلقة الخامسة من سلسلة آل البيت و الصحابة
          أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه وأرضاه
          الجزء الاول
          إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستيعنُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله منْ شُرورِ أنفسِنا ومنْ سيِّئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يهدهِ الله فلا مُضِلَّ له ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه ، أمَّا بعد :
          فإنَّ خيرَ الكلامِ كلامُ الله وخيرَ الهدْي هديُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وإنَّ شرَّ الأمورِ مُحدثاتُها ، وكلّ مُحْدَثةٍ بدعةٌ ، وكلّ بدعةٍ ضَلالةٌ ، وكلّ ضَلالةٍ في النَّارِ .
          ما زالَ حديثُنا مستمرّاً عن الصَّحْبِ والآلِ ، وقد ذكرنا في
          المحاضرةِ الأولى معنى الصَّحْبِ والآلِ ومكانة كلٍّ منهم وفضلهم
          ثم بعد ذلك تكلَّمنا في الدَّرس الذي تبعَه عن العلاقةِ بين آلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
          ثم تكلَّمنا عنِ الثَّناءِ المتبادلِ بينهم
          ثم تكلَّمنا عنِ الأسماءِ والمصاهراتِ
          وبقيَ لنا ثماني محاضرات ، قلنا هذه المحاضرات الثَّمان سيكونُ حديثُنا فيها عن شخصيَّاتٍ منَ الأصحاب وشخصيَّاتٍ منَ الآل ، ونبدأُ هذه اللَّيلةِ بأوَّل شخصيَّة منْ هذه الشخصيات ، وقلنا إنَّ هذه الشَّخصيات أردنا أنْ تكونَ جمعتْ ، يعني صحابة لهم علاقة بالآل أوآل يكونون منَ الصحابة ، وأوَّل شخصيَّةٍ نبدأ بها هيَ أفضلُ شخصيَّةٍ بعد رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .. حديثُنا هو عن
          عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو التَّيْمِيّ المشهور بأبي بكر الصِّدِّيق
          هذا الرَّجلُ الذي تابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأسلمَ ونصرَ الله تباركَ وتعالى به هذا الدِّين ونصرَ به رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم حتى قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " لو كنتُ مُتَّخِذاً منْ أهل الأرضِ خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً " .
          يلتقي أبو بكر مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مُرَّة بنِ كعب ، وهو قرشيٌّ والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قرشيٌّ كذلك .
          أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه هو أوَّل مَنْ أسلمَ وتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم منَ الرِّجالِ ، إذْ كانَ صديقاً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قبلَ مَبعثهِ ، وبينه وبين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سنتان ، النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أكبر سِنّاً منْ أبي بكر الصِّدِّيق بسنتين ، وذلك أنَّ النبيَّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه وُلِدَ عامَ الفيل وأبو بكر وُلِدَ بعد عام الفيلِ بسنتين .
          وكانَ صديقاً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فلمَّا بُعِثَ صلَّى الله عليه وسلَّم أخبرَ المقرَّبين ومنهم أبو بكر ، فأسلمَ ولم يتردَّد ، ولذلك قالها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعمرَ يوماً : " أرسلني الله إليكم فقلتم كذبتَ وقالَ أبو بكر صدقَ ، و واساني بنفسهِ ومالهِ ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي " .
          فهذا الرَّجلُ له تميُّز .. أوَّل تميُّز له هو أنه أوَّل مَنْ أسلمَ وتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم منَ الرِّجالِ .. نعم أسلمَ قبل أبي بكر خديجة وهي منَ النِّساءِ ، وخديجةُ هي أوَّل مخلوقٍ آمنَ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. أوَّل إنسانٍ آمنَ وتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم خديجة رضيَ الله تباركَ وتعالى عنها .
          ولكن أوَّل رجلٍ آمنَ وتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو أبو بكر الصِّدِّيق .. أبو بكر الصِّدِّيق هذا اللَّقب " الصِّدِّيق " جاءَ منْ عندِ الله جَلَّ و علا ، وذلك أنه صدَّق النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مباشرةً .. لم يتلكَّأ .. لم يتردَّد ، بمجرَّد أنْ قالَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : إني أُرْسِلَ إليَّ و أخبِرتُ أني نبيّ , قالَ : صدقتَ " , وتابعَه وأسلمَ وشهدَ له بالرِّسالةِ
          ولذلك لما عُرِجَ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جاءَ إلى قريش بعد أنْ أُسْرِيَ به إلى بيتِ المقدسِ ثم عُرِجَ به إلى السَّماءِ ، وأخبرَهم بالإسراءِ في بعضِ ليلةٍ ، فاستكبروا الأمرَ .
          إذْ إنهم يُسافرون الأيَّام واللَّيالي منْ مكَّة إلى الشَّام ويرجعون الأيَّام واللَّيالي فكيف يتسنَّى لمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُغادرَ مكَّة إلى الشَّام ثم يعود إلى مكَّة في بعضِ ليلةٍ ؟؟!!
          فاستكبروا ذلك واستعظموه .
          وكانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أوَّل ما رجعَ في هذه اللَّيلةِ المباركةِ في ليلةِ الإسراءِ والمعراجِ لم يرَ أبا بكر وإنما رأى بعضَ كفَّار قريش وأخبرَهم بالذي رآه ، فاستعظموا الأمرَ ، فذهبَ بعضُهم إلى أبي بكرٍ مباشرةً يريدون أنْ يُثنوا أبا بكر عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
          فقالوا له : أوَ ما علمتَ ما قالَ صاحبُك ؟؟؟
          قالَ : وما قالَ ؟؟
          قالوا : إنه يقولُ إنه أُسْرِيَ به منْ مكَّةَ إلى بيتِ المقدسِ ثم رجعَ في اللَّيلةِ ذاتها !!!!
          قالَ : لعلَّكم تَكْذِبون عليه ؟؟
          قالوا : لا والله لقد قالها .
          قالَ : لئنْ قالها لقد صدقَ .
          هم الآن يريدون أبا بكر أنْ يتركَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد هذا الخبرِ الغريبِ الذي لا يمكنُ أنْ يُصَدَّقَ إذا نظرَ الإنسانُ في معطياتِ البشرِ وقُدُراتهم فقالَ : إنْ كانَ قالها فقد صدقَ .
          قالوا: أوَ تُصَدِّقُهُ في هذه ؟؟!!هذا أمرٌ عظيمٌ كبيرٌ كيف تُصَدِّقُه به ؟؟
          أوَ تُصَدِّقُهُ في هذه ؟؟؟
          قالَ: إني أصدِّقه فيما هو أعظم منْ ذلك ، إني أصدِّقه بالخبرِ يأتيهِ منَ السَّماءِ منْ ليلٍ أو نهارٍ .
          قالوا : و منْ ذلك اليوم سُمِّيَ أبو بكر بالصِّدِّيق أو لُقِّبَ بالصِّدِّيق .
          وكانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يحبُّ أنْ يُناديَه بهذا الاسمِ أو بهذا اللَّقبِ ، فكانَ إذا نادى عائشةَ قالَ لها : " يا ابنةَ الصِّدِّيق " .
          وفيه - و العلمُ عند الله تباركَ وتعالى - نزلَ قولُ الله تباركَ وتعالى : " وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ....(33) " سورة الزمر ، الذي جاءَ بالصِّدْقِ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم و صدَّق به أبو بكر رضيَ الله عنه .
          وكانَ عليٌّ رضيَ الله عنه يُقسمُ بالله أنَّ الله هو الذي سمَّى أبا بكر بالصِّدِّيق ..كانَ يُقسمُ بالله لَاسمُ الصِّدِّيق نزلَ منَ السَّماءِ .. لقبٌ منَ الله إكراماً لهذا الرَّجلِ لما قامَ به في نُصْرَةِ هذا الدِّينِ العظيمِ ونُصْرَةِ النَّبيِّ الكريمِ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
          وكانَ لأبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه دورٌ عظيمٌ في الدَّعوةِ إلى الله تباركَ وتعالى .
          يكفيهِ شَرَفاً أنَّ أفضلَ خلقِ الله بعد الأنبياءِ كما هو معلومٌ العشرةُ المبشَّرون بالجنَّة .
          والعشرةُ هؤلاء هم ذُكرو ا في حديثٍ واحدٍ ، قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعليّ في الجنة ، وعبد الرَّحمن بن عوف في الجنة ، وأبو عبيدة في الجنة ، والزُّبير في الجنة ، وسعد في الجنة - سعد بن مالك ، سعد بن أبي وقاص ", قال : " وطلحة في الجنة ، يقول سعيد بن زيد راوي الحديث : وصاحبُكم في الجنَّة " يعني هو العاشر .
          هؤلاء يُقالُ لهم العشرة المبشَّرون بالجنَّة .. بشَّرهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم
          يقولُ أهلُ العِلْمِ : هؤلاء أفضل أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
          أرأيتم هؤلاء العشرة منهم عثمان وطلحة والزُّبير وعبد الرَّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ، هؤلاء الخمسة منَ العشرة كلّهم أسلموا على يدِ أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه .
          النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " مَنْ سَنَّ سُنَّة حسنةً فله أجرُها وأجرُ مَنْ عملَ بها "
          تُرى هؤلاء الخمسة كم عملوا منَ الخير ؟؟
          كم لهم منَ التَّقوى ؟؟
          كم لهم منَ الجهاد والبَذْلِ ؟؟
          كلّ صالحاتهم يُشاركُهم فيها أبو بكر .. هو الذي دلَّهم على هذا الخير ، فبهذا ترتفعُ درجةُ هذا الرَّجل ، وهو رضيَ الله عنه أصدقُهم جميعاً إيماناً .
          ولذلك يقولُ بكر المزني : والله ما فاقَ أبو بكر أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بكثرةِ صلاةٍ ولا كثرةِ صيامٍ ولكنْ بشيءٍ وَقَرَ في قلبهِ .
          إيمان .. تقوى .. دِين .. وقرَ في قلبِ أبي بكر ، مع أنه لم يقصِّر في الأعمال الأخرى .
          ولذلك النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في يومٍ منَ الأيام كانَ أصحابُه قدِ اجتمعوا عنده
          فقالَ لهم : مَنْ أصبحَ منكم اليومَ صائماً ؟
          فقالَ أبو بكر : أنا .
          قالَ :مَنْ تصدَّق منكم اليوم ؟
          قالَ أبو بكر : أنا .
          قالَ :مَنْ عادَ مريضاً ؟
          قالَ أبو بكر: أنا .
          قالَ :مَنْ تبعَ جنازةً ؟
          قالَ أبو بكر : أنا .
          سبَّاق إلى الخير .
          فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :ما اجتمعتْ في امرئ إلا دخلَ الجنَّة .
          رجلٌ كانَ عابداً و داعيةً إلى الله تباركَ وتعالى وغير ذلك منَ الأمور كثير سنتطرَّق إلى ذِكْرِ بعضه بحسبِ ما يتيسَّر لنا منَ الوقتِ .
          أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه وأرضاه كما قالَ عمَّار بنُ ياسر :" رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وما معه إلا خمسة أَعْبُد و امرأتان وأبو بكر "
          ولذلك قلنا إنَّ أبا بكر الصِّدِّيق أوَّل مَنْ أسلمَ منَ الرِّجال الذين تابعوا النبيَّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم
          في بدايةِ الدَّعوةِ لما بدأ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو إلى الله تباركَ وتعالى منَ الطَّبيعيّ جِدّاً وهذا معلومٌ لدى الجميع أنه تعرَّض للتَّكذيب وتعرَّض أيضاً للأذى ، فمنْ ذلك :
          أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في يومٍ منَ الأيام كانَ يدعو النَّاسَ فجاءَه عقبةُ بنُ أبي مُعَيْط منْ خلفهِ ، فقامَ هذا الخبيثُ عقبةُ و وضعَ العمامةَ على عُنُقِ النبيِّ وخنقَه ، أرادَ أنْ يخنقَ النبيَّ منْ خلفهِ ، فصارَ يخنقُ النبيَّ صلَّى الله عليه و سلَّم منْ خلفهِ ، فما كانَ منْ أبي بكر الصِّدِّيق إلا أنْ جاءَ مسرعاً ودفعَ عقبةَ بنَ أبي مُعَيْط عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ثم قرأ قولَ الله تباركَ وتعالى :".... أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ.... (28) " سورة غافر ، وهذا الحديثُ أخرجَه الإمامُ البخاريُّ في صحيحهِ .
          وفي يومٍ منَ الأيام قامَ أبو بكر يدعو مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقامَ المشركون إلى أبي بكر وإلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فامتدَّت أيديهم إلى أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه وأرضاه وصاروا يضربونه ، وكانَ أكثرُ مَنْ قامَ بضربِ أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه عُتبة بن ربيعة ، حتى سقطَ أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه مغشيّاً عليه .. حتى ظنَّ البعضُ أنه قد ماتَ .
          وقالتْ بنو تَيْم قبيلة أبي بكر الصِّدِّيق : لنقتلنَّ عتبة .
          لأنَّ قريشاً قبيلة وهي تجمعُ مجموعةً منَ الأفخاذِ " بنو تيم ، بنو عدي ، بنو أسد ، بنو خزيمة ، بنو مخزوم ، بنو زُهرة ، بنو هاشم ، بنو أميَّة .... أفخاذ " هذه كلُّها تحت مظلَّة قريش ، وهي قبيلةٌ واحدةٌ .
          وكانتْ تيم قبيلة أبي بكر الصِّدِّيق أو فخذ أبي بكر الصِّدِّيق منْ أضعف الأفخاذ ، فتجرَّأت عليه قريش ولم يتجرؤوا على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأنَّ فخذ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بنو هاشم منْ أقوى الأفخاذ في قريش فلم يتجرؤوا عليه، فضُرِبَ أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه حتى سقطَ مغشيّاً عليه حتى ظنَّت تيم أنَّ أبا بكر قد قُتِلَ .. قد ماتَ .
          فقالوا : لنقتلنَّ عتبة ، لأنَّ عتبةَ هو أكثر مَنْ ساهمَ في هذه الجريمةِ .
          ثم حُمِلَ أبو بكر الصِّدِّيق لا يعلمون حيّ أو ميِّت حتى رجعَ إليه وَعيُه ، فلمَّا رجعَ إليه وَعيُه أوَّل ما فتحَ عينَه قالَ : ما صنعَ رسولُ الله ؟؟؟
          كانَ يظنُّ أنَّ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم ضُرِبَ معه وأنه حصلَ للرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم كما حصلَ له رضوانُ الله عليه ، وقد يكونُ الرَّسولُ ماتَ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
          فقالَ : ما صنعَ رسولُ الله ؟؟
          قالوا : هو سالم .. هو سالم .
          وأحضروا له الدَّواءَ والطَّعامَ
          قالَ : لا والله لا آكلُ طعاماً ولا أشربُ شراباً حتى أرى رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم
          فقالوا : ندعوه لك ؟؟
          فقالَ : لا بل تحملوني إليه .
          فَحُمِلَ أبو بكر الصِّدِّيق لا يكادُ يمشي إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى نظرَ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
          فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : لو أتيناك يا أبا بكر .
          قالَ : الآنَ الآن .
          يعني الآن اطمأنَّ قلبي أنك بخير .
          ثم رجعَ ومرض حتى شوفي و عُوفي رضيَ الله عنه وأرضاه .
          أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه بدأ الدَّعوةَ مع النبيِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه
          تُرى قد يقولُ قائلٌ : لماذا اختارَ النبيُّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه أبا بكر الصِّدِّيق رضوانُ الله عليه صديقاً قبل البِعثةِ ؟ وخليلاً بعد البِعثةِ ؟
          أنا قلتُ في البدايةِ إنه ما اتَّخذَ خليلاً صلَّى الله عليه وسلَّم .. لكنَّ صداقتَه مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تُشابهُ الخِلَّة .
          قُربُه منَ النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم ما سببُه ؟؟
          ما سببُ هذا القُرب ؟؟؟
          تقولُ عائشةُ رضيَ الله عنها : لما اشتدَّ المشركون على المسلمين في بدايةِ الدَّعوةِ أمرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعضَ المسلمين أنْ يُهاجروا إلى الحبشةِ .
          وقالَ : " إنَّ بها ملكاً صالحاً لا يُظْلَمُ عنده أحدٌ "
          - مع أنه كانَ نصرانيّاً لكنه كانَ عدلاً -
          فذهبَ إليه بعضُ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومنهم عثمان بن عفان ورقيَّة بنت النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وجعفر بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقَّاص ، وعبد الله بن مسعود ؛ هاجروا الهجرةَ الأولى إلى الحبشةِ .
          بعد هذه الهجرة وجدَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أيضاً ضِيقاً وأذى منْ قريش عندما يدعوهم إلى الله تباركَ وتعالى ، فاستأذنَ أبو بكر النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يخرجَ و يدعو إلى الله تباركَ وتعالى خارجَ هذا الإقليم الضَّيِّق .. خارج قريش كما سيصنع النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مثل ذلك أيضاً عندما يذهبُ إلى الطَّائف ، فخرجَ أبو بكر ، وكانَ أبو بكر تاجراً منْ تجار مكَّة ولكنه في هذه المرَّة خرجَ بغير تجارةٍ ، ليس معه إلا زاد المركب ، فلمَّا بلغَ في طريقهِ مكاناً يُقالُ له بَرْك الغِمَاد لقيَه أميرُ هذه البقعةِ ويُقالُ له ابن الدُّغُنَّة ، عرفَه .. لأنَّ ابنَ الدُّغنَّة له علاقة مع قريش ، يأتي إلى مكَّة ، وأهل مكَّة عندما يخرجون للتِّجارة يمرُّون عليه ، ويعرفُ أبا بكر ويعرف أنه منْ تجَّار مكَّة ، لكن هيأته الآن .. صورته الآن ليستْ صورة تاجرٍ وليس معه أحدٌ ، وليس معه إلا زاد الراكب ، فاستنكرَ ابنُ الدُّغنَّة الوضعَ !!!
          فقالَ له : أبو بكر ؟؟
          قالَ : نعم .
          قالَ : ما لكَ ؟؟ ما الذي حدثَ ؟؟؟
          قالَ : منعني قومي أنْ أدعوَ إلى الله فخرجتُ أسيحُ في الأرضِ أعبد الله سبحانه وتعالى .
          فقالَ ابنُ الدُّغنَّة لأبي بكر : إنَّ مثلَك لا يَخرجُ ولا يُخْرَجُ .
          يعني ألا يعقلُ هؤلاء ؟؟!! كيف يُخرجون مثلَك ؟؟؟!!! أنت وجودُك تتشرَّف به قريش فكيف يُخرجونك ؟؟!! أمَا لهم أحلام ؟؟؟؟!! أمَا لهم عقول ؟؟؟!!
          ارجعْ و ادعُ في مكَّة فإني جارٌ لكَ .. إنك تصلُ الرَّحِم ، وتحملُ الكَلَّ ، وتُقْرِي الضَّيفَ ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ .
          هذه صفاتٌ يصفُ بها ابنُ الدُّغنَّة أبا بكر الصِّدِّيق " تصلُ الرَّحِم .. تحملُ الكَلَّ - الضَّعيف تُساعدُه - .. تُقْرِي الضَّيفَ - تُكرم الضَّيفَ - ..تُعينُ على نوائبِ الحقِّ - مصائب الدُّنيا - .
          وكانَ أبو بكر الصِّدِّيق معروفاً بتحمُّل الدِّيات ، أي أحد يقتلُ أو كانتْ تكونُ عليه دِية أبو بكر يأتي ويتبرَّع بهذه الدِّية ، كانَ يحملُ الدِّيات ، قالَ :و تُعينُ على نوائبِ الحقِّ .
          تعالوا نسترجعُ أوَّل ما بُعِثَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ماذا قالتْ له خديجة لما جاءَها وقالَ لها : زمِّلوني زمِّلوني ؟؟
          قالتْ له : لا والله لا يُخزيك الله أبداً ، فإنك تصلُ الرَّحِم ، وتحملُ الكَلَّ ، وتُقْرِي الضَّيفَ ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ .
          الصِّفاتُ التي وصفتْ بها خديجةُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم هي ذاتُ الصِّفاتِ التي وصفَ بها ابنُ الدُّغنَّة أبا بكر الصديق .
          فأيُّ قُربٍ بعد هذا مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟!
          ولذلك قيلَ إنَّ الطُّيورَ على أشكالِها تقعُ ، فما اختارَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكرٍ عبثاً ولا عبطاً وإنما لتقارُبٍ بين هذين الرَّجلين في أخلاقِهما قبل مَبْعَثِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ و إنْ كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يُوازيهِ أحدٌ في كمالِ الأخلاقِ ، ولكنْ في أصلِ الأخلاقِ فإنَّ أبا بكر يُشاركُه في كثيرٍ منها .
          رجعَ أبو بكر الصِّدِّيق مع ابنِ الدُّغنَّة إلى مكَّة ، فدخلَ ابنُ الدُّغنَّة على أهلِ مكَّة .. على كُبَرَائِها " أبو سفيان ، عقبة بن أبي مُعَيْط ، صفوان بن أميَّة ، أميَّة بن خلف ، أبيّ بن خلف ، شيبة بن ربيعة ، عتبة بن ربيعة ، أبو جهل ، أبو لهب " وغيرهم منْ جبابرةِ ذلك الزَّمان ، دخلَ عليهم ابنُ الدُّغنَّة .
          و ابنُ الدُّغنَّة له مكانةٌ عند قريش .. وهو سيِّد قومهِ
          فقالَ لهم : يا معشرَ قريش أينَ ذهبت أحلامُكم ؟؟!!! أمِِثْلَ أبي بكر يُخْرَج ؟؟!!
          فأنا جارٌ له
          يدخلُ في جواري .. أنا أجيرُ أبا بكر ، تقبلون جواري أو لا تقبلون جواري ؟؟؟
          مشكلة .. هذا الرَّجل له قدرٌ عندهم .
          فقالوا له : قبلنا جوارَك ولكنْ لا يُسمعُنا ما نكرهُ .
          ماذا يكرهون ؟؟؟
          يكرهون سماعَ القرآن .
          قالوا : لا يُسمعُنا ما نكرهُ .. لا يُسمعُنا القرآنَ .
          وكانَ أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه يخرجُ يصلِّي عند بيتهِ فيأتي النَّاسُ يجتمعون إليه يسمعون قراءته ويعجبون لهذا القرآن العظيم ويتأثَّرون.
          قالوا : أهمّ شيء لا يُسمعُنا ما نكرهُ ..لا يدعو .. لا يقرأ القرآن جهراً .
          قالَ ابنُ الدُّغنَّة : لكم هذا .
          لكنْ لا تغيظونا .. لا تهيِّجونا .. لا تتعرَّضوا لنا .
          قالوا : نعم .. في جوارك لا نفعلُ شيئاً .
          رجعَ ابنُ الدُّغنَّة إلى بلدهِ ورجعَ أبو بكر إلى بلدهِ .
          أبو بكر لم يتحمَّل .. لا يستطيعُ أنْ يجلسَ بدونِ أنْ يدعوَ إلى الله تباركَ وتعالى فصارَ يقومُ اللَّيلَ خارجَ بيتهِ فيجتمعُ عليه النَّاسُ ويسمعون قراءتَه ويعجبون منْ هذا القرآنِ .
          فاغتاظتْ قريش ، ولكنهم لا يستطيعون أنْ يفعلوا شيئاً مع أبي بكر لأنَّ هناك اتَّفاقاً مع ابنِ الدُّغنَّة .
          فأرسلوا إلى ابنِ الدُّغنَّة : تعال نريدُك .
          فجاءَ ابنُ الدُّغنَّة إلى قريش .. إلى مكَّة .
          قالوا له : لم يفِ بما وعدَ .
          قالَ : ماذا ؟
          قالوا : يُسمعنا ما نكرهُ .. لا نريدُ أنْ نسمعَ القرآنَ .
          فجاءَ ابنُ الدُّغنَّة إلى أبي بكر ، قالَ : يا أبا بكر إنَّ قومكَ يقولون : إنَّك تُسمعُهم ما يكرهون .
          قالَ : إنه كلامُ ربي .
          قالَ : فأمسكْ عنه .
          قالَ : لا أستطيع .. لا أقدر .. لا أستطيع .
          هنا شعرَ ابنُ الدُّغنَّة بشيءٍ منَ الحرج .. لأنه لما قبلوا جِوارَه اشترطوا عليه أنْ لا يُسمعَهم أبو بكر ما يكرهون ، وهنا ما تحقَّق هذا الشَّرط .
          فقالَ ابنُ الدُّغنَّة لأبي بكر : رُدَّ عليَّ جِواري .
          يعني لا تُحرجني معهم .. رُدَّ عليَّ جِواري .
          قالَ : رددتُ عليك جِوارك ، يكفيني جوارُ الله .
          وبعدها ظلَّ أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه يدعو إلى الله تباركَ وتعالى في مكَّة ولم يخرجْ إلا مُهاجراً مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
          منْ أيِّ الأطرافِ ومنْ أيِّ الأماكنِ والجهاتِ نأتي لنتكلَّمَ عن شخصيَّةِ أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وأرضاه ، يكفينا منْ هذا كلِّه أنَّ هذا الرَّجلَ تميَّز بأمرٍ عظيمٍ ألا وهو :
          أن له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصيَّة .. اختصاص .. لا يشاركُه فيه أحدٌ .. أمور هو والنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
          ولذلك لما تنظر في قولِ الله تباركَ وتعالى عن نبيِّه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم مخاطباً أصحابَه : " إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا... (40) "سورة التوبة
          " ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ " هذه التَّثنية لأبي بكر مع النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
          قالَ أهلُ العِلْمِ : تظهرُ هذه في مجالاتٍ كثيرةٍ .. الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بعده أبو بكر مباشرةً رضيَ الله عنه .. مجالات كثيرة جداً .. أوَّل هذه المجالات وأعظمها :
          \- العِلْم .. لا يختلفُ أحدٌ أبداً أنَّ أعلمَ النَّاسِ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
          مَنْ يأتي بعدَ رسولِ الله ؟؟
          أبو بكر .. مباشرة .
          - دعوا عنكم الأنبياء .. لا أتكلَّم عن الأنبياء أتكلَّمُ عن زمنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى يومِنا هذا
          ودليلُ هذا أمورٌ كثيرةٌ منها وأشهرُها حديثُ أبي سعيد الخدريّ
          يقولُ أبو سعيد الخدريّ : خرجَ علينا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً قُبيلَ وفاته - يعني قبلَ وفاتهِ بأيام - فصعدَ المنبر
          ثم قالَ : " إنَّ رجلاً خيَّره الله تباركَ وتعالى بين الدُّنيا وزهرتها وبين ما عند الله فاختارَ ما عند الله " .
          يقولُ أبو سعيد : فبكى أبو بكر
          وقالَ : فديناك بآبائنا وأمَّهاتنا يا رسولَ الله .
          أبو سعيد يقولُ : فعجبنا له .. يُخبرُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن رجلٍ خُيِّرَ ويبكي أبو بكر !!!
          يعني : " فديناك بآبائنا وأمَّهاتنا " ما دخلُها في قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنَّ رجلاً خيِّر بين الدُّنيا وزهرتها وبين ما عند الله " ؟؟؟؟
          بعد مدَّة عرفَ النَّاسُ مَنْ أرادَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولذلك النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فهمَ أنَّ أبا بكر أدركَ المعنى فقالَ مباشرةً لما قالَ أبو بكر : فديناك بآبائنا وأمَّهاتنا يا رسولَ الله .
          قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :"إنَّ أَمَنَّ النَّاس عليَّ بنفسهِ ومالهِ أبو بكر ، ولو كنتُ متَّخذاً منْ أهلِ الأرضِ خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكر خليلاً "
          ثم قالَ : " ألا لا تبقين خَوْخَة في المسجد إلا سُدَّتْ إلا خَوْخَة أبي بكر" .
          يقول أبو سعيد : فكانَ رسولُ الله هو المخيَّر وكانَ أبو بكر أعلمنا .
          نعم كانَ أبو بكر أعلمَ أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بلا استثناء .
          - ويكفيه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما جاءته امرأةٌ تسألُه
          فقالتْ : يا رسولَ الله ، أرأيتَ إنْ جئتُ منَ العام القادم ( أي لأسألك ) فلم أجدْك - تقصد الموت - فإلى مَنْ ؟؟؟
          أذهبُ إلى مَنْ ؟؟؟
          قالَ:اِئتي أبا بكر"
          ائتي أبا بكر .
          - ويقولُ صلَّى الله عليه وسلَّم : " مُرُوا أبا بكر فليُصلِّ بالنَّاسِ ، مُرُوا أبا بكر فليُصلِّ بالنَّاسِ " .
          فقيلَ له : إنَّ أبا بكر رجلٌ أسيفٌ .. حزين .. إذا قامَ يُصَلِّي لا يُسْمِعُ النَّاسَ منْ بكائهِ .
          قالَ : " يأبى الله والنبيُّون إلا أبا بكر " .
          القضيَّة ليستْ مجرَّد واحد يسدُّ المكانَ .. لا ، الرَّجلُ مقصودٌ .. الرَّجلُ مطلوبٌ .
          قالَ : " يأبى الله والنبيُّون إلا أبا بكر "
          وفي رواية : " يأبى الله ورسولُه والمؤمنون إلا أبا بكر " .
          فقُدِّم أبو بكر .
          *- أثبتُ النَّاسِ عند المصيبةِ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، بعدَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبو بكر
          ولذلك نجدُ أنَّ أعظمَ مصيبةٍ أُصيبتْ بها البشريةُ منذ آدم حتى تقوم السَّاعةُ هي وفاة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
          بل جاءَ في الحديثِ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " إذا أُصِيبَ أحدُكم بمصيبةٍ فليتذكَّر مصيبته فيَّ فإنها أعظمُ المصائبِ " .
          أعظمُ مصيبةٍ هي وفاةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وإنما يظهرُ الجلَدُ ويظهرُ الإيمانُ وتظهرُ القوَّة عند المصائبِ .. هنا يبينُ المعدنُ .
          النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رأى امرأةً تبكي عند القبر لم تصبر .. لم تتحمَّل فجاءَها وقالَ : " اصبري أمةَ الله "
          ولم تعرفْ أنَّ هذا هو الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم
          فقالتْ : إليك عني فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي .
          تركَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، لأنَّ هذا ليس وقت نقاش وجدال ، تركَها صلَّى الله عليه وسلَّم .
          جاءَها أبو بكر مباشرةً قالَ لها : ويحكِ أوَ ما تدرين مَنْ تكلِّمين ؟؟؟
          كيف تتكلَّمين مع رسولِ الله هكذا ؟؟!!
          قالتْ : هذا رسول الله ؟؟؟
          قالَ : نعم .
          قالتْ : والله ما عرفتُه .
          وكانَ الرَّسولُ قد ذهبَ إلى بيتهِ ، فذهبتْ إلى بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو إلى مسجدهِ .
          تقولُ : فما وجدتُ بوَّاباً .
          فدخلتُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
          قالتْ : والله يا رسولَ الله ما عرفتك ، فأنا أصبرُ الآن .
          قالَ : " إنما الصَّبرُ عند الصَّدمةِ الأولى "
          هذا الصَّبر عند الصَّدمة .
          الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " ليس الشَّديدُ بالصُّرعة - الذي يصرع النَّاسَ ويغلبُهم ، لا ، لا الشَّديد الذي يملكُ نفسَه عند الغضبِ " .
          لما أُخْبِرَ النَّاسُ بوفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ماذا حدثَ لهم ؟
          بعضُهم ما يكادُ يستطيعُ أنْ يقفَ منَ المصيبةِ
          بعضُهم جلسَ في بيتهِ
          بعضُهم لم يصدِّق الخبرَ
          الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم ماتَ ؟؟!!!
          الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم تُوُفِّي ؟؟!!!
          الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم ذهبَ ؟؟!!
          ليس هناك رسول الله بعد اليوم ؟؟؟!!
          صدمةٌ ما بعدَها صدمة
          وكانَ أبو بكر رضيَ الله عنه قد استأذنَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في ذلك اليوم .. لأنَّ أبا بكر كانَ يصلِّي في النَّاسِ صلاةَ الفجرِ .
          فخرجَ إليهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، يقولُ أنس : فلما رأيناه فكأنَّ وجهه قمر .
          فبعدَ الصَّلاةِ استأذنَ أبو بكر النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يذهبَ إلى زوجتهِ حبيبة بنت خارجة في العُلا قريب منَ المدينة أنْ يذهبَ إليها لأنه منْ مدَّة لم يأتها ، فأذنَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وذلك فجر الاثنين ، قدَّر الله تباركَ وتعالى أنه تُوُفِّيَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم آخر الضُّحى .
          فأُرْسِلَ رسولٌ إلى أبي بكر تُوُفِّيَ رسولُ الله ، فجاءَ أبو بكر مسرعاً .
          والرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم تُوُفِّيَ في بيتِ عائشةَ رضيَ الله عنها ، فدخلَ أبو بكر وإذا الرَّسولُ مُسَجَّى وغُطِّيَ وجهُه صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
          فكشفَ عن وجهِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثم قبَّل بين عينيه على جبهتهِ
          ثم قالَ : طِبتَ بأبي أنت وأمي يا رسولَ الله حيّاً وميتاً ، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبداً ، أمَّا الموتة الأولى فقد متَّها.
          ثم خرجَ إلى النَّاسِ وإذا النَّاسُ فوضى ، كما يُقالُ :
          لا يصلحُ النَّاسُ فوضى لا سُرَاةَ لهم
          كانوا كذلك
          وإذا عمر رضيَ الله عنه يصيحُ بالنَّاسِ : مَنْ قالَ إنَّ محمَّداً قد ماتَ قتلتُه بسيفي هذا ، والله ما ماتَ .
          لأنه ما كانَ أحدٌ يتمنَّى أنْ يموتَ رسولُ الله ، كلُّهم كانوا يتمنَّون أنْ يموتوا في حياةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم
          فقالَ : " مَنْ قالَ إنَّ محمَّداً قد ماتَ قتلتُه بسيفي هذا ، والله ما ماتَ ، وإنما غابَ كما غابَ موسى - لما ذهبَ موسى إلى ميقاتِ ربِّه - ولَيرجِعَنَّ فلَيقطعَنَّ أيديَ وألسنةَ رجالٍ منَ المنافقين " يعني الذين فرحوا بموتهِ صلَّى الله عليه وسلَّم .
          فخرجَ أبو بكر منْ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وإذا عمر يصيحُ بالنَّاسِ والنَّاسُ منْ حولِ عمر ساكتين واجمين ، طبعاً والمنافقون فرحون .
          فجاءَ أبو بكر إلى عمر قالَ : هوِّن عليك يا عمر ، أدخلْ سيفَك في غِمدهِ .
          فعمرُ أيضاً لا يلتفتُ إلى أبي بكر .. منهار .. مصيبة عظيمة جداً
          فتركَه أبو بكر رضيَ الله عنهما ثم صعدَ المنبر
          ثبات.. المصيبةُ تحتاجُ إلى ثباتٍ فكانَ الثَّباتُ منْ أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه.
          ثم قالَ للناس بعد أنْ صعدَ المنبر وحمدَ الله وصلَّى على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
          ثم قالَ: يا أيها النَّاسُ مَنْ كانَ يعبدُ محمَّداً فإنَّ محمَّداً قد ماتَ ، ومَنْ كانَ يعبدُ الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموتُ ، ثم قرأ عليهم قولَ الله تباركَ وتعالى : " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) "سورة آل عمران
          يقولُ ابنُ عبَّاس ويقولُ أنس :" فلمَّا قرأها أبو بكر هدأ النَّاسُ
          حتى قالَ ابنُ عبَّاس : " والله لكأنَّنا أوَّل مرَّة نسمع هذه الآية , وهي نازلةٌ في سورةِ آلِ عمران .
          يقولُ أنس : فصارَ النَّاسُ يُرَدِّدون هذه الآية .
          أيقنوا الآن أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد تُوُفِّيَ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
          فثبتَ أبو بكر رضيَ الله عنه عند هذه المصيبة .
          والوقتُ قد ضايقَنا ولا أظنّ أنه يمكننا أنْ نُكملَ سيرةَ هذا الرَّجلِ رضيَ الله عنه في مثلِ هذه الجلسةِ لذلك أكملُ الحديثَ عن أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه في الجلسةِ القادمةِ إنْ شاءَ الله .
          والله أعلى وأعلم ، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد .
          انتهت الحلقة الخامسة
          التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 10-01-2012, 01:26 AM. سبب آخر: تنسيق الموضوع


          تعليق


          • #6
            رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

            الحلقة السادسة من سلسة آل البيت والصحابة رضوان
            أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه الجزء الثاني
            بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدُ لله ربِّ العالمين ، الحمدُ لله وليّ الصَّالحين والصَّلاةُ والسَّلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين نبيِّنا وإمامنا وحبيبِنا وقرَّة عينِنا وسيِّدنا محمَّد بن عبد الله وعلى آلهِ وصحابتهِ أجمعين ، أمَّا بعد :
            فما زلنا مع هذه السِّلسلةِ المباركةِ منَ الحديثِ عن آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحبهِ ، وقدَّمنا بأربعِ محاضراتٍ عن التَّعريفِ بالصَّحابةِ وآلِ البيتِ وبيانِ مكانتِهم وفضلِهم ، وتحدَّثنا كذلك عن حقوقِهم ، وتحدَّثنا عن شخصيَّات في هذين البيتين الكريمين بيتِ الصَّحابةِ وبيتِ آلِ البيتِ ، واخترنا ثماني شخصيَّات ، وما زلنا مع الشَّخصيَّة الأولى وهي شخصيَّة
            أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه
            وهو يمثِّل رأسَ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
            وذكرنا أنَّ أبا بكر الصِّدِّيق هو أوَّلُ مَنْ أسلمَ منَ الرِّجال ، وكانَ صاحباً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قبلَ بِعثتهِ ، وصاحباً له بعد بِعثتهِ ، وصاحباً له حتى توفَّاه الله تباركَ وتعالى ، وصاحباً له بعد وفاته حيثُ دُفِنَ بجانبِ النبيِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
            أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه تميَّز عن سائرِ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بخصيصةٍ ، وهذه الخصيصة تضمَّنت أموراً كثيرةً .
            يقولُ الله تباركَ وتعالى عن نبيِّه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم مخاطباً أصحابَ النبيِّ ومعاتباً ؛ قالَ جلَّ وعلا : " إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ... (40) " سورة التوبة .
            وذكرنا أنَّ أهلَ العِلْمِ يقفون طويلاً عند هذه الآيةِ
            عند قولهِ تباركَ وتعالى : " ثَانِيَ اثْنَيْنِ "
            وقد نبَّه كثيرٌ منْ أهلِ العِلْمِ على أنَّ قولَ الله تباركَ وتعالى : " ثَانِيَ اثْنَيْنِ "
            ليستِ القضيةُ قضيَّةً عدديَّةً ، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم واحدٌ ، فإذا كانَ أبو بكر رضيَ الله عنه مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم صارا اثنين .. لا ، بل إنَّ التَّثنيةَ مقصودةٌ منْ وجوهٍ شتَّى ، ونذكرُ هذه الوجوهَ على سبيلِ السُّرعةِ ثم نفصِّل في بعضِها .
            هذه التَّثنيةُ التي تميَّز بها أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه تشملُ ابتداءً
            - " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في الدَّعوةِ إلى الله .. فهو أوَّل مَنْ أسلمَ وتابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ودعا إلى الله معه .
            *- ثم هو " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في الأخلاقِ .. إذْ إنَّ صفاته تُشبهُ صفات النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منْ حيثُ الأصل لا منْ حيثُ التفاصيل ، وذكرنا مثالاً على ذلك قول خديجة أمّ المؤمنين رضوان الله عليها للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما أتاهُ الوحيُ وخافَ ورجعَ إليها ترتعدُ فرائصُه
            فقالتْ له :والله لا يُخزيكَ الله أبداً ، فإنك تَصِلُ الرَّحِم ، وتحملُ الكَلَّ ، وتُقري الضَّيفَ ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ .
            ولما خرجَ أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه منْ مكَّةَ مهاجراً لقيَه ابنُ الدُّغُنَّة وحاولَ أنْ يمنعَ أبا بكر الصِّدِّيق منَ الهجرةِ ، ووصفَه بأوصافٍ منها
            أنه قالَ له:إنك تَصِلُ الرَّحِم ، وتحملُ الكَلَّ ، وتُقري الضَّيفَ ، وتعين على نوائبِ الحقِّ .
            فالوصفُ الذي وصفتْ به خديجةُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو الوصفُ الذي وصفَ به ابنُ الدُّغُنَّة أبا بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه .
            - ثم هو " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في مشورةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. إذْ كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يستشيرُه دائماً ، وأشهر ما في ذلك لما تأيَّمتْ حفصةُ بنتُ عمر ، أي لما تُوُفِّيَ زوجُها ، عرضَها عمرُ على عثمانَ بنِ عفَّان حتى يتزوَّجها .
            فقالَ عثمانُ رضيَ الله عنه : أنظرُ في أمري اللَّيلةَ وأخبرُك غداً .
            فجاءَ عثمانُ منَ الغَدِ فقالَ لعمرَ : أرى أني لا أتزوَّج .
            فعرضَها عمرُ على أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنهما فسكتَ ولم يردّ عليه .
            ثم خطبَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
            عندها ذهبَ أبو بكر إلى عمرَ وقالَ له : لعلَّك أخذتَ عليَّ إذْ لم أردّ عليكَ ؟؟
            قالَ : إي نعم .. إي والله لقد أخذتُ .
            قالَ : والله ما منعني أنْ أقبلَها إلا أني سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يذكرُها .
            والرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ يستشيرُه في أمثالِ هذه الأمورِ رضيَ الله عنه وأرضاه
            -" ثَانِيَ اثْنَيْنِ " عند النَّاس كلِّهم .. يعلمون منزلةَ أبي بكر منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بل منَ الإسلام .
            وذلك أنه في غزوةِ أحد لما أشاعَ ابنُ قَميئة أنه قتلَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندها توقَّف القتالُ ، فلمَّا توقَّف القتالُ وكانتْ قريش قد أصابتْ منَ المسلمين عدداً لا بأسَ به ، حيث قتلوا عدداً قريباً منْ سبعين ، وكانوا يظنُّون بناءً على دعوى ابنِ قميئة أنَّ النبيَّ قد قُتِلَ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
            وهذا بحدِّ ذاتهِ هو المطلبُ الرئيسيُّ الذي كانتْ تطلبُه قريش ، عندها صاحَ أبو سفيان ليتأكَّد منْ هذا الخبر بعد أنْ توقَّف القتالُ .
            صاحَ بالمسلمين قائلاً : أفيكم محمَّد ؟؟
            فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : لا تجيبوه .
            فأعادَها ثانيةً : أفيكم محمَّد ؟؟
            والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : لا تجيبوه .
            أفيكم محمَّد ؟؟
            والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : لا تجيبوه .
            ثم ماذا قالَ أبو سفيان ؟؟؟
            قالَ : أفيكم أبو بكر ؟؟
            أفيكم أبو بكر ؟؟
            أفيكم أبو بكر؟؟
            ثم لما انتهى قالَ : أفيكم عمر ؟؟
            أفيكم عمر ؟؟
            أفيكم عمر ؟؟
            والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : لا تجيبوه .
            عندها فرحَ أبو سفيان ظنّاً منه أنَّ النبيَّ وأبا بكر وعمر قد قُتِلُوا .
            فقالَ : أمَّا هؤلاء فقد كُفيتموهم .. يعني قُتِلُوا .
            فلم يتحمَّل عمرُ رضيَ الله عنه
            فصاحَ وقالَ : بل أبقى الله لكَ ما يُخزيك يا عدوَّ الله ، فهذا رسولُ الله وهذا أبو بكر وأنا عمر .
            فقالَ أبو سفيان لعمرَ : آلله !!!
            يعني تُقسمُ بالله أنَّ محمَّداً لم يُقتلْ ولا أبو بكر وأنتَ عمر ؟؟ .. هو عرفَه على كلِّ حالٍ منْ صوتهِ .
            قالَ : آلله .. أي أقسمُ بالله
            عندها قالَ أبو سفيان : والله يا عمرُ لأنتَ أصدقُ عندي منِ ابنِ قَميئة .
            الذي ادَّعى أنه قتلَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم
            -" ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في الصَّلاةِ .. لما مرضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم
            قالَ : " مُرُوا أبا بكر فليُصلِّ بالنَّاسِ "
            ليسَ كلّ أحد .. أبو بكر هو الذي يصلِّي بالنَّاس .. حتى إنَّ أمَّنا عائشةَ رضيَ الله عنها حاولتْ أنْ تعتذرَ لأبي بكر حبّاً في أبيها ، وذلك أنها خشيتْ أنَّ النَّاسَ قد يكرهون أبا بكر .. كيف يُصلِّي بهم والنبيُّ موجودٌ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟؟؟!!
            فيتضايقون منْ ذلك .
            فقالتْ شفقةً على أبيها :يا رسولَ الله إنَّ أبا بكر رجلٌ أسيفٌ ..
            أسيف يعني حزين ، كما قالَ يعقوبُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : " .... يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ... (84) " سورة يوسف ، أي واحزناه .
            .. إنَّ أبا بكر رجلٌ أسيفٌ إذا قامَ يصلِّي لا يُسْمِعُ النَّاسَ منْ بكائهِ ، وهو يقرأ " .
            فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " مُرُوا أبا بكر فليُصلِّ بالنَّاسِ " .
            وفي روايةٍ أنهم قدَّموا عمرَ فقامَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم
            وقالَ : " مُرُوا أبا بكر أنْ يصلِّي بالنَّاسِ ، يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " .
            القضيَّة ليست اختياريَّة .. عندما يقدِّم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكر للصَّلاةِ .
            - " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في الحجِّ .. لما فتحَ الله مكَّة لنبيِّه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم في رمضانَ منَ السَّنةِ الثَّامنةِ رجعَ إلى حُنين ومنْ ثم رجعَ إلى المدينةِ ، وأمَّر عتَّاب بنَ أسيد على مكَّة وحجَّ بالنَّاسِ .
            ثم كانتِ الحجَّة التي بعدها في السَّنةِ التَّاسعةِ ، وخرجَ المسلمون منَ المدينةِ للحجِّ .. أمَّرَ أبا بكر على الحجِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
            *-" ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في العِلْمِ .. هو أعلمُ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بلا استثناء .
            وقد أخبر أبو سعيد الخدريّ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قبل وفاتهِ بأيَّام .. بالضَّبط قالوا إنه في يوم الخميس وهو قد تُوُفِّيَ في يوم الاثنين صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
            وجدَ في نفسهِ خِفَّة " أي صِحَّة منَ المرض " فخرجَ صلواتُ ربي وسلامُه عليه ثم حدَّث النَّاسَ قائلاً : "إنَّ رجلاً خيَّره الله بين زهرةِ الحياة الدُّنيا وبين ما عندَ الله فاختارَ ما عندَ الله " .
            يقولُ أبو سعيد : فبكى أبو بكر ..
            وقالَ : فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسولَ الله .
            قال أبو سعيد : فعجبنا له !! يخبرُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن رجلٍ خيِّر .. ويبكي أبو بكر !!
            يعني ما دخلُ هذا بهذا .
            بعد مدَّة فهمَ أبو سعيد كما فهمَ غيرُه أنَّ المخيَّر هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
            يقولُ أبو سعيد : فكانَ رسولُ الله هو المخيَّر وكانَ أبو بكر أعلمَنا .
            نعم ..كانَ أعلمَ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. كانَ النَّاسُ في زمنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا اختلفوا في شيءٍ رجعوا إلى النبيِّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه فيفصلُ بينهم ويحكمُ وينتهي الخلافُ وينقضي .
            فلمَّا تُوُفِّيَ صلواتُ ربي وسلامُه عليه قامَ مكانَه أبو بكر ، فكانَ الأمرُ كما هو في زمنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ما اختلفوا في شيءٍ إلا فصلَ فيه أبو بكر وينتهي الخلاف ، لا يفصلُ إلزاماً ويبقى في النفوسِ شيءٌ .. لا ، وإنما يفصلُ وينتهي الخلافُ .
            وضربَ أهلُ العِلْمِ بذلك أمثلة .. منْ ذلك :
            - اختلفوا في وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. أين يُدْفَنُ ؟؟
            تُوُفِّيَ في بيتِ عائشةَ صلواتُ ربي وسلامُه عليه ورضوان الله عليها .
            أين يُدْفَنُ ؟؟
            يعني تصوَّروا أنتم أناس أوَّل مرة يعيشُ بين ظهرانيهم نبيّ
            وهذا نبيٌّ ليسَ كسائرِ البشرِ .
            هل ندفنُه في البقيع مع عامَّة المسلمين ؟؟؟
            هل نجعلُ له مقبرةً خاصَّة ندفنُه فيها ؟؟
            هل ندفنُه في مكانهِ ؟؟؟
            ماذا نصنعُ ؟؟؟
            أوَّل مرَّة يموتُ بين أيدينا نبيّ ..فكانَ الحكَمُ الفَصْلُ بينهم أبا بكر رضيَ الله عنه وأرضاه .
            فقالَ : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " الأنبياءُ يُدفنون حيثُ يموتون " .
            فحرَّكوا سريرَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وحفروا تحته ودفنوه في بيتهِ صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
            - اختلفوا بعد وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في جيشِ أسامة ، النبيُّ صلواتُ ربي وسلامُه عليه كانَ قد جهَّز جيشَ أسامة لغزوِ العربِ الخونةِ الذين وقفوا مع الرُّوم في معركةِ مؤتة .. حيثُ استُشهدَ هناك زيدُ بنُ حارثة ، جعفر بن أبي طالب ، عبد الله بن رواحة ، وكانَ نصارى العرب قدِ اتَّحدوا مع نصارى الرُّوم وغدروا بالمسلمين .
            فأرادَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُؤدِّب نصارى العربِ ، فجهَّز جيشاً بقيادةِ أسامة بنِ زيد ، بينما الجيشُ يتجهَّز وهو أيضاً لا يريدُ أنْ يتحرَّك حتى يطمئنَّ على حالِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حيثُ إنَّ النبيَّ كانَ مريضاً قُبيلَ وفاتهِ صلواتُ الله وسلامُه عليه باثني عشرَ يوماً .
            فكانوا يتردَّدون على النبيِّ صلواتُ الله وسلامُه عليه ، حتى كانَ يوم الأحد والنبيُّ تُوُفِّيَ يوم الاثنين صلواتُ ربي وسلامُه عليه ، في يوم الأحد جاءَ أسامةُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يودِّعه أنهم سيسافرون للجهادِ
            يقولُ أسامةُ رضيَ الله عنه : فرأيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينظرُ إلى السَّماءِ فعلمتُ أنه يدعو لي .
            وكانَ أسامةُ حِبَّ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .. يحبُّه كثيراً صلَّى الله عليه وسلَّم .
            يقولُ : فرأيته ينظر إلى السَّماءِ فعلمتُ أنه يدعو لي صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
            فخرجَ أسامةُ يومَ الأحدِ ، ثم عسكروا في الحُرُقَات ( مكان قريب من المدينة ) حتى يجتمعَ الجيشُ كلُّه ثم ينطلقون ، فباتوا هناك على أنْ ينطلقوا منَ الصَّباحِ ثم جاءَ خبرُ وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يتحرَّكِ الجيشُ .
            فلمَّا تُوُفِّيَ صلواتُ ربي وسلامُه عليه قالوا ماذا نفعلُ ؟؟
            هل نُسيِّر الجيشَ كما أرادَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو نُبقيهِ في المدينةِ لأننا سمعنا عن قضيَّة ارتداد ؟؟؟
            هناك منْ قبائلِ العربِ مَنِ ارتدَّ عن دينِ الله تباركَ وتعالى وقد نحتاجُ إلى هذا الجيشِ ليدافعَ عن المدينةِ .
            فهل نسيِّر الجيشَ أو نُبقيهِ خطَّ دفاعٍ في المدينةِ ؟؟
            لأنَّ الأمورَ تغيَّرت .. لأنَّ هؤلاء المرتدِّين ما أظهروا رِدَّتهم إلا بعد وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فإذا أضفنا إلى المرتدِّين وجود قبائل العرب المشركة ، وأضفنا إلى المرتدِّين وجود جماعة منَ المنافقين يعيشون بين ظهرانيهم ، وإذا أضفنا إلى المرتدِّين جماعات منَ اليهود كانوا قريبين جدّاً منَ المدينةِ ؛ وجدنا أنَّ الأمرَ فيه خطورةٌ .
            فقالَ بعضُ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : بل يبقى الجيشُ حتى تستقرّ الأمورُ ثم بعد ذلك نُسيِّر هذا الجيشَ .
            فقامَ فيهم أبو بكر .. قالَ : والله لرايةٌ عقدَها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما كانَ لأبي بكر أنْ يُنزلَها ، بل يذهب الجيشُ .
            وفعلاً خرجَ الجيشُ وأدَّب العربَ وألقى الله الرُّعبَ في قلوبِ المرتدِّين والمنافقين واليهود والمشركين .
            وذلك أنهم قالوا في أنفسِهم : إذا كانوا يُخرجون جيشاً في مثلِ هذه الظُّروفِ إذاً الذي بقيَ أقوى منْ هذا الجيشِ , وذلك استجابةً لما أرادَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
            - اختلفَ أصحابُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قتالِ المرتدِّين
            هل نقاتلُهم أو نتألَّف قلوبَهم ؟؟
            فأبى أبو بكر إلا أنْ يُقاتلَهم ، وحاولَ عمرُ أنْ يثنيَ أبا بكر عن قتالِ مانعي الزَّكاةِ الذين انضمُّوا إلى المرتدِّين في تمرُّدهم
            حتى قالَ عمرُ لأبي بكر الصِّدِّيق : كيف تقاتلُهم وقد قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" أمِرْتُ أنْ أقاتلَ النَّاسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله " وهؤلاء قد قالوها .
            يعني الذين منعوا الزَّكاةَ
            فقالَ أبو بكر : والله لأقاتلنَّ مَنْ فرَّق بين الصَّلاةِ والزَّكاةِ ، فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المال ، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لقاتلتُهم عليه .
            والعِقالُ هو حبلُ النَّاقةِ .
            وفي رواية : لو منعنوني عَنَاقاً ( أي سخلة صغيرة )كانوا يؤدُّونها إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لقاتلتُهم عليها .
            ثم بعد ذلك أنارَ الله قلوبَ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأرشدها إلى قولِ أبي بكر ، وإلى اليوم يحمد النَّاسُ رأي أبي بكر رضيَ الله عنه في قتالهِ للمرتدِّين.. إلى اليوم .
            - أعلمُ النَّاسِ أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه ، لما جاءته فاطمةُ بنتُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تُطالبُ بميراثها أخبرَها أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : " لا نُوْرَثُ ما تركناه فهو صدقة " .
            ما تقومُ مسألةٌ إلا و يُنهيها أبو بكر رضيَ الله تباركَ وتعالى عليه .
            نعودُ إلى الثُّنائيَّة .. هو
            - " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في هجرته .. كلَّما جاءَ أحد أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إليه يستأذنُه بالهجرةِ
            قالَ :نعم.. فاذهبْ إنْ شئتَ .. نعم هاجر ..إلا اثنين .. منعَ عليَّ بنَ أبي طالب ومنعَ أبا بكر .. يستئذنان في الهجرة فيقولُ :لا
            حتى جاءَ اليومُ الذي أذِنَ الله فيه لأبي بكر أنْ يُهاجرَ
            فجاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أبي بكر فقالَ : إنَّ الله قد أذِنَ لي بالهجرةِ
            فقالَ أبو بكر رضيَ الله عنه : الصُّحبة يا رسولَ الله ( أي أسألُك الصُّحبةَ ) الصُّحبة يا رسولَ الله .
            قالَ :نعم .
            ثم أتى عليّاً فأمرَه أنْ يبقى في مكَّة ليؤدِّي الأمانات إلى أهلها .
            إذْ إنَّ قريشاً على خُبثها وكُفرها واتِّهامها للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأنه كذَّاب ومجنون وساحر وكاهن وشاعر وغير ذلك منَ الاتهامات ما تضعُ أماناتها إلا عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، أبداً .. لا يضعون الأمانات إلا عنده صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
            فكانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد أبقى عليّاً ليردَّ الأمانات ولم يأخذها له صلواتُ ربي وسلامُه عليه ، لأنه مربِّي صلَّى الله عليه وسلَّم ، وقد قالَ لنا :" أدِّ الأمانة لمن ائتمنك ولا تخنْ مَنْ خانك " .
            الله جَلَّ وعلا يقولُ : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا (58) " سورة النساء
            فأدَّى الأمانات ، طلبَ منْ عليّ أنْ يبقى في مكَّة شرَّفها الله ليؤدِّي الأمانات إلى أهلِها ، فهاجرَ أبو بكر مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتشرَّف بهذه الصُّحبةِ .
            -" ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في الخلافة .. لما جاءتِ امرأةٌ للنبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم تسألُه عن مسائلَ فأجابها ثم أمرَها أنْ تعودَ منَ العام القادم .
            فقالتِ المرأةُ : أرأيتَ - تقولُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم - أرأيتَ إنْ جئتُ منَ العام القادم فلم أجدك فإلى مَنْ ؟؟ يعني أذهبُ إلى مَنْ إذا لم أجدك .
            فقالَ : " ائتي أبا بكر "
            وقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعائشةَ : "ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَاباً فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ " ، فهو " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في الخلافة .. ولذلك قالها عمرُ لأهلِ السَّقيفةِ : أيُّكم تطيبُ نفسُه أنْ يتأمَّر على قومٍ فيهم أبا بكر ؟؟!!
            لا يمكنُ
            -أبو بكر " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في الفضل .. لما جاءَ عمرو بن العاص رضيَ الله عنه وأرضاه إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
            فقالَ له : مَنْ أحبُّ النَّاسِ إليك ؟؟
            قالَ :عائشة .
            قالَ : ومنَ الرِّجالِ ؟؟
            قالَ :أبوها .
            ولما سُئِلَ عليٌّ رضيَ الله عنه وأرضاه مَنْ خيرُ النَّاسِ بعد رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟
            قالَ : أبو بكر .
            فهو " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في الخيريَّةِ والفضلِ والمكانةِ
            -" ثَانِيَ اثْنَيْنِ " في الرِّفقة .. كانَ مرافقاً للنبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكثيراً ما يجلسُ معه ويُسامرُه
            حتى قالَ عليٌّ رضيَ الله عنه وأرضاه : إنني كثيراً ما كنتُ أسمعُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " كنتُ أنا وأبو بكر وعمر ، وجئتُ أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر " ، فكانَ ملازماً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
            وفي الحديثِ المشهورِ ، حديثِ أبي موسى الأشعريّ" لما جاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "فدخلَ حائطاً "والحائطُ هو البستانُ الصَّغيرُ المحوَّط بِسُورٍ , يقولُ : فدخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حائطاً فكانَ في الحائطِ بئرٌ صغيرٌ ، فجلسَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على حافَّة البئرِ و دلَّى رجليهِ , فقالَ أبو موسى رضيَ الله عنه : لأكوننَّ اليوم بوَّاب رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلا يدخلُ عليه حتى يأذنَ .
            أتدرون أوَّل مَنْ جاءَ ؟؟ إنه أبو بكر .. جاءَ ليدخلَ حيثُ قد علمَ أنَّ النبيَّ قد دخلَ إلى هذا المكانِ
            فقالَ أبو موسى الأشعريّ : مكانك أنا البوَّاب في هذا اليوم ، مكانك حتى أستأذن لك رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم , لعلَّه يريدُ أنْ يجلسَ وحدَه .. لعلَّه يريدُ أنْ يخلوَ بنفسهِ .قالَ : حتى أستأذن لكَ .
            فوقفَ أبو بكر..ودخلَ أبو موسى الأشعريّ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم , فقالَ : يا رسولَ الله ، هذا أبو بكر عند البابِ , قالَ : "ائذنْ له وبشِّره بالجنَّة " , فجاءَ أبو بكر ، وقالَ له أبو موسى هذا الكلام ، فحمدَ الله جَلَّ وعلا ، وجاءَ وجلسَ على يمين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم و دلَّى رجليه في البئر .
            ثم جاءَ عمرُ ، وأيضاً قالَ له كما قالَ لأبي بكر ، فجلسَ عن يسارِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
            ثم جاءَ عثمانُ ولكنْ لأنَّ محيطَ البِئر ( قطر البئر ) كانَ صغيراً فلم يكفِ لعثمانَ فجلسَ جانباً ، رضيَ الله عنهم جميعاً"
            وأوَّله بعضُهم بقبورِهم .. قبر النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقبر أبي بكر وقبر عمر رضيَ الله عنهما أنهم بجانب بعض .
            - أبو بكر الصِّدِّيق " ثَانِيَ اثْنَيْنِ "بالمكانة .. ويذكرُ أبو الدَّرداء رضيَ الله عنه أنه حصلتْ مُشادَّة بين أبي بكر وعمر ، فأبو بكر رضيَ الله عنه في طبعهِ حِدَّة ..حادّ الطَّبع ، حادَّ الطبع يعني يغضبُ بسرعةٍ .
            هذه أطباع .. "فكانَ طبعُ أبي بكر هكذا يغضبُ بسرعةٍ .. فقالَ عمرُ كلمةً و قالَ أبو بكر كلمةً .. بينهما .. فقالَ أبو بكر كلمةً لم تُرضِ عمرَ ، لم تُذكرْ هذه الكلمةُ ، ثم ندمَ أبو بكر .
            فقالَ لعمر : اغفرْ لي ..سامحني يعني على هذه الكلمة التي خرجتْ مني , وعمر غضبَ على هذه الكلمةِ التي قيلتْ له
            فقالَ : لا اغفرُ لكَ .. لنْ أسامحَك ، ثم خرجَ عمرُ وتركَ أبا بكر .
            حزنَ أبو بكر .. كيف أغضبَ أخاه ؟؟!! حاولَ أنْ يعتذرَ منه لم يقبلْ عمرُ .. فذهبَ يشتكي عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهو مقبلٌ - سبحانَ الله الإنسان تظهرُ على تعابير وجههِ حالتُه - فلمَّا رآه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مقبلاً قالَ لمنْ عنده ومنهم أبو الدَّرداء : " أمَّا صاحبُكم فقد غامر " .
            يعني عنده مشكلة صاحبكم هذا .
            فأقبلَ أبو بكر على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم و في وجههِ الحزنُ والكآبةُ والضِّيقُ .
            فقالَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " مالكَ يا أبا بكر ؟؟ " .
            قالَ : يا رسولَ الله ، كانَ بيني وبين عمر حديثٌ ، فأسرعتُ إليه - أنا المخطئُ - أسرعتُ إليه في الكلام .. فقلتُ له اغفرْ لي فلم يغفرْ لي .. هذا ما يضايقني ، لم يغفرْ لي .
            ماذا قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي بكر ؟؟؟
            قالَ له :يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر ، يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر ، يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر " .
            استغفرَ له ثلاثاً صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
            لم ينتهِ الحديثُ .
            يقولُ أبو الدَّرداء : فندمَ عمرُ أنه لم يغفر لأبي بكر فرجعَ لأبي بكر ليقولَ له : قد غفرتُ لكَ ، لكنه لم يجده في بيته ، فذهبَ إلى مجلسِ رسولِ الله ، وإذا أبو بكر موجودٌ ، يريدُ أن يقولَ له قد غفرتُ لكَ .
            يقولُ أبو الدَّرداء : فلمَّا أقبلَ عمرُ قامَ إليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مغضباً .
            فجثا أبو بكر على ركبتيه وقالَ : يا رسولَ الله ، أنا كنتُ أظلم .. أنا كنتُ أظلم .. أنا المخطئُ يا رسولَ الله ، لا تغضبْ منْ عمر .. أنا المخطئُ .. أنا كنتُ أظلم .
            يقولُ : والنبيُّ لا يلتفتُ إليه , فأقبلَ إلى عمر فقالَ له :يا عمر , قبلَ أنْ يتكلَّم عمرُ ، لم يسمح له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم , قالَ :يا عمرُ ، أرسلني الله إليكم فقلتم كذبتَ وقالَ أبو بكر صَدَقَ ...أوَّل واحد صدَّقني .. أوَّل مَنْ آمنَ بي .. أوَّل مَنْ نصرَني .. أوَّل مَنْ وقفَ معي -
            أرسلني الله إليكم فقلتم كذبتَ وقالَ أبو بكر صَدَقَ ، و واساني بنفسهِ ومالهِ فهل أنتم تاركو لي صاحبي " عندها قالَ أبو الدَّرداء : فما أوذِيَ أبو بكر بعدها "
            عرفَ النَّاسُ كلُّهم قَدْرَ هذا الرَّجلِ عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
            يقولُ : فما أوذِيَ أبو بكر بعدها .
            فالثُّنائيَّة عند هذا الرَّجلِ تجدُها في أمورٍ كثيرةٍ .
            - يعني في أسرى بدر .. النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقعَ عنده مجموعةٌ منَ الأسرى قريب منْ سبعين .
            فاستشارَ الصَّحابة :ماذا نفعلُ بهؤلاء الأسرى ؟؟؟
            أوَّل مَنْ يجيبُ أبو بكر .. أوَّل مَنْ يتكلَّم بين يدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبو بكر .. أوَّل مَنْ يُستشار ويُطلب منه الرَّأي أبو بكر رضيَ الله عنه .
            فقالَ : قومك وعشيرتك .. أرى أنْ تُفاديهم يا رسولَ الله .
            اختارَ النبيُّ قولَ أبي بكر صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
            - أختمُ الثُّنائيةَ بالحديبية .. في الحديبية لما تمَّ الصُّلْحُ بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وسهيلِ بنِ عمرو منْ طرفِ قريش ، تعلمون جميعاً أنَّ بنودَ الصُّلْحِ كانَ منْ ضِمنها أنه مَنْ خرجَ منَ المشركين إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثم طالبتْ به قريش فإنَّ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يردَّه إليهم ، وأنَّ مَنْ خرجَ منَ المسلمين إلى قريش وطلبه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فليسَ على قريش أنْ تردَّه .
            يعني هذا الشَّرط واضح .. أنتَ يا محمَّد تردُّ الذي نطلبُه ونحن لا نردُّ الذي تطلبُه ، ظاهرُ الشَّرط أنَّ فيه إجحافاً في حقِّ المسلمين ، ثم طُبِّقَ واقعاً .
            أثناء الاتفاق جاءَ ابنُ سهيل بن عمرو ، أبو جندل ، وكانَ مسلماً وأبوه سهيل كانَ حبسَه في البيتِ لأنه أسلمَ ، فهربَ منَ البيتِ لما علمَ أنَّ النبيَّ قريبٌ منْ مكَّة صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديبية ، هربَ منَ البيتِ بقيودهِ ثم جاءَ وطرحَ نفسَه بين يدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فالتفتَ النبيُّ إلى أبي جندل
            فقالَ سهيلُ بنُ عمر : يا محمَّد هذا أوَّل واحد أطالبُ فيه تردّه إلينا الآن .
            فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لسهيل : بل تتركه لي .
            قالَ : لا .. تردُّه إلينا .
            فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :بل تتركه لي .
            فقالَ سهيل : إمَّا أنْ تردَّه وإمَّا لا يوجد اتفاق .
            فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لسهيل :خُذه إذاً .
            بعضُ الصَّحابةِ استغربَ منْ هذا الجواب منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم !!!
            والنبيُّ لا يغدرُ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وإذا قالَ كلمةً التزمَ بها صلواتُ ربي وسلامُه عليه .
            فقالَ :خُذه .
            حتى إنَّ بعضَ أصحابهِ يقولُ فاقتربتُ منْ أبي جندل أقرِّب له السَّيف
            "يعني ليأخذ السَّيف يقتل به أباه أو يقتل له أحد منهم حتى يفلتَ منهم لأنه غير داخل في العهد"
            فتمَّ الاتفاقُ و سُجِّلَتِ المعاهدةُ و أخذ أبو جندل .
            بعضُ الصَّحابةِ تضايقَ .. منْ هؤلاء عمر رضيَ الله عنه ، جاءَ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
            "فقالَ له : يا رسولَ الله ، ألستَ نبيَّ الله ؟؟
            قالَ :بلى .
            قالَ : ألسنا المسلمين ؟؟
            قالَ : بلى .
            قالَ : أليسوا الكافرين ؟؟
            قالَ : بلى .
            قالَ : ألسنا على الحقِّ .
            قالَ : بلى .
            قالَ : أليسوا على الباطلِ ؟؟
            قالَ : بلى .
            قالَ : علامَ نقبلُ الدَّنية في ديننا ؟؟!!!
            لماذا نرضى بهذا الشَّرط ؟؟!!
            هم لا يردُّون إلينا ونحن نردُّ ؟؟!!!
            علامَ نقبلُ الدَّنية في ديننا ؟؟؟!!!
            فماذا كانَ جوابُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟؟
            قالَ :يا عمرُ ، إني رسولُ الله وإنَّ الله لنْ يضيِّعني .
            قالَ : يا رسولَ الله ، أوَ لستَ قلتَ لنا أنَّا نخرجُ و نعتمرُ ؟؟
            لأنَّ النبيَّ كانَ قد أخبرَهم أنه رأى رؤيا أنه يعتمر .. هم محرمون أصلاً في الحديبية .
            قالَ : أوَ لستَ أخبرتنا أنا نعتمرُ ونطوفُ بالبيتِ ؟؟
            قالَ :بلى .. أوَ قلتُ لك هذا العام ؟؟
            قالَ : لا .
            قالَ :فإنك آتٍ البيتَ ومطوِّف به .
            سكتَ عمرُ .. فكَّر عمرُ في نفسهِ مَنْ أقربُ النَّاسِ إلى رسولِ الله ؟؟
            مَنْ يستطيعُ أنْ يؤثِّر على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟؟
            مَنْ له رأي يسمعُه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بكلِّ ارتياح ؟؟
            أبو بكر .. فذهبَ إلى أبي بكر كأنه يريدُ أنْ يدفعَه إلى كلام النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فُوجيءَ عمرُ .
            جاءَ إلى أبي بكر قالَ : يا أبا بكر أليس رسول الله ؟؟
            قالَ : بلى .
            قالَ : ألسنا المسلمين ؟؟
            قالَ : بلى .
            قالَ : أليسوا الكافرين ؟؟
            قال : بلى .
            قالَ : ألسنا على الحقِّ ؟؟
            قالَ : بلى .
            قالَ : أليسوا على الباطلِ ؟؟
            قالَ : بلى .
            قالَ : علامَ نقبلُ الدَّنية منْ ديننا ؟؟؟!!
            قالَ : يا عمرُ ، إنه رسولُ الله وإنَّ الله لنْ يُضيِّعه .
            نفس الكلام .. مع أنَّ أبا بكر ما كانَ حاضراً بين عمر والنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لكنْ وُفِّقَ إلى الإجابة ذاتها .
            قالَ : إنه رسولُ الله وإنَّ الله لنْ يُضيِّعه ... يا عمرُ الزمْ غَرْزَه .. اتَّبعه .
            قالَ: يا أبا بكر أوَ ليسَ أخبرَنا أننا نعتمرُ ؟؟؟
            قالَ : بلى.. أوَ أخبرَك أنك تعتمرُ هذا العام ؟
            قال : لا .
            قال : فإنك آتٍ البيتَ ومطوِّف فيه .
            بالله عليكم هذا الكلام هل يقوله أحدٌ إلا وقد وفَّقه الله إلى أنْ يقولَ ما قالَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
            فهذه التَّثنيةُ في حياةِ هذا الرَّجلِ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
            - وخُتمتْ هذه التَّثنيةَ بأنْ تُوُفِّيَ أبو بكر رضيَ الله عنه بعد سنتين منْ وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وأبو بكر كانَ قد وُلِدَ بعد ولادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسنتين ، فماتَ وعمرُه وعُمر النبيّ واحد !!
            ودُفِنَ بجانبِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ويُحشر مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
            هذا هو أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه وأرضاه .
            فهذه بعضُ المواقفِ منْ سيرةِ هذا الرَّجلِ ، أعني أبا بكر الصِّدِّيق رضيَ الله تباركَ وتعالى عنه وأرضاه ، وإنْ كانتِ المواقفُ أكثرَ منْ هذا بكثيرٍ ، ولكن هذا ما أحببتُ أنْ أنبِّه عليه ، وهي قضيَّة خصوصيَّة هذا الرَّجل مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
            نرجعُ إلى الآية .. يقولُ الله تباركَ وتعالى معاتباً المؤمنين كما قالَ عليٌّ رضيَ الله عنه : " إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ....(40)" سورة التوبة
            انظروا " إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " .
            ماذا تعني هذه الكلمةُ ؟؟
            الله جَلَّ وعلا قالَ : " .... مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) " سورة المجادلة
            ويقولُ الله تباركَ وتعالى :" هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)" سورة الحديد .. هذه معيَّة ، وهذه معيَّة ، هنا قالَ "وَهُوَ مَعَكُمْ " " إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ " وهنا قالَ " إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " .
            هل هذه كهذه ؟؟
            لا.. تختلف .
            هنا لما يقول الله تبارك وتعالى : " مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ " كانوا مسلمين كانوا كفاراً ، مهما يكونون معهم فهذه المعيَّةُ معيَّةٌ علميَّةٌ .
            لما يقول الله تبارك وتعالى : " يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ " علميَّة ، أي بالعلم ، يعلمُ أحوالكم وأقوالكم وأموركم كلّها ، فلا فضلَ لأحدٍ فيها ، لأنه يستوي فيها الكافرُ والمسلمُ ، التقيّ والفاجر ، الإنس والجن ، بل حتى البهائم ؛ لأنَّ هذه معيَّة علميَّة ، أي أنَّ علمَ الله محيطٌ بكلِّ شيءٍ سبحانه وتعالى " إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " " وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " .
            ختم هاتين الآيتين " إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " " وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "
            ذكر الله المعيَّة في كتابه فقالَ : :" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ...(128) " سورة النحل
            وقالَ : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "سورة البقرة 195، سورة المائدة 13
            وقالَ : ".... إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153 ) "سورة البقرة.
            ذكرَ أيضاً المعيَّة لهؤلاء .. هذه أصناف ، كلُّ مَنِ اتَّصفَ بهذا الوصفِ صارَ منْ هذا الصِّنف فيكونُ الله معه .
            لكن تُرى هل قالها الله لشخصٍ بعينه أنا معك ؟؟
            قالها لموسى وهارون :"... إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46) "سورة طه ، معكما أنتما أسمعُ وأرى .
            وقالَ موسى لما فرَّ منْ فرعون ؛ قالَ : :" قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) "سورة الشعراء
            هذه معيَّة خاصَّة يقولُ أهلُ العِلْمِ .. خاصَّة بموسى .. خاصَّة بهارون ، لم تحدثْ لأحدٍ منَ البشر منْ غير الأنبياء إلا لأبي بكر الصديق : " إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " مع أنَّ بين النبيِّ و أبي بكر وبين الكفار أشبار .
            الكفَّار على باب الغار والنبيّ وأبو بكر في الغار ويقولُ له " إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " معي أنا وأنت : " يَا أَبَا بَكْر مَا ظَنّك بِاثْنَيْنِ اللَّه ثَالِثهمَا " ، " لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " ، فهذه معيَّة خاصَّة ما ذكرها الله لأحدٍ منَ البشر دون الأنبياء إلا لهذا الرَّجلِ .
            إلا لأبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه و أرضاه .
            فهو متميِّز إذاً ، متميِّز عن سائر البشر رضوانُ الله تبارك وتعالى عليه وأرضاه .
            واستُخلِفَ بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كما قلنا لمدَّة سنتين وثلاثة أشهر ثم وافاهُ الأجلُ .
            وهو على فراشِ الموتِ جاءته ابنتُه أمُّ المؤمنين ، ابنته وأمُّه عائشةُ رضيَ الله عنها ، فلمَّا رأتِ النَّزعَ وسكرات الموت قالتْ عن أبيها وهو يُقاسي النَّزعَ
            قالتْ :
            لعمرك ما يُغني الثَّراءُ عنِ الفتى *** إذا حشرجتْ يوماً وضاقَ بها الصَّدرُ
            فالتفتَ إليها
            - وهو في مثلِ هذه الحالِ –
            فقالَ : يا بنيَّة هلَّا قلتِ : " وجاءتْ سكرةُ الموتِ بالحقِّ "
            هذه سكرة
            قيلَ له : ألا نأتيك بالطَّبيب ؟؟
            قالَ : إنَّ الطَّبيبَ قد رآني .
            قالوا : فماذا قالَ لكَ ؟؟
            قالَ : قالَ لي : إني فعَّال لما أريدُ " .
            يعني الله تبارك وتعالى
            وافته المنيَّة رضيَ الله عنه ودُفِنَ بجانبِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
            هذه بعضُ الكلماتِ في حقِّ هذا الصَّحابيِّ الجليلِ ، أعني أبا بكر الصِّدِّيق رضيَ الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه ، والله تعالى أعلى وأعلم ، وصلَّى الله وباركَ على نبيِّنا محمَّد .
            انتهت الحلقة السادسة
            التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 10-01-2012, 01:28 AM. سبب آخر: تنسيق الموضوع


            تعليق


            • #7
              رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

              ما شاء الله
              بارك الله فيكِم وجزاكم الله خيرا
              وجعل هذا العمل الطيب في ميزان حسناتكم
              وفقكم الله لما يحب ويرضى

              تعليق


              • #8
                رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

                السلام عليكم
                جزاك الله كل خير اخيتي على هذا المجهود المميز وهذا الموضوع الاكثر من رائع , حقا مميز اخذ منه فائدة كبرى جعله في ميزان حسناتكم
                عامِل الناسَ بِـ جمالِ قَلّبك ، وطيبتِهِ ، ولا تَنتظر رداً جميلاً ، فَـ إن نَسوها لا تَحزن ، فَـ الله لَن ينساك

                تعليق


                • #9
                  رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

                  مـــا شــاء الله

                  جـــزاكم الله خيرا ونفع بكم وأثابكم الجنة

                  تعليق


                  • #10
                    رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

                    المشاركة الأصلية بواسطة سهير(بنت فلسطين) مشاهدة المشاركة
                    السلام عليكم
                    جزاك الله كل خير اخيتي على هذا المجهود المميز وهذا الموضوع الاكثر من رائع , حقا مميز اخذ منه فائدة كبرى جعله في ميزان حسناتكم
                    جزاكم الله خيرا ونفع بكم
                    تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
                    جعلنا الله وإياكم من اهل الفردوس الأعلى


                    تعليق


                    • #11
                      رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

                      المشاركة الأصلية بواسطة __volcano__ مشاهدة المشاركة
                      مـــا شــاء الله

                      جـــزاكم الله خيرا ونفع بكم وأثابكم الجنة

                      جزاكم الله خيرا ونفع بكم
                      تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
                      جعلنا الله وإياكم من اهل الفردوس الأعلى


                      تعليق


                      • #12
                        رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

                        جهد طيب بارك الله فيه
                        وجزاكم خير الجزاء
                        أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

                        تعليق


                        • #13
                          رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

                          جزاكم الله خيرا
                          يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
                          احبكم في الله
                          لا إله إلا الله والحمد الله والله اكبر
                          الحمد الله على جميع نعم الله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم


                          تعليق


                          • #14
                            رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

                            بورك فى جهدكم الطيب
                            والله نسال ان ينفع به عامة المسلمين
                            جزاكم الله خيرا
                            أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

                            تعليق


                            • #15
                              رد: سلسلة آل البيت والصحابة الشيخ عثمان الخميس

                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                              جزاكم الله خيرا أخيتنا ونفع الله بكم
                              وحفظك الله ورعاك ورفع قدرك
                              وننتظر بإذن الله جديدك دائما فلا تحرمينا منه
                              سلمت يمناك
                              [[ يا أيها الذِينَ آمنوا هل أَدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لّكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ]] اللهم إرحم أبي .

                              تعليق

                              يعمل...
                              X