بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران:102
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " النساء:1
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً " الأحزاب:70-71
أما بعد أيها الأخوة الكرام:
يهل علينا بعد أيام قليلة وبعد ليالٍ قليلةً شهرٌ هو من أعظم الشهور في العام شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي ينتظره المسلمون بفارغ الصبر، ينتظره عبادُ الله الصالحين يعدون الأيام عداً، ويعدون الليالي عداً حتى إذا جاء ذلك الشهر فرحوا بقدومه و استبشروا به والناس في قدوم هذا الشهر أحوال وأصناف وأجناس، فمنهم من يفرح بقدوم هذا الشهر:
تاجرٌ يفرح لرواج بضاعته في هذا الشهر فهو يفرح لا لله لكنه يفرح لتجارته... وذلك رجلٌ آخر يفرح بقدوم هذا الشهر لتلك المسلسلات والأفلام والبرامج التي تعرض في التلفاز فهو يفرح لكن ليس لله عز وجل ويفرح ليس للدين لكنه يفرح لأمرٍ في نفسه....
وذلك يفرح لأجل الليالي التي يقضيها في رمضان في لعبٍ ولهوٍ وسهرٍ وسمرٍ وطربٍ ومعصيةٍ لله عز وجل فهو يفرح ولكنه خاب وخسر بهذا الفرح....
أما المؤمنون أما الصادقون...
فإنهم يفرحون بقدوم هذا الشهر....
لأنه شهر الرحمة, لان هذا الشهر فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر, لأنه شهر الرحمات وشهر المغفرة...
هو شهرٌ اسمع لفضائله يا عبد الله وتأهب لها واستعد لها واعلم يا عبد الله أن المؤمن منا والعاقل لا يضمن انه سوف يدرك هذا الشهر, فليكن متأهباً له وليكن فرحاً بهِ فربما يؤجرُ بقيامهِ وصيامهِ ولم يأتِ هذا الشهر يقول فيه عليه الصلاة والسلام:
(انه إذا جاء فتحت أبواب الجنان )
فتحت يا عبد الله أتعرف أبواب ماذا ؟؟
أبواب الجنان ....
أبواب إذا خرج رائحةٌ من الجنةِ فإنها تشم على مسيرة أربعين عاماً....
أبواب الجنان يا عبد الله التي فيها ما لعينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر, سوف تفتح بعد بضعة أيام فكن مستعداً لها يا عبد الله فربما تكتبُ من أهلها وأنت لا تدري ... !!!
(وغلقت أبواب النيران )
نعم يا عباد الله فالنار في شهر رمضان مغلقة بل يكتب الله عز وجل في كل ليلةٍ عتقاءٌ من النار وذلك في كل ليلةٍ من ليالي رمضان فاحرص يا عبد الله أن تكون من عتقاء النار في شهر رمضان.
(فرغم انفه من أدرك رمضان ولم يغفر له )
( ينادي منادٍ في رمضان يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر اقصر ولله عتقاءُ من النار وذلك في كل ليلة )
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ " البقرة:183
لم يكتبه الله جل وعلا مشقةً ولا تعذيباً ولا تكليفاً فقط يا عباد الله لا ...
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ, كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ " البقرة:183
فلستم أول الأمم ياامة محمدٍ عليه الصلاة والسلام فالأمم التي سبقتكم كلهم قد كتب عليهم الصيام فهونوا عليكم وأرفقوا بأنفسكم فاعلموا يا عباد الله أنكم لستم أول الأمم ...
" كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة :183
فهذا هو غاية الصيام وتلك هي أهدافها ....
" لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة :183
بل يعينك الله جل وعلا في شهر رمضان حتى تصل إلى التقوى فيصفد لك الشياطين ومردتها, وكم نسمع في شهر رمضان من مذنبٍ اقبل على التوبة, ومن متبرجةٍ تحجبت, ومن تاركٍ للصلاة صلى, ومن بخيلٍ أدى زكاةِ ماله, ومن مذنبٍ بكى لله وخشع, ومن فاسقٍ فاجر اقبل على الله بالطاعات والحسنات ...
لما يا عبد الله ؟...
لأنه شهر التقوى وشهر المغفرة وشهر الرحمة ....
" رغم انفه ثم رغم انفه ثم رغم انفه من أدرك رمضان ولم يغفر له "
شهر الرحمات يا عبد الله تتنزل فيه الرحمات .... وتقبل فيه الأعمال ... بل :
"من صام رمضان أيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " إذا فاتك هذا الفضل صمت ولم يغفر لك ...
" فمن قام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ,فان قمت رمضان ولم يغفر لك ... فالفرصة الثالثة: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه "
ليلةُ القدرِ يا عبد الله .....
" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ , وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ , لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ , تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ , سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ " :1-5
شهر الصيام أتعرف ما هو الصيام يا عبد الله ؟
ليس هو امتناعٌ عن الأكل والشرب والجماع وغيره يا عبد الله من المفطرات, بل هو شهر الصيام الذي يتلذذ به الصائمون ....
لمن تترك طعامك ؟ ولمن تترك شرابك ؟ ولمن تترك شهوتك يا عبد الله ؟
لله جل وعلا ....
"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم يقول الله جل وعلا إلا الصوم فإنه لي "
من الذي أمر به ؟ الله
ولمن تصوم ؟لله
ومن الذي يثيب عليه ؟الله
" إلا الصوم فإنه لي وأنا اجزي به "
من يمنعك يا عبد الله إذا اختليت في بيتك و لوحدك فأكلت وشربت ....
من عرف عنك ؟ ومن اطلع عليك ؟ومن الذي علم بك يا عبد الله ؟
من الذي يمنعك عن الطعام وعن الشراب وأنت بالسر لوحدك ؟ إنها مراقبة الله ...
" إلا الصوم فإنه لي "
سرٌ بين العبد وربه ...
"وأنا أجزي به "
هل تعرف ما ثواب الصائم يا عبد الله ؟
إذا لقي الله جل وعلا الناس يدخلون من أبواب في الجنان إلا الصائمون فلهم بابٌ مخصصٌ بهم, لهم بابٌ يا عبد الله لا يدخله غيرهم, إنه الريان ...
وما أدراك ما الريان...
صبروا على الصيام فوفاهم الله أجورهم ...
" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ " الزمر:10
كم وكم من الناس أعاذنا الله وإياكم من يفطر في نهار رمضان بغير عذرٍ أباح له الله فيه الفطر، واسمع إلى هذا الحديث الخطير الذي يبين فيه عليه الصلاة والسلام عقوبة المفطرين في نهار رمضان، قال والحديث عن أبي امامة قال رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أتاني في المنام آتياً فأخذ بعضدي ثم قال لي انطلق فانطلقت فإذا بجبلٍ وعر فقال لي: اصعد قلت: لا أطيقه، قال سنسهله عليك قال فصعدت فلما كنتُ بسواد الجبل فإذا بأصوات شديدة قلت ما هذا قالوا هذا عواءُ أهل النار ثم قال لي انطلق فانطلقت فإذا بأقوامٍ معلقون بعراقيبهم مشققةٌ أشداقهم _ شفاههم ووجوههم مشققة _ تسيل أشداقهم دماً فقلت سبحان الله من هؤلاء قالوا: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلةِ صومهم "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة:183
لا تستثقله يا ضعيف الإيمان فإنهُ :
" أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ " البقرة:184
ثلاثون أو اقل يا عبد الله...
يأتي ويذهب كلمح البصر ...
يأتي ويذهب لا يشعر به الصالحون بل يتمنون بقائه ...
أما ضعاف الإيمان... أما المذنبون ... أما أهل الشهوات ...
فإنهم يستثقلونه والعياذ بالله ...
شهر القرآن يا عبد الله...
انزل الله في شهر رمضان القرآن كله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم انزل ثلاثٍ وعشرين سنة من السماء الدنيا إلى الأرض المنجمة ..
" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" البقرة:185
كان الإمام الشافعي عليه رحمة الله يختم القرآن في رمضان تعرف كم مرةٍ يا عبد الله ؟
يختمه ستين مرة يعني في كل يوم يختم القرآن في النهار مرة وفي الليل مرة...
عرفوا قدر هذا القرآن ؟
لعلك تقول السنة في كل ثلاثة أيام أقول لك لشهر رمضان ميزة ولشهر رمضان خاصية لا تعدلها في غيرها ...
وهذا الإمام مالك عليه رحمة الله إمام دار الهجرة كان في شهر رمضان يترك المجلس كلها والكتب كلها إلا مجلس القرآن الكريم, إلا مجالس القرآن وتلاوة القرآن ...
يا عبد الله هؤلاء سلفنا الصالح في شهر رمضان لا يعرفون إلا القرآن يتركون الكتب وكتب العلم لأجل مدارسة القرآن, هل كنا مثلهم يا عباد الله ؟ ...
نعكف على قراءة القرآن نتدبره ونتلوه ونقوم الليل به ونحفظ آياته ونحفظُ أحكامه...
يا عباد الله هل كنا مثلهم؟
نستعد في شهر رمضان للقرآن !!
شهر الدعاء
"وللصائم دعوةٌ لا ترد "
يا عبد الله أتعرف متي هي الدعوة ؟
قال بعض أهل العلم إنها قبل الإفطار قبل الإفطار فاستعد يا عبد الله قبل أن يؤذن المؤذن لغروب شمس يومٍ في شهر رمضان أن ترفع يديك إلى الله وتستقبل القبلة وتدعو الله جل وعلا أن يقبل صومك وأن يعتقك من النار و أن يغفر ذنوبك فادعوا الله فإن لكل صائم دعوةٌ مستجابةٌ .
" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ " البقرة:186
عباد الله إن هذا الشهر شهر المغفرة والرحمة ..
فهل يصح لنا في هذا الشهر أن نستمر على معصية الله جل وعلا ؟
فهل يصح لأولئك الذين يعكفون على التلفاز يستمعون إلى الأغاني و ينظرون إلى الأفلام أن يصروا على لهوهم وطربهم ومعاصيهم ؟
هل يصح لأولئك أن يظلوا على تركهم للصلاة ولهؤلاء أن يتابعوا النساء ولأولئك أن ينظروا إلى الحرام ولهؤلاء أن يأكلوا بالربا ؟
يا عباد الله ألا يحق لنا في ذلك الشهر أن نكف عن المعاصي والآثام, وان نستعد للتوبة من الذنوب والآثام, وان نستعد للقاء الرحمن جل وعلا..
ألا يحق لنا في هذا الشهر أن لا يخرج إلا وقد غفر الله لنا ذنوبنا ؟ ..
"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه "
فماذا يغنيك يا عبد الله أن تترك الطعام والشراب والجماع الذي هو مباحٌ في الأصل ثم ترتكب الحرام فتستمع الغناء وتأكل الربا وتترك الصلاة وتنظر للنساء وتفعل غيرها من المحرمات ؟
( فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه )
وأقول هذا القول واستغفر الله ...
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
ايها الأخوة المسلمون صومُ رمضانَ واجبٌ..
في الكتاب قال الله تعالى:
"كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ " البقرة:183
وبالسنة قال عليه الصلاة والسلام:
"بني الإسلام على خمس ..... " وذكرها منها صيام رمضان
وبالإجماع فقد اجمع المسلمون على وجوب صوم رمضان فقال أهل العلم:
صوم رمضان واجب على كل مسلم:
فالكافر لا يجب عليه صيام رمضان وسوف يحاسب به عند الله ...
على كل مسلمٍ عاقل:
فالمجنون لا يجب عليه صيام رمضان, وكذلك إذا كبر الرجل أو المرأة فذهب عقله أو ذهب عقلها وأصابها الكبر أو أصابه الكبر فأصبح لا يعرف شيئاً فهذا لا يجب عليه الصوم ولا يجب أن يصام عنه ولا يطعم عنه عن كل يومٍ مسكيناً فقد رفع الله عنه القلم.
على كل مسلمٍ عاقلٍ بالغ:
فالصبي الذي لم يحتلم والبنت التي لم تبلغ لا يجب عليهم الصيام, لكن يعودون منذ الصغر كما كان الصحابة يعودون أولادهم الصغار منذ الصغر على الصيام ويلهونهم باللعب وبغيره عن الطعام والشراب, فيعود الصغير وتعود الصغيرة منذ الصغر على الصيام حتى يعتاد عند الكبر.
على كل مسلمٍ عاقلٍ بالغٍ قادر:
فالعاجز الذي لا يستطيع الصوم كالمريض لا يجب عليه الصوم فإذا كان مرضه يرجى برئه فإنه يقضيه بعد أن يشفى, وإلا إن كان المرض لا يرجى برئه وسوف يستمر معه حتى الموت إلا بعلم الله وبإذن الله فإنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً.
مقيم :
فالمسافر لا يجب عليه الصوم قال الله تعالى:
" فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ "البقرة:184
خالٍ من الموانع:
المرأة الحائض وأيضا النُفساء لا يجب عليهما الصوم ويقضيان بدلاً عنه أياما أخر.
عباد الله ليس من المفطرات شيء إلا مابينه الله جل وعلا وبينه رسوله عليه الصلاة والسلام ومنها:
الأكل والشرب قال الله جل وعلا:
" وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ " البقرة:187
فإذا أكل الإنسان أو شرب في نهار رمضان فقد افطر إلا إذا كان ناسيا, إن أكل ولو كان طعاماً غير مغذٍ ولا مشبعٍ أو غير نافعٍ كان يكون ضاراً فانه افطر، إلا إن كان ناسياً أو مكرهاً أو غير عامد.
ومن المفطرات أيضا الجماع :
فمن جامع زوجته في نهار رمضان متعمداً عالماً فقد افطر وعليه القضاء والكفارة سواء انزل أو لم ينزل, فان من المسلمين من يظن هداهم الله انه يجوز له إن يجامع بشرط أن لا ينزل ونحن نقول الجماع يوجب القضاء والكفارة سواءً أنزلت أم لم تنزل.
ثم من المفطرات يا عباد الله:
الاســتقاء :
أن يتعمد الإنسان إن يخرج مافي بطنه سواء بإصبعه أو بعودٍ أو بتعمد شم رائحةٍ كريهة أو تعمد عصر بطنه أو بغيرها من الوسائل فإذا تعمد إخراج مافي بطنه فقد افطر وعليه القضاء, فان خرج مافي بطنه رغماً عنه بغير قصدٍ ولا تعمدٍ فلا شيء عليه صومه صحيح قال عليه الصلاة والسلام:
"من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فليقضي " أي تعمد إخراج مافي بطنه ..
وكذلك من المفطرات إخراج المني بشهوة أو مباشرة أو بتعمدٍ:
يا عباد الله فمن اخرج منيه -مائه- بتعمدٍ سواءً بيده أو بفراشه أو بمباشرة زوجته بغير جماع فقد افطر, وعليه القضاء ولا كفارة, أما من خرج مائه وهو نائم فاحتلم فاستيقظ فرأى الماء فلا شيء عليه وصومه صحيح.
وكذا قال بعض أهل العلم من المفطرات الحجامة فقد قال عليه الصلاة والسلام:
" افطر الحاجم والمحجوم فاحتياطاً يترك الإنسان الحجامة "
ومن الأشياء التي لا تفطر ويظن بعض الناس أنها تفطر:
بلع الريق:
فمن بلع ريقه فانه غير مفطر إلا إن اخرج النخامة إلى فمه فانه احتياطاً يخرجها ولا يبتلعها مرةً أخرى ..
وكذا السواك:
وما يروى من حديثٍ" استاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي " فغير صحيح فالسواك سنةٌ أول النهار و آخر النهار.
أما مايوجد هذه الأيام من سواكٍ مضافٌ إليه طعمٌ بالنعناع أو الليمون أو غيره فانه يترك في نهار رمضان لان فيه مادةٌ تزاد على طعم السواك فلا يجوز لك أن تتسوك به في نهار رمضان.
وكذا من غير المفطرات التي لا تؤثر بالصيام:
الاغتسال:
فمن اغتسل في نهار رمضان فلا شيء عليه، وكذا من أصبح جنباً من جامع زوجته في الليل ونام ثم أذن الفجر وهو نائم فاستيقظ ولم يغتسل فصومه صحيح فليغتسل وليتم صومه.
وكذا يا عباد الله بالنسبة للنساء الحناء والاكتحال فانهما لا يفطران ..
أما القطرة فإذا كانت في العين أو في الأذن فإنها لا تفطر ...
وبالغ يا عبد الله في الاستنشاق والمضمضة إلا أن تكون صائماً..
ومن الناس من يظن أن الحقن جميعها تفطر الصائم وهذا غير صحيح إلا الحقنة التي تغني عن الطعام والشراب فإنها تفطر صاحبها.
عباد الله لا بد لنا قبل قدوم شهر رمضان أن نتعلم أحكامه وفقهه وآدابه وما يجب فيه وما يحرم فيه حتى لا نقع في المحظور ثم يأتي الناس فيسألونا عن صومهم فإذا هم قد أبطلوا صومهم.
عباد الله يقول عليه الصلاة والسلام:
"لا تقدموا شهر رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا صوماً كان يصومه أحدكم "
فإذا كان الليلة الأخيرة واليوم الأخير من شهر شعبان فلا نصومه احتياطاً حتى لا يكون من رمضان ومن صام يوم الشك فقد عصا أبا القاسم إلا من كان معتاداً على صيام أيام فليصمها ولا حرج عليه ثم يجب على كل مسلم أن يبيت النية قبل آذان فجر أول يومٍ من رمضان أن يبيت النية نية الصوم فلا صوم لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر لا صوم له إذا لم تعزم ولم تقصد في قلبك انك تصوم غداً فإذا أذن الفجر وأنت لست عازماً على الصيام ولا تريد الصيام فلما أذن الفجر نويته بعد الآذان فانه لا صوم لك يا عبد الله إلا ما كان نافلا ...
اللهم اعز الإسلام والمسلمين وإذا الشرك والمشركين ودمر اللهم أعداء الدين ....
- انتهت المحاضرة -
اللهم تقبل مني عملي هذا خالصاً لوجهك الكريم
يا ارحم الراحمين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران:102
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " النساء:1
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً " الأحزاب:70-71
أما بعد أيها الأخوة الكرام:
يهل علينا بعد أيام قليلة وبعد ليالٍ قليلةً شهرٌ هو من أعظم الشهور في العام شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي ينتظره المسلمون بفارغ الصبر، ينتظره عبادُ الله الصالحين يعدون الأيام عداً، ويعدون الليالي عداً حتى إذا جاء ذلك الشهر فرحوا بقدومه و استبشروا به والناس في قدوم هذا الشهر أحوال وأصناف وأجناس، فمنهم من يفرح بقدوم هذا الشهر:
تاجرٌ يفرح لرواج بضاعته في هذا الشهر فهو يفرح لا لله لكنه يفرح لتجارته... وذلك رجلٌ آخر يفرح بقدوم هذا الشهر لتلك المسلسلات والأفلام والبرامج التي تعرض في التلفاز فهو يفرح لكن ليس لله عز وجل ويفرح ليس للدين لكنه يفرح لأمرٍ في نفسه....
وذلك يفرح لأجل الليالي التي يقضيها في رمضان في لعبٍ ولهوٍ وسهرٍ وسمرٍ وطربٍ ومعصيةٍ لله عز وجل فهو يفرح ولكنه خاب وخسر بهذا الفرح....
أما المؤمنون أما الصادقون...
فإنهم يفرحون بقدوم هذا الشهر....
لأنه شهر الرحمة, لان هذا الشهر فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر, لأنه شهر الرحمات وشهر المغفرة...
هو شهرٌ اسمع لفضائله يا عبد الله وتأهب لها واستعد لها واعلم يا عبد الله أن المؤمن منا والعاقل لا يضمن انه سوف يدرك هذا الشهر, فليكن متأهباً له وليكن فرحاً بهِ فربما يؤجرُ بقيامهِ وصيامهِ ولم يأتِ هذا الشهر يقول فيه عليه الصلاة والسلام:
(انه إذا جاء فتحت أبواب الجنان )
فتحت يا عبد الله أتعرف أبواب ماذا ؟؟
أبواب الجنان ....
أبواب إذا خرج رائحةٌ من الجنةِ فإنها تشم على مسيرة أربعين عاماً....
أبواب الجنان يا عبد الله التي فيها ما لعينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر, سوف تفتح بعد بضعة أيام فكن مستعداً لها يا عبد الله فربما تكتبُ من أهلها وأنت لا تدري ... !!!
(وغلقت أبواب النيران )
نعم يا عباد الله فالنار في شهر رمضان مغلقة بل يكتب الله عز وجل في كل ليلةٍ عتقاءٌ من النار وذلك في كل ليلةٍ من ليالي رمضان فاحرص يا عبد الله أن تكون من عتقاء النار في شهر رمضان.
(فرغم انفه من أدرك رمضان ولم يغفر له )
( ينادي منادٍ في رمضان يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر اقصر ولله عتقاءُ من النار وذلك في كل ليلة )
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ " البقرة:183
لم يكتبه الله جل وعلا مشقةً ولا تعذيباً ولا تكليفاً فقط يا عباد الله لا ...
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ, كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ " البقرة:183
فلستم أول الأمم ياامة محمدٍ عليه الصلاة والسلام فالأمم التي سبقتكم كلهم قد كتب عليهم الصيام فهونوا عليكم وأرفقوا بأنفسكم فاعلموا يا عباد الله أنكم لستم أول الأمم ...
" كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة :183
فهذا هو غاية الصيام وتلك هي أهدافها ....
" لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة :183
بل يعينك الله جل وعلا في شهر رمضان حتى تصل إلى التقوى فيصفد لك الشياطين ومردتها, وكم نسمع في شهر رمضان من مذنبٍ اقبل على التوبة, ومن متبرجةٍ تحجبت, ومن تاركٍ للصلاة صلى, ومن بخيلٍ أدى زكاةِ ماله, ومن مذنبٍ بكى لله وخشع, ومن فاسقٍ فاجر اقبل على الله بالطاعات والحسنات ...
لما يا عبد الله ؟...
لأنه شهر التقوى وشهر المغفرة وشهر الرحمة ....
" رغم انفه ثم رغم انفه ثم رغم انفه من أدرك رمضان ولم يغفر له "
شهر الرحمات يا عبد الله تتنزل فيه الرحمات .... وتقبل فيه الأعمال ... بل :
"من صام رمضان أيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " إذا فاتك هذا الفضل صمت ولم يغفر لك ...
" فمن قام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ,فان قمت رمضان ولم يغفر لك ... فالفرصة الثالثة: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه "
ليلةُ القدرِ يا عبد الله .....
" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ , وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ , لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ , تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ , سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ " :1-5
شهر الصيام أتعرف ما هو الصيام يا عبد الله ؟
ليس هو امتناعٌ عن الأكل والشرب والجماع وغيره يا عبد الله من المفطرات, بل هو شهر الصيام الذي يتلذذ به الصائمون ....
لمن تترك طعامك ؟ ولمن تترك شرابك ؟ ولمن تترك شهوتك يا عبد الله ؟
لله جل وعلا ....
"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم يقول الله جل وعلا إلا الصوم فإنه لي "
من الذي أمر به ؟ الله
ولمن تصوم ؟لله
ومن الذي يثيب عليه ؟الله
" إلا الصوم فإنه لي وأنا اجزي به "
من يمنعك يا عبد الله إذا اختليت في بيتك و لوحدك فأكلت وشربت ....
من عرف عنك ؟ ومن اطلع عليك ؟ومن الذي علم بك يا عبد الله ؟
من الذي يمنعك عن الطعام وعن الشراب وأنت بالسر لوحدك ؟ إنها مراقبة الله ...
" إلا الصوم فإنه لي "
سرٌ بين العبد وربه ...
"وأنا أجزي به "
هل تعرف ما ثواب الصائم يا عبد الله ؟
إذا لقي الله جل وعلا الناس يدخلون من أبواب في الجنان إلا الصائمون فلهم بابٌ مخصصٌ بهم, لهم بابٌ يا عبد الله لا يدخله غيرهم, إنه الريان ...
وما أدراك ما الريان...
صبروا على الصيام فوفاهم الله أجورهم ...
" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ " الزمر:10
كم وكم من الناس أعاذنا الله وإياكم من يفطر في نهار رمضان بغير عذرٍ أباح له الله فيه الفطر، واسمع إلى هذا الحديث الخطير الذي يبين فيه عليه الصلاة والسلام عقوبة المفطرين في نهار رمضان، قال والحديث عن أبي امامة قال رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أتاني في المنام آتياً فأخذ بعضدي ثم قال لي انطلق فانطلقت فإذا بجبلٍ وعر فقال لي: اصعد قلت: لا أطيقه، قال سنسهله عليك قال فصعدت فلما كنتُ بسواد الجبل فإذا بأصوات شديدة قلت ما هذا قالوا هذا عواءُ أهل النار ثم قال لي انطلق فانطلقت فإذا بأقوامٍ معلقون بعراقيبهم مشققةٌ أشداقهم _ شفاههم ووجوههم مشققة _ تسيل أشداقهم دماً فقلت سبحان الله من هؤلاء قالوا: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلةِ صومهم "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة:183
لا تستثقله يا ضعيف الإيمان فإنهُ :
" أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ " البقرة:184
ثلاثون أو اقل يا عبد الله...
يأتي ويذهب كلمح البصر ...
يأتي ويذهب لا يشعر به الصالحون بل يتمنون بقائه ...
أما ضعاف الإيمان... أما المذنبون ... أما أهل الشهوات ...
فإنهم يستثقلونه والعياذ بالله ...
شهر القرآن يا عبد الله...
انزل الله في شهر رمضان القرآن كله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم انزل ثلاثٍ وعشرين سنة من السماء الدنيا إلى الأرض المنجمة ..
" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" البقرة:185
كان الإمام الشافعي عليه رحمة الله يختم القرآن في رمضان تعرف كم مرةٍ يا عبد الله ؟
يختمه ستين مرة يعني في كل يوم يختم القرآن في النهار مرة وفي الليل مرة...
عرفوا قدر هذا القرآن ؟
لعلك تقول السنة في كل ثلاثة أيام أقول لك لشهر رمضان ميزة ولشهر رمضان خاصية لا تعدلها في غيرها ...
وهذا الإمام مالك عليه رحمة الله إمام دار الهجرة كان في شهر رمضان يترك المجلس كلها والكتب كلها إلا مجلس القرآن الكريم, إلا مجالس القرآن وتلاوة القرآن ...
يا عبد الله هؤلاء سلفنا الصالح في شهر رمضان لا يعرفون إلا القرآن يتركون الكتب وكتب العلم لأجل مدارسة القرآن, هل كنا مثلهم يا عباد الله ؟ ...
نعكف على قراءة القرآن نتدبره ونتلوه ونقوم الليل به ونحفظ آياته ونحفظُ أحكامه...
يا عباد الله هل كنا مثلهم؟
نستعد في شهر رمضان للقرآن !!
شهر الدعاء
"وللصائم دعوةٌ لا ترد "
يا عبد الله أتعرف متي هي الدعوة ؟
قال بعض أهل العلم إنها قبل الإفطار قبل الإفطار فاستعد يا عبد الله قبل أن يؤذن المؤذن لغروب شمس يومٍ في شهر رمضان أن ترفع يديك إلى الله وتستقبل القبلة وتدعو الله جل وعلا أن يقبل صومك وأن يعتقك من النار و أن يغفر ذنوبك فادعوا الله فإن لكل صائم دعوةٌ مستجابةٌ .
" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ " البقرة:186
عباد الله إن هذا الشهر شهر المغفرة والرحمة ..
فهل يصح لنا في هذا الشهر أن نستمر على معصية الله جل وعلا ؟
فهل يصح لأولئك الذين يعكفون على التلفاز يستمعون إلى الأغاني و ينظرون إلى الأفلام أن يصروا على لهوهم وطربهم ومعاصيهم ؟
هل يصح لأولئك أن يظلوا على تركهم للصلاة ولهؤلاء أن يتابعوا النساء ولأولئك أن ينظروا إلى الحرام ولهؤلاء أن يأكلوا بالربا ؟
يا عباد الله ألا يحق لنا في ذلك الشهر أن نكف عن المعاصي والآثام, وان نستعد للتوبة من الذنوب والآثام, وان نستعد للقاء الرحمن جل وعلا..
ألا يحق لنا في هذا الشهر أن لا يخرج إلا وقد غفر الله لنا ذنوبنا ؟ ..
"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه "
فماذا يغنيك يا عبد الله أن تترك الطعام والشراب والجماع الذي هو مباحٌ في الأصل ثم ترتكب الحرام فتستمع الغناء وتأكل الربا وتترك الصلاة وتنظر للنساء وتفعل غيرها من المحرمات ؟
( فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه )
وأقول هذا القول واستغفر الله ...
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
ايها الأخوة المسلمون صومُ رمضانَ واجبٌ..
في الكتاب قال الله تعالى:
"كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ " البقرة:183
وبالسنة قال عليه الصلاة والسلام:
"بني الإسلام على خمس ..... " وذكرها منها صيام رمضان
وبالإجماع فقد اجمع المسلمون على وجوب صوم رمضان فقال أهل العلم:
صوم رمضان واجب على كل مسلم:
فالكافر لا يجب عليه صيام رمضان وسوف يحاسب به عند الله ...
على كل مسلمٍ عاقل:
فالمجنون لا يجب عليه صيام رمضان, وكذلك إذا كبر الرجل أو المرأة فذهب عقله أو ذهب عقلها وأصابها الكبر أو أصابه الكبر فأصبح لا يعرف شيئاً فهذا لا يجب عليه الصوم ولا يجب أن يصام عنه ولا يطعم عنه عن كل يومٍ مسكيناً فقد رفع الله عنه القلم.
على كل مسلمٍ عاقلٍ بالغ:
فالصبي الذي لم يحتلم والبنت التي لم تبلغ لا يجب عليهم الصيام, لكن يعودون منذ الصغر كما كان الصحابة يعودون أولادهم الصغار منذ الصغر على الصيام ويلهونهم باللعب وبغيره عن الطعام والشراب, فيعود الصغير وتعود الصغيرة منذ الصغر على الصيام حتى يعتاد عند الكبر.
على كل مسلمٍ عاقلٍ بالغٍ قادر:
فالعاجز الذي لا يستطيع الصوم كالمريض لا يجب عليه الصوم فإذا كان مرضه يرجى برئه فإنه يقضيه بعد أن يشفى, وإلا إن كان المرض لا يرجى برئه وسوف يستمر معه حتى الموت إلا بعلم الله وبإذن الله فإنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً.
مقيم :
فالمسافر لا يجب عليه الصوم قال الله تعالى:
" فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ "البقرة:184
خالٍ من الموانع:
المرأة الحائض وأيضا النُفساء لا يجب عليهما الصوم ويقضيان بدلاً عنه أياما أخر.
عباد الله ليس من المفطرات شيء إلا مابينه الله جل وعلا وبينه رسوله عليه الصلاة والسلام ومنها:
الأكل والشرب قال الله جل وعلا:
" وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ " البقرة:187
فإذا أكل الإنسان أو شرب في نهار رمضان فقد افطر إلا إذا كان ناسيا, إن أكل ولو كان طعاماً غير مغذٍ ولا مشبعٍ أو غير نافعٍ كان يكون ضاراً فانه افطر، إلا إن كان ناسياً أو مكرهاً أو غير عامد.
ومن المفطرات أيضا الجماع :
فمن جامع زوجته في نهار رمضان متعمداً عالماً فقد افطر وعليه القضاء والكفارة سواء انزل أو لم ينزل, فان من المسلمين من يظن هداهم الله انه يجوز له إن يجامع بشرط أن لا ينزل ونحن نقول الجماع يوجب القضاء والكفارة سواءً أنزلت أم لم تنزل.
ثم من المفطرات يا عباد الله:
الاســتقاء :
أن يتعمد الإنسان إن يخرج مافي بطنه سواء بإصبعه أو بعودٍ أو بتعمد شم رائحةٍ كريهة أو تعمد عصر بطنه أو بغيرها من الوسائل فإذا تعمد إخراج مافي بطنه فقد افطر وعليه القضاء, فان خرج مافي بطنه رغماً عنه بغير قصدٍ ولا تعمدٍ فلا شيء عليه صومه صحيح قال عليه الصلاة والسلام:
"من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فليقضي " أي تعمد إخراج مافي بطنه ..
وكذلك من المفطرات إخراج المني بشهوة أو مباشرة أو بتعمدٍ:
يا عباد الله فمن اخرج منيه -مائه- بتعمدٍ سواءً بيده أو بفراشه أو بمباشرة زوجته بغير جماع فقد افطر, وعليه القضاء ولا كفارة, أما من خرج مائه وهو نائم فاحتلم فاستيقظ فرأى الماء فلا شيء عليه وصومه صحيح.
وكذا قال بعض أهل العلم من المفطرات الحجامة فقد قال عليه الصلاة والسلام:
" افطر الحاجم والمحجوم فاحتياطاً يترك الإنسان الحجامة "
ومن الأشياء التي لا تفطر ويظن بعض الناس أنها تفطر:
بلع الريق:
فمن بلع ريقه فانه غير مفطر إلا إن اخرج النخامة إلى فمه فانه احتياطاً يخرجها ولا يبتلعها مرةً أخرى ..
وكذا السواك:
وما يروى من حديثٍ" استاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي " فغير صحيح فالسواك سنةٌ أول النهار و آخر النهار.
أما مايوجد هذه الأيام من سواكٍ مضافٌ إليه طعمٌ بالنعناع أو الليمون أو غيره فانه يترك في نهار رمضان لان فيه مادةٌ تزاد على طعم السواك فلا يجوز لك أن تتسوك به في نهار رمضان.
وكذا من غير المفطرات التي لا تؤثر بالصيام:
الاغتسال:
فمن اغتسل في نهار رمضان فلا شيء عليه، وكذا من أصبح جنباً من جامع زوجته في الليل ونام ثم أذن الفجر وهو نائم فاستيقظ ولم يغتسل فصومه صحيح فليغتسل وليتم صومه.
وكذا يا عباد الله بالنسبة للنساء الحناء والاكتحال فانهما لا يفطران ..
أما القطرة فإذا كانت في العين أو في الأذن فإنها لا تفطر ...
وبالغ يا عبد الله في الاستنشاق والمضمضة إلا أن تكون صائماً..
ومن الناس من يظن أن الحقن جميعها تفطر الصائم وهذا غير صحيح إلا الحقنة التي تغني عن الطعام والشراب فإنها تفطر صاحبها.
عباد الله لا بد لنا قبل قدوم شهر رمضان أن نتعلم أحكامه وفقهه وآدابه وما يجب فيه وما يحرم فيه حتى لا نقع في المحظور ثم يأتي الناس فيسألونا عن صومهم فإذا هم قد أبطلوا صومهم.
عباد الله يقول عليه الصلاة والسلام:
"لا تقدموا شهر رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا صوماً كان يصومه أحدكم "
فإذا كان الليلة الأخيرة واليوم الأخير من شهر شعبان فلا نصومه احتياطاً حتى لا يكون من رمضان ومن صام يوم الشك فقد عصا أبا القاسم إلا من كان معتاداً على صيام أيام فليصمها ولا حرج عليه ثم يجب على كل مسلم أن يبيت النية قبل آذان فجر أول يومٍ من رمضان أن يبيت النية نية الصوم فلا صوم لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر لا صوم له إذا لم تعزم ولم تقصد في قلبك انك تصوم غداً فإذا أذن الفجر وأنت لست عازماً على الصيام ولا تريد الصيام فلما أذن الفجر نويته بعد الآذان فانه لا صوم لك يا عبد الله إلا ما كان نافلا ...
اللهم اعز الإسلام والمسلمين وإذا الشرك والمشركين ودمر اللهم أعداء الدين ....
- انتهت المحاضرة -
اللهم تقبل مني عملي هذا خالصاً لوجهك الكريم
يا ارحم الراحمين ..
تعليق