إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي


    وقفات مع سورة غافر


    إن لنا عبرة في ذلك المؤمن الصادق الذي آمن بالله وأسمائه وصفاته، ولم يغتر بزخرف الحياة الدنيا الزائل، فيسخر الله له ولأمثاله الملائكة الكرام حملة العرش العظيم يستغفروا له، بدعائهم الله أن يقيه السيئات، وأن يجمعه بأحبابه في دار كرامته. وفي المقابل نجد ذاك الرجل الفاجر الذي غره الشيطان، وغرته نفسه، وغره ما يرى من تقلب الذين كفروا في البلاد؛ كيف مقته عباد الله، بل مقتته نفسه التي بين جنبيه، ثم يتوج ذلك الخزي بالمقت الأعظم الذي هو مقت الله له إلى أبد الآبدين.
    الإيمان بأسماء الله وصفاته من مقتضيات الإيمان بالله


    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونسغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:
    حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ * مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ *
    وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْوَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *

    وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ * ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ * فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ *
    يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [غافر:1-20].

    إن الله سبحانه وتعالى فرض على العباد توحيده ومعرفته ومحبته والتعبد له بمقتضى أسمائه وصفاته، ومن أجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وقدر سبحانه وتعالى من أنواع المقادير خيرها وشرها ما يتعرف العباد به على أسماء ربهم الحسنى بقلوبهم وعقولهم، وصفاته التي علموها من الوحي المنزل من عنده سبحانه وتعالى، وإن كانت القلوب إنما تعي ذلك وتدركه حين تطبق هذه الآثار العملية في الحياة، ولذلك نجد أن قضية الإيمان بأسماء الله وصفاته دائماً مرتبطة في قلوب عباد الله المؤمنين بالأحداث التي تقع في حياتهم، ولذلك كانت فضيلة الإيمان بأسماء الله وصفاته في مقدمات السور وخواتيمها،

    بل إن معظم آيات القرآن الكريم تختم بذكر أسماء الله وصفاته. وهذه السورة -أعني سورة غافر أو سورة المؤمن- قص الله عز وجل علينا فيها قصصاً، وضرب لنا فيها من الأمثلة ما تتثبت به أفئدة المؤمنين، ويعرفون به طريقهم إلى الله سبحانه وتعالى، ويزداد به إيمانهم، ويسيرون على نور من ربهم،
    قال سبحانه وتعالى:
    حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:1-3]،

    فهذه جملة من أسماء الله وصفاته تعرف العباد بربهم سبحانه وتعالى، فالله عز وجل هو الإله المعبود العزيز الذي قهر كل شيء، وغلب كل شيء وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]،
    وهو سبحانه العزيز الذي لا يمانع ولا يغالب، فما أراده كان وما لم يشأه لم يكن، وهو سبحانه وتعالى ناصر دينه وأولياءه وعباده المؤمنين،
    كما قال عز وجل:
    {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:21]،

    وهو سبحانه وتعالى العليم بمواقع الأشياء ومواضعها، والعليم بدقائق الأمور وظواهرها وبواطنها، وقد شرع الشرائع بعلمه سبحانه وتعالى، وقدر المقادير بعلمه وحكمته.
    تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ [غافر:2-3]،

    وهذا من أعظم ما يتعلق به المؤمنون، فهم يعرفون دائماً أن ما أصابهم من مصائب ومحن فهو بسبب الذنوب، ولذلك هم دائماً يفرون إلى الله عز وجل منه سبحانه وتعالى، فيفرون إلى الله عز وجل بالاستغفار والتوبة والإنابة والرجوع الدائم
    {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]

    ، والرسل جميعاً دعوا قومهم إلى أن يستغفروا ربهم، فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه:
    {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا } [نوح:10]، وكذلك قال الأنبياء من بعده: { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:90]، هكذا كانت دعوة الأنبياء، ويجب أن تكون دعوة المؤمنين وحياتهم دائماً كذالك: فيها توبة واستغفار، وهو عز وجل غافر الذنب، وإذا غفر الذنوب وسترها وقى العباد شرها وعافاهم من عقوباتها. (( وَقَابِلِ التَّوْبِ ))، وهو كما قال عز وجل: {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى:25]، وهو سبحانه وتعالى قد فتح باباً للتوبة قَبِل المغرب يسير الراكب في عرضه مسيرة أربعين أو سبعين خريفاً، ولا يزال مفتوحاً للتوبة حتى تطلع الشمس منه،

    والله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
    (( شَدِيدِ الْعِقَابِ )) لمن خالف رسله، وخالف شرعه، وحارب أولياءه. (( ذِي الطَّوْلِ )) أي: ذي الغناء والعطاء العظيم والمن والفضل سبحانه وتعالى. (( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )) أي: لا معبود بحق سواه. (( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ))، فهو الذي قدر مقادير الخلائق وجعلها ترجع إليه؛ للحساب والسؤال والثواب والعقاب، فليست الدنيا آخر المطاف. فهذا ملخص عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر: معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته التي تظهر آثارها في حياة الناس، والذين يدركون هذه الآثار هم أهل الإيمان، وذلك عندما يوقفهم ربهم سبحانه وتعالى على مقتضى أسمائه وصفاته، وارتباطها بواقعهم.......

    وسائل الكفار للصد عن سبيل الله


    لقد بين سبحانه وتعالى الوسائل التي يستخدمها الكفار للصد عن سبيله، فقد يجادلون ويناقشون، فإن غُلبوا لجأوا إلى الحرب والبطش، فقال الله تعالى:
    (( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ))، وذلك لأنها آيات بينات واضحات، ولكن الكفار لا ينفع معهم حجة، ولا تزجرهم آية، ولا يتعظون بموعظة، فيظلون على الجدال بالباطل، ومهما ظهرت الحجج العقلية والنقلية، والمعجزات الحسية، فهم يأبون الانقياد، ولو كان الحق أوضح من الشمس في رابعة النهار ما استجابوا له، ولو أن الله حشر عليهم كل شيء، وكلمهم الموتى ما كانوا ليؤمنوا؛ لأن الله طبع على قلوبهم، ولولا الخذلان لما وقع ذلك،

    وما طبع على قلوبهم إلا بسبب من أنفسهم.
    (( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ))، وهذه المجادلة المقصود منها أن يمنعوا فائدتها، وأن يفسدوا على الناس الانتفاع بها، وهذه المجادلة تكون بالطعن فيها، أو بالطعن في من يقرأها ويتلوها ويأت بها من الرسل ثم من أتباعهم بعد ذلك، أو بمحاولة تحريفها وتأويلها إذا زعموا الإيمان بها، أو بمحاولة صرف الناس عن حقيقتها أو حقيقة معانيها؛ لكي لا تطبق في الحياة، أو لتكون مجرد أقوال تقال دون أن تكون عملاً وسلوكاً يتغير به حال الناس إلى ما يوافق أمر الله عز وجل وشرعه. { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ } [غافر:4]

    أي: أنهم يتمكنون مدة من الزمن قدر الله سبحانه وتعالى مدتها، وهو عز وجل الذي جعلهم يتقلبون في البلاد ذهاباً وإياباً، وأمراً ونهياً، وتملكاً وتسلطاً فيما يبدوا للناس، وأكثر الناس يغرهم ذلك، ويقولون: هذا هو الحق؛ لأنها هي القوة، فالحق عندهم مع من كانت القوة في صفه وفي صالحه، ومن كان السلطان عونه، ومن كان الأمر في الناس أمره، فيغترون بذلك ثم يتابعون الباطل، ويشاركون في المنكر؛ لأن صاحبه يتقلب في البلاد، والأنهار تجري من تحته، وله الملك في أنحائها -نسأل الله العافية- وقد حذر الله عباده المؤمنين أن يغتروا بذلك وإن كان الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم.

    والمقصود أن هذا التغلب في البلاد هو إلى حين، فله نهاية حتماً، ولابد من أن تشرق الشمس من جديد، وأن يزول تمكن الباطل؛ فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. والله سبحانه وتعالى حين قدر أن تكون الأيام بين الناس دولاً إنما قدر ذلك ليستخرج من قلوب عباده المؤمنين أنواع العبودية، والمعرفة بأسمائه وصفاته، والتعلق بالله سبحانه، وصدق التوكل عليه، وحسن الظن به، وكمال التفويض إليه، وإلجاء الظهور إليه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عندما يأوي إلى فراشه كل ليلة: (اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت).

    إن الذي يستشعر أنه يرغب إلى الله ويرهب منه، وأنه قد فوض الأمر إليه، وأنه ليس له ملجأ إلا إلى الله سبحانه وتعالى، فألجأ ظهره إلى الله، وأسلم نفسه لله، وفوض أمره إلى الله، وتوكل على الله؛ فهذا الذي قد أيقن بأسماء الله وصفاته، وأحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، وذلك إنما يقع ويكون بالصبر على أنواع من المقدورات التي قد لا يحب الله عز وجل كثيراً منها ولا يرضاها، ولكنه قدرها لما يترتب عليها من أنواع المحبوبات له عز وجل ومن أنواع العبودية، والتعرف للعباد بآثار أسمائه وصفاته، ومن كونهم يتضرعون إليه، فيجيب دعوتهم، ولذلك فلا تظنن أن الظلام هو من صنع أهل الظلام، إنما يستغلون الفرصة، وإنما جعل الليل والنهار، والظلمات والنور خالقُ الكون كله:
    الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]،

    فالظلمات قدر الله أن توجد كما قدر وجود الليل، وقدر سبحانه وتعالى أن يطلع النهار بعد ذلك، فكذلك سيظهر نور الحق فلا يغررك إذاً ما تراه من تقلب الذين كفروا، فالذي جعلهم يتقلبون والذي مكن لهم وسلطهم هو الله سبحانه وتعالى. {
    وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس:88-89]،

    وقال عز وجل: {
    وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا [الفرقان:31]، وقال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام:112] وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:113]، وقال سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام:123].

    فمن أين يأتي الغرور لمن أيقن بذلك كله؟ فالله هو الذي قدر وأعطى ومنع وابتلى عباده المؤمنين، قال الله:
    {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:155-156].......


    الأرض مكان الصراع بين الحق والباطل


    (( فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ )) فمن أين يأتي الغرور لمن عرف أسماء الله وصفاته، وعرف أنه هو الذي قدر المقادير، وآمن بالقدر خيره وشره، وفوض الأمر إلى الله؟ إنما يغر الإنسان إذا ضعف إيمانه أو زال، وإنما يغر الإنسان إذا وزن الأمور بموازين أهل الدنيا، وبقوة أهل الأرض، ولكن المؤمن ترتفع نفسه إلى آفاق أعلى زماناً ومكاناً. وانظر إلى هذه الآيات التي توسع أفق المؤمن، وتجعله يرى الدنيا من أولها إلى آخرها كحلقة واحدة تتضمن أنواعاً أو حلقات من الصراع بين الحق والباطل {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر:5] .

    وتأمل ما يجعلك ترى الدنيا من أولها إلى آخرها زماناً صغيراً جداً تتكرر فيه هذه الصراعات التي حقيقتها صراع بين الإيمان والكفر، ((
    كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ )) أي: قبل قريش، وقبل كل أمة سارت على طريقها وعلى نهجها، وقبل كل قوم كفار، فكان قوم نوح على تكذيبهم لرسلهم، والأحزاب من بعدهم، وهذه سنة قدرها الله عز وجل أن تكون، وأن تتحزب الأمم وقوى الباطل، وتجتمع على رسلهم أصحاب دعوة الحق، (( وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ ))، ومن الأحزاب فرعون وثمود والجنود التي جندوها { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:17-22].

    فتحزبت الأحزاب، واجتمعت القوى؛ لكي تزهق الحق، فثبت الحق وزهق الباطل، قال تعالى:
    { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]، كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} [غافر:5]، فيزداد الكيد والمكر عبر مرور الأيام والشهور والسنين للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ويصل الأمر إلى أن قرر الكفار بأن يجتثوا الدعوة من أصلها، ويأخذوا رسولهم ويمنعوه بالكلية: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].

    وحين ترى أن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك مثالاً للمؤمنين لكي يتعظوا، فاعلم أن هذا الأمر يتكرر، وأن الكفار يريدون أن يجتثوا دعوة الرسل، فالذين قتلوا الأنبياء بالأمس هم الذين يريدون قتل دعوتهم في كل زمان ومكان، وهم لهم نصيب من ذلك، ولذلك ذم الله بني إسرائيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم:
    { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:87]،

    فجعلهم من قتلة الأنبياء مع أنهم لم يتمكنوا من قتل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لما أرادوا قتل دعوته، وهموا بقتله، وأرادوا قتل أولياء الله سبحانه وتعالى، وحزبوا الأحزاب من أجل إبادة الدعوة وإيقافها، جعلهم الله كالذين من قبلهم، وهي مسألة تتكرر في الأزمنة والأمكنة المختلفة، فطالما عادوا أولياء الله لأجل ولياتهم لله، وعادوا الدعاة إلى الله لأنهم يدعون إلى الله سبحانه، وعادوا أهل الإسلام لأنهم أسلموا، وتجد أن هذا الأمر يتكرر في المشارق والمغارب، فتجد من يحارب من التزم بالدين؛ لأجل التزامه بالدين، فهذا يحارب الله ويحارب رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا منهم، وكلهم يريدون أن يأخذوا دعوة الرسل ليوقفوها، فإن فعلوا ذلك فإن الله عز وجل سيأخذهم، قال سبحانه:
    (( وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ))،

    ولهم وسائل متعددة، فقد هموا بأن يأخذوا الرسل، وكذالك جادلوا بالباطل، فاستعملوا جميع الوسائل المتاحة لهم من القوة المادية والمعنوية ليصدوا الناس عن سبيل الله، ومحاولة إقناع الناس بأن ما جاءت به الرسل ليس هو الحجة، فإن استجابوا لهم وإلا أخذوا الرسل وبطشوا بمن تبعهم.
    (( لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ )) فما كان الجزاء؟ ( فأخذتهم ) أي: أخذهم الله وأبطل كلا النوعين من المكر، وأبطل ما أرادوا من أخذ الرسل،

    بل أخذهم هو عز وجل؛ لأن الله من ورائهم محيط، والقوة له جميعاً سبحانه وتعالى، ولا حول ولا قوة إلا به عز وجل، ولا يملك العباد شيئاً:
    {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:56]. فأما ما يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم فهو كي تستيقظ القلوب من وزن الأمور بميزان أهل الدنيا، ولكي تدرك حقائق هذا الوجود، وتدرك أين القوة ولمن تكون، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم! رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم! أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اللهم! اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر).

    فما أعظم أدعية النبي صلى الله عليه وسلم! فهي أدعية تجعل الإنسان يتجاوز زمانه ومكانه، ويستحضر أن أوامر الله نازلة، وأن أعمال العباد إليه صاعدة، وأن الدنيا كلها في قبضته عز وجل، وأن صغير الأمور وكبيرها هو سبحانه وتعالى مالكها ومدبر أمرها: {
    يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة:5]، فعندما يدرك المؤمن ذلك، ويتحرر من قيود الزمان والمكان يعظم إيمانه، فترجح كفته،
    وينتصر بإذن الله وتنتصر طائفته. وإنما ترجح كفة ميزان أهل الإيمان بمقدار الإيمان في قلوبهم، فتتغير الموازين من أجلهم، وينمحي الباطل بدعائهم، وإنما يكون ذلك باستحضارهم عظمة ربهم، فهؤلاء الكفار أخذهم الله قبل أن يأخذوا رسولهم، وقبل أن يوقفوا الدعوة، وفي كل مرة يظن الظان أن أمر الدعوة وصل إلى طريق مسدود، وأوشك على الانتهاء.

    وانظر إلى إبراهيم عليه السلام وقد ألقي في النار والظن بلا شك لكل من يزن بموازين الأرض أن دعوته قد توقفت وانتهت وماتت، وإذا بالأمور تنقلب، وإذا بذكر إبراهيم يظل إلى الآخرين:
    {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء:84]، ويظل إبراهيم إماماً للمتقين، رغم أنه ما آمن به من قومه إلا لوط، وهكذا جعل الله عز وجل موسى عليه الصلاة والسلام عندما أقسم أتباعه أنهم لمدركون: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62]، فهكذا أخذ الله الكفرة.

    {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر:5-6] فكما فعل الله بمن مضى من المكذبين سيفعل بمن يأتي منهم، ففي كل زمن، وفي كل أرض، وفي كل صراع يوجد من هذه النوعية، وإنما يريد الله أن يقع عقابه على الكافرين بالحق، ولم يعذبهم باطلاً، ولم يدخلهم النار ظلماً، قال تعالى: { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر:6]،
    أترون البغي والعدوان والظلم والطغيان الذي يرتكبه أعداء الله وعلى رأسهم اليهود الغادرون المكذبون الطغاة المجرمون، الذين ينشرون الفساد في مشارق الأرض ومغاربها، أتظنون أن ذلك يغيب عن الله، أو أنه خارج عن سلطانه؟ لا والله! ولكنه سبحانه يملي لهم؛ لأن كيده متين، ولأنه سبحانه يريد أن يدخلهم النار.

    وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [غافر:6]، فلقد كان دخولهم النار حقاً وعدلاً بما اقتضته أعمالهم وبما كسبته أيديهم، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران:117]، وهم بطغيانهم هذا يقتربون من النهاية، وذلك حكم الله عز وجل وإرادته في جبر المنكسرين، وكسر المتجبرين وإذلالهم وإصغارهم، كما قال سبحانه: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:5-6]، فإرادته ماضية في ذلك، كما حكى الله عن قوم موسى قولهم لموسى: { أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:129]، {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر:6].......


    المؤمنون هم الأكثرون في الحقيقة


    ثم بعد تجاوز حدود الزمان تجاوز أيها المؤمن حدود المكان؛ لتعلم أن الكون كله مطيع لله، فهناك عرش تحمله ملائكة كرام يسبحون الله ليلاً ونهاراً، ومن حول العرش يعظمون الله أكبر تعظيم، ويقدسونه ويسبحونه، وترى الكون كله كذلك يسبح، وأنت مرتبط بهذا الكون، بل إن الله عز وجل جعل لك شأناً عظيماً؛ حيث سخر ملائكة كراماً من حملة العرش -وما أعظمهم-، فقد أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث عن ملك منهم ما بين شحمة أذنه إلى عاتقة مسيرة سبع مائة سنة، وقد جعلهم الله عز وجل يستغفرون لك، ويدعون لك بالتثبيت،

    وهم مع كونهم منشغلون تمام الانشغال بعبادة الله، فقد جعل من عبادتهم الدعاء للمؤمنين، فأنت لست وحدك وإن كنت ترى نفسك فرداً ذليلاً ضعيفاً، لكن جنود الله عز وجل أكثر: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31]، فجعل الله سبحانه وتعالى ملائكته يدعون لعباده المؤمنين، ويستغفرون لهم، ليقيل عثراتهم، ويكفر سيئاتهم، ويثبتهم، وينصرهم، ويؤيدهم، قال سبحانه وتعالى: {
    الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } [غافر:7].

    وكم عدد الكفرة في الأرض؟ والله مهما بلغوا الملايين، ومهما اعترضوا وأبوا واستكبروا أن يسبحوا ربهم عز وجل فإن المؤمنين والملائكة سيسبحونه وهم أكثر وأعظم، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم أو راكع أو ساجد، لا يفترون عن التسبيح والذكر وعبادة الله)، فلذلك إذا كثر الكفار فجنود الله أكثر، وإذا كثر الظلمة فمن يعبد الله ويسبحه أكثر وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31]،

    {
    حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} [الجن:24]، فيظنون أنفسهم كثرة ويقولون: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:56] وقالوا: (( نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ))، ومع ذلك فهم قليل، وسيعلمون ذلك إذا رأوا حقائق هذا الكون على ما هي عليه عندما ينجلي الغبار، وعندما يفيق الناس من رقدة الحياة الدنيا. أنت أيها المؤمن! تستشعر ذلك في هذه الحياة، فتسعد بها أعظم سعادة مهما كان الضيق في الأرض، فأنت ذا أفق أوسع، فالدنيا كلها بمثابة يوم، وهناك اليوم الآخر.

    {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:7]، وليس فقط حملة العرش فهناك غيرهم، ولكن الله ذكر أشرف مخلوقاته ليذكر إيمانهم واستغفارهم لعباد الله المؤمنين، وإلا فالكائنات كلها تسبح له كما قال : {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجمعة:1]، وقال: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الصف:1]، وقال عز وجل: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [الإسراء:44].

    فإذا استشعرت القلة والذلة والضعف فانظر إلى الكائنات من حولك، وانظر إلى الأرض التي تمشي عليها، والسماء التي يصعد إليها عملك، والطير وهي صافة بأجنحتها، وتأكد أن الكل يعبد الله، وهو يحبك، وهو يريدك أن تثبت، فيحبك إذا كنت مؤمناً، كما قال عز وجل عن آل فرعون:
    {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} [الدخان:29]، إذاً: فالسماء والأرض تبكيان على المؤمن؛ لأنهما تحبانه وتريدان أن يبقى عمله الصالح فيهما، وكما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الحيتان في البحر وهوامه، والطير في السماء تستغفر لمعلم الناس الخير).

    وكل مؤمن فإن الكون من حوله يؤيده، كما أن المؤذن يشهد له كل ما سمع صوته من الكائنات من مدر وحجر، وكذلك الملبي يشهد له يوم القيامة بذلك، حتى تنقطع الأرض من هاهنا ومن هاهنا، فالكائنات تسبح الله، حتى الملائكة فإنها تسبح بحمد الله. إذا رأيت ذلك ارتفعت نفسك عن هذه الدنيا الصغيرة الحقيرة، الضعيف أهلها، الفقراء أصحابها، فالعاجزون الذين من تمسكوا بها، وحرصوا عليها.
    وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا [غافر:7]، لا بد من وجود الذنوب ولكن كن تائباً، فإن (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)،

    فسر على طريق الله عز وجل، والتزم بطاعته، واتق الله ليسخر الله لك من خلقه من يستغفر لك، ويطلب لك المغفرة، فقد تذنب وقد تخطئ وقد تعصي الله، ولكن كن سائراً في طريق الله، ولا تكن على خلاف ذلك، ولا تكن سائراً في غيره؛ فإنك إن كنت متجهاً إلى عبادة غير الله فأخطاؤك لن تغفر، وليس هناك من يستغفر لك، لذلك إذا كنت في الجملة مطيعاً لله عز وجل، باحثاً عن رضوانه، راغباً في ثوابه، راهباً من عقابه، محباً له، خائفاً منه، راجياً فضله؛ فعند ذلك يستغفر لك كل شيء، ويستغفر لك ملائكة الله سبحانه ويقولون:
    (( فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا )).(( وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ))، فالتزم بسبيل الله. وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [غافر:7-8]،
    فهؤلاء الذين تخشى عليهم إذا فارقتهم، وتخاف عليهم حين يصيبك مكروه أكثر من خوفك على نفسك، (أحبب من شئت فإنك مفارقه)، ومع ذلك فإنما الاجتماع هناك، فهناك السعادة الحقيقة، فكم يكون فراق أهلك ومالك ستون سنة، سبعون سنة؟ لكن هذه هي سنته سبحانه في أكثر الخلق، وأعمارهم لا تصل إلى أكثر من ذلك في الغالب، ومع ذلك فلابد من الفراق، واعلموا أنكم لن تدخلوا الجنة إلا إذا كنتم مطيعين لله.

    وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر:8] فالملائكة يتوسلون إلى الله بأسمائه وصفاته من أجل أن يجمعك بأحبابك في جنته التي هي كل رضوانه سبحانه وتعالى. قال عز وجل: وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ [غافر:9]، وهي دعوة شاملة في الدنيا والآخرة، فالملائكة تدعوا ربها عز وجل أن يقي المؤمنين السيئات، ومن ضمن السيئات ما يمكره أعداء الله بالمؤمنين، كما قال عز وجل في نفس السورة عن المؤمن: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ [غافر:44-45]،

    فالله عز وجل يقي المؤمن السيئات في الدنيا، والقبر، والآخرة، وهو محض فضل الله تعالى، وإذا وقي الله المؤمنين السيئات يوم القيامة فهذه هي الرحمة:
    وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [غافر:9]. اللهم اغفر لنا، واجعلنا من الذين تابوا واتبعوا سبيلك، وقنا عذاب الجحيم، ربنا وأدخلنا جنات عدن واجعلنا من الصالحين وآباءنا وأمهاتنا وذرياتنا وأزواجنا إنك أنت العزيز الحكيم، وقنا السيئات { وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} [غافر:9]، اللهم اجعلنا من الفائزين الفوز العظيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.......

    مصير المؤمنين والكافرين في الآخرة


    الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. أما بعد: ذكر الله سبحانه وتعالى عقب ذلك مصير الكفار، فبدأ بذكر مصير المؤمنين، وما هم فيه من الحب الذي يحيط بهم من كل جانب، والذي يحصل لهم من الكائنات كلها، ومنهم ملائكة الله تعالى، ويكفيهم شرفاً أن الملأ الأعلى يذكرهم، وأشرف من ذلك أن الله يذكرهم في الملأ الأعلى، كما قال:
    فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152].

    ثم ذكر سبحانه وتعالى في المقابل المقت والكراهية التي يحيط بالكفار من كل جانب، وهذا مقتضى عدله سبحانه وتعالى! فإياك أن تغتر فتختار طريق البغضاء والكراهية والمقت من أجل زخرف الدنيا، ومن أجل تقلب سريع في البلاد سرعان ما يزول، وإياك أن تغتر بأن تترك سبيل الحق لأجل أن أهله مبعدون مطاردون، أو أن أهله عندهم من أنواع البلايا والمحن ما عندهم، وإياك أن تختار سبل الباطل أو تختار واحداً منها؛ فإن ذلك عذاب قبل العذاب:
    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [غافر:10]، فحين دعي الكافر إلى الإيمان فكفر مقته كل شيء، ومقتته نفسه، فصار يحيا في المقت والكراهية، والله إنه لمن أعظم العذاب، وذلك حين يعيش الإنسان في كون يكرهه فيه كل شيء، ومقت الله أكبر من ذلك كله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الفريقين: (إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل: إني أحب فلاناً فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبه، فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإن الله إذا أبغض عبداً نادى جبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض)، فيعيش في المقت حتى من الأرض التي يمشي عليها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مستريح ومستراح منه، أما المؤمن فيستريح من نصب الدنيا وتعبها، وأما الكافر أو الفاجر فيستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب)

    فالشجر والبلاد والأرض تمقت الكافر والفاجر وتكرهه والعياذ بالله، ومقت الله أكبر، فنعوذ بالله من غضبه ومقته وعقابه.
    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [غافر:10]، أي: عذاب أشد من أن يعيش في مقت الله أبد الآبدين هذه بشارتهم يوم القيامة، وينادون بذلك: مقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم، لأنهم دعوا إلى الإيمان فكفروا: إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [غافر:10]،

    فيريدون الرجوع إلى الدنيا، ويريدون فرصة أخرى لكنهم لا يجدون، فالآن في الدنيا ما زالت الفرصة بين أيديهم ولن تتكرر في غير الدنيا، قال عز وجل عنهم قَالُوا
    رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ [غافر:11] أي: كنا أمواتاً قبل خلقنا، وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:28]، (( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ))؛ فالموتة الأولى قبل الولادة حين كنا ماءاً وطيناً، والثانية بعد الولادة، ثم نحيا يوم القيامة: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ [غافر:11]
    وليس هناك من سبيل، لماذا؟
    ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:12]، فليس كما كنتم تدعون أن الحكم لغيره، وأن الأمر لسواه، بل الحكم لله العلي الكبير سبحانه، الذي له كل معاني العلو: علو القدر وعلو الشأن، وأنه فوق العرش سبحانه وتعالى، فهو الكبير الذي أحاط بكل شيء، وهو أكبر من كل شيء. فالحكم لله العلي الكبير حين دعوا إلى الإيمان فكفروا، ودعوا إلى التوحيد فأشركوا وردوا دعوة الرسل، وحينها كتب عليهم ذلك المقت وذلك الغضب وذلك العذاب، فيريدون الخروج من النار ومن الغم والكرب، وإنما صارت النار عذاباً لمقت الله عز وجل؛ وذلك مقتض لأنواع الآلام الأخرى المستلزم لها والعياذ بالله، فالألم الحسي إنما هو فرع عن الألم المعنوي؛ لأن الله إذا مقت عبداً مقته كل شيء، فالنار تتغيظ على الكفار من أجل أن الله مقتهم؛ لأنهم كفروا، فانظر إلى نعمة الله عز وجل عليك؛ لكيلا تغتر بزخرف الدنيا، وتنسى حقيقة هذا الدين. هناك نعمة عظيمة أنعم الله بها عليك، وهي أنك تقول: لا إله إلا الله بسهولة ورفق، ومن فضله سبحانه وتعالى عليك أن جعلك موحداً لا تشرك به شيئاً ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ [غافر:12-13] فدليل التوحيد ودليل أن الحكم لله أنه هو الذي يريكم آياته، وينزل لكم من السماء رزقاً، ومع ذلك فلا يتذكر إلا من أناب، فإذا وجدت قلبك بعيداً عن الاتعاظ فتب إلى الله وارجع إليه، فسوف يفتح لقلبك نوافذ من الخير تطلع منها على حقيقة الخير كله: من معرفة الله ومحبته، والتعبد له سبحانه وتعالى. فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14] أي: لا تظنوا أنهم سيرضون عن عبادتكم لله، وعن دعوتكم إليه، ولذا لا تجعلوا رضاء الناس عن دينكم هو الميزان، ولكن التزموا ولو كره الكافرون، وأخلصوا لله عز وحل ولو كره المجرمون، وتمسكوا بطاعة الله سبحانه وتعالى ولو كره أهل الدنيا؛ فإنه: (لا تزال طائفة من الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة)، ولكن وطن نفسك على أنك لن تترك الحق ولو كرهه الناس جميعاً. فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ [غافر:14-15]، والروح هو: الوحي؛ لأنه حياة القلوب: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:15-16] وكان الملك قبل ذلك له عز وجل، ولكن الناس ينازعون فيه، فأتى اليوم الذي لا منازع لله فيه، وظهرت حقيقة الأمر، فكن أنت ممن يوقن بأن الملك لله في الدنيا والآخرة قبل أن يوقن الناس جميعاً يوم القيامة بأنه لله الواحد القهار. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:17] سوف يعتدل الميزان، وترجع الحقوق إلى أهلها، ويرد الأمر إلى نصابه، لا ظُلْمَ الْيَوْمَ [غافر:17] كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:17]. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين، وأن يدمر اليهود والنصارى والمنافقين، وسائر الكفرة والملحدين وأصحاب الضلالة أجمعين. اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين! ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر بنا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا. اللهم اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك رهابين، لك مطواعين، إليك مخلصين أواهين منيبين، وتقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبت أقدامنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا،

    ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا. اللهم فرج كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وارفع الظلم عن المظلومين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، والشيشان، وكشمير. اللهم احفظ المسجد الأقصى ورده إلى المسلمين، اللهم انصرنا على القوم الكافرين، ربنا انصرنا على القوم المفسدين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.......

    التعديل الأخير تم بواسطة أروى علي; الساعة 22-07-2016, 01:15 AM. سبب آخر: التنسيق


    على رابط

    جبل احد على شكل محمد صلى لله عليه وسلم

  • #2
    رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

    لم أقرأه كله بعد لطوله

    عموما ً جزاكم الله خيرا ً ينقل ل مدرسة القرآن

    تعليق


    • #3
      رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

      وجزاكم مثله
      عفوا انا مشترك جديد كيف انقله لمدرسه القران هذة


      على رابط

      جبل احد على شكل محمد صلى لله عليه وسلم

      تعليق


      • #4
        رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

        جزاكم الله خيرا


        على رابط

        جبل احد على شكل محمد صلى لله عليه وسلم

        تعليق


        • #5
          رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

          جزاكم الله خيرا اخينا ابو سليمان
          التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-10-2014, 02:18 AM.

          تعليق


          • #6
            رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

            جزاكم الله خيرا اختنا الرشيدة
            التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-10-2014, 02:18 AM.


            على رابط

            جبل احد على شكل محمد صلى لله عليه وسلم

            تعليق


            • #7
              رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

              حياكم الله....

              هلا وسهلاً بك أخى الحبيب "أبو سليمان" _حفظكم الله _ وجزاكم ربى خيراً على النقل الطيب لشيخنا الحبيب /ياسر برهامى _وفقه الله_ ...

              عفوا انا مشترك جديد كيف انقله لمدرسه القران هذة
              لا يا أخى الحبيب فهذه وظيفة المشرفين وهذا ما قصدته أختنا الفاضلة "يمامة" _تولاه الله بحفظه_....

              بارك الله فيكم....
              تالله ما الدعوات تُهزم بالأذى أبداً وفى التاريخ بَرُ يمينى
              ضع فى يدىَ القيد ألهب أضلعى بالسوط ضع عنقى على السكين
              لن تستطيع حصار فكرى ساعةً أو نزع إيمانى ونور يقينى
              فالنور فى قلبى وقلبى فى يدىَ ربىَ وربى حافظى ومعينى
              سأظل مُعتصماً بحبل عقيدتى وأموت مُبتسماً ليحيا دينى
              _______________________________
              ""الدعاة أُجراء عند الله ، أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا ، عملوا ، وقبضوا الأجر المعلوم !!!..وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أى مصير ، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير !!!!...
              __________________________________
              نظرتُ إلىَ المناصب كلها.... فلم أجد أشرف من هذا المنصب_أن تكون خادماً لدين الله عزوجل_ لا سيما فى زمن الغربة الثانية!!
              أيها الشباب ::إنَ علينا مسئولية كبيرة ولن ينتصر هذا الدين إلا إذا رجعنا إلى حقيقته.

              تعليق


              • #8
                رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

                جزاك الله خيرااخونا د غيث لم ار الرد الا الان


                على رابط

                جبل احد على شكل محمد صلى لله عليه وسلم

                تعليق


                • #9
                  رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

                  جزاكم الله خيرًا
                  التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-10-2014, 02:19 AM.

                  تعليق


                  • #10
                    رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

                    .::: ( جزاك الله خيراً ) :::.
                    .::: ( مشكور على الموضوع ) :::.
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد

                    تعليق


                    • #11
                      رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

                      للرفع بارك الله فيكم
                      أسألكم الدعاء بظهر الغيب

                      تعليق


                      • #12
                        رد: وقفات مع سورة غافر د/ياسر برهامي

                        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                        جزاك الله خيراً أخي الكريم ونفع بك
                        وبارك الله فيك

                        تعليق

                        يعمل...
                        X