إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فقه الرقية الشرعية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فقه الرقية الشرعية

    الــرقيــــــــة

    معنى الرقية :
    الرُّقيْة : العُوذة معروفة . والجمع : رُقىً ، وتقول : اسْتَرْقَيْتُه فرَقاني رُقيْة ، فهو راقٍ .
    وقد رَقَاه رَقْياً ورُقِيّاً ، ورجلٌ رَقَّاءٌ صاحبُ رُقىً ، يقال رَقَى الراقي رُقْيةً ورُقِيّاً إذا عَوَّذَ ونَفَثَ في عُوذَتِه ، والمَرْقِيُّ يَسْتَرْقي وهم الراقُونَ
    أما اصطلاحًا :
    قال ابن حجر رحمه الله : الرقية كلام يستشفى به من كل عارض.
    قال الطيبي : ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء.
    وقال ابن الأثير رحمه الله : الرُّقْيَة : العُوذة التي يُرْقى بها صاحب الآفة كالحُمَّى والصَّرع وغير ذلك من الآفات.
    دليل مشروعية الرقية :
    ويدل على مشروعية الرقية جملة من الأحاديث الصحيحة نذكر منها :
    عَنْ عَائِشَةَ ل قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  يَأْمُرُنِى أَنْ أَسْتَرْقِىَ مِنَ الْعَيْنِ)
    - عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ  أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ  رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَشَرِّ كُلِّ ذِى عَيْنٍ
    - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِى.
    - عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  كَانَ إِذَا اشْتَكَى الإِنْسَانُ الشَّىْءَ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جَرْحٌ قَالَ النَّبِىّبِإِصْبَعِهِ هَكَذَا ـ وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا ـ «بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا»قَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ«يُشْفَى»وَقَالَ زُهَيْرٌ«لِيُشْفَى سَقِيمُنَا»
    - عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ  يَقُول: رَخَّصَ النَّبِيُّ  لآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ : مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ ؟ قَالَتْ : لا ، وَلَكِنِ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ ، قَالَ : ارْقِيهِمْ ، قَالَتْ : فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : ارْقِيهِمْ.
    - وعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَكَلَّمُوا فِيَّ رَسُولَ الله وَكَلَّمُوهُ أَنِّي مَمْلُوكٌ قَالَ فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ رُقْيَةً كُنْتُ أَرْقِي بِهَا الْمَجَانِينَ فَأَمَرَنِي بِطَرْحِ بَعْضِهَا وَحَبْسِ بَعْضِهَا
    قلتُ : جملة هذه الأحاديث تدل على مشروعية الرقية ليس فقط من العين أو الحسد ، بل من كل داء أو مرض ، كما سنبينه قريبا إن شاء الله.
    - كذلك انعقد إجماع الأمة على مشروعيتها وجوازها :
    قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله : لا أعلم خلافا بين العلماء في جواز الرقية من العين أو الحمة وهي لدغة العقرب ، وما كان مثلها.
    إذا كانت الرقية بأسماء الله عز وجل ومما يجوز الرقي به ، وكان ذلك بعد نزول الوجع والبلاء وظهور العلة والداء .
    وإن كان ترك الرقى عندهم أفضل لما فيه من الاستيقان بأن العبد ما أصابه لم يكن ليخطئه وأنه لا يعد شيء وقته .
    وأن الأيام التي قضى الله بالصحة فيها لم يسقم فيها من سبق في علم الله صحته

    هـل نهـــى النبــي  عـن الرقيـــــة ؟

    عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ  عَنِ الرُّقَى فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِى بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ ، وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى. قَالَ : فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ. فَقَالَ « مَا أَرَى بَأْسًا مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ»

    قال الإمام النووي رحمه الله( ): وأما قوله ( يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى)
    فأجاب العلماء عنه بأجوبة : أحدها : كان نهى أولاً ثم نُسخ ذلك وأذن فيها وفعلها واستقر الشرع على الإذن. والثانى : أن النهى عن الرقى المجهولة.
    والثالث : أن النهى لقوم كانوا يعتقدون منفعتها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية تزعمه فى أشياء كثيرة.
    وفي الحديث الآخر : عَنْ أَنَسٍ  قَالَ : (رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ  فِى الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ وَالنَّمْلَةِ)انتهى.
    قال القرطبي رحمه الله :
    دليل : على أن الأصل في الرقى كان ممنوعا ، كما صرَّح به حيث قال (نهى رسول الله  عن الرقى) وإنما نهى عنها مطلقا ؛ لأنهم كانوا يرقون في الجاهلية برقىً هو شرك ، وربما لا يفهم.
    وكانوا يعتقدون : أن ذلك الرقي يؤثر .
    ثم إنهم لما أسلموا وزال ذلك عنهم نهاهم النبي  عن ذلك عموما ، ليكون أبلغ في المنع ، وأسدَّ للزريعة.
    ثم إنهم لما سألوه وأخبروه أنهم ينتفعون بذلك رخص لهم في بعض ذلك ، وقال : « اعْرِضُوا عَلَىَّ رُقَاكُمْ لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ »
    فجازت الرقية من كل الآفات من الأمراض ، والجراح ، والقروح ، والحُمة ، والعين وغير ذلك. إذا كان الرقى بما يفهم ، ولم يكن فيه شرك ولا شيء ممنوع .
    وأفضل ذلك وأنفعه : ما كان بأسماء الله تعالى وكلامه . وكلام رسوله . انتهى.
    وقال المازري رحمه الله : يحتم ان يكون النهي ثابتا ثم نُسخ ، أو يكون كان النهي لأنهم يعتقدون منفعتها بطبيعة الكلام ، كما كانت الجاهلية تعتقد.
    فلما استقر الحق في أنفسهم وارتاضوا بالشرع أباح لهم مع اعتقادهم أن الله سبحانه هو النافع الضار . أو يكون النهي عن الرقى الكفرية. انتهى.
    قلتُ: من خلال العرض السابق يظهر أن النهي كان في أول الأمر لعوارض كانت موجودة كما ذُكِرَ ، فلما ارتفعت العوارض جازت الرقية بشروطها ، سنذكرها بعد قليل إن شاء الله


    حكـــم الرقيــــة

    هناك طائفة من العلماء قد اختارت تفضيل عدم الاسترقاء ، لأنه ربما يقلل من منزلة العبد ومكانته عند ربه ، وربما طعن في توكله على الله .
    فقال ابن عبد البر رحمه الله : ذهبت طائفة إلى كراهية الرقى والمعالجة .
    قالوا : الواجب على المؤمن أن يتركَ ذلك اعتصامًا بالله تعالى ، وتوكلاً عليه ، وثقةً به ، وانقطاعًا إليه ، وعلمًا بأنَّ الرقيةَ لا تنفعه ، وأن تركها لا يضره .
    إذ قد عَلِمَ الله أيام المرضِ ، وأيام الصحة فلا تزيد هذه بالرقي والعلاجات ، ولا تنقص تلك بترك السعي والإحتيالات ، لكل صنف من ذلك زمن قد علمه الله ، ووقت قد قدَّره قبل أن يخلُقَ الخلقَ فلو حرصَ الخلقُ على تقليل أيام المرض وزمن الداء أو على تكثير أيام الصحة ما قدروا على ذلك .قال الله عز وجل (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )[الحديد :22]
    واحتجوا : بحديث السبعين ألف وفيه (هُمُ الَّذِينَ لاَ يَِسْتَرْقُون ولا يَكْتَوُون وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) قال ابن عبد البر : فلهذه الفضيلة ذهب بعض أهل العلم إلى كراهية الرقى والاكتواء. وقال : وممن ذهب إلى هذا داود بن علي الظاهري ، وجماعة من أهل الفقه والأثر. وذكر أيضا كراهة الرقى عن : سعيد بن جبير .

    ثم قال رحمه الله : وذهب آخرون من العلماء إلى إباحة الاسترقاء والتداوي .
    وقالوا : إن من سنة المسلمين التي يجب عليهم لزومها لروايتهم لها عن نبيهم  الفزع إلى الله عند الأمر يعرض لهم وعند نزول البلاء بهم في التعوذ بالله من كل شر وإلى الاسترقاء وقراءة القرآن والذكر والدعاء.
    واحتجوا بالآثار المروية عن النبي  في إباحة التداوي والاسترقاء .
    قال ابن عبد البر رحمه الله: والذي أقول به أنه قد كان من خيار هذه الأمة وسلفها وعلمائها قوم يصبرون على الأمراض حتى يكشفها الله ومعهم الأطباء فلم يُعَابُوا بترك المعالجة .
    ولو كانت المعالجة سنة من السنن الواجبة لكان الذم قد لَحقَ من ترك الاسترقاء والتداوي وهذا لا نعلم أحدا قاله ولكان أهل البادية والمواضع النائية عن الأطباء قد دخل عليهم النقص في دينهم لتركهم ذلك. وإنما التداوي والله أعلم إباحة على ما قدمنا لميل النفوس إليه وسكونها نحوه (ولكُل أَجلٍ كِتاب) لا أنه سنة ولا أنه واجب ولا أن العلم بذلك علم موثوق به لا يخالف ، بل هو خطر وتجربة موقوفة على القدر والله نسأله العصمة والتوفيق .ثم قال : وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء .انتهى.

    قال الإمام النووي رحمه الله : قوله : ( إن جبرائيل رقى النبى ) والأحاديث التي بعده فى الرقى ، وفي الحديث الآخر (فى الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يرقون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون)
    فقد يظن مخالفا لهذه الأحاديث ولامخالفة بل المدح فى ترك الرقى المراد بها الرقى التى هي من كلام الكفار ، والرقى المجهولة ، والتى بغير العربية ، ومالا يعرف معناها . فهذه مذمومة لاحتمال أن معناها كفر أو قريب منه أو مكروه.
    وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهى فيه بل هو سنة.
    ومنهم من قال فى الجمع بين الحديثين : أن المدح فى ترك الرقى للأفضيلة وبيان التوكل والذى فعل الرقى وأذن فيها لبيان الجواز مع أن تركها أفضل وبهذا قال بن عبدالبر وحكاه عمن حكاه .
    والمختار الأول وقد نقلوا بالإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار الله تعالى.انتهى.
    وقال ابن الأثير رحمه الله : والرقية قد جاء في بعض الأحاديث جَوازُها وفي بعضها النَّهْي عنها : فمِنَ الجَواز قوله ( اسْتِرْقُوا لَها فإنّ بها النَّظْرة ) أي اطْلُبوا لها مَن يَرْقيها
    ومن النَّهْي قوله (لا يَسْتَرْقُون ولا يكْتَوُون )
    والأحاديث في القِسْمين كثيرة :
    ووَجْه الجَمْع بينهما: أنّ الرُّقَي يُكْرَه منها ما كان بغير اللِّسان العَرَبِيّ ، وبغير أسماء اللّه وصِفاته وكلامِه في كُتُبه المُنَزَّلة وأن يَعتَقد أن الرُّقي نافِعَة لا مَحالة فَيَّتِكل عليها، ولا يُكْره منها ما كان في خلاف ذلك كالتَّعَوّذ بالقُرآن وأسماء اللّه تعالى والرُّقَى المَرْوِيَّة ولذلك قال للذي رَقَى بالقرآن وأخَذَ عليه أجْراً «كُلْ فَلَعَمْرِى مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ»
    وكقوله في حديث جابر (أنه عليه الصلاة والسلام قال : اعْرِضُوها عليَّ فعرَضْنَاها فقال : لا بأس بها إنَّما هي مَواثِيقُ)( )
    كأنه خاف أن يَقَع فيها شيء مما كانوا يَتلَّفظون به ويعتَقِدونه من الشِّرْك في الجاهلية وما كان بغير اللسان العَرَبيّ ممَّا لا يُعْرف له تَرْجَمة ولا يُمْكن الوُقوف عليه فلا يجوز اسْتِعْمالُه . انتهى .


    شــــــروط الرقيـــة الصحيحـــة


    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز الرُّقَى عِنْد اِجْتِمَاع ثَلاثَة شُرُوط :

    - أَنْ يَكُون بِكَلامِ اللَّه تعالى أو بأَسْمَائِهِ وَصِفَاته .
    - وَبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ أو بِمَا يُعْرَف مَعْنَاهُ مِنْ غَيْره .
    - وَأَنْ يَعْتَقِد أَنَّ الرُّقْيَة لا تُؤْثَر بِذَاتِهَا بَلْ بِذَاتِ اللَّه تَعَالَى.

    ثم قال رحمه الله : وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنهَا شَرْطًا ، وَالرَّاجِح أنهُ لا بُدّ مِنْ اِعْتِبَار الشُّرُوط الْمَذْكُورَة.
    فَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَوْف بْن مَالِك قَالَ : كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّة ، فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه كَيْف تَرَى فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : (اِعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ ، لا بَأْس بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْك)
    وله من حديث جَابِر قال: نَهَى رَسُول اللَّه  عَنْ الرُّقَى، فَجَاءَ آل عَمْرو بْن حَزْم فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدنَا رُقْيَة نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَب .قَالَ : فَعَرَضُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: (مَا أَرَى بَأْسًا ، مَنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَع أَخَاهُ ، فَلْيَنْفَعْهُ)
    - وَقَدْ تَمَسَّكَ قَوْم بِهَذَا الْعُمُوم فَأَجَازُوا كُلّ رُقْيَة جُرِّبَتْ مَنْفَعَتهَا ، وَلَوْ لَمْ يُعْقَل مَعْنَاهَا ، لَكِنْ دَلَّ حَدِيث (عَوْف) أنه إذا كَانَ مِنْ الرُّقَى يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْك يُمْنَع ، وَمَا لا يُعْقَل مَعْنَاهُ لا يُؤْمَن أَنْ يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْك فَيَمْتَنِع اِحْتِيَاطًا ، وَالشَّرْط الآخِر لا بُدّ مِنْهُ.
    قلتُ : وبهذه الشروط أشار القرطبي في المفهم كما سبق وذكرنا عنه رحمه الله .
    مما قاله : جازت الرقية من كل الآفات من الأمراض ، والجراح ، والقروح ، والحُمة ، والعين وغير ذلك. إذا كان الرقى بما يفهم ، ولم يكن فيه شرك ولا شيء ممنوع .
    وكذلك قال ابن الأثير في النهاية وسبق وذكرنا كلامه قريبا.
    وقال الخطابي رحمه الله : فأما الرقى المنهي عنه هو ما كان منها بغير لسان العرب ، فلا يدري ما هو ، ولعله قد يدخله سحراً أو كفرا .
    فأما إذا كان مفهوم المعنى وكان فيه ذكر الله تعالى ، فإنه مستحب متبرك به ، والله أعلم.
    وقال المازري رحمه الله تعالى: وجميع الرقى عندنا جائزة إذا كانت بكتاب الله عز وجل ، وذكر الله تعالى ، وينهى عنها بالكلام الأعجمي ، وما لا يُعرف معناه ، لجواز أن يكون فيه كفر أو إشراك. انتهى.

    جـــواز الرقيـــة لكـــل مــرض

    جاءت أحاديث كثيرة عن النبي  تشير إلى استخدام الرقية في كثيرٍ من الأمراض الجسميةالمختلفة .
    من هذه الأحاديث :
    عَنْ أَنَسٍ  قَالَ : (رَخَّصَ رَسُولُ الله  فِى الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ وَالنَّمْلَةِ)
    (الحمة) : السم ، (النملة) : قروح تخرج فى الجنب.
    فالحديث يدل على صحة الرقية من (الحمة ، ومن النملة)
    - عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ الله  كَانَ إِذَا اشْتَكَى الإِنْسَانُ الشَّىْءَ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جَرْحٌ قَالَ النَّبِىُّ  بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا - وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا- « بِاسْمِ الله تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا».
    قال أبو العباس القرطبي رحمه الله:
    قوله (كَانَ إِذَا اشْتَكَى الإِنْسَانُ الشَّىْءَ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جَرْحٌ)
    يدل على جواز الرقى من كل الأمراض ، والجِراح ، والقُروح ، وأن ذلك كان أمرا فاشيًا بينهم ، معمولاً به عندهم.انتهى.
    وعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ  قَالَ شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَكَلَّمُوا فِيَّ رَسُولَ الله  وَكَلَّمُوهُ أَنِّي مَمْلُوكٌ ، قَالَ : فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ ، فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ ، فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ رُقْيَةً كُنْتُ أَرْقِي بِهَا الْمَجَانِينَ فَأَمَرَنِي بِطَرْحِ بَعْضِهَا وَحَبْسِ بَعْضِهَا
    وقوله في الحديث (أَرْقِي بِهَا الْمَجَانِينَ) يدل على : جواز استخدام الرقية في علاج الجنون أيضًا ، فلم ينكر النبي  على الرجل علاجه المجانين بالرقية ، وإنما أنكر عليه بعضها ونهاه عنه ، وترك له بعضا آخر يرقي به.
    أما حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ  عَنِ النَّبِىِّ  قَالَ « لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ»
    قال الخطابي رحمه الله : ليس في هذا نفي جواز الرقية في غيرهما من الأمراض ، والأوجاع ؛ لأنه قد ثبت عن النبي  أنه رقى بعض أصحابه من وجع به.
    وإنما معناه : أنه لا رقية أولى وأنفع من رقية العين ، والسم ، وهذا كما قيل : لا فتى إلا عليّ ، ولا سيف إلا ذو الفقار.انتهى.

    الرقيـــة بمـــاذا تكـــون ؟
    الرقية تستحب أن تكون بما وَردَ عن النبي  كالمعوذات ، والفاتحة ، والأذكار المختلفة التي صحت عنه  ، التماساً لبركته وبركة كلامه .
    قال ابن التين رحمه الله : الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب الروحاني ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء ـ بإذن الله ـ فلما عزَّ هذا النوع ، فزع الناس إلى الطب الجسماني . انتهى.
    كذلك تجوز الرقية بأي كلام إذا توفرت فيه الشروط السابقة ، من كونها خالية من الشرك ، وبكلام مفهوم .
    ويدل على هذا : حديث عَوْف بْن مَالِك قَالَ : كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّة ، فَقُلْنَا : يَا رَسُول الله كَيْف تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ : (اِعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ ، لا بَأْس بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْك)
    قال الشوكاني رحمه الله معلقا على هذا الحديث : وفيه دليل على جواز الرقى والتطبب بما لا ضرر فيه ، ولا منع من جهة الشرع ، وإن كان بغير أسماء الله وكلامه ، لكن إذا كان مفهومًا لأن ما لا يُفهم لا يُؤمن أن يكون فيه شيء من شرك.انتهى.
    فكما في الحديث أنهم عرضوا عليه ما كانوا يستخدمونه في رقاهم ، فأجازها لهم ، على الرغم من أنهم كانوا يستخدمونها في الجاهلية ، وهذا لأنه لم يجد فيه شركاً.
    ولم يُشرْ عليهم ببديلٍ من كتاب الله أو من قوله  ، وأجاز لهم قولهم.
    وحَدِيث جَابِر قال : نَهَى رَسُول اللَّه  عَنْ الرُّقَى ، فَجَاءَ آل عَمْرو بْن حَزْم فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدنَا رُقْيَة نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَب .قَالَ : فَعَرَضُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: (مَا أَرَى بَأْسًا ، مَنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَع أَخَاهُ ، فَلْيَنْفَعْهُ)
    كذلك هذا الحديث يدل على جواز نفع المسلم لأخيه المسلم بأي شيء طالما أنه لا يخالف أصول الدين.
    فقال القرطبي رحمه الله معلقا على هذا الحديث: فيه دليل على جواز الرقى والتطبب بما لا ضرر فيه، ولا منع شرعيا مطلقا ، وإن كان بغير أسماء الله تعالى وكلامه. لكن إذا كان مفهوما.وقال : وفيه الحضُّ على السعي في إزالة الأمراض والأضرار عن المسلمين بكل ممكنٍ جائز.انتهى.
    وعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَكَلَّمُوا فِيَّ رَسُولَ الله وَكَلَّمُوهُ أَنِّي مَمْلُوكٌ . قَالَ : فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ ، فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ ، فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ رُقْيَةً كُنْتُ أَرْقِي بِهَا الْمَجَانِينَ فَأَمَرَنِي بِطَرْحِ بَعْضِهَا وَحَبْسِ بَعْضِهَا
    فكذلك هذا الحديث يدل على قولنا السابق بجواز الرقية بكل ما ينفع ويفيد المسلمين ، بشرط أن لا يكون شركا ومخالفا لأصول ديننا الحنيف.
    فالنبي  لما عرض عليه عمير  ما كان يرقي به في الجاهليه ، أقره على بعضها ، ونهاه عن بعضها ، ولم يقل له اطرح كل ما تقول وتعالى أعلمك غير هذا ، لا لم يفعل ، بل تركه لقوله الذي كان عليه ، بعد أن أخرج منه ما وجد أن به مخالفة لأصول الإسلام.
    قال الشوكاني رحمه الله : قوله  (مَا أَرَى بَأْسًا ، مَنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَع أَخَاهُ ، فَلْيَنْفَعْهُ) قد تمسك قوم بعموم هذا ، فأجازوا كل رقية جُربت منفعتها ولو لم يُعقل معناها ، لكن دل حديث (عوف ) أنه يمنع ما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك ، وما لا يُعقل معناه لا يُؤمن أن يؤدي إلى الشرك ، فيمنع احتياطا. انتهى.


    فتــوى العز بن عبد السلام و ابن حجـــر الهيتـــمي

    (سئل العز بن عبد السلام رحمه الله) :

    فيمن يكتب حروفًا مجهولة المعنى للأمراض ، فتنجح وتشفي ، هل يجوز كتبها ، أم لا ؟

    الجواب :

    إذا جهل معناها فالظاهر أنه لا يجوز أن يسترقي بها ، ولا يرقي بها ، فأن الرسول  لما سُئل عن الرقى ، قال « اعْرِضُوا عَلَىَّ رُقَاكُمْ»( )
    فلما عرضوها قال : « مَا أَرَى بَأْسًا مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ»( )
    وإنما أمر بعرضها لأن من الرقى ما يكون كفراً. انتهى.

    - (وسُئلَ ابن حجر الهيتمي رحمه الله)

    عن رقية الكافر إذا لم يعلم أنها تتضمن كفرا ، هل يجوز استعمالها للمسلمين أو لا ؟
    ( فأجاب )

    بقوله : لا يجوز لأحد أن يستعمل رقية سواء كانت من كافر أو غيره إلا إذا علم أنها غير مشتملة على كفر أو محرم .
    والدليل على ذلك :
    أن الصحابة  لما سألوا النبي  عن رقاهم لم يأذن لهم فيها حتى أمرهم بأن يعرضوها عليه فعرضوها عليه فقال : لا بأس( ).
    وحيث كان في الرقية اسم سرياني مثلاً لم يجز استعمالها قراءة ولا كتابة إلا إن قال أحد من أهل العلم الموثوق بهم : إن مدلول ذلك الاسم معنى جائز ؛ لأن تلك الأسماء المجهولة المعنى قد تكون دالة على كفر أو محرم ، كما صرح به أئمتنا فلذلك حرموها قبل علم معناها . انتهى.
    وقال العلامة صديق حسن خان رحمه الله( ) : وكل عملٍ ودعاءٍ ينشرُ المرضَ والداء ، وينفع من الأسقام والأدواء ، يصدق أنه نشرة ، يجوز الانتفاع به ، وإن كان من ألفاظ القرآن والسنة ، أو من المأثور من السلف الصلحاء ، الخالي عن أسماء الشرك وصفاته ، باللسان العربي ، وإلا كان حراما.


    هـل الرقيـة محصـورة فـي أُنَـاسٍ دون غـيرهم؟

    نفع الرقية لا يختص بشخص معين دون غيره من الناس ، بل من كل إنسان ، وجد في نفسه الثقة في الله ، واليقين فيما أخبر به النبي ، كان الشفاء بإذن الله.
    كما لا بأس أن يرقي الإنسان نفسه .
    ويظن كثير من الناس أن الرقية لا تنفع إلا إذا كانت من راق مختص بها، وأن المريض إذا كان ذا ذنوب ومعاصٍ فلا ينتفع برقيته على نفسه، أو أن للرقية طريقة معقدة مفصلة لا تعرف إلا بدراسة خاصة أو خبرة معينة ؛ ولذا فإن كثيراً منهم يذهب يطلب الرقية عند الرقاة وقد يسافر إليهم في بلاد بعيدة ويظن أن الرقية من هؤلاء لها شأن مختلف من حيث قوة التأثير وسرعته.
    والصواب : أن الرقية ليست محصورة في أناس دون غيرهم، وكلما قوي تضرع المريض إلى الله تعالى صار مظنة الاستجابة وقد قال الله تعالى : (أمَّن يُجيب المضطرَّ إذا دعاه ويكشف السوء)[النمل: 26].
    ولا بأس أن يرقي المسلم أخاه المسلم فينفعه بذلك، وأن يذهب الشخص لمن يتوسم فيه الصلاح والتقى فيطلب منه الرقية، ولكن الأوْلى أن يرقي المسلم نفسه بنفسه ويطلب الشفاء من الله مباشرة (دون وسائط)؛ وهذا أدعى للقبول والاستجابة وهو ما كان عليه السلف.
    وما يوصي به ويؤكده العلماء في القديم وفي عصرنا هذا ويؤجر عليه المرء إذا صدقت نيته فيبقى له الأجر وإن فاته الشفاء.


    ** للموضوع تتمة إن شاء الله .....
    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 13-03-2015, 05:09 PM.
يعمل...
X