محاضرة( اكتسب حسنة بالأخلاق الحسنة )للشيخ محمد المنجد
عناصر الموضوع:
1. نماذج من سوء الخلق
2. خلقه صلى الله عليه وسلم
3. أحاديث في الحث على حسن الخلق والتحذير من سوء الخلق
4. أركان حسن الخلق وسوء الخلق
5. كيف نغير أخلاقنا السيئة ونستبدلها بأخلاق حسنة ؟
6. وسائل تغيير الأخلاق السيئة واكتساب الأخلاق الحسنة
اكتسب حسنة بالأخلاق الحسنة:
إن هذه التربية التي ننشدها هي سياج أمني يقي الفرد المسلم من الشرور التي تقذف به خارج طريق الاستقامة، وتُزل قدمه عن الصراط المستقيم، هذه التربية التي تخبرنا الأيام والأحداث أنه لابد منها، ولابد أن تكون قائمة على الكتاب والسنة، ومن الأشياء التي تكلم عنها الشيخ: التربية على الأخلاق؛ أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاق السلف الصالح.
نماذج من سوء الخلق:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وتحية طيبة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها ليلة خير وبركة. أيها الإخوة: إن هذه التربية التي ننشدها هي سياج آمن يقي الفرد المسلم من الشرور التي تطيح به عن طريق الاستقامة، وتزل بقدمه عن الصراط المستقيم، هذه التربية التي تخبرنا الأيام والأحداث أنه لا بد منها، لا بد أن تكون هذه التربية قائمة على منهاج الكتاب والسنة، تربيتنا على العقيدة الصحيحة، وعلى العبادة والإخلاص، وعلى العلم الشرعي، وعلى الأخلاق الإسلامية، وتربيتنا على المجاهدة والمصابرة، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والصبر على الأذى في سبيل الله. ومن هذا المنطلق نتحدث الليلة عن جانب من الجوانب المهمة في التربية، التربية على الأخلاق، الأخلاق الإسلامية، الأخلاق المذكورة في الكتاب والسنة، أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، أخلاق الأنبياء والسلف الصالح ، أخلاق الصحابة والعلماء والصالحين والمجاهدين. إن في واقعنا أزمة أخلاق، وإن كثيراً من المشكلات الموجودة في المجتمع نتيجة سوء الخلق، نعم، هذه ظاهرة واضحة، فأنت ترى -أيها الأخ المسلم- أن سوء الخلق يدمر العلاقات الزوجية، ومنهم من لا تذكره زوجته بخير أبداً، وهو أو غيره لا يشعر بمودة زوجته له على الإطلاق، ومنهم من تذكره زوجته بعد وفاته بالخير العميم، وتشعر نحوه بشعور مكين من الروابط التي قامت بينه وبينها بهذه الأخلاق الإسلامية. وإنني أوقن أنما جاء امرأة مصعب بن عمير لما تبلغت بوفاة زوجها فلم تتمكن من أن تملك نفسها، لقد صبرت على خبر موت الأب والأخ، ولكن موت الزوج كان وقعه عليها عظيماً، ذلك أن مصعباً الداعية المجاهد رضي الله عنه قد ضرب مثلاً عظيماً في تضحيته وجهاده في الدعوة إلى الله، وضرب مثلاً عظيماً في خلقه مع زوجته في بيته، وأكثر المشكلات الزوجية اليوم عائدة إلى سوء الخلق، وأكثر حالات السعادة الزوجية منبعها حسن العشرة والأخلاق الحسنة. سوء الخلق مصيبة كبيرة حتى بين المصلين في المساجد، فإنك ترى في بعض التعاملات وبعض الحركات ما ينبئك أن هذه الجموع من المصلين تحتاج إلى تربية عميقة على هذه الأخلاق الفاضلة، لكي يعرف الناس التعامل مع بعضهم حتى داخل أروقة المساجد. إن بين الطلاب والمدرسين نماذج من سوء الأخلاق، فمن جهة بعض المدرسين تجد تعدياً وظلماً، ومن جهة بعض الطلاب تجد استفزازاً وتحدياً، وقلة أدب ووقاحة، وبين الموظف والمراجع كثير من سوء الخلق، فتجد هذا يضغط عليه أو يعطيه من الكلام السيئ ما يثير حفيظته، وتجد ذاك يسيء في الخدمة أو التعامل، ويرمي المعاملات والأوراق، ويؤخر ويسوف ويظلم ويعذب المراجع، وهكذا. وكثيراً ما تسمع في بعض الدوائر والأماكن من أنواع السباب والمشاتمات بين الموظفين والمراجعين ما ينبئك على أن هناك أزمة أخلاق في المجتمع. وبين الجار وجاره كثير من الحالات التي فيها سوء خلق، من أنواع الأذية من الأصوات العالية، أو رمي القاذورات، ونحو ذلك من الإساءات المتعمدة التي تكون بين شخصيات مختلفة من الجيران رجالاً ونساءً، بين سائقي السيارات في الشوارع تلمح هذا النمط من الأخلاق المتدنية، التي تعبر عن ظلم وتعدٍ وتحدٍ، وكل منهم يريد أن يكسر أنف الآخر بطريقة سياقته لسيارته، وهكذا سوء الخلق، حتى بين بعض الطلبة المنتسبين للعلم، سوء أدب، شيء من سوء الأدب مع العلماء في طريقة الخطاب والسؤال والمناقشة وهكذا.. أو التهجم والاتهام ونحو ذلك. وكثير ممن انفض عنهم طلبتهم أتوا من هذا الباب، باب سوء الخلق، وإن مخططات أعداء الإسلام تركز على سوء الخلق وإفساد الأخلاق تركيزاً كبيراً، سواء كان هؤلاء من اليهود أو الماسونيين أو المبشرين بدين النصرانية وغيرها، هؤلاء مخططاتهم قائمة على نزع الأخلاق كما قال رئيسهم في مؤتمرهم: إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية. ونحن مسلمون لنا منهاج ولنا كتاب ولنا مراجع، لنا أمور نحتكم إليها ونرجع إليها، الكتاب والسنة، وإذا تأملت -يا أخي المسلم- كتاب الله سبحانه وتعالى لوجدته يذكر هذا الجانب بجلاء، الحث على الخلق الحسن ويعدد أنماط الأخلاق الحسنة، التي ينبغي على المسلم أن يتخلق بها، فأنت تجد في كتاب الله مثلاً: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:18-19]، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:9-10]، وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء:26-27]، وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء:29]. ويقول -أيضاً- في خلق آخر ذميم: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء:37] ومدح الله قوماً فقال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63] هذا من حسن أخلاقهم، وقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:1-3]، وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ [النساء:148]، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22].. فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]. جمع الله مكارم الأخلاق في آية واحدة موجهة لرسوله صلى الله عليه وسلم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] قال مجاهد : يأخذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تخفيف، مثل قبول الأعذار، والعفو، والمساهلة، وترك الاستقصاء في البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم والعرف هو المعروف، وأعرض عن الجاهلين مثل قول الله: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63].
خلقه صلى الله عليه وسلم:
وأما رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد دعا إلى مكارم الأخلاق بقوله وفعله، وكان قدوة حتى إن الله مدحه في كتابه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] فأكد أنه قد تخلق بالأخلاق الحسنة بهذه المؤكدات في الآية، وإنك: أكدها بإن، لعلى: أكدها باللام، خلق: هذه النكرة تفيد التفخيم، تفخيم شأنه وحاله وخلقه صلى الله عليه وسلم، ثم وصف هذا الخلق بأنه عظيم، وهذا أمر رابع. وفي الصحيحين عن هشام بن حكيم أنه سأل عائشة رضي الله عنها: (كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان خلقه القرآن، فقال: لقد هممت أن أقوم ولا أسأل شيئاً) لأن الجواب كان معبراً ودقيقاً، أي أن تصرفاته عليه الصلاة والسلام كانت ترجمة حية لأوامر الله ونواهيه المذكورة في القرآن، وعن سبب بعثته يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) هذه هي الشخصية العظيمة المتصفة بالخلق العظيم (( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )). قالت عائشة رضي الله عنها: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، ولا صخاباً في الأسواق -لم يكن يرفع صوته في مجامع الناس- ولا يجزي بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح) وقالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا ضرب خادماً ولا امرأة) وجاء -أيضاً- في الحديث الصحيح: (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا) أي: ما سئل شيئاً من متاع الدنيا المباح، إذا كان ميسوراً أعطى، وإذا كان معسوراً ليس عنده وعد بالخير في المستقبل. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، ولا مسست خزاً ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً قط ولا عطراً كان أطيب من عرق النبي صلى الله عليه وسلم) حديث صحيح. وعن عمرو بن العاص قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك، فكان يقبل بوجهه وحديثه علي حتى ظننت أني خير القوم، فقلت: يا رسول الله! أنا خير أو أبو بكر ؟ قال أبو بكر ، فقلت: يا رسول الله! أنا خير أو عمر ؟ فقال: عمر ، فقلت: يا رسول الله! أنا خير أو عثمان ؟ قال: عثمان ، فلما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقني، فلوددت أني لم أكن سألته) حديث صحيح. وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: (يا رسول الله! إنك تداعبنا، قال: نعم غير أني لا أقول إلا حقاً) هذا نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وألفاظه وتعاملاته. أما في تواضعه فكان عجباً من العجب. عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن امرأة من الأنصار ومعها صبي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن لي إليك حاجة، فقال: اجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس إليك) وفي رواية لـمسلم : (فخلا معها في بعض الطريق حتى فرغت من حاجتها) وليس المقصود أنه اختلى بها الخلوة المحرمة، وإنما في الطريق، ابتعد شيئاً ما عن الناس حتى لا يسمعوا كلامها؛ لأنها تريد أن تقول له شيئاً خاصاً. وعن أنس رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة، ويجيب عليه الصلاة والسلام) والإهالة السنخة هي الدهن المتغير الرائحة من طول المكث، ليس خبيثاً ولا متعفناً، لكن حصل له تغير في رائحته من طول مكثه، ما كان يستحقر هذه الأشياء، ولو كانت بسيطة كان يلبي الدعوة: (لو دعيت إلى كراع لأجبت). جاء أعرابي يوماً يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فأعطاه صلى الله عليه وسلم ثم قال له: (أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: ولا أجملت -لا أحسنت ولا أجملت- فغضب المسلمون وقاموا عليه، ثم قام صلى الله عليه وسلم ودخل منزله فأرسل إليه -إلى الأعرابي- وزاده شيئاً فقال له: أحسنت إليك؟ قال: نعم. فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك قلت ما قلت آنفاً، وفي نفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم حتى يذهب ما في صدورهم عليك، قال: نعم. فلما كان الغد جاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي أكذلك؟ -يقول للأعرابي أكذلك؟ أمام الناس- قال: نعم. فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه فأتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحبها) -الآن لاحظ التطابق بين المثل أو هذه القصة والأعرابي- فقال لهم: (خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه لها بين يديها فأخذ من قمام الأرض فردها حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار).
أحاديث في الحث على حسن الخلق والتحذير من سوء الخلق:
وهذا القرآن العظيم فيه دستور للأخلاق، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ذكر كثير للأخلاق الحسنة، والتحذير من الأخلاق السيئة، وعلماؤنا قد اهتموا بهذا الموضوع اهتماماً كبيراً، لذلك تجدهم قد أفردوا الأخلاق بمؤلفات مثل كتاب: مكارم الأخلاق لـابن أبي الدنيا ، ومساوئ الأخلاق للخرائطي ، ولا تكاد تجد مصنفاً في الحديث إلا وتجد فيه من أبواب الأدب: الأخلاق والبر والصلة، وأفرد البيهقي رحمه الله الآداب بكتاب مستقل وغيره، وألف ابن عبد القوي منظومة الآداب وشرحها السفاريني في كتابه العظيم: غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، وتجد كتباً مستقلة في بيان شمائله صلى الله عليه وسلم، ككتاب الشمائل المحمدية للترمذي ، والشمائل المحمدية لابن كثير ، وكتاب أخلاق النبي لـأبي الشيخ ، وخصص ابن القيم رحمه الله جزءاً من كتابه زاد المعاد لبيان أخلاقه صلى الله عليه وسلم. وتجد الأحاديث فيها ذكر حسن الخلق والحض عليه والحث، قال صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق) ما هو البر؟ تعريف البر: البر حسن الخلق، وقال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) وقال: (أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم) وقال: (إن الناس لم يعطوا شيئاً خيراً من خلق حسن) وقال: (عليك بحسن الخلق وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما) وقال: (ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن) وقال عليه الصلاة والسلام: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً الموطئون أكنافاً) الكنف هو الجانب، والمقصود: أن من يصاحبهم لا يناله منهم أذى، (الذين يألفون ويؤلفون) يحبون ويأنسون، (ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) وقال: (إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) (إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقاً، الثرثارون المتفيهقون - أي: المتكبرون- المتشدقون - الذي يكثر الكلام من غير احتراز-)، وقال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم) وقال: (خيركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا) وقال: (خير الناس ذو القلب المخموم، واللسان الصادق، قيل: ما القلب المخموم؟ قال: هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد، قيل: فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قيل: فمن على أثره؟ قال: مؤمن في خلق حسن). والله يحب مكارم الأخلاق ويكره الأخلاق السيئة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى جميل يحب الجمال، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها) وقال: (إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها). وجاءت أحاديثه عليه الصلاة والسلام بجملة من الأخلاق الحسنة، انظر إليه عليه الصلاة والسلام واستمع لقوله وهو يقول: (صل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك)، (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت) وقال: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين ما شاء) حديث صحيح. وقال: (من كان سهلاً ليناً حرمه الله على النار) وقال: (المؤمنون هينون لينون كالجمل الألف الذلول -الذي يقاد بسهولة- إن قيد انقاد، وإذا أنيخ على صخرة استناخ) وقال: ( من كف غضبه ستر الله عورته ). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم مبيناً ومؤكداً على أخلاق معينة يركز عليها في حديثه: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) وقال: (التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة) وقال: (التؤدة والاقتصاد والسمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة) وقال: (التأني من الله والعجلة من الشيطان) وهذا تركيز على خلق التأني. وفي أحاديث أخرى يركز على الحياء، فيقول: (إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء) (استحيوا من الله حق الحياء) ويقول لأحد الصحابة: (أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) وقال: (الحياء خير كله، الحياء من الإيمان) وقال: (الحياء لا يأتي إلا بخير). ويركز على خلق ثالث وهو الرفق فيقول: (إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف) وقال: (عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) وقال: (عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش) وقال: (ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم) وقال: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله). وهناك أخلاق مذمومة نهى عنها وحذر منها، فقد جاء في الحديث الصحيح: (كان أبغض الخلق إليه الكذب) رواه البيهقي وغيره عن عائشة رضي الله عنها، وقال عليه الصلاة والسلام في ذم خلق آخر: (يا عائشة ! إن شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم) ليس الدافع لإكرامهم إلا أن الإنسان يريد أن يتقي شرهم. وهذا الخلق له أهمية في الأخلاق الاجتماعية، وفي العلاقات الزوجية، وفي تعاملات الناس، وفي كل شيء، حتى إنه عليه الصلاة والسلام قال: (ثلاثة يدعون الله عز وجل فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها) قيل في هؤلاء الثلاثة: لا يستجاب دعاؤهم في خصومهم، وليس المعنى: أنه لا يستجاب دعاؤهم على الإطلاق، وهذا الحديث لا يعني -أيضاً- أنه إذا كانت المفاسد في الطلاق أكثر أنه يطلق، ولكن المرأة إذا ساء خلقها جداً فإن المصلحة في تطليقها؛ لأنها نكد، ولذلك لما جاء إبراهيم عليه السلام إلى بيت ابنه ولم يكن إسماعيل موجودا،ً طرق الباب فخرجت زوجته فسألها عن إسماعيل فقالت: خرج، فقال: كيف عيشكم؟ قالت: نحن بشر وضيق وذمت في عيشها، هذا لمن؟ لرجل غريب لا تدري من هو ذمت زوجها وحياتها معه، فعلم أنها امرأة سوء، فقال لها أن تقول لزوجها إذا رجع: أن يغير عتبة بابه، فعلم إسماعيل أن أباه يوصيه بتغيير هذه الزوجة. وفي المقابل أن من الصفات التي تشترط للموافقة على الزوج أن يكون حسن الخلق، ولذلك يقول في الحديث الصحيح: (من أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه) فخص الخلق حتى لا يتعب زوجته بعدما يتزوجها. أما الأخلاق فهي سجايا وطبائع في النفس، هذه الأخلاق الحسنة عرفها العلماء فقالوا: بذل الندى، وكف الأذى، واحتمال الأذية، وقالوا: بذل الجميل وكف القبيح، وقالوا: التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل.
تعليق