رد: هذه رسالات القرآن.. فمن يتلقاها؟
النظر لايغني عن الإبصار
إن عودتي إلى القرآن؛ مدارسة وتدبرا؛ كشفت لي أنني كنت أمر على كثير من الآيات دون أن أبصرها!
نعم! لقد قادني التدبر للقرآن العظيم إلى أن أكتشف أن النظر لا يغني عن الإبصار!
فالمرض إذن؛ نظر بلا إبصار! قال عز وجل:(وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)(الأعراف:198)، وقال سبحانه: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)(يوسف:105). والقرآن العظيم مجموع كلي من الآيات الدالة على الطريق، آيات هي في حاجة فقط إلى من يبصرها؛
ومن هنا وصف الله القرآن كله بأنه (بصائر)، قال سبحانه: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ)(الجاثية:20).
والبصائر: جمع بصيرة، وهي الآية التي تُبَصِّرُ الناس حقائق الوجود، وتدلهم على الطريق السالكة إلى الله، عند تعدد الطرق السالكة إلى غيره.
وتسمى (بصيرة) من حيث هي مشعة بالنور، الذي يكون سببا في تبصير الأعين الواقعة عليها. ولذلك وصف الله الآيات في سياق آخر بأنها (مُبْصِرَة)
على صيغة اسم الفاعل، فنسب الإبصار إليها من حيث هي سبب فيه، كما في قوله تعالى: (وجَعَلْنَا آيةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً)(الإسراء:12)
أي: مضيئة للأشياء، ومسببة بذلك للأعين في الإبصار.
إلا أن الموضوع المقصود عندنا ههنا هو: الإبصار النفسي، أو الإبصار القلبي، لا إبصار الجوارح. فالنفس الإنسانية (جسم) روحاني سوي، له جوارحه
النفسانية، المفارقة للبدن. وإنما البدن لباسها الخارجي. قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)(الشمس:7).
فإبصار النفس، أو إبصار القلب هو الذي يصاب بالعمى عن الغفلة، ويعالج بالتذكر، قال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)(الأعراف:201). وقال سبحانه: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج:46).
وعليه يحمل معنى قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ)(النمل:13).
وقوله عز وجل: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً)(الإسراء:59). فالآيات مُبْصِرَةٌ بمعنى مُبَصِّرَة. فهي لذلك بصيرة. والبصيرة: هي الثقب الذي يجعل في
باب الدار من أجل معرفة الطارق. وهي اليوم العدسات المجهرية التي تثبت على أبواب المنازل. فمن خلالها يطلع الإنسان على الحقيقة
ويكتشف طبيعتها.
ومن هنا كانت آيات القرآن مُبْصِرَةً، أو بصائر.
فإذ نصب المولى الكريم الآيات بصائر للناس، فإنهم إن لم يبصروا؛ لا لوم آنئذ إلا على أنفسهم. وهو قوله تعالى الوارد على أشد ما تكون النذارة:
(قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ)(الأنعام:104).
إن هذه الآية أُمٌّ من أمهات الكتاب. فأعد قراءتها وتدبر ثم أبصر!
تدبر ثم أبصر! لأن الإبصار نتيجة طبيعية للتدبر. ولذا كانت الآيات صارمة في وجوب التدبر على ما سيأتي تفصيله وبيانه بحول الله.
ومن أجل هذا كله خاطب الله جل جلاله الناس ذوي الأبصار، كما في قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ)(النور: 44)،
وقوله أيضا: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)(الحشر:2).
إن القرآن العظيم نسق كلي من الآيات. والآيات والآي جمع آية: وهي العلامة المنصوبة للدلالة على معلومة يُسْتَرْشَدُ بها في أمر ما.
ومن هنا كانت الآية بمعنى: الحجة والبرهان.
والحياة الدنيا - بلا دين - ظلمات متضاربة كأمواج البحر البهيم. والناس راحلون إلى ربهم من خلال ما حد لهم من أعمار.
إنها رحلة شاقة مضنية. قال عز وجل: (يَا أَيُّهَاالْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)(الانشقاق:6).
وهو لذلك في حاجة ماسة إلى الآيات؛ عسى أن يسهل عليه أمر العبور، وتتضح له معالم الطريق، ويسلك له سبيلها.
تماما كما لا تسلك الطريق لسائق السيارة؛ إلا بنصب علامات على كل مراحلها. وإنما العلامات: الآيات، كما في كل معاجم اللغة.
هذا شيء مهم جدا. لكن ما فائدة الآيات بدون إبصار؟
وعلى هذا المنهج التربوي يفهم حديث حنظلة الأسيدي رضي الله عنه، لما أبصر الآيات فقال: (لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟
قال قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة؛ حتى كأنا رأى عين!
فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات؛ فنسينا كثيرا.
قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا! فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله!
فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة؛ حتى كأنا رأى عين،
فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إن
لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر؛ لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم! ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة!
ثلاث مرات)[1]
وكذلك كان منهج الصحابة - من بعده صلى الله عليه وسلم - في التبصير بالآيات، كلما ادلهمت المشكلات. ومن ذلك ما روته عائشة رضي
الله عنها من قصة موت النبي صلى الله عليه وسلم، حيث فزع عمر رضي الله عنه للخبر، وكأنه لم يصدقه، فقام يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم! - قال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك - وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم!
فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبله، قال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا. والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا!
ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك! فلما تكلم أبو بكر جلس عمر. فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدا(صلى الله عليه وسلم)؛
فإن محمدا قد مات! ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت! وقال: ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ )(الزمر:30)، وقال: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )(آل عمران:144)،
فنشج الناس يبكون (...). قالت عائشة رضي الله عنها: لقد بصر أبو بكر الناس الهدى، وعرفهم الحق الذي عليهم، وخرجوا به،
يتلون: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" (رواه البخاري). وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (والله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها؛ حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه؛ فتلقاها منه الناس. فما يسمع بشر إلا يتلوها!)[2]
إن هذه النصوص تدل بشكل واضح على المنهج التبصيري، الذي كان يعتمده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، كما تدل على
مدى الإبصار الذي كانوا يتمتعون به في تلقي الآيات عن رسول الله. ولهذا سماها الله جل جلاله (بصائر)، كما في قوله تعالى:
(قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) الأنعام:104.
فيا أيها الحليم الحيران، السالك مسالك الحياة الدنيا، تبحث - مثلي - عبر ليلها المظلم عن باب للخروج من الفتن.. هذا باب النور،
فاقرأ وتدبر قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(الأعراف:170).
اقرأ وتدبر.. ثم أبصر!
[1] - رواه مسلم.
[2] - رواه البخاري.
النظر لايغني عن الإبصار
إن عودتي إلى القرآن؛ مدارسة وتدبرا؛ كشفت لي أنني كنت أمر على كثير من الآيات دون أن أبصرها!
نعم! لقد قادني التدبر للقرآن العظيم إلى أن أكتشف أن النظر لا يغني عن الإبصار!
فالمرض إذن؛ نظر بلا إبصار! قال عز وجل:(وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)(الأعراف:198)، وقال سبحانه: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)(يوسف:105). والقرآن العظيم مجموع كلي من الآيات الدالة على الطريق، آيات هي في حاجة فقط إلى من يبصرها؛
ومن هنا وصف الله القرآن كله بأنه (بصائر)، قال سبحانه: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ)(الجاثية:20).
والبصائر: جمع بصيرة، وهي الآية التي تُبَصِّرُ الناس حقائق الوجود، وتدلهم على الطريق السالكة إلى الله، عند تعدد الطرق السالكة إلى غيره.
وتسمى (بصيرة) من حيث هي مشعة بالنور، الذي يكون سببا في تبصير الأعين الواقعة عليها. ولذلك وصف الله الآيات في سياق آخر بأنها (مُبْصِرَة)
على صيغة اسم الفاعل، فنسب الإبصار إليها من حيث هي سبب فيه، كما في قوله تعالى: (وجَعَلْنَا آيةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً)(الإسراء:12)
أي: مضيئة للأشياء، ومسببة بذلك للأعين في الإبصار.
إلا أن الموضوع المقصود عندنا ههنا هو: الإبصار النفسي، أو الإبصار القلبي، لا إبصار الجوارح. فالنفس الإنسانية (جسم) روحاني سوي، له جوارحه
النفسانية، المفارقة للبدن. وإنما البدن لباسها الخارجي. قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)(الشمس:7).
فإبصار النفس، أو إبصار القلب هو الذي يصاب بالعمى عن الغفلة، ويعالج بالتذكر، قال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)(الأعراف:201). وقال سبحانه: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج:46).
وعليه يحمل معنى قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ)(النمل:13).
وقوله عز وجل: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً)(الإسراء:59). فالآيات مُبْصِرَةٌ بمعنى مُبَصِّرَة. فهي لذلك بصيرة. والبصيرة: هي الثقب الذي يجعل في
باب الدار من أجل معرفة الطارق. وهي اليوم العدسات المجهرية التي تثبت على أبواب المنازل. فمن خلالها يطلع الإنسان على الحقيقة
ويكتشف طبيعتها.
ومن هنا كانت آيات القرآن مُبْصِرَةً، أو بصائر.
فإذ نصب المولى الكريم الآيات بصائر للناس، فإنهم إن لم يبصروا؛ لا لوم آنئذ إلا على أنفسهم. وهو قوله تعالى الوارد على أشد ما تكون النذارة:
(قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ)(الأنعام:104).
إن هذه الآية أُمٌّ من أمهات الكتاب. فأعد قراءتها وتدبر ثم أبصر!
تدبر ثم أبصر! لأن الإبصار نتيجة طبيعية للتدبر. ولذا كانت الآيات صارمة في وجوب التدبر على ما سيأتي تفصيله وبيانه بحول الله.
ومن أجل هذا كله خاطب الله جل جلاله الناس ذوي الأبصار، كما في قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ)(النور: 44)،
وقوله أيضا: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)(الحشر:2).
إن القرآن العظيم نسق كلي من الآيات. والآيات والآي جمع آية: وهي العلامة المنصوبة للدلالة على معلومة يُسْتَرْشَدُ بها في أمر ما.
ومن هنا كانت الآية بمعنى: الحجة والبرهان.
والحياة الدنيا - بلا دين - ظلمات متضاربة كأمواج البحر البهيم. والناس راحلون إلى ربهم من خلال ما حد لهم من أعمار.
إنها رحلة شاقة مضنية. قال عز وجل: (يَا أَيُّهَاالْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)(الانشقاق:6).
وهو لذلك في حاجة ماسة إلى الآيات؛ عسى أن يسهل عليه أمر العبور، وتتضح له معالم الطريق، ويسلك له سبيلها.
تماما كما لا تسلك الطريق لسائق السيارة؛ إلا بنصب علامات على كل مراحلها. وإنما العلامات: الآيات، كما في كل معاجم اللغة.
هذا شيء مهم جدا. لكن ما فائدة الآيات بدون إبصار؟
وعلى هذا المنهج التربوي يفهم حديث حنظلة الأسيدي رضي الله عنه، لما أبصر الآيات فقال: (لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟
قال قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة؛ حتى كأنا رأى عين!
فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات؛ فنسينا كثيرا.
قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا! فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله!
فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة؛ حتى كأنا رأى عين،
فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إن
لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر؛ لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم! ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة!
ثلاث مرات)[1]
وكذلك كان منهج الصحابة - من بعده صلى الله عليه وسلم - في التبصير بالآيات، كلما ادلهمت المشكلات. ومن ذلك ما روته عائشة رضي
الله عنها من قصة موت النبي صلى الله عليه وسلم، حيث فزع عمر رضي الله عنه للخبر، وكأنه لم يصدقه، فقام يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم! - قال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك - وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم!
فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبله، قال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا. والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا!
ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك! فلما تكلم أبو بكر جلس عمر. فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدا(صلى الله عليه وسلم)؛
فإن محمدا قد مات! ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت! وقال: ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ )(الزمر:30)، وقال: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )(آل عمران:144)،
فنشج الناس يبكون (...). قالت عائشة رضي الله عنها: لقد بصر أبو بكر الناس الهدى، وعرفهم الحق الذي عليهم، وخرجوا به،
يتلون: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" (رواه البخاري). وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (والله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها؛ حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه؛ فتلقاها منه الناس. فما يسمع بشر إلا يتلوها!)[2]
إن هذه النصوص تدل بشكل واضح على المنهج التبصيري، الذي كان يعتمده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، كما تدل على
مدى الإبصار الذي كانوا يتمتعون به في تلقي الآيات عن رسول الله. ولهذا سماها الله جل جلاله (بصائر)، كما في قوله تعالى:
(قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) الأنعام:104.
فيا أيها الحليم الحيران، السالك مسالك الحياة الدنيا، تبحث - مثلي - عبر ليلها المظلم عن باب للخروج من الفتن.. هذا باب النور،
فاقرأ وتدبر قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(الأعراف:170).
اقرأ وتدبر.. ثم أبصر!
[2] - رواه البخاري.
تعليق