Tweet
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:-
صفات الداعية واعداده في القرآن الكريم (مفيش بديل)
صفات الداعية في القرآن الكريم
الإيمان بالله تعالىأول صفة للداعية : الإيمان العميق بالله تعالى و لهذا الإيمان درجات بلغ الأنبياء و الرسل أعلاها ثم الصحابة رضي الله عنهم
وهو إيمان يدفع المؤمن لأعلى درجات الإيمان بالله وصفاته وتمثلها والاستعداد للتضحية بالروح والنفس في سبيل الخالق البارئ المعبود ونعني بالايمان العميق، أن الداعي المسلم تيقن بأن الإسلام الذي هداه الله إليه وأمره بالدعوة إليه، حق خالص لأنه هدى الله وماعداه باطل وضلال قطعاً.
ماعرف التاريخ فتوحأً أقوى و أسرع من الفتوحات الإسلامية بسبب الإيمان العميق بالله فقد أوجد في أنفسهم استعلاء بالنصر و عزة بالدين .
ويجب أن يكون متقيًا خاشعًا لا يخشى إلا الله تعالى، قال تعالى: "الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلايَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّاللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا"الأحزاب:39
ولهذا الإيمان العميق ثمرات أولها المحبة، محبةالعبد لربه ومحبة الرب لعبده، قال تعالى: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"المائدة: 54
ولوازم هذه المحبة أن يكون المؤمنون أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ومن لوازمها اتباع الرسول يقول تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ"آل عمران: 31
أن يكون لديه العلم والبصيرةفلابد لكل داعية إلى الله أن يتسلح بحد أدنى من العلم الشرعي يسعى لتحصيله ليكون داعياً على بصيرة وليس من العيب أن يقول الداعية لا أدري"إذا سئل عن أمر" بل العيب أن يفتي خطأ و زورا و يضل الناس بغير علم
ويجب أن يكون لديه بصيرة بحيث يعتمد على الحكم ويسير على بصيرة فقال تعالى: "قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"يوسف:108
حيث حددت هذه الآية الكريمة أهم صفات الداعية وهو أن يكون على بصيرة. والبصيرة: هي الرؤية المتعمقة للمستقبل والنظر الثاقب البعيد المدى، والتفكيرالسليم في عواقب الأمور ونتائجها وآثارها،
فالبصيرة في جوهرها وحقيقتها هي ما يسمى في عصرنا بالتفكير الاستراتيجي، والتخطيط الاستراتيجي، وهذا يقتضي العلم،والمعلومات، ومعرفة التجارب، والوعي بواقع أمته، وأعدائها، ثم يضع في ضوئها الخطةالاستراتيجية الناجحة.
العمل بالعلملابد من العلم أولاثم لا بد من العمل به لتصديق العلم, إن آفة الدعوة في هذا العصر هو مخالفة الدعاة القول عن الفعل , كانت حياة الصحابة تنطق بالعزيمة الصادقة في صوغ الحياة من جديد صياغة يرضاها الله و النبي،
وحتى لا ينطبق عليه قول الله تعالى "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَالا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَالا تَفْعَلُونَ"الصف2: 3
الشفقة و الرحمةإن العدو الوحيد والدائم للإنسان هو الشيطان فالداعية عليه أن يعلم ذلك و أن يعامل كل إنسان وقع في أسر الشيطان برحمة و شفقة
فهذا ركن أصيل في الدعوة إلى الله، العاصي وحتى الكافر هو بشر أضله الشيطان واستحوذ عليه له قلب و شخصية فعلى الداعية معاملته برفق و لين و خطاب حسن بكلام يصل إلى قلبه لينقذه من غضب الله وعذابه وأن يكون صادقاً مع الله تعالى في دعوته. يقول تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"الأنبياء:107
الزهد:لايعني الزهد التخشن في العيش أو البعد تماما عن متاع الدنيا و اعتزال الناس كما يفعل الرهبان من النصارى أو البوذيين . الإسلام حدد حدوداً للزهد ضمن أصول شرعية فمثاله عدم الأكل ( في الصيام) و عدم النوم (في قيام الليل وتقليل النوم للعبادة)
و أما سوى ذلك ليس زهد و لا تقرب لله، فالمسلم يصوم ويفطر ويقيل ليستقوي على قيام الليل فالزهد هو أن يكون القلب متحرراً من تسلط الدنيا و الله هو المهيمن عليه
قال تعالى "وَلَاتَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى "طه:131
وأزواجا هنا لا تعني زوجات كما يلقي أصحاب الشبه بل تعني أصنافاً منهم فهناك من متعه الله بالمال او الجاه اوالملك، فالداعية يقصد بدعوته وجه الله ورضاه فقط لا دنيا يصيبها.
التواضع: خيّر الله سبحانه وتعالى النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يكون نبيا ملكا أو أن يكون نبيا عبدا فاختار أن يكون عبداً. ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يأكل و هو متكئ تواضعا لله تعالى .
وكان النبي يوجه أصحابه بأن يتواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد و لا يبغي أحد على أحد . "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"الحجرات:13
فالداعية إلى الله متعبد بالتواضع وبالجلوس مع الفقراء وذوي الحاجات ففيهم الخير و البركة. قال الله معاتبا النبي عندما جاءه أشراف القوم المؤلفة قلوبهم وطلبوا منه الجلوس معه و أن يطرد الفقراء الجالسين
فأنزل الله : "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا"الكهف:28
ويجب أن يحذر الداعية ويتجنب ذكر نفسه والبهاء بها في خطابه والتفاخر بأعماله فالخير الذي فيك ينسب إلى الله تعالى و فضله عليك . "لَاتَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"آل عمران:188
والتواضع لا ينافي عزة النفس أبداً فالذل في الطمع في المناصب والجاه والشهرة والعز في تركها فمن تواضع لله رفعه
أن يتصف بمنتهى الجدية، والاستعداد للتضحيةحيث أمر الله تعالى أنبياءه (وهم دعاة) إلى الأخذ بالقوة فقال تعالى: "يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ"مريم:12
وقال تعالى: "فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا"الأعراف:145
الصبر: لابد للداعية أن يتحلى بالصبر في طريق الدعوة، قال تعالى: "وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"العصر: 3
وقال تعالى حكاية عن لقمان الحكيم: "يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ "لقمان:17
أن يكون كثير التشاور والتناصح مع إخوانهفقد أمر الله تعالى رسوله بذلك فقال تعالى: "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ"آل عمران:159وقال تعالى في وصف المؤمنين: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ"الشورى:38
إعداد الداعية في القرآن الكريم:-
إن أهم وسائل النجاح للدعوة إلى الله تعالى هو إعداد الداعية إعدادًا جيدًا من حيث ذاته، ومواهبه، ومن حيث صفاته وأخلاقه وقيمه، ومن حيث تدريبه وتعليمه، واستفادته من التجارب الماضية...
ولأجل هذا الإعداد نزلت السور الثلاث الأولى (اقرأ، والمزمل، والمدثر) من القرآن الكريم لتحقيق هذه التربية، حيث أدت كل سورة دورها المطلوب.
فسورة اقرأ ركزت على الإعداد العلمي والتربويحيث وضعت للرسول الكريم، ومن خلاله الدعاة منهج التعلم من خلال القراءة الشاملة للكتاب، والكون والنفس، وربط القراءة بالرب المربي، والتحذير من الطغيان والاستغناء، ثم بيان بعض حالات الطغاة، ثم التركيز الأخير على طاعة الله والسجود والاقتراب من الله تعالى لتهوين ما يصيب الداعية من الأذى والنفور من أعداء الله.
وأما سورة المزمل فقد ركزت على الإعداد الإيماني والزاد الروحيمن خلال قيام الليل نصفه أو أقل منه، وتلاوة القرآن، ومذاكرته ومدارسته في الليل، والذكر الكثير مع التسبيح، ثم الأمر بالصبر، ثم الاستعداد لمواجهة عتاة قريش وجبابرتها، وهنا يذكر الله تعالى قصة فرعون وهلاكه – بإيجاز – مع ربطها بواقع قريش،
حيث فيها تطمين للرسول بأن العاقبة للمتقين، ثم يختم الله تعالى السورة بأهمية التطبيق الفوري لأوامر الله تعالى حيث بدأت السورة بالأمر بالتهجد وقيام الليل،
وتختم بشهادة الله تعالى للرسول ومن معه بتنفيذ هذا الأمر حيث قال: "إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ "المزمل:20
ثم يبين الله لهم منهج التيسير، ومراعاة ظروف ذوي الأعذار وبيان أحوال الناس وأصنافهم من المجاهدين، والتجار، ونحوهم، ثم ختمها بمجموعة من الأوامر كلها لأجل تحقيق الإعداد الإيماني لحمل الدعوة ونشرها.
وأما سورة المدثر فركزت على مستلزمات الدعوة وزادهاومواصفات الداعية من العقيدة الصحيحة، والإيمان القوي، والجمع بين طهارة القلب، وطهارة البدن والمظهر الجميل: "وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ" المدثر:4 ثم ذكر مجموعة من الأخلاق المؤثرة من التواضع، وعدم المن على أحد مهما قدمه إليه، ومن الصبر المنبثق من القلب المرتبط بالله تعالى.
ثم سردت السورة حالة أحد العتاة الكفرة المردة من قريش، ثم تطرق إلى النار وصفاتها، وإلى أصناف الناس من أهل الكتاب وغيرهم، وبيان الربط بين النفس الإنسانية وما عملته، حيث هي رهينة بما كسبت،
ثم تعرض السورة مشهدا عظيما مخيفا مما يحدث في النار من حوار بين أهل الجنة (وهم في الجنة)، وبين المجرمين (وهم في النار).
ثم تحدد السورة منهجًا عظيمًا، وهو أن على الداعية أن يفوض أمره كله إلى الله تعالى، فإليه يرجع الأمر كله، وإنما عليه أن يقوم بالدعوة والتركيز، ولكن النتيجة بيد الله تعالى: "وَمَايَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ"المدثر:56
فمن هنا فإن على الداعية أن يستفيد من جميع العلوم والمناهج التربوية، ويأخذ بجميع الوسائل الناجحة في التأثير سواء كانت قديمة أم جديدةوأن يتزود بكل ما يحتاج إليه من زاد روحي وعلمي، ويضع لنفسه البرنامج والخطط المرحلية والاستراتيجية للتنفيذ والعمل، وللتأثير في المجتمع بالشكل المطلوب،
ومما ينبغي التنويه به أن القرآن الكريم وضع قاعدة كلية عظيمة
وهي أن الكون كله يتحرك، وأن أهل الباطل يتحركون، وأن على الدعاة كذلك أن يتقدموا، لأنهم إذا لم يتقدموا فقد تأخروا حتى لو توقفوا، فقال تعالى: "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ" المدثر:37، ولم يقل: «يتوقف» لأن التوقف هو عين التأخر.
المصدر/ تجميع
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تنسونا من صالح دعائكم
تعليق