سورة المطففين مكية، وعدد آياتها (36) آية، وترتيبها في المصحف رقم (83)، وموضوع السورة مواجهة أعداء الدعوة الإسلامية، وإعلان الحرب على المطففين في الكيل والوزن، الذين لا يخافون الله، ولا يحسبون حسابا لعذابه، وبينت السورة مصير الأشقياء الفجار، ومصير المتقين الأبرار.
معاني المفردات
ويل : عذاب وهلاك - المطففين : الذين يبخسون وينقصون في الكيل والوزن . اكتالوا : أخذوا من الناس - يستوفون : يأخذونه وافيا من غير نقص . كالوهم : وزنوا للناس - يُخسرون : يُنقصونهم الكيل والميزان كتاب الفجار : صحف أعمال الكفرة والفسقة - سجين : السجن والحبس في جهنم . مرقوم : واضح الكتابة - يوم الدين : يوم الحساب والجزاء أساطير الأولين : ما سطره الأقدمون في كُتُبهم من الخرافات ران على قلوبهم: غطى على قلوبهم وطمس بصيرتها لصالوا الجحيم : لداخلون النار - كتاب الأبرار : ما يُكتب من أعمالهم الحسنة . عليين : أعلى درجات الجنة - كتاب مرقوم : واضح الكتابة يشهده المقربون : يحضره جمع من الملائكة - الأرائك: الأسرة والمقاعد نضرة النعيم : بهجة التنعُّم - رحيق : شراب ختامه مسك : جعل المسك فوق الرحيق وخُتِم عليه به ومزاجه : ما يُخلطُ بذلك الرحيق - تسنيم : عين في أعلى الجن يتغامزون : يشيرون بالأعين استهزاءً - انقلبوا : رجعوا فكهين:متلذذين بذكر المؤمنين والضحك منهم استخفافا بهم
تبتدئ هذه السورة بالدعاء على المطففين بالهلاك والعذاب، وتبين أن الذين ينقصون الكيل والميزان حين يبيعون للناس سيكون مصيرهم جهنم، أو مكانا مخصصا في جهنم لهذا الصنف من العاصين، هؤلاء المُطففون لهم وجهان في المعاملة، أي يتعاملون بطريقتين، فهم إذا كانوا يوزنون لأنفسهم ويكيلون لشخصهم، أخذوا حقهم وافيا كاملا، وأما إذا كانوا يكيلون لغيرهم، فأنهم ينقصون من الوزن ويتلاعبون في الكيل.
وهم لو كانوا يعتقدون بيوم الحساب في الآخرة لما أنقصوا الميزان.
ولما طففوا، ولكنهم لا يوقنون بالبعث، ويظنون أن الدنيا هي كل شيء، فهم يسعون للازدياد منها، ولا يستعدون ليوم يلقون فيه ربهم هم والعباد كلهم، فيحاسبهم على أعمالهم، وتعرض عليه سبحانه صحائف أعمالهم.
فأما صحف أعمال الكافرين والعاصين والمطففين فهي موجودة مع أصحابها في سجن دائم في جهنم، وما أدراك ما شدة العذاب في هذا السجن المُسمى (سجين) وهو مُعد لهذا خصيصا للمكذبين بيوم الدين الذي يكذِّب به كل معتد متجاوز لكل حد، غارق في الآثام، مُكثر من المعاصي، هذا الفاجر إذا تُليت عليه آيات الله لتذكره بالآخرة، وصفها بأنها خُرافات وأباطيل، سجلها وسطرها السابقون ووصلت إلينا، وينفي هذا الفاجر أن هذه الآيات هي كتاب الله ومن عند الله، والحق أن الذي حمل هؤلاء الفجار على قول هذا الكلام عن آيات الله، هو أن قلوبهم قست وتغطت بالران، وهو طبقات تغلف القلب وتطمس بصيرته بسبب الذنوب والمعاصي والكسب والإثم.
هؤلاء الذين كفروا بالله وغلقت قلوبهم، سيكون مصيرهم يوم القيامة أن يحجبوا عن الله تعالى، فلا يرونه، وأنهم ليعذبون في جهنم، وتوبخهم خزنة جهنم وتقلول لهم: هذا هو العذاب الذي كنتم تكذبون به في الدنيا.
بعد أن بينت الآيات السابقة جزاء الفجار، بينت هذه الآيات جزاء الأبرار، فإنهم وكتابهم في أعلى منازل الجنة ((العليين)) ويحضر كتابهم جمع كريم من الملائكة المقربين من ربهم، وأكد ذلك بأن قَرَّرَ نعيم الأبرار، وأنهم على سُرُر يكونون متقابلين ينظرون نعيم ربهم، وينظر بعضهم لبعض، وجوههم مشرقة نظِرة، يظهر فيها أثر النعيم، وأمّا شرابهم فهوالشراب النفيس الطهور المختوم بالمسك، وهذا المقام مما ينبغي أن يتنافس فيه المُتنافسون، لا على حُطام الدنيا التافه الحقير.
ويصف النص الكريم شراب المقربين في الجنة ممزوج بماء عَين اسمها ( تسنيم) وهي من أعالي الجنة مخصصة لشراب المقربين من عباد الله.
وخُتِمت السورة ببيان حال المجرمين الكافرين، وكيف كانوا في الدنيا يسخرون ويستهزئون من المؤمنين، ويتغامزون بعيونهم هزءاً، وإذا رجع هؤلاء المجرمون إلى أهليهم، رجعوا مُتلذذين باستهزائهم بالمؤمنين، وكأن حلاوة الاستهزاء بالمسلمين ما زالت في أفواههم، وهم يصفون المؤمنين بالضالين التائهين عن طريق الحق والصواب، والحقيقة أنهم هم الضالون لا المؤمنين، وهؤلاء الكافرين لم يرسلهم الله حافظين على أعمال المؤمنين مراقبين لهم، ثم يعيدنا السياق إلى الآخرة، لِنرى المؤمنين الذين كان يهزأ بهم الكافرين، وقد انقلبت الأحوال، فهم يضحكون من الكافرين، وهؤلاء المؤمنين مُكرَّمون على سرر.
ثم خُتمت السورة: هل جُوزي الكفار على أعمالهم؟ والجواب بالطبع نعم.
دروس وعبر
ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها:
1-التطفيف عمل قبيح وجزاؤه شنيع وهو الهلاك والعذاب الأليم
2-إذا فقد الإنسان الإيمان هان عليه فعل كل قبيح
3-الويل والهلاك لمن يكذب بيوم البعث
4-المعاصي تُغلف القلوب وتحجبها عن اتباع الحق وطريق الهداية
5-الأبرار وكتابُهم في أعلى منازل الجنة في العليين
6-التنافس ينبغي أن يكون على الآخرة وصالح العمل
7-المجرمون الذين كانوا يسخرون من المؤمنين ستتغير أحوالهم يوم القيامة، فيسخر المؤمنون منهم.
تتكلم هذه الآيات الخمسة عن مظاهر القيامة، وما يحدث فيها من أحداث كونية وأهوال طبيعية، فالسماء الشديدة القوية المتماسكة تتصدع وتتشقق، وتسمع لأمر ربها وتستجيب له إذ يأمرها بالانشقاق، وحُق لها أن تسمع لأمره، فهو الذي خلقها، وهي كانت قائمة بأمره، وهاهو اليوم يأمرها بالزوال.
وإذا الأرض بُسطت فلم يعد فيها جبال فصارت كلها مستوية، وأخرجت الأرض ما كان مُختزنا في جوفها من الموتى، وتخلت عن سترهم، واستمعت لأمر ربها بإلقائهم خارجها، وحُق لها أن تسمع له وهو خالقها.
هذه الآيات العشر في الإنسان وحسابه وجزائه، إما إلى الجنة أو إلى النار، تبتدئ الآيات بتقريرحقيقة أن الإنسان كادح في هذه الحياة باذل فيها جهده، مُتحمل فيها مشاق حتى يلقى الله، فالحياة كدح وتعب، وليست الدنيا دار راحة وإخلاد وخُلود، ولكنها دار عمل، والإنسان ملاقي الله ليجازيه، فأما من أُعطي كتابه بيمينه فسوف يحاسبه الله حسابا يسيرا هينا وتُغفر ذنوبه، لأنه كان مؤمنا، وسينقلب إلى أهله فرحا مسرورا، وأما من أُعطي كتابه من وراء ظهره، لأنه موثق اليدين إلى الخلف، فيُعطى الكتاب وهو على هذا الحال، فسوف يدعو على نفسه بالهلاك لينجو من هول ما هو فيه، وسيصلى جهنم ويدخلها، ولقد كان في الدنيا في أهله فرحا مسرورا، لا يذكر الآخرة ولا يخشاها، ولا يحسب لها حسابا، ولا يُعد لها عملا، لأنه كان يظن أنه لن يرجع إلى الله، بلى إن ربه كان بصيرا به مطَّلعا عليه محصيا عمله.
هذه الآيات العشر التي تبتدئ بالقسم، تتحدث عن عناد الكافرين، وكيف كانوا في الدنيا قبل أن يلقوا جزاءهم، لنعلم عدالة هذا الجزاء.
يُقسم الله في مطلع هذه الآيات بالشفق، وهو مايبدو عند الغروب من حُمرة وتكسو الأفق، وهو منظر جميل يأخذ بالألباب، ويدل على إبداع من أبداع هذا الكون، لو كان الناس ينتبهون!.
ويقسم بالليل الذي يضم الكائنات بعدما كانت في النهار متفرقة تبحث عن رزقها، فيأتي الليل فتتجمع بحثا عن راحتها، ويُقسم ثالثا بالقمر إذا اكتمل فصار بدرا ينير الليل، يُقسم الله بهذه الأشياء على أن الناس أو الكفار سيلقون من الشدائد شدة بعد شدة حتى يلقوا ربهم، وهي تذكير بما مر في أول السورة.
ثم يأتي استفهام عن هؤلاء الكافرين لماذا لا يؤمنون، ولماذا إذا قُرئ عليهم القران لا يخشون لجلاله وعظمته وعظمة مُنزله سبحانه، ويأتي الجواب بل الذين كفروا يكذبون بربهم وبالآخرة، والله أعلم بما تُضمر صدورهم، وتُكنُّ نفوسهم، فبشرهم أيها النبي بعذاب أليم جزاء كفرهم، ولكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات في أجر دائم لا ينقطع.
دروس وعبر :
ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها:
1-الله الذي يأمر الكون بالانتظام، هو الذي يأمره يوم القيامة بالأنهدام
2-الإنسان يقطع رحلة عمره في مكابدة حتى يلقى الله
3-الناس فريقان يوم القيامة: المؤمنون يؤتون كتبهم بأيمانهم، والكافرون بشمالهم من وراء ظهورهم
4-يُقسم الله بأشياء في الكون ليلفتنا إلى بدائع قدرته
5-الكافرون مستكبرون على الله وكلام الله ، فلا يتأثرون بالقرآن
سورة البروج مكية، وعدد آياتها (22) آية، وترتيبها في المصحف رقم (85)، وقد نزلت السورة تثبيتا للمؤمنين على ماهم عليهم من الإيمان، وتصبيرا لهم على مايلقونه من الأذى، وإخبارا وإعلاما بما لقى من سبقهم من أذى الظالمين، وبما كان منهم من ثبات على الدين.
وقد قص النبي في الحديث الصحيح قصة أصحاب الأخدود، وأنهم قوم آمنوا بعد ما رأوا من الكرامات والخوارق التي أجراها الله على يد صبي آمن فآمنوا كلهم، فأراد الحاكم الطاغي أن يردهم عن إيمانهم فحفر لهم أخدودا في الأرض، وأشعل فيه النيران، وهددهم إن لم يعودوا عن دينهم، فإنه سيُلقي بهم في الأخدود المشتعل، فما كان منهم إلا أن يصبروا على الإيمان، فاستشهدوا جميعا في سبيل الله ، وفي قصتهم مثل وعبرة للمؤمنين، وأن ما يلقونه من كفار مكة يعد هينا بالنسبة لما لقي هؤلاء المؤمنون، الذين قصت السورة قصتهم.
معاني المفردات : البروج : المنازل والطرق التي تسير فيها الكواكب واليوم الموعود : قسم بيوم القيامة الذي وعد الله به الناس شاهد : محمد والأنبياء عليهم السلام ومشهود : جميع الخلائق يشهد عليهم أنبياؤهم - قُتل : دعاء باللعن. أصحاب الأخدود : الذين حفروا الخندق لحرق المؤمنين فيه النار ذات الوقود : النار المشتعلت . إذا هم عليها قعود : جالسين حول النار يتفرجون على المؤمنين وهم يحترقون وما نقموا : وما كرهوا منهم إلا إيمانهم فتنوا المؤمنين : امتحنوهم في دينهم - بطش : الأخذ بالقوة يُبدئ ويعيد : يخلق ثم يعيد الخلق في الآخرة الودود : كثير المودة للمؤمنين المطيعين - المجيد : العظيم فعال لما يريد : لا يختلف عن إرادته شيءٌ . حديث الجنود : خبر المجموعة القوية قرآن مجيد : قرآن عظيم جليل شريف غاية في الشرف والرفعة من ورائهم محيط : قادر عليهم لا يفوتونه ولا يعجزونه في لوح محفوظ : في لوح لا يتغير ولا يتبدل ولا تصل إليه الشياطين
يُقسم الله تعالى في بدء هذه السورة بهذه الأمور الأربعة، فهو يقسم أولا بالسماء ذات المنازل التي تكون فيها النجوم والكواكب، وقد شبهها في شدتها وقوتها بالبروج.
ثم يُقسم باليوم الموعود وهو يوم القيامة الذي وعد الله الخلائق بالحساب فيه والجزاء.
ثم يقسم بشاهد ومشهود، والشاهد هو النبي والأنبياء عليه السلام يشهدون على أقوامهم، والمشهود هم الخلائق الذين تشهد عليهم أنبياؤهم أنهم أبلغوهم دين الله تعالى.
جاء القسم من الله تعالى بأن أصحاب الأخدود استحقوا اللعن والطرد من رحمة الله، وفي هذه الآيات دعاء على من قَتلوا المؤمنين بالقتل وللعن، أي قاتل الله الذين حفورا الأخدود ليحرقوا المؤمنين في النار المشتعلة ذات الوقود، أي ذات الحريق الهائل، وهم قد اصطفوا على حواف الخندق يتفرجون على عذاب المؤمنين ويتلذذون بمنظر موتهم.
في هاتين الآيتين يبين الله سبب فِعلهم هذا بالمؤمنين، فما كره الكفار المؤمنين شيئا ولا عابوا فيهم وصفا ولا خُلقا، اللهم إلا أنهم أي المؤمنين آمنوا بالله العزيز الحميد المستحق لكل المحامد، الذي له ملك السماوات والأرض يتصرف فيها كيفما يشاء، وهو سبحانه على كل شيء شهيد يراقبه ويراه، فهو قد رأى فعل الكفار، وهو قادر على وقفه، ولكن أراد أن يتخذ المؤمنين شهداء، وأن يعذب الكفار بأفعالهم، وأن يُبين للناس أن الدين غالٍ يُضحي من أجله بالأنفس,
يبين الله في هاتين الآيتين جزاء الذين عذبوا المؤمنين بالنار، وأن مصيرهم سيكون الخلود في نار جهنم إذا لم يتوبوا، وذلك هو العذاب، والحريق الحقيقي لا نار الدنيا، أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فأولئك جزاؤهم النعيم في الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، وذلك هو الفلاح والفوز العظيم والكبير.
يؤكد الله تعالى أن بطشه بالكافرين وأخذه لهم أليم شديد، وأنه سبحانه القادر على أن يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو سبحانه لأوليائه وأحبابه كثير المغفرة، وهو سبحانه وتعالى صاحب العرش وهو ذو القدر العظيم والشأن والرفعة، ويفعل ما يريد لا يوقف إرادته أحد، ولا يمنعه من فعل ما يريده أحد.
يؤكد الله سبحانه قدرته بتعريفنا بما فعل بالجنود القوية والمجموعة الظالمة الكبيرة مثل فرعون وجنوده وثمود وقوتها، فقد أهلكهم الله وما نفعتهم قوتهم، ولكن الذين كفروا لا يتعلمون مما جرى لغيرهم أن يحل مِثله بهم، لأنهم يتسمون في التكذيب حتى يأتيهم التعذيب، والله محيط بهم قادر عليهم وعلى أخذهم في كل لحظة، وإن الكتاب الذي أخبر بكل هذا هو القرآن ممجد ذو قدرة ورفعة، أصله محفوظ في اللوح المحفوظ عند الله، فلا يتبدل، ولا يتغير، ولا يقترب منه الشياطين.
دروس وعبر
ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها:
1- يُقسم الله ببعض عجائب خلقه ليلفت أنظارنا إلى إبداعه وقدرته سبحانه
2- في قصص الماضين عبرة للمؤمنين وتسلية لهم أمام ما يلاقونه من أعدائهم
3- الله قادر على الإنتصار من الكافرين، لكنه يُمهل ولا يهمل، ويريد أن يُعلمنا درسا ًهو التضيحية في سبيل الله
4- بطش الله بالكافرين شديد، فهم لا يعلمون ما أعد الله لهم من عذاب
5- عظمة القرآن العظيم فهو كتاب ممجد في لوح محفوظ عند الله عزوجل
تعريف بالسورة : سورة الطارق مكية، وعدد آياتها (17) آية، وترتيبها في المصحف رقم (86)، وموضوعها: بيان قدرة الله على البعث، وتهديد الكافرين، وبيان قدر القرآن.
معاني المفردات الطارق : النجم الذي يبدو ليلا في السماء النجم الثاقب : النجم المضيء، كأنه يثقب الظلام بنوره حافظ : حافظ من الله وحافظ من الملائكة يحفظ الأعمال بأمر الله ماء دافق : سائل متدفق - الصلب : الظهر - الترائب : منظقة الصدر رجعه : إعادة خلقه بعد الموت - تُبلى السرائر : تُكشف الأمور المخفية الرجع : المطر - فصل : فاصل بين الحق والباطل - بالهزل : باللعب واللهو يكيدون : يُدبرون بخفاء لمحاربة الإسلام والمسلمين فمهل الكافرين : فأمهل الكافرين ولا تستعجل عقابهم - رويدا : قليلا
التفسير : (( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤))) يُقسم الله تعالى في هذه الآيات بالسماء، وهي آية عظيمة، ويُقسم بالطارق، فيسأل الله لتعظيم أمر الطارق فيقول: وما أدراك أيها النبي، ويا كل إنسان، وما أدراك ما الطارق؟ والطارق الذي يأتي في الليل، ثم فسره بأنه النجم الثاقب، الذي يثقب بنوره الظلام، يُقسم الله بهذه الأشياء العظيمة على أن كل نفس إنسانية لها حافظ وهو الله، وحافظ من الملائكة بأمر الله، يحفظ الأعمال، ليرفعها إلى الله.
(( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠))) تلفت هذه الآيات نظر الإنسان إلى آية خلقه، وأنه خُلق من ماء سائل، يخرجُ من الرجُل من صُلبه، ومن المرأة من ترائبها، إنه على رجعه لقادر، أي أن الله على إعادة خلق هذا الإنسان بعد موته لقادرن مثلما خلقه من هذا الماء الدافق، ويكون ذلك في يوم عظيم تُمتحنُ فيه سائر الناس، وما أخفوه في ضمائرهم، في ذلك اليوم ليس لأحد من بشر قوة من نفسه، ولاناصر من غيره ينصره من الله، ويُنقذُهُ من هول ما يلقاه.
((وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧) )) يُقسم الله على عظمة السماء مرة أخرى، ولكن هذه المرة وصفها بأنها ذات الرجع، فالسماء ترجع إلى الأرض بماء المطر بأمر الله تعالى ، ويُقسم بالأرض ذات الصدع، فالأرض تتصدع بالنبات عندما يلتقي البذر بماء المطر، يُقسم بهذا كله على أن القرآن قول فصل، يفصل بين الحق والباطل، وليس باللعب واللهو والهزل كما يقول الكافرون.
دروس وعبر ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها:
1-يُقسم الله بالسماء والنجم، ليدلنا على عظمة هذه الآيات الكونية.
2-كل نفس لها حفظة يحفظونها، ويحفظون أعمالها
3-الذي خلقنا قادر على إرجاعنا إلى الحياة من جديد
4-يوم القيامة تُمتحن كل خفايا البشر وتظهر سرائرهم
5-القرآن حق فاصل قاطع ليس لعبا ً ولا هزلا.ً
6-الكافرون يدبرون، والله يدبر تدبيرا يدمر تدبيرهم، وهو سبحانه مطلع عليهم .
سورة الأعلى سورة مكية، وعدد آياتها (19)، وترتيبها في المصحف رقم (87)، وموضوعها توحيد الله، والإيمان برسوله، والتذكير بالآخرة
معاني المفردات : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ : نزه الله تعالى عن كل ما لا يليق به - فَسَوَّى : فأتقن أَخْرَجَ الْمَرْعَى : أنبت ما ترعاه الدواب من العشب والحشائش غُثَاءً: يابسا ًجافا ً- أَحْوَى : قاتما ًيميل إلى السواد - وَنُيَسِّرُكَ : نوفقك لِلْيُسْرَى : للطريقة الأسهل والأيسر - سَيَذَّكَّرُ : سينتفع بتذكيرك مَنْ يَخْشَى : من يخاف الله - وَيَتَجَنَّبُهَا: ولا ينتفع من الذكرى أَفْلَحَ : نجا وفاز - تَزَكَّى : طهر نفسه بالإيمان - تُؤْثِرُونَ : تُفضلون وترضون .
التفسير ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (٥))) تبتدئ السورة الكريمة بأمر النبي وكل أحد بعده، بتسبيح الله وتنزيه اسمه عمّا لا يليق، وتُثبِتُ له العلو على كل الموجودات. وقد كان النبي يمتثل الأمر، فيجعل هذا التسبيح في صلاته. ثم عرفتنا السورة بهذا الرب الجليل سبحانه، فذكرت من صفاته أنه الذي خلق كل شيء فأتقنه، وجعل المخلوقات كلها سواء في الإتقان. والذي خلق الوجود بمقادير محددة، فليس الكون فوضى، ولا أحداثا تجري بلا نظام، معاذ الله، إن كل شيء له مقدار، وقد هدى الله المخلوقات، كل مخلوق لما خلقه له وأعده له، وهو سبحانه الذي أخرج من الأرض النبات، وأنبت الأعشاب، ومنها الحيوانات ليعيش منها الإنسان، ثم جعل هذه الأعشاب الخضراء يابسة جافة مائلة إلى السواد في آخر موسم الصيف، ليُرينا كيف الموت والحياة من بعده.
((سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (١٣))) هذه الآيات الثمان خطاب للنبي تقول له: إن الله سيُقرئك القرآن، ويجعلك تحفظه فلا تنساه، إلا ما شاء الله. وهذا الاستثناء ليس المقصود منه أ، نفهم أن الرسول سينسى، لا، ولكن ليُعلمنا أن عدم النسيان هو بمشيئة الله، وأن الله شاء أن لا ينسى الرسول شيئا من القرآن..، إن الله يعلم ما يجهر به الناس وما يخفونه، وإنا سوف نهديك أيها النبي الطريقة الأيسر، فذكر بهذا القرآن من ينتفع بالذكرى، سيذكر من يخاف الله والآخرة، ويتجنب التذكرة الشخص الأشقى، لأنه أشقى نفسه بالكفر، وأتبعها ببُعدها عن الإيمان، وسيكون مصيره العذاب في النار الكبرى، وهذا الشخص الأشقى لا يموت في الآخرة فيستريح، ولا هو يحيا الحياة الكريمة الطيبة، فهو مُخلد في العذاب الشديد.
((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (١٩))) هذه الآيات الست استكمال للحديث عن الآخرة، وتتحدث عن فوز المؤمنين بعد الكلام عن شقاء الكافرين. تقرر هذه الآيات في بدايتها الفوز والفلاح لمن ظهرت نفسه بالإيمان وذكر الله والصلاة، ولكن أغلب الناس يُفضلون الدنيا الزائلة الفانية على الآخرة الدائمة الباقية، والآخرة افضل لمن أحسن الأختيار، إن هذه الحقائق موجودة في الكتب السماوية السابقة، مثل كتاب إبراهيم وموسى عليهما السلام.
دروس وعبر : ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها:
1-الله هو الذي خلق فأتقن، وجعل لكل مخلوق قدرا وهدفا وغاية.
2-من رحمة الله إنبات العشب لحياة الحيوان، وانتفاع الإنسان بهذا الحيوان
3-فضل الله على النبي العظيم؛ إذ علمه ثم جعله يحفظ القرآن بلا نسيان
4-التذكير يكون لمن ينتفع بالتذكير، فهذا هو السعيد، أما الشقي فلا يتذكر ولا يعتبر .
5-لا موت للكافرين في النار فيستريحون، ولا حياة كريمة فيحيون .
6-الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة لمن زكى نفسه بذكر الله والصلاة .
7-حقائق الدين موجودة في كتب الله السابقة .
تلاوة مباركة رائعة لسورة الأعلى للقاري الشيخ / نـاصـر قطامي
سورة الغاشية مكية، وعدد آياتها (26) آية، وترتيبها في المصحف رقم(88)، وموضوعها: القيامة وعذاب الكافرين ونعيم المؤمنين في الآخرة، وختمت السورة ببيان قدرة الله في الخلق.
معاني المفردات : الْغَاشِيَةِ : من أسماء يوم القيامة - خَاشِعَةٌ : ذليلة عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ: تعمل أعمالا شاقة متعبة يوم القيامة آَنِيَةٍ : بالغة الحرارة - ضَرِيعٍ : شجر شوكي ينبت في جهنم لَا يُسْمِنُ : لا يدفع الجوع - نَاعِمَةٌ : متنعمة في الجنة لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ : لعملها في الدنيا من الطاعات راضية مطمئنة لَاغِيَةً : كلاما لغوا لا فائدة منه وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ : أقداح موضوعة على حافة العيون مُعدة لشرابها وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ : وسائد صُفت بعضها إلى بعض وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ : بسط متفرقة في المجالس سُطِحَتْ : بسطت ومُهدت حتى صارت شاسعة واسعة يعيشون عليها بِمُسَيْطِرٍ : بمسلط عليهم قاهر لهم إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ : لكن من أعرض عن الوعظ والتذكير وكفر بالله القدير إِيَابَهُمْ : رجوعهم بعد الموت
هذه الآيات السبع في مشهد من شاهد القيامة، وتفصيل عذاب الكافرين في الآخرة. تبتدئ السورة بالإستفهام موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولمن قرأ كتاب الله، تقول السورة: هل أتاك حديث القيامة التي تغشى الناس وتعُمُّهُم بالأهوال؟ يومها يكون الكفار في حالة سيئة وجوههم في ذلك اليوم تكون ذليلة، ويُكلفون بالأعمال الشاقة المتعبة، في الوقت الذي يعذبون فيه في نار حامية، وعند العطش يُسقون من عين حرارتها أشد من البراكين، وأما طعامهم فضريع، وهو شجر من شوك يخرج في جهنم لا عافية فيه، ولا يسد من الجوع.
هذه الآيات التسع في وصف نعيم أهل الجنة. في ذلك اليوم تكون وجوه المؤمنين ناضرة متنعمة بنعيم الآخرة، راضية لما قدمت وادخرت عند الله من عمل صالح، فهي اليوم في جنة رفيعة الدرجات لا لغو فيها، في هذه الجنة عين تجري يشربون منها، وفيها السرر العالية، والأكواب الموضوعة في مُتناول الشاربين، والوسائد التي صُفَّت لراحتهم واتكائهم، والبُسُط التي فُرِشت ووزِّعت لتكريمهم.
((أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠))) هذه الآيات خطاب للناس جميعا، وللكافرين على وجه الخصوص، لِتُقيم لهم الدليل على قدرة الله على البعث وعلى الخلق، فهي تقول: ألا تنظرون إلى الأبل، وهي أقرب الماشية إلى العرب، أفلا ينظرون فيَرَون كيف خلقها الله، هذه الخِلقة العجيبة متكيَّفة مع الصحراء في كل عضو من أعضائها، وإلى السماء كيف رفعها الله، وإلى الجبال كيف ثبَّتها الله وغرسها في الأرض، وإلى الأرض كيف جعل لها سطحا مُنبسطا ليكون مناسبا للاستقرار عليها. وهذه الأدلة الأربعة المشاهدة ساقها الله لمن يُنكرون البعث علهم يعتبرون، فيعدلون عن إنكارهم فيؤمنون.
((فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦))) هذه الآيات الست مخاطبت بها النبي صلى الله عليه وسلم مبينة له: أن مهمته هي التذكير فقط، وفي ذلك تسلية له وتثبيت. تقول الآيات: يا أيها النبي ذكر فإنما أنت مذكِّر فحسب، ولست مُسيطر على الناس، ولا مُتحكما فيهم، ولا مهيمنا عليهم، لكن الذي يكفر بما أُرسلت به، فإن الله سيعذبه العذاب الأكبر، حيث إن رجوع الخلق إلى الله، وحسابهم على الله.
دروس وعبر : ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها:
1-وجوه الكافرين الذين يعتزون بقوتهم، ستكون يوم القيامة ذليلة منكسرة، لهم في النار عذاب شديد
2-المؤمنون منعمون مكرمون راضون عن الأعمال التي عملوها، لهم في الجنة من ألوان النعيم الشيء الكثير كالسرر والشراب والوسائد والبُسط .
3-في الكون آيات دالة على قدرة الله على البعث منها الجِمال والسماء والجبال والأرض .
4-مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التذكير وليست إجبار الكفار على الإيمان .
رد: حصريا ً:التفسير المبسط لجزء عَمَّ من القرآن الكريم "مصحوب بتلاوات للشيخ نـاصـر قطـامي"
المشاركة الأصلية بواسطة أبومصعب محمود ابراهيممشاهدة المشاركة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ماشاء الله .. لا قوة الا بالله موضوع قييييييييييم جداااا جعله الله فى موازين حسناتكم
جزاكم الله خيراً ورفع قدركم متابعون باذن الله
رحمك الله يا أمي ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
تعليق