كيفية التوفيق في هذه المسائل الثلاث
كيفية التوفيق بين إرسال الله عز وجل للرسل والأنبياء عليهم السلام إلى أقوامهم والتنازع عليهم وسبهم وشتمهم والاعتداء عليهم وإهانتهم وتوبيخهم ، وبين النزول إلى الناس في الطرقات وفي مجالسهم ودعوتهم وإلقاء النصيحة عليهم وطلب هدايتهم ، وبين الأقوال المأثورة عن السلف والعلماء (العلم يُؤتَى ولا يَأتِي). وطلب احترام العلم والعلماء وعدم إهانتهم ،والنهي عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو....
فلنتكلم لكل جزء من الأجزاء الثلاثة على حدة...
1 ـ إرسال الله للرسل والأنبياء إلى أقوامهم.
2 ـ الإتيان لطلب العلم.
3 ـ السفر بالمصحف إلى بلاد العدو.
ـ بالنسبة للنهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو...هذا إِذَا خِيفَ وُقُوعُهُ بِأَيْدِيهِمْ وخشي عليه الإهانة والامتهان وإلا فإن بلاد الكفار الآن توزّع فيها المسلمون ملايين النسخ من المصاحف ، وأيضا يحرق فيها المصاحف من قبل المتطرفين من أهل الديانات النصرانية واليهودية..
ـ وأما إرسال الله للأنبياء والرسل إلى الأقوام المكذبين وتأذيهم بكلامهم وأفعالهم بل وقتل منهم على أيدي أقوامهم ....
فإن الله أرسل الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين ، لإقامة الحجة على الخلق ( لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) الانبياء : 25 ،(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ).النساء : 64..
وهذا يدل على أنه إذا كان هؤلاء القوم لا ترجى منهم الهداية بمجموعهم فلا فائدة من إرسال الله للرسل إلى أقوامهم ...ولكن ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ )هود : 40 ...
ولا يقول بهذا القول أحد...أن الداعي إلى الله تعالى عندما يذهب إلى مجالس القوم العاصين ليدعوهم إلى الله تعالى .. لا يعرف مسبقا أن هناك عدد معين سيستجيب له ، أو أن كلهم لن يستجيب له...
إذن فإقامة الحجة والنصيحة والأمر بالتذكير والمعروف مطلوب ، ولو عند الجاهلين ، والفاسقين ، بل والكفار ، بل والذي يزعم أنه إله كما حدث مع فرعون ....من إرسال الله له موسى عليه السلام...
ولكن هذا يتطلب نوعا معينا من الدعاة إلى الله تعالى ولا يكون لعامة الدعاة ... فلا يطرق هذا الباب إلا لمن يعلم كيف يرد ويقيم الحجة....
ـ وأما أن العلم يُؤتَى إليه ولا يَأتِي....
قال العلماء: النهي إذا كانت فيه للعلم مذله أو كان من المتعلم على العالم تطاول ، ولا يذله بذهابه ومشيه إلى غير أهله من أبناء الدنيا من غير ضرورة أو حاجة أكيدة
هذا لأن العلم له احترامه والذي يعلم قدر العلم هو الذي يأتي إليه فقط، ولكن هذا النوع يُقَرّ به ويستساغ ... إذا كانت البلاد ليس متعارف فيها المنكر ومنكر فيها المعروف ...وإذا كان هناك أقوام كفار لم يسلموا بعد...وتدبر ما للمرء من ثواب عندما يهتدي على يديه رجل (ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)...
فإن حديث ( طلع علينا رجل شديد بياض الثياب..) فهذا من آداب العلم وطلبة العلم ..انتظار العلم وأهله والتفرغ لهم والإتيان للعلماء والسفر والترحال إليهم...
فهذا كمن يريد أن يواظب على الدرس وشروح الكتب ... مع أنه أيضا يشتكي الشيخ والمدرس والعالم من عدم حضور الطلبة للدرس بانتظام ...بل وقد يتنازل الشيخ لتنسيق المواعيد على حسب أهواء الطلبة ...وهذا من مفاسد هذا الزمان وقلة العلم وطلبته والإقبال عليه ، وكثرة المتكلمين وقليلي العلم ....
فضلا عن أن إقامة الحجة والنصيحة والأمر بالمعروف شعيرة من شعائر الدين...
أما أن العلم يُؤتَى ولا يأتِي ... فهذا لمن أراد لزوم الشيخ والتتلمذ على يديه وتفريغ الشيخ له جزءا من وقته للشروع في التدريس له ولأمثاله ...
فلو لم يعرف منهم الانضباط ...فإنهم يحضرون مرة ويغيبون بعد ذلك...
ولذلك لا بد قبل أن تتلمذ على يد شيخ معين أن تجلس في حلقاته مرة واثنتين وثلاث ...فربما لا يعجبك تدريسه وطريقته ..فتخرج من عنده إلى آخر ...وهكذا ..فلا بد من التأني والتروي...
قال عبد الكريم زيدان في أصول الدعوة : حقوق المدعو (588- ومن حق المدعو أن يؤتى ويدعى، أي أن الداعي يأتيه ويدعوه إلى الله تعالى ولا يجلس الداعي في بيته وينتظر مجيء الناس إليه وهكذا كان يفعل الداعي الأول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، يأتي مجالس قريش ويدعوهم ويخرج إلى القبائل في منازلها في موسم قدومها مكة ويدعوهم ويذهب إلى ملاقاة من يقدم إلى مكة يدعوه. فقد جاء في سيرة ابن هشام: "فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم، إذا كانت، على قبائل العرب يدعوهم إلى الله، ويخبرهم انه نبي مرسل ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به فيقف على منازل القبائل من العرب فيقول: "يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به... وكان صلى الله عليه وسلم لا يسمع بقادم إلى مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له فدعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده". ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بأهل مكة ومن كان يأتيها وإنما يذهب إلى خارجها ذهب إلى الطائف يدعو أهلها (فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله..
590- وعلى الداعي المسلم أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فينتقل إلى الناس في أماكنهم ومجالسهم وقراهم ويبلغهم الإسلام ويدعوهم إلى الله تعالى ويا حبذا لو توزع الدعاة إلى القرى والمحلات وتفرغ كل واحد منهم إلى جهة، وفي هذا المعنى يقول الإمام الغزالي "يتكفل كل عالم بإقليم أو بلدة أو محلة أو مسجد أو مشهد فيعلّم أهله دينهم، وتمييز ما يضرهم عما ينفعهم، وما يشقيهم عما يسعدهم، ولا ينبغي أن يصبر إلى أن يسأل عنه، بل ينبغي أن يتصدى إلى دعوة الناس إلى نفسه فإنهم ورثة الأنبياء والأنبياء ما تركوا الناس على جهلهم بل كانوا ينادونهم في مجامعهم ويدورون على أبواب دورهم في الابتداء ويطلبون واحداً واحداً فيرشدونهم وهذا فرض عين على العلماء كافة وعلى السلاطين كافة أن يرتبوا في كل قرية وفي كل محلة فقيها متديناً يعلم الناس دينهم فان الخلق لا يولدون إلا جهالا فلا بد من تبليغ الدعوة إليهم في الأصل والفرع".).
591- لا يجوز للداعي أن يستصغر شأن أي إنسان أو أن يستهين به فلا يدعوه، لأن من حق كل إنسان أن يدعى، وقد يكون هذا الذي لا يقيم له الداعي وزناً سيكون له عند الله وزن كبير بخدمته للإسلام والدعوة إليه وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو كل إنسان يلقاه أو يذهب إليه. جاء في السيرة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن عرض نفسه الكريمة على قبائل العرب التي وافت الموسم في مكة وكان ذلك قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات، ولم يستجب له منهم أحد، لقي ستة نفر من الخزرج عند العقبة من منى وهم يحلقون رؤوسهم، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فاستجابوا لله ولرسوله وآمنوا ثم رجعوا إلى قومهم بالمدينة وذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "ودعوهم إلى الإسلام ففشا فيهم حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا فيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم" فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستصغر شأن أولئك الستة وهم يحلقون رؤوسهم بعد أن لم يستجب له أحد من القبائل النازلة حوالي مكة ولم يقل في نفسه الكريمة: أي أمل في هؤلاء المشغولين بحلق رؤوسهم. ثم إن أولئك الستة كانوا هم الدعاة الأول إلى الإسلام في المدينة، فعلى الداعي أن يقتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يستهين بأحد فيزهد في دعوته فقد يكون الخير الكثير على يد هذا الذي لا يرى فيه خيراً الآن.)
فبذلك لا نرى تعارضا بين ذهاب العلماء إلى دعوة الناس وحتى دعوة الكفار ولقاء الأذية منهم ما داموا يريدون الخير لهم ويقيمون الحجة عليهم ويريدون هدايتهم ...وبين امتهان المصحف بالسفر به إلى بلاد الكفار إذا تأكد لديه إنه سيمتهن ، وفي هذه الأيام نرى توزيع الملايين من النسخ من المصاحف في بلاد الكفار وهذا فتح من الله عز وجل.....وبين أن العلم يُؤتَى ولا يأتِي فهذا من الآداب في طلب العلم وحفاظا على وقت الشيخ والمعلم...
ولكن لا يقتصر الذهاب إلى الناس بالدعوة إلى المؤتمرات والخطب في المساجد والدروس ...وإنما بالنزول إليهم في مجالسهم العامة والمقاهي وأماكن التجمعات ومخاطبتهم ونصيحتهم وتوزيع النصيحة عليهم وتوزيع الملصقات في الأماكن لرؤيتها والانتفاع بها...وهكذا...
كيفية التوفيق بين إرسال الله عز وجل للرسل والأنبياء عليهم السلام إلى أقوامهم والتنازع عليهم وسبهم وشتمهم والاعتداء عليهم وإهانتهم وتوبيخهم ، وبين النزول إلى الناس في الطرقات وفي مجالسهم ودعوتهم وإلقاء النصيحة عليهم وطلب هدايتهم ، وبين الأقوال المأثورة عن السلف والعلماء (العلم يُؤتَى ولا يَأتِي). وطلب احترام العلم والعلماء وعدم إهانتهم ،والنهي عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو....
فلنتكلم لكل جزء من الأجزاء الثلاثة على حدة...
1 ـ إرسال الله للرسل والأنبياء إلى أقوامهم.
2 ـ الإتيان لطلب العلم.
3 ـ السفر بالمصحف إلى بلاد العدو.
ـ بالنسبة للنهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو...هذا إِذَا خِيفَ وُقُوعُهُ بِأَيْدِيهِمْ وخشي عليه الإهانة والامتهان وإلا فإن بلاد الكفار الآن توزّع فيها المسلمون ملايين النسخ من المصاحف ، وأيضا يحرق فيها المصاحف من قبل المتطرفين من أهل الديانات النصرانية واليهودية..
ـ وأما إرسال الله للأنبياء والرسل إلى الأقوام المكذبين وتأذيهم بكلامهم وأفعالهم بل وقتل منهم على أيدي أقوامهم ....
فإن الله أرسل الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين ، لإقامة الحجة على الخلق ( لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) الانبياء : 25 ،(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ).النساء : 64..
وهذا يدل على أنه إذا كان هؤلاء القوم لا ترجى منهم الهداية بمجموعهم فلا فائدة من إرسال الله للرسل إلى أقوامهم ...ولكن ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ )هود : 40 ...
ولا يقول بهذا القول أحد...أن الداعي إلى الله تعالى عندما يذهب إلى مجالس القوم العاصين ليدعوهم إلى الله تعالى .. لا يعرف مسبقا أن هناك عدد معين سيستجيب له ، أو أن كلهم لن يستجيب له...
إذن فإقامة الحجة والنصيحة والأمر بالتذكير والمعروف مطلوب ، ولو عند الجاهلين ، والفاسقين ، بل والكفار ، بل والذي يزعم أنه إله كما حدث مع فرعون ....من إرسال الله له موسى عليه السلام...
ولكن هذا يتطلب نوعا معينا من الدعاة إلى الله تعالى ولا يكون لعامة الدعاة ... فلا يطرق هذا الباب إلا لمن يعلم كيف يرد ويقيم الحجة....
ـ وأما أن العلم يُؤتَى إليه ولا يَأتِي....
قال العلماء: النهي إذا كانت فيه للعلم مذله أو كان من المتعلم على العالم تطاول ، ولا يذله بذهابه ومشيه إلى غير أهله من أبناء الدنيا من غير ضرورة أو حاجة أكيدة
هذا لأن العلم له احترامه والذي يعلم قدر العلم هو الذي يأتي إليه فقط، ولكن هذا النوع يُقَرّ به ويستساغ ... إذا كانت البلاد ليس متعارف فيها المنكر ومنكر فيها المعروف ...وإذا كان هناك أقوام كفار لم يسلموا بعد...وتدبر ما للمرء من ثواب عندما يهتدي على يديه رجل (ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)...
فإن حديث ( طلع علينا رجل شديد بياض الثياب..) فهذا من آداب العلم وطلبة العلم ..انتظار العلم وأهله والتفرغ لهم والإتيان للعلماء والسفر والترحال إليهم...
فهذا كمن يريد أن يواظب على الدرس وشروح الكتب ... مع أنه أيضا يشتكي الشيخ والمدرس والعالم من عدم حضور الطلبة للدرس بانتظام ...بل وقد يتنازل الشيخ لتنسيق المواعيد على حسب أهواء الطلبة ...وهذا من مفاسد هذا الزمان وقلة العلم وطلبته والإقبال عليه ، وكثرة المتكلمين وقليلي العلم ....
فضلا عن أن إقامة الحجة والنصيحة والأمر بالمعروف شعيرة من شعائر الدين...
أما أن العلم يُؤتَى ولا يأتِي ... فهذا لمن أراد لزوم الشيخ والتتلمذ على يديه وتفريغ الشيخ له جزءا من وقته للشروع في التدريس له ولأمثاله ...
فلو لم يعرف منهم الانضباط ...فإنهم يحضرون مرة ويغيبون بعد ذلك...
ولذلك لا بد قبل أن تتلمذ على يد شيخ معين أن تجلس في حلقاته مرة واثنتين وثلاث ...فربما لا يعجبك تدريسه وطريقته ..فتخرج من عنده إلى آخر ...وهكذا ..فلا بد من التأني والتروي...
قال عبد الكريم زيدان في أصول الدعوة : حقوق المدعو (588- ومن حق المدعو أن يؤتى ويدعى، أي أن الداعي يأتيه ويدعوه إلى الله تعالى ولا يجلس الداعي في بيته وينتظر مجيء الناس إليه وهكذا كان يفعل الداعي الأول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، يأتي مجالس قريش ويدعوهم ويخرج إلى القبائل في منازلها في موسم قدومها مكة ويدعوهم ويذهب إلى ملاقاة من يقدم إلى مكة يدعوه. فقد جاء في سيرة ابن هشام: "فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم، إذا كانت، على قبائل العرب يدعوهم إلى الله، ويخبرهم انه نبي مرسل ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به فيقف على منازل القبائل من العرب فيقول: "يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به... وكان صلى الله عليه وسلم لا يسمع بقادم إلى مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له فدعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده". ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بأهل مكة ومن كان يأتيها وإنما يذهب إلى خارجها ذهب إلى الطائف يدعو أهلها (فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله..
590- وعلى الداعي المسلم أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فينتقل إلى الناس في أماكنهم ومجالسهم وقراهم ويبلغهم الإسلام ويدعوهم إلى الله تعالى ويا حبذا لو توزع الدعاة إلى القرى والمحلات وتفرغ كل واحد منهم إلى جهة، وفي هذا المعنى يقول الإمام الغزالي "يتكفل كل عالم بإقليم أو بلدة أو محلة أو مسجد أو مشهد فيعلّم أهله دينهم، وتمييز ما يضرهم عما ينفعهم، وما يشقيهم عما يسعدهم، ولا ينبغي أن يصبر إلى أن يسأل عنه، بل ينبغي أن يتصدى إلى دعوة الناس إلى نفسه فإنهم ورثة الأنبياء والأنبياء ما تركوا الناس على جهلهم بل كانوا ينادونهم في مجامعهم ويدورون على أبواب دورهم في الابتداء ويطلبون واحداً واحداً فيرشدونهم وهذا فرض عين على العلماء كافة وعلى السلاطين كافة أن يرتبوا في كل قرية وفي كل محلة فقيها متديناً يعلم الناس دينهم فان الخلق لا يولدون إلا جهالا فلا بد من تبليغ الدعوة إليهم في الأصل والفرع".).
591- لا يجوز للداعي أن يستصغر شأن أي إنسان أو أن يستهين به فلا يدعوه، لأن من حق كل إنسان أن يدعى، وقد يكون هذا الذي لا يقيم له الداعي وزناً سيكون له عند الله وزن كبير بخدمته للإسلام والدعوة إليه وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو كل إنسان يلقاه أو يذهب إليه. جاء في السيرة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن عرض نفسه الكريمة على قبائل العرب التي وافت الموسم في مكة وكان ذلك قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات، ولم يستجب له منهم أحد، لقي ستة نفر من الخزرج عند العقبة من منى وهم يحلقون رؤوسهم، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فاستجابوا لله ولرسوله وآمنوا ثم رجعوا إلى قومهم بالمدينة وذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "ودعوهم إلى الإسلام ففشا فيهم حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا فيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم" فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستصغر شأن أولئك الستة وهم يحلقون رؤوسهم بعد أن لم يستجب له أحد من القبائل النازلة حوالي مكة ولم يقل في نفسه الكريمة: أي أمل في هؤلاء المشغولين بحلق رؤوسهم. ثم إن أولئك الستة كانوا هم الدعاة الأول إلى الإسلام في المدينة، فعلى الداعي أن يقتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يستهين بأحد فيزهد في دعوته فقد يكون الخير الكثير على يد هذا الذي لا يرى فيه خيراً الآن.)
فبذلك لا نرى تعارضا بين ذهاب العلماء إلى دعوة الناس وحتى دعوة الكفار ولقاء الأذية منهم ما داموا يريدون الخير لهم ويقيمون الحجة عليهم ويريدون هدايتهم ...وبين امتهان المصحف بالسفر به إلى بلاد الكفار إذا تأكد لديه إنه سيمتهن ، وفي هذه الأيام نرى توزيع الملايين من النسخ من المصاحف في بلاد الكفار وهذا فتح من الله عز وجل.....وبين أن العلم يُؤتَى ولا يأتِي فهذا من الآداب في طلب العلم وحفاظا على وقت الشيخ والمعلم...
ولكن لا يقتصر الذهاب إلى الناس بالدعوة إلى المؤتمرات والخطب في المساجد والدروس ...وإنما بالنزول إليهم في مجالسهم العامة والمقاهي وأماكن التجمعات ومخاطبتهم ونصيحتهم وتوزيع النصيحة عليهم وتوزيع الملصقات في الأماكن لرؤيتها والانتفاع بها...وهكذا...
تعليق