الخوف والرجاء وفضل الجمع بينهما
قال اللَّه تعالى: { وإياي فارهبون } .
وقال تعالى: { إن بطش ربك لشديد } .
وقال تعالى: { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد،
إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، وما نؤخره إلا لأجل معدود، يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق } .
وقال تعالى: { ويحذركم اللَّه نفسه } .
وقال تعالى: { يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } .
وقال تعالى: { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت،وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللَّه شديد} .
وقال تعالى: { ولمن خاف مقام ربه جنتان } الآيات.
وقال تعالى: { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قالوا: إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن اللَّه علينا ووقانا عذاب السموم، إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم } والآيات في الباب كثيرة جداً معلومات، والغرض الإشارة إلى بعضها وقد حصل.
وأما الأحاديث فكثيرة جداً فنذكر منها طرفاً، وبالله التوفيق:
396- عن ابنِ مسعودٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : حدثنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وهو الصَّادِقُ المصدوقُ : « إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْن أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً نُطْفَةً ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مثْلَ ذلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرَّوحَ ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ : بِكَتْبِ رِزقِةِ ، وَأَجلِهِ ، وَعمَلِهِ ، وَشَقيٌّ أَوْ سعِيدٌ . فَوَ الَّذِي لا إِله غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إِلاَّ ذِراعٌ ، فَيَسْبقُ عَلَيْهِ الْكِتابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْل النَّارِ ، فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيََدْخُلُهَا » متفقٌ عليه .
397- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا » رواه مسلم .
398- وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : سمِعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول: « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيامَة لَرَجُلٌ يُوضَعُ في أَخْمَصِ قَدميْهِ جمْرَتَانِ يغْلي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَا يَرى أَنَّ أَحداً أَشَدُّ مِنْه عَذَاباً ، وَإِنَّه لأَهْونُهُمْ عذَاباً » متفق عليه .
399- وعن سمُرةَ بنِ جُنْدبٍ ، رضي اللَّه عنه ، أَن نبيَّ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ النَّارُ إِلى كَعْبَيهِ ، ومِنْهُمْ منْ تأْخُذُهُ إِلى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ منْ تَأْخُذُهُ إِلى حُجْزتِهِ ، وِمِنْهُمْ منْ تَأْخُذُهُ إِلى تَرْقُوَتِهِ » رواه مسلم .
« الحُجْزَةُ » : مَعْقِدُ الإِزارِ تحْتَ السُّرَّةِ . و « التَّرْقُوَةُ » بفتحِ التاءِ وضم القاف : هِي العظْمُ الذِي عِندَ ثُغْرةِ النَّحْرِ ، وللإِنْسَانِ ترْقُوَتانِ في جَانِبَي النَّحْرِ.
400- وعن ابنِ عمر رضي اللَّه عنهما أن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمِينَ حَتَّى يَغِيب أَحدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلى أَنْصَافِ أُذُنَيه » متفقٌ عليه.
و « الرَّشْحُ » العرَقُ .
401- وعن أَنس ، رضي اللَّه عنه ، قال : خَطَبَنَا رَسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، خُطْبَةً ما سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ ، فقال : « لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قلِيلا ولبَكيْتمْ كَثِيراً» فَغَطَّى أَصْحابُ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وجُوهَهمْ ، وَلهُمْ خَنينٌ . متفقٌ عليه .
وفي رواية : بَلَغَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ أَصْحابِهِ شَيءٌ فَخَطَبَ ، فقال : « عُرضَتْ عَلَيَّ الجنَّةُ والنَّارُ ، فَلَمْ أَر كَاليَوْمِ في الخَيْر وَالشَّرِّ ، ولَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعلَمُ لَضحِكْتُمْ قلِيلاً ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً »فَما أتَى عَلَى أَصْحَابِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ غَطَّوْا رُؤُسهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ .
« الخَنِينُ » بِالخاءِ المعجمة : هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّةٍ وَانْتِشَاقُ الصَّوتِ مِنَ الأَنْفِ .
402- وعن المِقْدَاد ، رضيَ اللَّه عنه ، قال : سَمِعْتُ رسولَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « تُدْني الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيل » قَالَ سُلَيمُ بْنُ عَامرٍ الرَّاوي عنْ المِقْدَاد : فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي ما يَعْني بِالميلِ ، أَمَسَافَةَ الأَرضِ أَمِ المِيل الَّذي تُكْتَحَلُ بِهِ العيْنُ« فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمالِهمْ في العَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ ، ومِنْهُمْ منْ يَكون إِلى حِقْوَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلجاماً » وَأَشَارَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِيدِهِ إِلى فِيه . رواه مسلم .
403- وعن أبي هريرة ، رضيَ اللَّه عنه ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يذْهَب عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعاً ، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ » متفقٌ عليه .
ومعنى « يَذْهَبُ في الأَرْضِ » : ينزِل ويغوص .
404- وعنه قال : كنا مع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذ سَمِعَ وَجْبَةً فقال :« هَلْ تَدْرُونَ ما هذا؟»قُلْنَا : اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قال :هذا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَريفاً فَهُوَ يهْوِي في النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلى قَعْرِهَا ، فَسَمِعْتُمْ وجْبَتَهَا» رواه مسلم .
405- وعن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمنَ مِنْهُ ، فَلا يَرَى إِلاَّ ما قَدَّمَ ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينْظُرُ بيْنَ يَدَيهِ ، فَلا يَرَى إِلاَّ النَّارِ تِلْقَاءَ وَجهِهِ، فاتَّقُوا النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ » متفقٌ عليه .
406- وعن أبي ذَرٍّ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنِّي أَرى مالا تَرَوْنَ ، أَطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا موْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ واضِعٌ جبهتهُ ساجِداً للَّهِ تَعَالى ، واللَّه لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ ، لضَحِكْتمْ قَلِيلاً ، وَلَبكَيْتُمْ كَثِيراً ، وما تَلَذَّذتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرجْتُمْ إِلى الصُّعُداتِ تَجْأَرُون إِلى اللَّه تَعَالَى » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسن .
وَ « أَطَّتْ » بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ، وَتَئِطُّ » بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة ، والأَطِيطُ : صَوْتُ الرَّحلِ وَالْقَتَبِ وشِبْهِهِمَا ، ومعْناهُ : أَنَّ كَثْرَةَ مَنْ في السَّماءِ مِنَ المَلائِكَةِ الْعابِدينَ قَدْ أَثْقَلَتْهَا حَتَّى أَطَّتْ .
وَ « الصُّعُدَاتِ » بضم الصاد والعين : الطُّرُقَاتُ ، ومعنى « تَجأَرُونَ » : تَسْتَغِيثُونَ .
407- وعن أبي بَرْزَة بِراءٍ ثم زايٍ نَضْلَةَ بنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تَزُولُ قَدمَا عبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيم فَعَلَ فِيهِ ، وعَنْ مالِهِ منْ أَيْنَ اكْتَسبهُ ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
408- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، قال : قرأَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : { يوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَهَا } ثم قال : « أَتَدْرُونَ مَا أَخَبَارُهَا ؟ » قالوا : اللَّهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ . قال :«فَإِنَّ أَخْبَارَها أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا ، تَقُولُ : عَمِلْتَ كَذَا وكذَا في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا ، فهَذِهِ أَخْبَارُهَا » رواه التِّرْمِذِي وقال : حديثٌ حسنٌ .
409- وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ » فَكَأَنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلى أَصْحَابِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالَ لَهُمْ :« قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوكِيلُ » رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ .
« الْقَرْنُ » : هُوَ الصُّورُ الَّذِي قال اللَّه تعالى : { وَنُفِخَ في الصُّورِ } كَذَا فَسَّرَهُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم .
410- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ ، بَلَغَ المَنْزلَ ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ» رواه الترمذي وقال :حديثٌ حسنٌ .
و « أَدْلَجَ » بِإِسْكان الدَّال ، ومعناه : سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ، وَالمُرَادُ : التَّشْمِيرُ في الطَّاعَة . واللَّه أعلم .
411- وعن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالت : سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول : «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُراةً غُرْلاً » قُلْتُ : يا رسول اللَّه الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعاً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ،؟ قال :« يا عَائِشَةُ الأَمرُ أَشَدُّ من أَنْ يُهِمَّهُم ذلكَ » .
وفي روايةٍ : « الأَمْرُ أَهَمُّ مِن أَن يَنْظُرَ بَعضُهُمْ إِلى بَعْضٍ » متفقٌ عليه . « غُرلاً » بضَمِّ الغَيْنِ
قال اللَّه تعالى :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه إن اللَّه يغف الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم } .
وقال تعالى: { وهل نجازي إلا الكفور } .
وقال تعالى: { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى } .
وقال تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء } .
412- وعن عُبادَة بنِ الصامِتِ ، رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « منْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وأَنَّ مُحمَّداً عبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وأَنَّ عِيسى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلى ما كانَ مِنَ العمَلِ » متفقٌ عليه .
وفي رواية لمسلم : « مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسُولُ اللَّهِ ، حَرَّمَ اللَّهُ علَيهِ النَّارَ » .
413- وعن أبي ذَرٍّ ، رضيَ اللَّهُ عنه ، قال : قال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يقولُ اللَّهُ عزَّ وجَلّ: مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها أَوْ أَزْيَدُ ، ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ، فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ . وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً ، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً ، ومنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذرَاعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً، وَمَنْ أَتاني يمشي ، أَتَيْتُهُ هَرْولَةً ، وَمَنْ لَقِيَني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بمثْلِها مغْفِرَةً » رواه مسلم.
معنى الحديث : « مَنْ تَقَرَّبَ » إِلَيَّ بِطاعَتي « تَقَرَّبْتُ » إِلَيْهِ بِرحْمَتي ، وإِنْ زَادَ زِدْتُ، «فَإِنْ أَتاني يَمشي » وَأَسْرَعَ في طاعَتي « أَتَيْتُه هَرْوَلَةً » أَيْ : صَبَبْبُ علَيْهِ الرَّحْمَة ، وَسَبَقْتهُ بها ، ولَمْ أُحْوِجْهُ إِلى المَشْيِ الْكَثِيرِ في الوُصُولِ إِلى المَقْصُودِ ، « وَقُرَابُ الأَرْضِ» بضمِّ القافِ ويُقال بكسرها ، والضمّ أَصحّ ، وأَشهر ، ومعناه : ما يُقارِبُ مِلأَها ، واللَّه أعلم .
414- وعن جابر ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ ، ما المُوجِبَتانِ ؟ فَقَالَ : « مَنْ مَات لاَ يُشرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ ماتَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، دَخَلَ النَّارَ » رواه مُسلم .
415- وَعن أَنسٍ ، رضي اللَّهُ عنه ، أَنَّ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَمُعَاذٌ ردِيفُهُ عَلى الرَّحْلِ قَالَ : «يا مُعاذُ » قال : لَبيَّيْكَ يا رسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، قالَ : « يا مُعَاذُ » قالَ : لَبَّيكَ يارَسُول اللَّهِ وَسَعْديْكَ . قالَ : « يَا مُعاذُ » قال : لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْديكَ ثلاثاً ، قالَ : « ما مِن عَبدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صِدْقاً مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ على النَّارِ » قالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُخْبِرُ بِها النَّاسَ فيستبشروا ؟ قال : «إِذاً يَتَّكلُوا » فَأَخْبرَ بها مُعَـاذٌ عِنْد مَوْتِهِ تَأَثُّماً . متفقٌ عليه .
وقوله : « تَأَثماً » أَيْ : خَوْفاً مِنَ الإِثمِ في كَتْمِ هذا العِلْمِ .
416- وعنْ أبي هريرة أَوْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنهما : شَك الرَّاوِي ، وَلاَ يَضُرُّ الشَّكُّ في عَينِ الصَّحابي ، لأَنهم كُلُّهُمْ عُدُولٌ ، قال : لما كان يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَصابَ الناسَ مَجَاعَةٌ ، فَقالُوا : يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنا ، فَأَكلْنَا وَادَّهَنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « افْعَلُوا » فَجَاءَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنهُ ، فقالَ : يا رَسولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ ، وَلَكِنْ ادْعُهُمْ بفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُ اللَّهِ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَجْعَلَ في ذلكَ البَرَكَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « نَعَمْ» فَدَعَا بِنِطْعٍ فَبَسَطهُ ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزَاوَدِهِمْ ، فَجعلَ الرَّجُلُ يجيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ ويجيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ ، ويجيءُ الآخَرُ بِكِسرَةٍ حَتى اجْتَمَعَ عَلى النِّطْعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ ، فَدَعَا رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِالبَرَكَةِ ، ثُمَّ قالَ « خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ ، فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حتى ما تركُوا في العَسْكَرِ وِعاء إِلاَّ مَلأوهُ ، وأَكَلُوا حَتَّى شَبعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ ، فقالَ رَسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَلْقَى اللَّه بهما عَبْدٌ غَيْرُ شاكٍّ ، فَيُحْجبَ عَنِ الجَنَّةِ» رواهُ مسلم .
417- وَعَنْ عِتْبَانَ بنِ مالكٍ ، رضي اللَّه عنه ، وهو مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً ، قال : كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمي بَني سالمٍ ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْني وَبينهُم وادٍ إِذَا جاءَتِ الأَمطارُ ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ ، فَجئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقلتُ له : إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي ، وَإِنَّ الوَادِيَ الَّذِي بيْني وَبَيْنَ قَوْمي يسِيلُ إِذَا جَاءَت الأَمْطارُ ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيازُهُ ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتي ، فَتُصَليِّ في بَيْتي مَكاناً أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فقال رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « سأَفْعَلُ » فَغَدا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ، رضي اللَّهُ عنه ، بَعْدَ ما اشْتَدَّ النَّهَارُ ، وَاسْتَأْذَنَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأَذِنْتُ لهُ ، فَلَمْ يَجْلِسْ حتى قالَ : « أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ ؟ » فَأَشَرْتُ لهُ إِلى المَكَانِ الَّذِي أُحبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فيه ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَراءَهُ ، فَصَلَّى رَكَعَتَيْن ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ ، فَحَبَسْتُهُ علَى خَزيرة تُصْنَعُ لَهُ ، فَسَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في بَيْتي ، فَثَابَ رِجَالٌ منهمْ حتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ في البَيْتِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : مَا فَعَلَ مَالِكٌ لا أَرَاهُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : ذلك مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّه ورَسُولَهُ ، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم « لاَ تَقُلْ ذَلِكَ أَلاَ تَراهُ قالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعالى ؟،» . فَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ ما نَرَى وُدَّهُ ، وَلاَ حَديثَهُ إِلاَّ إِلى المُنَافِقينَ ، فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « فَإِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ على النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهِ اللَّهِ » متفقٌ عليه .
و « عِتْبَانِ » بكسر العين المهملة ، وإِسكان التاءِ المُثَنَّاةِ فَوْقُ وبَعْدهَا باءٌ مُوَحَّدَةٌ . و «الخَزِيرَةُ » بالخاءِ المُعْجمةِ ، وَالزَّاي : هِي دقِيقٌ يُطْبَخُ بِشَحْمٍ وقوله : « ثابَ رِجالٌ » بالثَّاءِ المِثَلَّثَةِ ، أَيْ : جَاءوا وَاجْتَمعُوا .
418- وعن عمرَ بنِ الخطاب ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسَبْي فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى ، إِذْ وَجَدتْ صبيًّا في السبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها ، فَأَرْضَعَتْهُ ، فقال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ . فَقَالَ : «للَّهُ أَرْحمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِولَدِهَا » متفقٌ عليه.
419- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لما خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ ، كَتَبَ في كِتَابٍ ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ : إِنَّ رَحْمتي تَغْلِبُ غَضَبِي » .
وفي روايةٍ : « غَلَبَتْ غَضَبِي » وفي روايةٍ « سَبَقَتْ غَضَبِي » متفقٌ عليه .
420- وعنه قال : سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءَا واحِداً ، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَراحمُ الخَلائِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ ولَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ » .
وفي روايةٍ : « إِنَّ للَّهِ تَعَالى مائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجِنِّ والإِنْسِ وَالبَهَائمِ وَالهَوامِّ ، فَبهَا يَتَعاطَفُونَ ، وبها يَتَراحَمُونَ ، وَبها تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلى وَلَدهَا ، وَأَخَّرَ اللَّهُ تَعالى تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بها عِبَادهُ يَوْمَ القِيَامَةِ » متفقٌ عليه .
ورواهُ مسلم أَيضاً من روايةِ سَلْمَانَ الفَارِسيِّ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ للَّهِ تَعَالَى ماِئَةَ رَحْمَةٍ فَمِنْها رَحْمَةٌ يَتَراحَمُ بها الخَلْقُ بَيْنَهُمْ، وَتِسْع وَتِسْعُونَ لِيَوْم القِيامَةِ » .
وفي رواية « إِنَّ اللَّه تعالى خَلَقَ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلى الأَرْضِ ، فَجَعَلَ مِنها في الأَرْضِ رَحْمَةً فَبِها تَعْطِفُ الوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُها عَلَى بَعْضٍ فَإِذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ ، أَكْمَلَها بهِذِهِ الرَّحْمَةِ » .
421- وعنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . فِيمَا يَحكِى عَن ربِّهِ ، تَبَارَكَ وَتَعَالى ، قال : « أَذنَب عبْدٌ ذَنباً ، فقالَ : اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ذَنبي ، فقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى : أَذَنَبَ عبدِي ذنباً ، فَعلِم أَنَّ لَهُ ربًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذَنَبَ، فقال : أَيْ ربِّ اغفِرْ لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : أَذنبَ عبدِي ذَنباً ، فَعَلَمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ ، وَيَأخُذُ بِالذنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذنَبَ ، فقال : أَي رَبِّ اغفِرْ لي ذَنبي ، فقال تَبَارَكَ وَتَعَالى : أَذنَبَ عَبدِي ذَنباً ، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنبَ ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ ، قدَ غَفَرْتُ لِعبدي .. فَلْيَفعَلْ ما شَاءَ » متفقٌ عليه.
وقـوله تعالى : « فَلْيَفْعلْ ما شَاءَ » أَي : مَا دَامَ يَفْعَلُ هَكَذا ، يُذْنِبُ وَيتُوبُ أَغْفِرُ لَهُ ، فإِنَّ التَّوبَةَ تَهِدِمُ ما قَبْلَهَا .
422- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذنِبُوا ، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَجَاءَ بِقوم يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّه تعالى ، فيَغْفرُ لَهُمْ رواه مسلم .
423- وعن أبي أَيُّوبَ خَالِدِ بنِ زيد، رضي اللَّه عنه قال: سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: « لَوْلا أَنَّكُمْ تُذنبُونَ ، لخَلَقَ اللَّهُ خَلقاً يُذنِبونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ » رواه مسلم .
424- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، قال : كُنَّا قُعوداً مَع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، مَعَنا أَبُو بكْر وَعُمَرُ ، رضي اللَّه عنهما في نَفَرٍ ، فَقَامَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ بَيْن أَظْهُرنَا ، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، فَخَشَينا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا ، فَفَزَعْنا ، فَقُمْنَا ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزعَ ، فَخَرجتُ أَبْتَغِي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، حَتَّى أَتَيتُ حَائِطاً لِلأَنْصَارِ وَذَكَرَ الحديث بطُوله إِلى قوله : فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اذْهَبْ فَمَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إلاَّ اللَّه ، مُسْتَيقِناً بهَا قَلَبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ » رواه مسلم .
425- وعن عبد اللَّه بن عَمْرو بن العاص ، رضي اللَّه عنهما ، أَن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تَلا قَوَل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في إِبراهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْللْنَ كَثيراً مِنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنِّي} [ إبراهيم : 36 ] ، وَقَوْلَ عيسى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : {إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} [ المائدة : 118 ] ، فَرَفَعَ يَدَيْه وقال « اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى ، فقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : « يا جبريلُ اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ،فسلْهُ مَا يُبكِيهِ ؟ » فَأَتَاهُ جبرِيلُ فَأَخبَرَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَا قال:وَهُو أَعْلَمُ ، فقال اللَّهُ تعالى: { يا جِبريلُ اذهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ : إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ } رواه مسلم .
426- وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال كُنتُ رِدْفَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على حِمارٍ فقال : « يَا مُعَاذُ هَل تَدري مَا حَقُّ اللَّه عَلى عِبَادِهِ ، ومَا حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللَّه ؟ قلت : اللَهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قال : « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعْبُدُوه ، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَحقَّ العِبادِ عَلى اللَّهِ أَنْ لا يُعَدِّبَ مَنْ لا يُشِركُ بِهِ شَيْئاً ، فقلت : يا رسولُ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قال : « لا تُبَشِّرْهُم فَيَتَّكِلُوا » متفقٌ عليه .
427- وعن البَرَاءِ بنِ عازبٍ ، رضي اللَّه عنهما ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ في القَبرِ يَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّه ، فذلك قولهُ تعالى : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْل الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيَا وفي الآخِرَةِ } [ إبراهيم : 27 ] متفقٌ عليه .
428- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّهُ عنه عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً ، أُطعِمَ بِهَا طُعمَةً مِنَ الدُّنيَا ، وَأَمَّا المُؤمِن ، فَإِنَّ اللَّه تعـالى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقاً في الدُّنْيَا عَلى طَاعَتِهِ » .
وفي روايةٍ : « إِنَّ اللَّه لا يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا ، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَة، وَأَمَّا الْكَافِرُ ، فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للَّهِ تعالى ، في الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلى الآخِرَة ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا » رواه مسلم .
429- وعن جابرٍ ، رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ » رواه مسلم.
« الْغَمْرُ » الْكَثِيرُ .
430- وعن ابنِ عباسٍ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنازتِه أَرَبَعُونَ رَجُلاً لا يُشرِكُونَ بِاللَّهِ شَيئاً إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فيه»رواه مسلم .
431- وعن ابنِ مسعودٍ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : كُنَّا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في قُبَّةٍ نَحواً مِنْ أَرَبعِينَ ، فقال : « أَتَرضَونَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ » قُلْنَا: نَعَم ، قال : «أَتَرضَونَ أَن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ » قُلْنَا : نَعَم ، قال: « وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرجُو أَنْ تَكُونُوا نِصفَ أَهْلِ الجَنَّة ، وَذَلِك أَنَّ الجَنَّةَ لا يَدخُلُهَا إِلاَّ نَفسٌ مُسلِمَةٌ ، وَمَا أَنتُمْ في أَهْلِ الشِّركِ إِلاَّ كََالشَّعرَةِ البَيَضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسودِ ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَحْمَرِ » متفقٌ عليه.
432- وعن أبي موسى الأَشعري ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ دَفَعَ اللَّهُ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُوديًّا أو نَصْرَانِيّآً فَيَقُولُ : هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ» .
وفي رواية عنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمِين بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الجبَالِ يَغفِرُهَا اللَّهُ لهمُ » رواه مسلم .
قوله : « دَفَعَ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يهودِيًّا أَوْ نَصرانِياً فَيَقُولُ : هَذا فكَاكُكَ مِنَ النَّارِ » معْنَاهُ مَا جَاءَ في حديث أبي هريرة ، رضي اللَّهُ عنهُ : « لِكُلِّ أَحَدٍ مَنزِلٌ في الجَنَّةِ ، ومَنزِلٌ في النَّارِ، فالمُؤْمِن إِذَا دَخَلَ الجنَّةَ خَلَفَهُ الكَافِرُ في النَّارِ ، لأَنَّهُ مُسْتَحِق لذلكَ بكُفْرِه » وَمَعنى «فكَاكُكَ » : أَنَّكَ كُنْتَ مُعَرَّضاً لِدُخُولِ النَّارِ ، وَهَذا فِكَاكُكَ ، لأَنَّ اللَّه تعالى قَدَّرَ لِلنَّارِ عدَداً يَمْلَؤُهَا ، فإِذا دَخَلَهَا الكُفَّارُ بِذُنُوبِهمْ وَكُفْرِهِمْ ، صَارُوا في مَعنى الفِكَاك لِلمُسلِمِينَ . واللَّه أَعلم .
433- وعن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال : سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « يُدْنَى المُؤْمِنُ يَومَ القِيَامَةِ مِنُ رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيهِ ، فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِه ، فيقولُ: أَتَعرفُ ذنبَ كَذا؟ أَتَعرفُ ذَنبَ كَذَا ؟ فيقول : رَبِّ أَعْرِفُ ، قال : فَإِنِّي قَد سَتَرتُهَا عَلَيكَ في الدُّنيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ ، فَيُعطَى صَحِيفَةَ حسَنَاته » متفقٌ عليه .
كَنَفُهُ : سَتْرُهُ وَرَحْمَتُهُ .
434- وعن ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَة ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأَخبره ، فأَنزل اللَّهُ تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرََفي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ الَّليْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } [ هود : 114 ] فقال الرجل : أَلي هذا يا رسولَ اللَّه ؟ قال : «لجَميعِ أُمَّتي كُلهِمْ » متفقٌ عليه .
435- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : يا رسولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حدّاً ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، وَحَضَرتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا قَضَى الصَّلاة قال : يا رسول اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حدًّا ، فأَقِمْ فيَّ كتَابَ اللَّهِ ، قال : « هَلْ حَضَرْتَ مَعَنَا الصَّلاَةَ ؟ » قال : نَعم : قال«قد غُفِرَ لَكَ » متفقٌ عليه .
وقوله : « أَصَبْتُ حَدًّا » معناه : مَعْصِيَةً تُوجِبُ التَّعْزير ، وَليس المُرَادُ الحَدَّ الشَّرْعِيَّ الْحقيقيَّ كَحَدِّ الزِّنَا والخمر وَغَيْرِهمَا ، فَإِنَّ هَذِهِ الحُدودَ لا تَسْقُطُ بِالصلاةِ، ولا يجوزُ للإمام تَرْكُهَا .
436- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ اللَّه لَيَرضي عن الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكلَةَ، فَيحْمَدُهُ عليها ، أَوْ يَشْربَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمدُهُ عَليها » رواه مسلم.
« الأَكْلَةُ » بفتح الهمزة وهي المرَّةُ الواحدةُ مِنَ الأَكلِ كَالْغَدْوةِ والْعَشْوَةِ ، واللَّه أعلم .
437- وعن أبي موسى ، رضي اللَّه عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال : « إِنَّ اللَّه تعالى، بَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيلِ لَيَتُوبَ مُسيِءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدهُ بِالنَّهارِ ليَتُوبَ مُسيءُ اللَّيلِ حتى تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبَها » رواه مسلم .
438- وعن أبي نجيحٍ عَمرو بن عَبْسَةَ بفتح العين والباءِ السُّلَمِيِّ ، رضي اللَّه عنه قال : كنتُ وَأَنَا في الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلى ضَلالَةٍ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا على شيءٍ ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَاراً ، فَقَعَدْتُ عَلى رَاحِلَتي ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُسْتَخْفِياً جُرَءَاءُ عليهِ قَوْمُهُ ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّة ، فَقُلْتُ له : ما أَنَتَ ؟ قال : « أَنا نَبي » قلتُ : وما نبي ؟ قال : « أَرْسَلِني اللَّه » قلت: وبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسلَكَ ؟ قال : « أَرْسَلني بِصِلَةِ الأَرْحامِ ، وكسرِ الأَوْثان ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّه لايُشْرَكُ بِهِ شَيْء » قلت : فَمنْ مَعَكَ عَلى هَذا ؟ قال : « حُر وَعَبْدٌ » ومعهُ يوْمَئِذٍ أَبو بكر وبلالٌ رضي اللَّه عنهما . قلت : إِنِّي مُتَّبعُكَ ، قال إِنَّكَ لَنْ تَستطِيعَ ذلكَ يَوْمَكَ هَذا . أَلا تَرى حَالى وحالَ النَّاسِ ؟ وَلَكِنِ ارْجعْ إِلى أَهْلِكَ فَإِذا سمعْتَ بِي قد ظَهَرْتُ فَأْتِني » قال فَذهبْتُ إِلى أَهْلي ، وَقَدِمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم المَدينَةَ . وكنتُ في أَهْلي . فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حينَ قَدِمَ المدينة حَتَّى قَدِمَ نَفرٌ مِنْ أَهْلي المدينةَ ، فقلتُ : ما فَعَلَ هذا الرَّجُلُ الذي قدِم المدينةَ ؟ فقالوا : النَّاسُ إِليهِ سِراعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُه قَتْلَهُ ، فَلَمْ يَستْطَيِعُوا ذلِكَ ، فَقَدِمتُ المدينَةَ فَدَخَلتُ عليهِ ، فقلتُ : يا رسولَ اللَّه أَتَعرِفُني ؟ قال : «نَعم أَنتَ الَّذي لَقيتنَي بمكةَ » قال : فقلتُ : يا رسول اللَّه أَخْبرني عمَّا عَلَّمكَ اللَّه وَأَجْهَلُهُ، أَخبِرنْي عَنِ الصَّلاَةِ؟ قال : « صَلِّ صَلاَةَ الصُّبحِ ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَرتفَعِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حين تطلع بَيْنَ قَرْنَي شَيْطَانٍ ، وَحِينئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكفَّارُ ، ثُمَّ صَل ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ مشهودة محضورة . حتى يستقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمحِ ، ثُمَّ اقْصُر عن الصَّلاةِ، فإِنه حينئذٍ تُسجَرُ جَهَنَّمُ ، فإِذا أَقبلَ الفَيء فصَلِّ ، فإِنَّ الصَّلاةَ مَشهودةٌ محضورة حتى تُصَلِّيَ العصرَ ثم اقْصُر عن الصلاةِ حتى تَغْرُبَ الشمسُ ، فإِنها تُغرُبُ بين قَرنيْ شيطانٍ ، وحينئذٍ يَسْجُدُ لها الكُفَّارُ » .
قال : فقلت : يا نَبِيَّ اللَّه ، فالوضوءُ حدّثني عنه ؟ فقال : « ما منْكُمْ رجُل يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ ، فَيَتَمَضْمضُ ويستنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ ، إِلاَّ خَرَّتْ خطايَا وجههِ وفيهِ وخياشِيمِهِ . ثم إِذا غَسَلَ وجهَهُ كما أَمَرَهُ اللَّه إِلاَّ خرّت خطايا وجهِهِ مِنْ أَطرافِ لحْيَتِهِ مع الماءِ . ثم يغسِل يديهِ إِلى المِرفَقَينِ إِلاَّ خرّت خطايا يديه من أَنامِلِهِ مع الماءِ ، ثم يَمْسحُ رَأْسَهُ ، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ من أَطرافِ شَعْرهِ مع الماءِ ، ثم يَغْسِل قَدَمَيهِ إِلى الكَعْبَيْنِ ، إلاَّ خَرت خطايا رِجْلَيه من أَنَامِلِهِ مَع الماءِ ، فإِن هو قامَ فصلَّى ، فحمِدِ اللَّه تعالى ، وأَثْنَى عليهِ وَمجَّدَهُ بالذي هو له أَهل ،وَفَرَّغَ قلبه للَّه تعالى . إِلا انصَرَفَ من خطيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
فحدّثَ عَمرو بنُ عَبسةَ بهذا الحديثَ أَبَا أُمَامَة صاحِبِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال له أبو أمامة: يا عَمْروُ بن عَبْسَةَ ، انظر ما تقولُ . في مقامٍ واحِدٍ يُعطى هذا الرَّجُلُ ؟ فقال عَمْرو : يا أَبَا أُمامةَ . فقد كِبرَتْ سِنِّي ، ورَقَّ عَظمِي ، وَاقْتَرَبَ أَجَلي ، وما بي حَاجة أَنْ أَكذِبَ على اللَّهِ تعالى ، ولا على رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لو لم أَسْمَعْهُ من رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرْتَيْن أو ثلاثاً ، حَتَّى عَدَّ سبعَ مَراتٍ ، ما حَدَّثتُ أَبداً بِهِ ، ولكنِّي سمِعتُهُ أَكثَرَ من ذلك رواه مسلم .
قوله : « جُرَءَاءُ عليهِ قومُهُ » : هو بجيمٍ مضمومة وبالمد على وزنِ عُلماء ، أَي : جاسِرُونَ مُستَطِيلونَ غيرُ هائِبينَ . هذه الرواية المشهورةُ ، ورواه الحُمَيْدِي وغيرهُ : « حِراء» بكسر الحاءِ المهملة . وقال : معناه غِضَابُ ذُوُو غَمٍّ وهمٍّ ، قد عيلَ صبرُهُمْ بهِ ، حتى أَثَّرَ في أَجسامِهِم ، من قوَلِهم : حَرَىَ جِسمُهُ يَحْرَى، إِذَا نقصَ مِنْ أَلمٍ أَوْ غم ونحوه ، والصَّحيحُ أَنَهُ بالجيمِ .
وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « بين قَرنَي شيطانٍ » أَيْ : ناحيتي رأسهِ . والمرادُ التَّمثِيلُ . معناهُ : أَنه حينئذٍ يَتَحرَّكُ الشَّيطانُ وشيِعتهُ . وَيَتَسَلَّطُونَ .
وقوله : « يُقَرِّبُ وَضُوءَه » معناه : يُحْضِرُ الماءَ الذي يَتَوَضَّأُ بِه. وقوله :« إِلاَّ خَرّتْ خَطاياهُ » هو بالخاءِ المعجمة : أَيْ سقطَت . ورواه بعضُهُم . « جرتْ » بالجيم . والصحيح بالخاءِ ، وهو رواية الجُمهور .
وقوله : « فَيَنْتَثرُ » أَيْ : يَستَخرجُ ما في أَنفه مِنْ أَذَى ، والنَّثرَةُ : طرَفُ الأَنفِ .
439- وعن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «إِذا أَرادَ اللَّه تعالى ، رحمةَ أُمَّةٍ ، قَبضَ نبيَّهَا قَبلَها ، فجعلَهُ لها فَرَطاً وسلَفاً بين يَدَيها ، وإذا أرادُ هَلَكةَ أُمَّةٍ ، عذَّبها ونبيُّهَا حَيُّ ، فَأَهْلَكَهَا وهوَ حَيُّ ينظُرُ ، فَأَقَرَّ عينَهُ بِهلاكها حين كذَّبوهُ وعصَوا أَمْرَهُ » رواه مسلم .
المُعْجَمَةِ ، أَي : غَيْرَ مختُونِينَ .
قال اللَّه تعالى إخباراً عن العبد الصالح: { وأفوض أمري إلى اللَّه إن اللَّه بصير بالعباد، فوقاه اللَّه سيئات ما مكروا } .
440- وعن أبي هريرة ، رضيَ اللَّه عنه ، عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ قال : « قالَ اللَّه ، عَزَّ وَجلَّ ، أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بي ، وأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُني ، وَاللَّهِ للَّهُ أَفْرَحُ بتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يجدُ ضالَّتَهُ بالْفَلاةِ ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً ، تَقرَّبْتُ إِلَيْهُ ذِرَاعاً ، وَمَنْ تَقَرّبَ إِلَيَّ ذِراعاً ، تقَرَّبْتُ إليه بَاعاً ، وإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يمْشي ، أَقبلتُ إلَيه أُهَرْوِلُ » متفقٌ عليه ، وهذا لفظ إحدى رِوايات مسلم .
441- وعن جابِر بن عبدِ اللَّه ، رضي اللَّه عنهما ، أَنَّهُ سَمعَ النَبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَبْلَ موْتِهِ بثلاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ : « لا يموتن أَحَدُكُم إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّه عزَّ وَجَلَّ » رواه مسلم .
442- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « قال اللَّه تعالى :يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعوْتَني وَرَجوْتَني غَفَرْتُ لَكَ عَلى ما كَانَ مِنكَ ولا أُبَالِي ، يا ابن آدمَ ، لَوْ بَلغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ ، ثم اسْتَغْفَرْتَني غَفَرتُ لَكَ ، يَا ابْنَ آدَم ، إِنَّكَ لَو أَتَيْتَني بِقُرابٍ الأَرْضِ خطايا ، ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً ، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » رواه الترمذي . وقال : حديث حسن .
« عَنَانُ السماءِ » بفـتح العين ، قيل : هو مَا عن لَكَ منها ، أي : ظَهَرَ إذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ، وقيلَ : هو السَّحَابُ .
و « قُرابُ الأرض»بضم القاف ، وقيلَ بكسرِها ، والضم أصح وأشهر، وهو:ما يقارِبُ مِلأَهَا ،واللَّه أعلم .
اعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفاً راجياً، ويكون خوفه ورجاؤه سواء، وفي حال المرض يُمَحِّضُ الرجاء. وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة وغير ذلك متظاهرة على ذلك.
قال اللَّه تعالى: { فلا يأمن مكر اللَّه إلا القوم الخاسرون } .
وقال تعالى: { إنه لا ييأس من روح اللَّه إلا القوم الكافرون } .
وقال تعالى: { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } .
وقال تعالى: { إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم } .
وقال تعالى: { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم } .
وقال تعالى: { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية } . والآيات في هذا المعنى كثيرة. فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين أو آيات أو آية.
443- وعن أبي هريرة . رضي اللَّه عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العُقُـوبَةِ . ما طَمِعَ بجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ مَا عِنَد اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، مَا قَنطَ مِنْ جنَّتِهِ أَحَدٌ » رواه مسلم .
444- وعن أبي سَعيد الخدرِيِّ ، رضي اللَّه عَنه ، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إذا وُضِعتِ الجَنَازَةُ واحْتمَلَهَا النَّاسُ أَو الرِّجالُ عَلى أَعْنَاقِهمِ ، فَإِنْ كانَتْ صالِحَةً قالَتْ : قَدِّمُوني قَدِّمُوني ، وَإنْ كانَتْ غَير صالحةٍ ، قالَتْ : يا ويْلَهَا ، أَيْنَ تَذْهَبُونَ بَها ؟ يَسْمَعُ صَوتَها كُلُّ شيءٍ إلاَّ الإِنْسَانُ ، وَلَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ » رواه البخاري .
445- وعن ابن مسعودٍ ، رضي اللَّه عنه ، قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « الجَنَّةُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِه وَالنَّارُ مِثْلُ ذلك » رواه البخاري .
5- باب الخوف
وقال تعالى: { إن بطش ربك لشديد } .
وقال تعالى: { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد،
إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، وما نؤخره إلا لأجل معدود، يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق } .
وقال تعالى: { ويحذركم اللَّه نفسه } .
وقال تعالى: { يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } .
وقال تعالى: { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت،وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللَّه شديد} .
وقال تعالى: { ولمن خاف مقام ربه جنتان } الآيات.
وقال تعالى: { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قالوا: إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن اللَّه علينا ووقانا عذاب السموم، إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم } والآيات في الباب كثيرة جداً معلومات، والغرض الإشارة إلى بعضها وقد حصل.
وأما الأحاديث فكثيرة جداً فنذكر منها طرفاً، وبالله التوفيق:
396- عن ابنِ مسعودٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : حدثنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وهو الصَّادِقُ المصدوقُ : « إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْن أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً نُطْفَةً ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مثْلَ ذلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرَّوحَ ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ : بِكَتْبِ رِزقِةِ ، وَأَجلِهِ ، وَعمَلِهِ ، وَشَقيٌّ أَوْ سعِيدٌ . فَوَ الَّذِي لا إِله غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إِلاَّ ذِراعٌ ، فَيَسْبقُ عَلَيْهِ الْكِتابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْل النَّارِ ، فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيََدْخُلُهَا » متفقٌ عليه .
397- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا » رواه مسلم .
398- وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : سمِعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول: « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيامَة لَرَجُلٌ يُوضَعُ في أَخْمَصِ قَدميْهِ جمْرَتَانِ يغْلي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَا يَرى أَنَّ أَحداً أَشَدُّ مِنْه عَذَاباً ، وَإِنَّه لأَهْونُهُمْ عذَاباً » متفق عليه .
399- وعن سمُرةَ بنِ جُنْدبٍ ، رضي اللَّه عنه ، أَن نبيَّ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ النَّارُ إِلى كَعْبَيهِ ، ومِنْهُمْ منْ تأْخُذُهُ إِلى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ منْ تَأْخُذُهُ إِلى حُجْزتِهِ ، وِمِنْهُمْ منْ تَأْخُذُهُ إِلى تَرْقُوَتِهِ » رواه مسلم .
« الحُجْزَةُ » : مَعْقِدُ الإِزارِ تحْتَ السُّرَّةِ . و « التَّرْقُوَةُ » بفتحِ التاءِ وضم القاف : هِي العظْمُ الذِي عِندَ ثُغْرةِ النَّحْرِ ، وللإِنْسَانِ ترْقُوَتانِ في جَانِبَي النَّحْرِ.
400- وعن ابنِ عمر رضي اللَّه عنهما أن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمِينَ حَتَّى يَغِيب أَحدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلى أَنْصَافِ أُذُنَيه » متفقٌ عليه.
و « الرَّشْحُ » العرَقُ .
401- وعن أَنس ، رضي اللَّه عنه ، قال : خَطَبَنَا رَسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، خُطْبَةً ما سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ ، فقال : « لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قلِيلا ولبَكيْتمْ كَثِيراً» فَغَطَّى أَصْحابُ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وجُوهَهمْ ، وَلهُمْ خَنينٌ . متفقٌ عليه .
وفي رواية : بَلَغَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ أَصْحابِهِ شَيءٌ فَخَطَبَ ، فقال : « عُرضَتْ عَلَيَّ الجنَّةُ والنَّارُ ، فَلَمْ أَر كَاليَوْمِ في الخَيْر وَالشَّرِّ ، ولَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعلَمُ لَضحِكْتُمْ قلِيلاً ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً »فَما أتَى عَلَى أَصْحَابِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ غَطَّوْا رُؤُسهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ .
« الخَنِينُ » بِالخاءِ المعجمة : هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّةٍ وَانْتِشَاقُ الصَّوتِ مِنَ الأَنْفِ .
402- وعن المِقْدَاد ، رضيَ اللَّه عنه ، قال : سَمِعْتُ رسولَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « تُدْني الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيل » قَالَ سُلَيمُ بْنُ عَامرٍ الرَّاوي عنْ المِقْدَاد : فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي ما يَعْني بِالميلِ ، أَمَسَافَةَ الأَرضِ أَمِ المِيل الَّذي تُكْتَحَلُ بِهِ العيْنُ« فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمالِهمْ في العَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ ، ومِنْهُمْ منْ يَكون إِلى حِقْوَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلجاماً » وَأَشَارَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِيدِهِ إِلى فِيه . رواه مسلم .
403- وعن أبي هريرة ، رضيَ اللَّه عنه ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يذْهَب عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعاً ، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ » متفقٌ عليه .
ومعنى « يَذْهَبُ في الأَرْضِ » : ينزِل ويغوص .
404- وعنه قال : كنا مع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذ سَمِعَ وَجْبَةً فقال :« هَلْ تَدْرُونَ ما هذا؟»قُلْنَا : اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قال :هذا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَريفاً فَهُوَ يهْوِي في النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلى قَعْرِهَا ، فَسَمِعْتُمْ وجْبَتَهَا» رواه مسلم .
405- وعن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمنَ مِنْهُ ، فَلا يَرَى إِلاَّ ما قَدَّمَ ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينْظُرُ بيْنَ يَدَيهِ ، فَلا يَرَى إِلاَّ النَّارِ تِلْقَاءَ وَجهِهِ، فاتَّقُوا النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ » متفقٌ عليه .
406- وعن أبي ذَرٍّ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنِّي أَرى مالا تَرَوْنَ ، أَطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا موْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ واضِعٌ جبهتهُ ساجِداً للَّهِ تَعَالى ، واللَّه لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ ، لضَحِكْتمْ قَلِيلاً ، وَلَبكَيْتُمْ كَثِيراً ، وما تَلَذَّذتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرجْتُمْ إِلى الصُّعُداتِ تَجْأَرُون إِلى اللَّه تَعَالَى » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسن .
وَ « أَطَّتْ » بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ، وَتَئِطُّ » بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة ، والأَطِيطُ : صَوْتُ الرَّحلِ وَالْقَتَبِ وشِبْهِهِمَا ، ومعْناهُ : أَنَّ كَثْرَةَ مَنْ في السَّماءِ مِنَ المَلائِكَةِ الْعابِدينَ قَدْ أَثْقَلَتْهَا حَتَّى أَطَّتْ .
وَ « الصُّعُدَاتِ » بضم الصاد والعين : الطُّرُقَاتُ ، ومعنى « تَجأَرُونَ » : تَسْتَغِيثُونَ .
407- وعن أبي بَرْزَة بِراءٍ ثم زايٍ نَضْلَةَ بنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تَزُولُ قَدمَا عبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيم فَعَلَ فِيهِ ، وعَنْ مالِهِ منْ أَيْنَ اكْتَسبهُ ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
408- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، قال : قرأَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : { يوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَهَا } ثم قال : « أَتَدْرُونَ مَا أَخَبَارُهَا ؟ » قالوا : اللَّهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ . قال :«فَإِنَّ أَخْبَارَها أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا ، تَقُولُ : عَمِلْتَ كَذَا وكذَا في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا ، فهَذِهِ أَخْبَارُهَا » رواه التِّرْمِذِي وقال : حديثٌ حسنٌ .
409- وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ » فَكَأَنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلى أَصْحَابِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالَ لَهُمْ :« قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوكِيلُ » رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ .
« الْقَرْنُ » : هُوَ الصُّورُ الَّذِي قال اللَّه تعالى : { وَنُفِخَ في الصُّورِ } كَذَا فَسَّرَهُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم .
410- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ ، بَلَغَ المَنْزلَ ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ» رواه الترمذي وقال :حديثٌ حسنٌ .
و « أَدْلَجَ » بِإِسْكان الدَّال ، ومعناه : سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ، وَالمُرَادُ : التَّشْمِيرُ في الطَّاعَة . واللَّه أعلم .
411- وعن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالت : سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يقول : «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُراةً غُرْلاً » قُلْتُ : يا رسول اللَّه الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعاً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ،؟ قال :« يا عَائِشَةُ الأَمرُ أَشَدُّ من أَنْ يُهِمَّهُم ذلكَ » .
وفي روايةٍ : « الأَمْرُ أَهَمُّ مِن أَن يَنْظُرَ بَعضُهُمْ إِلى بَعْضٍ » متفقٌ عليه . « غُرلاً » بضَمِّ الغَيْنِ
51- باب الرجاء
قال اللَّه تعالى :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه إن اللَّه يغف الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم } .
وقال تعالى: { وهل نجازي إلا الكفور } .
وقال تعالى: { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى } .
وقال تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء } .
412- وعن عُبادَة بنِ الصامِتِ ، رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « منْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وأَنَّ مُحمَّداً عبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وأَنَّ عِيسى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلى ما كانَ مِنَ العمَلِ » متفقٌ عليه .
وفي رواية لمسلم : « مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسُولُ اللَّهِ ، حَرَّمَ اللَّهُ علَيهِ النَّارَ » .
413- وعن أبي ذَرٍّ ، رضيَ اللَّهُ عنه ، قال : قال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يقولُ اللَّهُ عزَّ وجَلّ: مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها أَوْ أَزْيَدُ ، ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ، فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ . وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً ، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً ، ومنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذرَاعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً، وَمَنْ أَتاني يمشي ، أَتَيْتُهُ هَرْولَةً ، وَمَنْ لَقِيَني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بمثْلِها مغْفِرَةً » رواه مسلم.
معنى الحديث : « مَنْ تَقَرَّبَ » إِلَيَّ بِطاعَتي « تَقَرَّبْتُ » إِلَيْهِ بِرحْمَتي ، وإِنْ زَادَ زِدْتُ، «فَإِنْ أَتاني يَمشي » وَأَسْرَعَ في طاعَتي « أَتَيْتُه هَرْوَلَةً » أَيْ : صَبَبْبُ علَيْهِ الرَّحْمَة ، وَسَبَقْتهُ بها ، ولَمْ أُحْوِجْهُ إِلى المَشْيِ الْكَثِيرِ في الوُصُولِ إِلى المَقْصُودِ ، « وَقُرَابُ الأَرْضِ» بضمِّ القافِ ويُقال بكسرها ، والضمّ أَصحّ ، وأَشهر ، ومعناه : ما يُقارِبُ مِلأَها ، واللَّه أعلم .
414- وعن جابر ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ ، ما المُوجِبَتانِ ؟ فَقَالَ : « مَنْ مَات لاَ يُشرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ ماتَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، دَخَلَ النَّارَ » رواه مُسلم .
415- وَعن أَنسٍ ، رضي اللَّهُ عنه ، أَنَّ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَمُعَاذٌ ردِيفُهُ عَلى الرَّحْلِ قَالَ : «يا مُعاذُ » قال : لَبيَّيْكَ يا رسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، قالَ : « يا مُعَاذُ » قالَ : لَبَّيكَ يارَسُول اللَّهِ وَسَعْديْكَ . قالَ : « يَا مُعاذُ » قال : لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْديكَ ثلاثاً ، قالَ : « ما مِن عَبدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صِدْقاً مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ على النَّارِ » قالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُخْبِرُ بِها النَّاسَ فيستبشروا ؟ قال : «إِذاً يَتَّكلُوا » فَأَخْبرَ بها مُعَـاذٌ عِنْد مَوْتِهِ تَأَثُّماً . متفقٌ عليه .
وقوله : « تَأَثماً » أَيْ : خَوْفاً مِنَ الإِثمِ في كَتْمِ هذا العِلْمِ .
416- وعنْ أبي هريرة أَوْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنهما : شَك الرَّاوِي ، وَلاَ يَضُرُّ الشَّكُّ في عَينِ الصَّحابي ، لأَنهم كُلُّهُمْ عُدُولٌ ، قال : لما كان يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَصابَ الناسَ مَجَاعَةٌ ، فَقالُوا : يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنا ، فَأَكلْنَا وَادَّهَنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « افْعَلُوا » فَجَاءَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنهُ ، فقالَ : يا رَسولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ ، وَلَكِنْ ادْعُهُمْ بفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُ اللَّهِ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَجْعَلَ في ذلكَ البَرَكَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « نَعَمْ» فَدَعَا بِنِطْعٍ فَبَسَطهُ ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزَاوَدِهِمْ ، فَجعلَ الرَّجُلُ يجيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ ويجيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ ، ويجيءُ الآخَرُ بِكِسرَةٍ حَتى اجْتَمَعَ عَلى النِّطْعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ ، فَدَعَا رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِالبَرَكَةِ ، ثُمَّ قالَ « خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ ، فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حتى ما تركُوا في العَسْكَرِ وِعاء إِلاَّ مَلأوهُ ، وأَكَلُوا حَتَّى شَبعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ ، فقالَ رَسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَلْقَى اللَّه بهما عَبْدٌ غَيْرُ شاكٍّ ، فَيُحْجبَ عَنِ الجَنَّةِ» رواهُ مسلم .
417- وَعَنْ عِتْبَانَ بنِ مالكٍ ، رضي اللَّه عنه ، وهو مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً ، قال : كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمي بَني سالمٍ ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْني وَبينهُم وادٍ إِذَا جاءَتِ الأَمطارُ ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ ، فَجئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقلتُ له : إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي ، وَإِنَّ الوَادِيَ الَّذِي بيْني وَبَيْنَ قَوْمي يسِيلُ إِذَا جَاءَت الأَمْطارُ ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيازُهُ ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتي ، فَتُصَليِّ في بَيْتي مَكاناً أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فقال رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « سأَفْعَلُ » فَغَدا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ، رضي اللَّهُ عنه ، بَعْدَ ما اشْتَدَّ النَّهَارُ ، وَاسْتَأْذَنَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأَذِنْتُ لهُ ، فَلَمْ يَجْلِسْ حتى قالَ : « أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ ؟ » فَأَشَرْتُ لهُ إِلى المَكَانِ الَّذِي أُحبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فيه ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَراءَهُ ، فَصَلَّى رَكَعَتَيْن ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ ، فَحَبَسْتُهُ علَى خَزيرة تُصْنَعُ لَهُ ، فَسَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في بَيْتي ، فَثَابَ رِجَالٌ منهمْ حتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ في البَيْتِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : مَا فَعَلَ مَالِكٌ لا أَرَاهُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : ذلك مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّه ورَسُولَهُ ، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم « لاَ تَقُلْ ذَلِكَ أَلاَ تَراهُ قالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعالى ؟،» . فَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ ما نَرَى وُدَّهُ ، وَلاَ حَديثَهُ إِلاَّ إِلى المُنَافِقينَ ، فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « فَإِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ على النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهِ اللَّهِ » متفقٌ عليه .
و « عِتْبَانِ » بكسر العين المهملة ، وإِسكان التاءِ المُثَنَّاةِ فَوْقُ وبَعْدهَا باءٌ مُوَحَّدَةٌ . و «الخَزِيرَةُ » بالخاءِ المُعْجمةِ ، وَالزَّاي : هِي دقِيقٌ يُطْبَخُ بِشَحْمٍ وقوله : « ثابَ رِجالٌ » بالثَّاءِ المِثَلَّثَةِ ، أَيْ : جَاءوا وَاجْتَمعُوا .
418- وعن عمرَ بنِ الخطاب ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسَبْي فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى ، إِذْ وَجَدتْ صبيًّا في السبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها ، فَأَرْضَعَتْهُ ، فقال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ . فَقَالَ : «للَّهُ أَرْحمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِولَدِهَا » متفقٌ عليه.
419- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لما خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ ، كَتَبَ في كِتَابٍ ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ : إِنَّ رَحْمتي تَغْلِبُ غَضَبِي » .
وفي روايةٍ : « غَلَبَتْ غَضَبِي » وفي روايةٍ « سَبَقَتْ غَضَبِي » متفقٌ عليه .
420- وعنه قال : سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءَا واحِداً ، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَراحمُ الخَلائِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ ولَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ » .
وفي روايةٍ : « إِنَّ للَّهِ تَعَالى مائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجِنِّ والإِنْسِ وَالبَهَائمِ وَالهَوامِّ ، فَبهَا يَتَعاطَفُونَ ، وبها يَتَراحَمُونَ ، وَبها تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلى وَلَدهَا ، وَأَخَّرَ اللَّهُ تَعالى تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بها عِبَادهُ يَوْمَ القِيَامَةِ » متفقٌ عليه .
ورواهُ مسلم أَيضاً من روايةِ سَلْمَانَ الفَارِسيِّ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ للَّهِ تَعَالَى ماِئَةَ رَحْمَةٍ فَمِنْها رَحْمَةٌ يَتَراحَمُ بها الخَلْقُ بَيْنَهُمْ، وَتِسْع وَتِسْعُونَ لِيَوْم القِيامَةِ » .
وفي رواية « إِنَّ اللَّه تعالى خَلَقَ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلى الأَرْضِ ، فَجَعَلَ مِنها في الأَرْضِ رَحْمَةً فَبِها تَعْطِفُ الوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُها عَلَى بَعْضٍ فَإِذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ ، أَكْمَلَها بهِذِهِ الرَّحْمَةِ » .
421- وعنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . فِيمَا يَحكِى عَن ربِّهِ ، تَبَارَكَ وَتَعَالى ، قال : « أَذنَب عبْدٌ ذَنباً ، فقالَ : اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ذَنبي ، فقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى : أَذَنَبَ عبدِي ذنباً ، فَعلِم أَنَّ لَهُ ربًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذَنَبَ، فقال : أَيْ ربِّ اغفِرْ لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : أَذنبَ عبدِي ذَنباً ، فَعَلَمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ ، وَيَأخُذُ بِالذنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذنَبَ ، فقال : أَي رَبِّ اغفِرْ لي ذَنبي ، فقال تَبَارَكَ وَتَعَالى : أَذنَبَ عَبدِي ذَنباً ، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنبَ ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ ، قدَ غَفَرْتُ لِعبدي .. فَلْيَفعَلْ ما شَاءَ » متفقٌ عليه.
وقـوله تعالى : « فَلْيَفْعلْ ما شَاءَ » أَي : مَا دَامَ يَفْعَلُ هَكَذا ، يُذْنِبُ وَيتُوبُ أَغْفِرُ لَهُ ، فإِنَّ التَّوبَةَ تَهِدِمُ ما قَبْلَهَا .
422- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذنِبُوا ، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَجَاءَ بِقوم يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّه تعالى ، فيَغْفرُ لَهُمْ رواه مسلم .
423- وعن أبي أَيُّوبَ خَالِدِ بنِ زيد، رضي اللَّه عنه قال: سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: « لَوْلا أَنَّكُمْ تُذنبُونَ ، لخَلَقَ اللَّهُ خَلقاً يُذنِبونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ » رواه مسلم .
424- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، قال : كُنَّا قُعوداً مَع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، مَعَنا أَبُو بكْر وَعُمَرُ ، رضي اللَّه عنهما في نَفَرٍ ، فَقَامَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ بَيْن أَظْهُرنَا ، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، فَخَشَينا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا ، فَفَزَعْنا ، فَقُمْنَا ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزعَ ، فَخَرجتُ أَبْتَغِي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، حَتَّى أَتَيتُ حَائِطاً لِلأَنْصَارِ وَذَكَرَ الحديث بطُوله إِلى قوله : فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اذْهَبْ فَمَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إلاَّ اللَّه ، مُسْتَيقِناً بهَا قَلَبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ » رواه مسلم .
425- وعن عبد اللَّه بن عَمْرو بن العاص ، رضي اللَّه عنهما ، أَن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تَلا قَوَل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في إِبراهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْللْنَ كَثيراً مِنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنِّي} [ إبراهيم : 36 ] ، وَقَوْلَ عيسى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : {إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} [ المائدة : 118 ] ، فَرَفَعَ يَدَيْه وقال « اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى ، فقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : « يا جبريلُ اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ،فسلْهُ مَا يُبكِيهِ ؟ » فَأَتَاهُ جبرِيلُ فَأَخبَرَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَا قال:وَهُو أَعْلَمُ ، فقال اللَّهُ تعالى: { يا جِبريلُ اذهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ : إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ } رواه مسلم .
426- وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال كُنتُ رِدْفَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على حِمارٍ فقال : « يَا مُعَاذُ هَل تَدري مَا حَقُّ اللَّه عَلى عِبَادِهِ ، ومَا حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللَّه ؟ قلت : اللَهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قال : « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعْبُدُوه ، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَحقَّ العِبادِ عَلى اللَّهِ أَنْ لا يُعَدِّبَ مَنْ لا يُشِركُ بِهِ شَيْئاً ، فقلت : يا رسولُ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قال : « لا تُبَشِّرْهُم فَيَتَّكِلُوا » متفقٌ عليه .
427- وعن البَرَاءِ بنِ عازبٍ ، رضي اللَّه عنهما ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ في القَبرِ يَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّه ، فذلك قولهُ تعالى : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْل الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيَا وفي الآخِرَةِ } [ إبراهيم : 27 ] متفقٌ عليه .
428- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّهُ عنه عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً ، أُطعِمَ بِهَا طُعمَةً مِنَ الدُّنيَا ، وَأَمَّا المُؤمِن ، فَإِنَّ اللَّه تعـالى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقاً في الدُّنْيَا عَلى طَاعَتِهِ » .
وفي روايةٍ : « إِنَّ اللَّه لا يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا ، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَة، وَأَمَّا الْكَافِرُ ، فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للَّهِ تعالى ، في الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلى الآخِرَة ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا » رواه مسلم .
429- وعن جابرٍ ، رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ » رواه مسلم.
« الْغَمْرُ » الْكَثِيرُ .
430- وعن ابنِ عباسٍ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنازتِه أَرَبَعُونَ رَجُلاً لا يُشرِكُونَ بِاللَّهِ شَيئاً إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فيه»رواه مسلم .
431- وعن ابنِ مسعودٍ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : كُنَّا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في قُبَّةٍ نَحواً مِنْ أَرَبعِينَ ، فقال : « أَتَرضَونَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ » قُلْنَا: نَعَم ، قال : «أَتَرضَونَ أَن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ » قُلْنَا : نَعَم ، قال: « وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرجُو أَنْ تَكُونُوا نِصفَ أَهْلِ الجَنَّة ، وَذَلِك أَنَّ الجَنَّةَ لا يَدخُلُهَا إِلاَّ نَفسٌ مُسلِمَةٌ ، وَمَا أَنتُمْ في أَهْلِ الشِّركِ إِلاَّ كََالشَّعرَةِ البَيَضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسودِ ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَحْمَرِ » متفقٌ عليه.
432- وعن أبي موسى الأَشعري ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ دَفَعَ اللَّهُ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُوديًّا أو نَصْرَانِيّآً فَيَقُولُ : هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ» .
وفي رواية عنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمِين بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الجبَالِ يَغفِرُهَا اللَّهُ لهمُ » رواه مسلم .
قوله : « دَفَعَ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يهودِيًّا أَوْ نَصرانِياً فَيَقُولُ : هَذا فكَاكُكَ مِنَ النَّارِ » معْنَاهُ مَا جَاءَ في حديث أبي هريرة ، رضي اللَّهُ عنهُ : « لِكُلِّ أَحَدٍ مَنزِلٌ في الجَنَّةِ ، ومَنزِلٌ في النَّارِ، فالمُؤْمِن إِذَا دَخَلَ الجنَّةَ خَلَفَهُ الكَافِرُ في النَّارِ ، لأَنَّهُ مُسْتَحِق لذلكَ بكُفْرِه » وَمَعنى «فكَاكُكَ » : أَنَّكَ كُنْتَ مُعَرَّضاً لِدُخُولِ النَّارِ ، وَهَذا فِكَاكُكَ ، لأَنَّ اللَّه تعالى قَدَّرَ لِلنَّارِ عدَداً يَمْلَؤُهَا ، فإِذا دَخَلَهَا الكُفَّارُ بِذُنُوبِهمْ وَكُفْرِهِمْ ، صَارُوا في مَعنى الفِكَاك لِلمُسلِمِينَ . واللَّه أَعلم .
433- وعن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال : سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « يُدْنَى المُؤْمِنُ يَومَ القِيَامَةِ مِنُ رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيهِ ، فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِه ، فيقولُ: أَتَعرفُ ذنبَ كَذا؟ أَتَعرفُ ذَنبَ كَذَا ؟ فيقول : رَبِّ أَعْرِفُ ، قال : فَإِنِّي قَد سَتَرتُهَا عَلَيكَ في الدُّنيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ ، فَيُعطَى صَحِيفَةَ حسَنَاته » متفقٌ عليه .
كَنَفُهُ : سَتْرُهُ وَرَحْمَتُهُ .
434- وعن ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَة ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأَخبره ، فأَنزل اللَّهُ تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرََفي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ الَّليْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } [ هود : 114 ] فقال الرجل : أَلي هذا يا رسولَ اللَّه ؟ قال : «لجَميعِ أُمَّتي كُلهِمْ » متفقٌ عليه .
435- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : يا رسولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حدّاً ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، وَحَضَرتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا قَضَى الصَّلاة قال : يا رسول اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حدًّا ، فأَقِمْ فيَّ كتَابَ اللَّهِ ، قال : « هَلْ حَضَرْتَ مَعَنَا الصَّلاَةَ ؟ » قال : نَعم : قال«قد غُفِرَ لَكَ » متفقٌ عليه .
وقوله : « أَصَبْتُ حَدًّا » معناه : مَعْصِيَةً تُوجِبُ التَّعْزير ، وَليس المُرَادُ الحَدَّ الشَّرْعِيَّ الْحقيقيَّ كَحَدِّ الزِّنَا والخمر وَغَيْرِهمَا ، فَإِنَّ هَذِهِ الحُدودَ لا تَسْقُطُ بِالصلاةِ، ولا يجوزُ للإمام تَرْكُهَا .
436- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ اللَّه لَيَرضي عن الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكلَةَ، فَيحْمَدُهُ عليها ، أَوْ يَشْربَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمدُهُ عَليها » رواه مسلم.
« الأَكْلَةُ » بفتح الهمزة وهي المرَّةُ الواحدةُ مِنَ الأَكلِ كَالْغَدْوةِ والْعَشْوَةِ ، واللَّه أعلم .
437- وعن أبي موسى ، رضي اللَّه عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال : « إِنَّ اللَّه تعالى، بَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيلِ لَيَتُوبَ مُسيِءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدهُ بِالنَّهارِ ليَتُوبَ مُسيءُ اللَّيلِ حتى تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبَها » رواه مسلم .
438- وعن أبي نجيحٍ عَمرو بن عَبْسَةَ بفتح العين والباءِ السُّلَمِيِّ ، رضي اللَّه عنه قال : كنتُ وَأَنَا في الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلى ضَلالَةٍ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا على شيءٍ ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَاراً ، فَقَعَدْتُ عَلى رَاحِلَتي ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُسْتَخْفِياً جُرَءَاءُ عليهِ قَوْمُهُ ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّة ، فَقُلْتُ له : ما أَنَتَ ؟ قال : « أَنا نَبي » قلتُ : وما نبي ؟ قال : « أَرْسَلِني اللَّه » قلت: وبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسلَكَ ؟ قال : « أَرْسَلني بِصِلَةِ الأَرْحامِ ، وكسرِ الأَوْثان ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّه لايُشْرَكُ بِهِ شَيْء » قلت : فَمنْ مَعَكَ عَلى هَذا ؟ قال : « حُر وَعَبْدٌ » ومعهُ يوْمَئِذٍ أَبو بكر وبلالٌ رضي اللَّه عنهما . قلت : إِنِّي مُتَّبعُكَ ، قال إِنَّكَ لَنْ تَستطِيعَ ذلكَ يَوْمَكَ هَذا . أَلا تَرى حَالى وحالَ النَّاسِ ؟ وَلَكِنِ ارْجعْ إِلى أَهْلِكَ فَإِذا سمعْتَ بِي قد ظَهَرْتُ فَأْتِني » قال فَذهبْتُ إِلى أَهْلي ، وَقَدِمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم المَدينَةَ . وكنتُ في أَهْلي . فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حينَ قَدِمَ المدينة حَتَّى قَدِمَ نَفرٌ مِنْ أَهْلي المدينةَ ، فقلتُ : ما فَعَلَ هذا الرَّجُلُ الذي قدِم المدينةَ ؟ فقالوا : النَّاسُ إِليهِ سِراعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُه قَتْلَهُ ، فَلَمْ يَستْطَيِعُوا ذلِكَ ، فَقَدِمتُ المدينَةَ فَدَخَلتُ عليهِ ، فقلتُ : يا رسولَ اللَّه أَتَعرِفُني ؟ قال : «نَعم أَنتَ الَّذي لَقيتنَي بمكةَ » قال : فقلتُ : يا رسول اللَّه أَخْبرني عمَّا عَلَّمكَ اللَّه وَأَجْهَلُهُ، أَخبِرنْي عَنِ الصَّلاَةِ؟ قال : « صَلِّ صَلاَةَ الصُّبحِ ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَرتفَعِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حين تطلع بَيْنَ قَرْنَي شَيْطَانٍ ، وَحِينئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكفَّارُ ، ثُمَّ صَل ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ مشهودة محضورة . حتى يستقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمحِ ، ثُمَّ اقْصُر عن الصَّلاةِ، فإِنه حينئذٍ تُسجَرُ جَهَنَّمُ ، فإِذا أَقبلَ الفَيء فصَلِّ ، فإِنَّ الصَّلاةَ مَشهودةٌ محضورة حتى تُصَلِّيَ العصرَ ثم اقْصُر عن الصلاةِ حتى تَغْرُبَ الشمسُ ، فإِنها تُغرُبُ بين قَرنيْ شيطانٍ ، وحينئذٍ يَسْجُدُ لها الكُفَّارُ » .
قال : فقلت : يا نَبِيَّ اللَّه ، فالوضوءُ حدّثني عنه ؟ فقال : « ما منْكُمْ رجُل يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ ، فَيَتَمَضْمضُ ويستنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ ، إِلاَّ خَرَّتْ خطايَا وجههِ وفيهِ وخياشِيمِهِ . ثم إِذا غَسَلَ وجهَهُ كما أَمَرَهُ اللَّه إِلاَّ خرّت خطايا وجهِهِ مِنْ أَطرافِ لحْيَتِهِ مع الماءِ . ثم يغسِل يديهِ إِلى المِرفَقَينِ إِلاَّ خرّت خطايا يديه من أَنامِلِهِ مع الماءِ ، ثم يَمْسحُ رَأْسَهُ ، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ من أَطرافِ شَعْرهِ مع الماءِ ، ثم يَغْسِل قَدَمَيهِ إِلى الكَعْبَيْنِ ، إلاَّ خَرت خطايا رِجْلَيه من أَنَامِلِهِ مَع الماءِ ، فإِن هو قامَ فصلَّى ، فحمِدِ اللَّه تعالى ، وأَثْنَى عليهِ وَمجَّدَهُ بالذي هو له أَهل ،وَفَرَّغَ قلبه للَّه تعالى . إِلا انصَرَفَ من خطيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
فحدّثَ عَمرو بنُ عَبسةَ بهذا الحديثَ أَبَا أُمَامَة صاحِبِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال له أبو أمامة: يا عَمْروُ بن عَبْسَةَ ، انظر ما تقولُ . في مقامٍ واحِدٍ يُعطى هذا الرَّجُلُ ؟ فقال عَمْرو : يا أَبَا أُمامةَ . فقد كِبرَتْ سِنِّي ، ورَقَّ عَظمِي ، وَاقْتَرَبَ أَجَلي ، وما بي حَاجة أَنْ أَكذِبَ على اللَّهِ تعالى ، ولا على رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لو لم أَسْمَعْهُ من رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرْتَيْن أو ثلاثاً ، حَتَّى عَدَّ سبعَ مَراتٍ ، ما حَدَّثتُ أَبداً بِهِ ، ولكنِّي سمِعتُهُ أَكثَرَ من ذلك رواه مسلم .
قوله : « جُرَءَاءُ عليهِ قومُهُ » : هو بجيمٍ مضمومة وبالمد على وزنِ عُلماء ، أَي : جاسِرُونَ مُستَطِيلونَ غيرُ هائِبينَ . هذه الرواية المشهورةُ ، ورواه الحُمَيْدِي وغيرهُ : « حِراء» بكسر الحاءِ المهملة . وقال : معناه غِضَابُ ذُوُو غَمٍّ وهمٍّ ، قد عيلَ صبرُهُمْ بهِ ، حتى أَثَّرَ في أَجسامِهِم ، من قوَلِهم : حَرَىَ جِسمُهُ يَحْرَى، إِذَا نقصَ مِنْ أَلمٍ أَوْ غم ونحوه ، والصَّحيحُ أَنَهُ بالجيمِ .
وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « بين قَرنَي شيطانٍ » أَيْ : ناحيتي رأسهِ . والمرادُ التَّمثِيلُ . معناهُ : أَنه حينئذٍ يَتَحرَّكُ الشَّيطانُ وشيِعتهُ . وَيَتَسَلَّطُونَ .
وقوله : « يُقَرِّبُ وَضُوءَه » معناه : يُحْضِرُ الماءَ الذي يَتَوَضَّأُ بِه. وقوله :« إِلاَّ خَرّتْ خَطاياهُ » هو بالخاءِ المعجمة : أَيْ سقطَت . ورواه بعضُهُم . « جرتْ » بالجيم . والصحيح بالخاءِ ، وهو رواية الجُمهور .
وقوله : « فَيَنْتَثرُ » أَيْ : يَستَخرجُ ما في أَنفه مِنْ أَذَى ، والنَّثرَةُ : طرَفُ الأَنفِ .
439- وعن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «إِذا أَرادَ اللَّه تعالى ، رحمةَ أُمَّةٍ ، قَبضَ نبيَّهَا قَبلَها ، فجعلَهُ لها فَرَطاً وسلَفاً بين يَدَيها ، وإذا أرادُ هَلَكةَ أُمَّةٍ ، عذَّبها ونبيُّهَا حَيُّ ، فَأَهْلَكَهَا وهوَ حَيُّ ينظُرُ ، فَأَقَرَّ عينَهُ بِهلاكها حين كذَّبوهُ وعصَوا أَمْرَهُ » رواه مسلم .
المُعْجَمَةِ ، أَي : غَيْرَ مختُونِينَ .
52- باب فضل الرجاء
440- وعن أبي هريرة ، رضيَ اللَّه عنه ، عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ قال : « قالَ اللَّه ، عَزَّ وَجلَّ ، أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بي ، وأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُني ، وَاللَّهِ للَّهُ أَفْرَحُ بتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يجدُ ضالَّتَهُ بالْفَلاةِ ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً ، تَقرَّبْتُ إِلَيْهُ ذِرَاعاً ، وَمَنْ تَقَرّبَ إِلَيَّ ذِراعاً ، تقَرَّبْتُ إليه بَاعاً ، وإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يمْشي ، أَقبلتُ إلَيه أُهَرْوِلُ » متفقٌ عليه ، وهذا لفظ إحدى رِوايات مسلم .
441- وعن جابِر بن عبدِ اللَّه ، رضي اللَّه عنهما ، أَنَّهُ سَمعَ النَبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَبْلَ موْتِهِ بثلاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ : « لا يموتن أَحَدُكُم إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّه عزَّ وَجَلَّ » رواه مسلم .
442- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « قال اللَّه تعالى :يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعوْتَني وَرَجوْتَني غَفَرْتُ لَكَ عَلى ما كَانَ مِنكَ ولا أُبَالِي ، يا ابن آدمَ ، لَوْ بَلغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ ، ثم اسْتَغْفَرْتَني غَفَرتُ لَكَ ، يَا ابْنَ آدَم ، إِنَّكَ لَو أَتَيْتَني بِقُرابٍ الأَرْضِ خطايا ، ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً ، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » رواه الترمذي . وقال : حديث حسن .
« عَنَانُ السماءِ » بفـتح العين ، قيل : هو مَا عن لَكَ منها ، أي : ظَهَرَ إذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ، وقيلَ : هو السَّحَابُ .
و « قُرابُ الأرض»بضم القاف ، وقيلَ بكسرِها ، والضم أصح وأشهر، وهو:ما يقارِبُ مِلأَهَا ،واللَّه أعلم .
53- باب الجمع بين الخوف والرجاء
قال اللَّه تعالى: { فلا يأمن مكر اللَّه إلا القوم الخاسرون } .
وقال تعالى: { إنه لا ييأس من روح اللَّه إلا القوم الكافرون } .
وقال تعالى: { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } .
وقال تعالى: { إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم } .
وقال تعالى: { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم } .
وقال تعالى: { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية } . والآيات في هذا المعنى كثيرة. فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين أو آيات أو آية.
443- وعن أبي هريرة . رضي اللَّه عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العُقُـوبَةِ . ما طَمِعَ بجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ مَا عِنَد اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، مَا قَنطَ مِنْ جنَّتِهِ أَحَدٌ » رواه مسلم .
444- وعن أبي سَعيد الخدرِيِّ ، رضي اللَّه عَنه ، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إذا وُضِعتِ الجَنَازَةُ واحْتمَلَهَا النَّاسُ أَو الرِّجالُ عَلى أَعْنَاقِهمِ ، فَإِنْ كانَتْ صالِحَةً قالَتْ : قَدِّمُوني قَدِّمُوني ، وَإنْ كانَتْ غَير صالحةٍ ، قالَتْ : يا ويْلَهَا ، أَيْنَ تَذْهَبُونَ بَها ؟ يَسْمَعُ صَوتَها كُلُّ شيءٍ إلاَّ الإِنْسَانُ ، وَلَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ » رواه البخاري .
445- وعن ابن مسعودٍ ، رضي اللَّه عنه ، قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « الجَنَّةُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِه وَالنَّارُ مِثْلُ ذلك » رواه البخاري .
تعليق