سلك سلفنا الصالح - عليهم رحمة الله - في تربية الأولاد مسلكا حميدا، مبينين للناس ما في نصوص الكتاب والسنة من مسائل في التربية، ولذا نجد في بعض تراجم كتب الحديث ما يؤكد هذا المفهوم، ففي صحيح البخاري مثلا باب عقوق الوالدين من الكبائر، باب تعليم الرجل أمته وأهله، باب حسن العهد من الإيمان، باب لا يسب الرجل والديه، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، باب وضع الصبي في الحجر، باب الوصاة بالجار، وباب ما ينهى عن التحاسد والتدابر.
وفي تصانيفهم المختلفة نجد اللفتات الطيبة في مسألة تربية الأولاد، فيقول مثلا محمد المنبجي في كتاب تسلية أهل المصائب: إن من صبر على تربية الأولاد وأذى بعض الزوجات، كان له الدرجات العاليات، فإنه ليس كل زوجة وولد منهم أذى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قال تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُواًّ لَّكُمْ فَاحْذَرُوَهُمْ ] ( التغابن: 14 ) فإن من هنا للتبعيض باتفاق الناس، والمعنى: إن من الأزواج والأولاد عدوا، ليس المراد أن كل زوج وولد عدو، فإن هذا ليس هو مدلول اللفظ، وهو باطل في نفسه، فإنه سبحانه وتعالى قد قال عن عباد الرحمن: إنهم يقولون [ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ] ( الفرقان: 74 ) فسألوا الله أن يهب لهم من أزواجهم وأولادهم قرة أعين، فلو كان كل زوج وولد عدوا، لم يكن فيهم قرة أعين، فإن العدو لا يكون قرة عين، بل سخنة عين.
وأيضا، فإنه من المعلوم أن إسماعيل و إسحاق ابني إبراهيم، و يحيى بن زكريا وأمثالهم ليسوا أعداء.
فمن هذا المنطلق أجادت مجلة الجندي المسلم كعادتها، في طرح ملف يخص تربية الأولاد، ويسعدني أن أكون أحد المشاركين في هذا العدد بموضوع محاذير في التربية.
فمن ضمن هذه المحاذير:
1- التسمية بغير الأسماء الإسلامية، أو ذات معان تحمل الليونة أو الخشونة:
الاسم يعتبر شعار ما سمي به، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الله سبحانه بحكمته في قضائه وقدره يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها لتناسب حكمته تعالى بين اللفظ ومعناه، كما تناسب بين الأسباب ومسبباتها.
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: " غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله " قال النووي: " وأسلم سالمها الله " قال العلماء: من المسالمة وترك الحرب، فكأنه دعا لهم بأن يصنع الله بهم ما يوافقهم، فيكون سالمها بمعنى سلمها، شرح صحيح مسلم للنووي.
وقال الشاعر:
قلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
وأفضل الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، كما في الحديث: " أحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن" رواه مسلم / 2132 فينبغي اختيار الأسماء المعبدة لله تعالى، أو أسماء الصالحين من الأنبياء والصحابة والتابعين، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: " ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ". رواه البخاري ومسلم / 2145. تيمنا بنبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذه من سنن الأنبياء والصالحين كما في حديث المغيرة بن شعبة قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران قال: فقالوا: أرأيت ما تقرؤون: يا أخت هرون وموسى قبل عيسى بكذا وبكذا. قال: فرجعت فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم " ولو نظرت في أسماء بعض المسلمين والمسلمات لهالك العجب، فقد اختلطت المفاهيم فيسمى بأسماء وثنية أو شركية أو نصرانية أو ملاحدة، وبعض أسماء البنات تحمل معاني لا تليق بالفتاة المسلمة فتتسمى بأسماء لا ترتبط بالإسلام من قريب أو بعيد، والتسمي باسم علم مشهور يدل على محبته، ويحشر المرء مع من أحب، فمن محاذير التربية أن يختار ولي الولد اسما لا يتفق مع مبادئ دينه.
2- الدعاء على الأولاد:
يفور القلب غضبا من تصرفات تصدر من بعض الأولاد، فيصدر أحد الوالدين دعاء عليهم، وهذا مخالف لهدي نبينا صلى الله عليه وسلم القائل: " لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم " رواه مسلم / 3006، وكم هي الحالات التي يتعثر فيها نصيب الأولاد في مسيرة حياتهم كلها بسبب دعوة أحد الوالدين، فدعوة الوالد على ولده من الدعوات المستجابة ومنهج الأنبياء عليهم السلام كانت الدعوة لأبنائهم كما قال تعالى: [ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ] ( إبراهيم: 40 ).
3- إفضاء الزوج إلى زوجته بما أباح الله لهما أمام أنظار الصغار:
ثبت في خلق الله تعالى لبني آدم أن الله أوجد فيهم ذاكرتين، الأولى: من سنيه الأولى وحتى البلوغ، والثانية من البلوغ حتى يرد إلى أرذل العمر، أما الذاكرة الأولى، فهي لا تقبل النسخ وتستقر في ذاكرته، وأما الثانية فتقبل النسخ والنسيان، ويلاحظ التوجيه الرباني في هذه الآية الكريمة [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ] ( النور: 58 ) هذا في حكم الذي لم يبلغ الحلم يجب أن يستأذن ثلاث مرات: من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، وأما إذا بلغ الأطفال الحلم، فجاء الأمر الرباني [ وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ] ( النور: 59 ) فمن محاذير التربية أن يتعرى أحد الوالدين أمام أطفاله الصغار بحجة أنهم لا يعقلون، هم صحيح لا يتكلمون، ولكن في ذاكرتهم يحفظون ويعقلون.
4- عدم تمكينه من إبراز رجولته وأنوثتها:
قد يغتال بعض الآباء أو الأمهات القدرات التي خلقها الله في أولادهم، فمن الخطأ أن يكون الأب هو القائم بكل صغيرة وكبيرة، ومن الخطأ أن يغلق منافذ التوجيه الميدانية أمام أولاده، ولهذا يخرج لنا في أجيالنا المعاصرة شباب لا يتحمل أعباء نفسه فضلا عن أن يسعى لحمل رسالة أمة مهمتها إخراج الناس من الضلالة إلى الهداية، والتنفيذ العملي لسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم من أعظم السنن الراشدة حيث فتح مجال تحمل المهام إلى شباب الأمة، وظهرت نتائجها في تارخ الأمة، يقول ابن عباس رضي الله عنهم قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله، فقال: إنه ممن قد علمتهم قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال: وما رئيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال: ما تقولون في [ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ] ( النصر: 1-3 ) حتى ختم السورة، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئا. فقال لي: يا ابن عباس أكذلك تقول ؟ قلت: لا، قال: فما تقول ؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم. رواه البخاري 8/565.
وهذا الغلام هو الذي خاطبه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " يا غلام أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ فقلت: بلى. فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا " رواه الترمذي / 1516.
وفي صحيح مسلم: قال أنس بن مالك: " أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان، قال: فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حبسك قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة. قالت: ما حاجته ؟ قال: إنها سر. قالت: لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا " رواه مسلم / 6328.
5- عدم العدل بين الأولاد:
يخطئ بعض الآباء والأمهات في إظهار الفوارق بين الأولاد، وهذا فيه من المحاذير الشرعية والتربوية الشيء الكثير ولنقرأ سويا هذا النص القاطع في هذا المحذور التربوي والذي يحدثنا به النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال:
" سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي وأنا غلام فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا قال: ألك ولد سواه، قال: نعم، قال: فأراه قال: لا تشهدني على جور " وقال أبو حريز: عن الشعبي: " لا أشهد على جور " رواه مسلم / 4160.
فليس المحذور ألا يكون أولادك في المحبة القلبية بدرجة واحدة فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في قسمته بين زوجاته: " اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " رواه الترمذي / 1140 قال الترمذي: ومعنى قوله: لا تلمني فيما تملك ولا أملك، إنما يعني به الحب والمودة، كذا فسره بعض أهل العلم.
إذا المحذور أن يظهر هذا الفرق على الأولاد، لأن أثر هذا يظهر في برهم للوالدين كما في حديث النعمان بن بشير، رضي الله عنه، قال: " نحلني أبي نحلا ثم أتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده، فقال: أكل ولدك أعطيته هذا ؟ قال: لا، قال: أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذا ؟ قال: بلى. قال: فإني لا أشهد ".
6- من التربية إظهار المحبة واللطف للأولاد:
هناك تصور، في نظري، أنه خطأ يرتكبه بعض الآباء فيعمد الأب إلى عدم إظهار محبته لأولاده الصغار والكبار لاعتقاده أن فيه طعنا في رجولته، وإسقاطا لهيبته فتمر الأيام وتطوى السنون لا يسمع الأولاد من أبيهم كلمة تدل على المحبة، أو فعلا يدل على رحمته ورأفته بهم، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر واضحة المعالم جلية الدلائل حديث أبي هريرة رضي الله: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحسين بن علي رضي الله عنهما و الأقرع بن حابس التممي جالس فقال الأقرع: يا رسول الله، إن لي عشرة من الولد ما قبلت إنسانا منهم قط قال: فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن من لا يرحم لا يرحم " رواه البخاري / 5651.
وفي إظهار دلائل المحبة في المنهج النبوي الشريف يؤكده هذا الحديث قال أبو بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر و الحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " رواه أبو داود 4662.
منقول
تعليق