ما حقيقة الصراط المستقيم
وهل هو في يوم القيامة أم في دنيانا
للإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من الرجوع إلى آيات الذكر الحكيم وإلى مرجعنا وكتابنا (القرآن) لكي تنجلي الحقيقة ونستبينها، فهو السِفْرُ الذي لا يضل من استهدى به، وهو مجلى الحق المبين.
إذا نظر أحدنا حقّاً نظرة المتدبِّر لآيات القرآن الكريم فسوف يتبيَّن له من خلال تلك النظرة وبلا أدنى شك معنى كلمة (الصراط المستقيم) جلياً واضحاً، وسيزول الالتباس ويذهب زيف كل ما قيل عن الصراط: من أنه جسر فوق جهنم أحدُّ من السيف وأدقُّ من الشعرة، وأن منهم من يمشي عليه مسرعاً يوم القيامة، ومنهم من يمشي جثياً، ومنهم زحفاً، ومنهم من يبعد عنه، ومن قدَّم كبشاً (خروفاً) ذبحه امتطاه يوم القيامة فوق الصراط وتمسَّك بقرنيه، فيجوز به عن الصراط، ومنه من يجتازه بسرعة البرق الخاطف.
ولكن هذا الكلام كله قد نقبل به لولا أن إبليس الخبيث قاعد لهم بالمرصاد على الصراط المستقيم، فلا يسمح لأحد بدخول الجنة، إذ يمنعهم من اجتيازه فيهوون بسببه إلى نيران تلظى، لأن إبليس كما وعدنا بالآية الكريمة: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} الأعراف (16).
كما قالوا غير ذلك من الترهات والأوهام التي عاشوا بها وبثوها في عقول الناس.
فالصراط المستقيم ليس جسراً فوق جهنم، إذ هو في الدنيا وليس في الآخرة فحسب.
فآيات القرآن موضحة ذلك تماماً {والله يهدي من يشاء إلى صراط مسقيم} النور (46). أي:
يهدي الآن في الحياة الدنيا كلُّ من يشاء الهداية إلى ذلك الصراط المستقيم.
وقال تعالى في سورة المؤمنون (73): {وإنك لتدعوهم إلى صراطٍ مستقيم}: فالرسول يدعو الناس جميعاً في الدنيا إلى الصراط المستقيم.
هذا ولمَّا قلنا أن إبليس توعد بالقعود لبني البشر وإضلالهم عن الصراط في هذه الحياة الدنيا {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم} الأعراف (16). أي أنه لن يمكن أحداً من السير على ذلك الصراط.
إذاً ومن خلال الآيات التي ذكرناها وغيرها كثير، يتبيَّن لنا أن الصراط هنا في الدنيا، كما يتبيَّن لنا أن الصراط هو دعوة رسولنا الكريم ودعوة الرسل والأنبياء جميعاً. قال تعالى:
{وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم} سورة الصافات (118).
{وإنك لمن المرسلين على صراطٍ مستقيم} سورة يس (40).
{ِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [سورة آل عمران : 51].
فما هو ذلك الصراط الذي كان شرعةً ومنهاجاً للرسل الكرام صلوات الله عليهم أجمعين، والذي نطلب نحن من الله في كلِّ صلاة من صلواتنا أن يهدينا إليه كما في سورة الفاتحة {اهدنا الصراط المستقيم}.
فالصراط: هو الطريق وهداه إلى الطريق بمعنى: أرشده إليه وبيَّنه له وعرَّفه به، لكن ما هو الطريق المستقيم؟
إنه طريق الإنسانية الذي هو حقّاً طريق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه تعالى في سورة الزخرف الآية (43): {إنك على صراطٍ مستقيم}. فهو صلى الله عليه وسلم الذي دعا للإنسانية المثلى حقّاً، قولاً وعملاً، فكان نبراساً للبشرية في كرمه ورحمته وإحسانه وشجاعته وعلمه وإنقاذه لبني الإنسان جميعهم من ظلمة البعد عن الله والأخذ بأيديهم إلى أنوار الإيمان ومراتع الجنان. وها هم أصحابه الكرام قد اهتدوا على يديه فأصبحوا من بعده أيضاً دعاة الإنسانية أعلاماً ومنارات وإلى عصرنا هذا.
ولعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك هو الطريق الذي أراده الله تعالى لبعاده لينالوا منه أعظم عطاء وليصلوا إلى أعلى مراتب الإنسانية، إذ لا إنسانية إلاَّ بمعرفة الله والأنس به.
ذلك هو الصراط المستقيم، صراط السعادة والخيرات والنعيم المقيم، صراط الإنسانية بالأنس بالله.
عندها تأنس بك كل المخلوقات بما اكتسبت ونلت من صفات الرحمة والعطف والحنان والمكرمات.
ولعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ما كان رسل الله به هادين مهديين، وفي تلك المعارج روّاداً سابقين، حتى قرن الله ذلك الصراط بهم، فقال: {صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.
فمن هم الذين أنعم الله عليهم؟
قال تعالى: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين..}: من ذرية آدم، حقّاً هم صلوات الله عليهم روَّاد الإنسانية، لأنهم ظلوا شاخصين ببصائرهم إلى الله منذ أن خاطب الله تعالى الخلْق جميعاً {ألست بربِّكم} وبقوا في ذلك الشهود وإلى أبد الآباد.
وبما أنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا فقد غدوا سادات الدنيا والآخرة وصفوة الله من خلْقه وخيرته من عباده، لذا اجتباهم الله تعالى لإخراج عباده من الظلمات إلى النور ولينقلوهم من عمى القلوب ويجعلوهم من أولي البصائر.
فهم صلوات الله عليهم يأتون إلى الدنيا للهداية والكشف عن طريق الغواية، فهم الهادين المهديين لقول الله الكريم: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}.
ولأنهم عليهم السلام لم يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، فهم لم ينقطعوا عن الله طرفة عين ولن يعصوه في الصغائر والكبائر، فلم ينطبق عليهم لفظ (المغضوب عليهم) أبداً.
وبما أنهم عليهم السلام هم المبلغون للرسالات السماوية، وهم الذين يهدون أصحابهم من آمن بهم فينقلوهم من حفر الخيانة إلى قمم الأمانة. فالأنبياء الكرام هم الهادين المهديين.
كذلك لا ينطبق عليهم أبداً لفظ (الضالين) لأنهم دوماً شاخصين ببصائرهم لربِّهم، فلم يضلوا طريق الإنسانية (الصراط المستقيم).
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ، لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء : 102]
يقول تعالى أن المؤمنين والصالحين لا يسمعون حسيس النار فكيف يقولون أن الصراط جسر فوق جهنم أحدُّ من السيف وأدقُّ من الشعرة، وأن منهم من يمشي عليه مسرعاً يوم القيامة، ومنهم من يمشي جثياً، ومنهم زحفاً، ومنهم من يبعد عنه
اللهم اهدنا طريق الإنسانية الذي يدعوننا إليه لنستأنس بك بنورهم عليهم السلام، كما هم مستأنسون. ولنتخلق بأخلاقك القدسية ونفيض بهم من لدنك من فيوضاتك القدسية السامية على عبادك ليعودوا من التجافي والبعد عنك إلى القرب والزلف من جنابك العظيم.
اللهم اهدنا صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين
آمين.. اللهم آمين..
هذا البحث من علوم العلامة الكبير محمد أمين شيخو
وهل هو في يوم القيامة أم في دنيانا
للإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من الرجوع إلى آيات الذكر الحكيم وإلى مرجعنا وكتابنا (القرآن) لكي تنجلي الحقيقة ونستبينها، فهو السِفْرُ الذي لا يضل من استهدى به، وهو مجلى الحق المبين.
إذا نظر أحدنا حقّاً نظرة المتدبِّر لآيات القرآن الكريم فسوف يتبيَّن له من خلال تلك النظرة وبلا أدنى شك معنى كلمة (الصراط المستقيم) جلياً واضحاً، وسيزول الالتباس ويذهب زيف كل ما قيل عن الصراط: من أنه جسر فوق جهنم أحدُّ من السيف وأدقُّ من الشعرة، وأن منهم من يمشي عليه مسرعاً يوم القيامة، ومنهم من يمشي جثياً، ومنهم زحفاً، ومنهم من يبعد عنه، ومن قدَّم كبشاً (خروفاً) ذبحه امتطاه يوم القيامة فوق الصراط وتمسَّك بقرنيه، فيجوز به عن الصراط، ومنه من يجتازه بسرعة البرق الخاطف.
ولكن هذا الكلام كله قد نقبل به لولا أن إبليس الخبيث قاعد لهم بالمرصاد على الصراط المستقيم، فلا يسمح لأحد بدخول الجنة، إذ يمنعهم من اجتيازه فيهوون بسببه إلى نيران تلظى، لأن إبليس كما وعدنا بالآية الكريمة: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} الأعراف (16).
كما قالوا غير ذلك من الترهات والأوهام التي عاشوا بها وبثوها في عقول الناس.
فالصراط المستقيم ليس جسراً فوق جهنم، إذ هو في الدنيا وليس في الآخرة فحسب.
فآيات القرآن موضحة ذلك تماماً {والله يهدي من يشاء إلى صراط مسقيم} النور (46). أي:
يهدي الآن في الحياة الدنيا كلُّ من يشاء الهداية إلى ذلك الصراط المستقيم.
وقال تعالى في سورة المؤمنون (73): {وإنك لتدعوهم إلى صراطٍ مستقيم}: فالرسول يدعو الناس جميعاً في الدنيا إلى الصراط المستقيم.
هذا ولمَّا قلنا أن إبليس توعد بالقعود لبني البشر وإضلالهم عن الصراط في هذه الحياة الدنيا {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم} الأعراف (16). أي أنه لن يمكن أحداً من السير على ذلك الصراط.
إذاً ومن خلال الآيات التي ذكرناها وغيرها كثير، يتبيَّن لنا أن الصراط هنا في الدنيا، كما يتبيَّن لنا أن الصراط هو دعوة رسولنا الكريم ودعوة الرسل والأنبياء جميعاً. قال تعالى:
{وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم} سورة الصافات (118).
{وإنك لمن المرسلين على صراطٍ مستقيم} سورة يس (40).
{ِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [سورة آل عمران : 51].
فما هو ذلك الصراط الذي كان شرعةً ومنهاجاً للرسل الكرام صلوات الله عليهم أجمعين، والذي نطلب نحن من الله في كلِّ صلاة من صلواتنا أن يهدينا إليه كما في سورة الفاتحة {اهدنا الصراط المستقيم}.
فالصراط: هو الطريق وهداه إلى الطريق بمعنى: أرشده إليه وبيَّنه له وعرَّفه به، لكن ما هو الطريق المستقيم؟
إنه طريق الإنسانية الذي هو حقّاً طريق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه تعالى في سورة الزخرف الآية (43): {إنك على صراطٍ مستقيم}. فهو صلى الله عليه وسلم الذي دعا للإنسانية المثلى حقّاً، قولاً وعملاً، فكان نبراساً للبشرية في كرمه ورحمته وإحسانه وشجاعته وعلمه وإنقاذه لبني الإنسان جميعهم من ظلمة البعد عن الله والأخذ بأيديهم إلى أنوار الإيمان ومراتع الجنان. وها هم أصحابه الكرام قد اهتدوا على يديه فأصبحوا من بعده أيضاً دعاة الإنسانية أعلاماً ومنارات وإلى عصرنا هذا.
ولعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك هو الطريق الذي أراده الله تعالى لبعاده لينالوا منه أعظم عطاء وليصلوا إلى أعلى مراتب الإنسانية، إذ لا إنسانية إلاَّ بمعرفة الله والأنس به.
ذلك هو الصراط المستقيم، صراط السعادة والخيرات والنعيم المقيم، صراط الإنسانية بالأنس بالله.
عندها تأنس بك كل المخلوقات بما اكتسبت ونلت من صفات الرحمة والعطف والحنان والمكرمات.
ولعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ما كان رسل الله به هادين مهديين، وفي تلك المعارج روّاداً سابقين، حتى قرن الله ذلك الصراط بهم، فقال: {صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.
فمن هم الذين أنعم الله عليهم؟
قال تعالى: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين..}: من ذرية آدم، حقّاً هم صلوات الله عليهم روَّاد الإنسانية، لأنهم ظلوا شاخصين ببصائرهم إلى الله منذ أن خاطب الله تعالى الخلْق جميعاً {ألست بربِّكم} وبقوا في ذلك الشهود وإلى أبد الآباد.
وبما أنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا فقد غدوا سادات الدنيا والآخرة وصفوة الله من خلْقه وخيرته من عباده، لذا اجتباهم الله تعالى لإخراج عباده من الظلمات إلى النور ولينقلوهم من عمى القلوب ويجعلوهم من أولي البصائر.
فهم صلوات الله عليهم يأتون إلى الدنيا للهداية والكشف عن طريق الغواية، فهم الهادين المهديين لقول الله الكريم: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}.
ولأنهم عليهم السلام لم يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، فهم لم ينقطعوا عن الله طرفة عين ولن يعصوه في الصغائر والكبائر، فلم ينطبق عليهم لفظ (المغضوب عليهم) أبداً.
وبما أنهم عليهم السلام هم المبلغون للرسالات السماوية، وهم الذين يهدون أصحابهم من آمن بهم فينقلوهم من حفر الخيانة إلى قمم الأمانة. فالأنبياء الكرام هم الهادين المهديين.
كذلك لا ينطبق عليهم أبداً لفظ (الضالين) لأنهم دوماً شاخصين ببصائرهم لربِّهم، فلم يضلوا طريق الإنسانية (الصراط المستقيم).
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ، لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء : 102]
يقول تعالى أن المؤمنين والصالحين لا يسمعون حسيس النار فكيف يقولون أن الصراط جسر فوق جهنم أحدُّ من السيف وأدقُّ من الشعرة، وأن منهم من يمشي عليه مسرعاً يوم القيامة، ومنهم من يمشي جثياً، ومنهم زحفاً، ومنهم من يبعد عنه
اللهم اهدنا طريق الإنسانية الذي يدعوننا إليه لنستأنس بك بنورهم عليهم السلام، كما هم مستأنسون. ولنتخلق بأخلاقك القدسية ونفيض بهم من لدنك من فيوضاتك القدسية السامية على عبادك ليعودوا من التجافي والبعد عنك إلى القرب والزلف من جنابك العظيم.
اللهم اهدنا صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين
آمين.. اللهم آمين..
هذا البحث من علوم العلامة الكبير محمد أمين شيخو