لو تأملنا حالنا اليوم
لوجدنا أن الخلل كل الخلل في قلوبنا وليس في أجسادنا ..
فعندما أقف لفعل شيء لساعات طويلة فإن جسدي يتحمل
ولكن عندما أصلّي اقرأ قِصار السور لتنتهي الصلاة
رغم أني جسدياً قادر على أن أقف أكثر
فإن مشكلتي ليست لأني لا أستطيع الوقوف
بل المشكلة في قلبي ، قلبي لا يقدر أن يقف لله !
وعندما أصحو طوال سنوات مسيرتي الدراسية صباحاً
وافشل بأن أصحو لصلاة الفجر
فإن مشكلتي ليست لأنني لا أستطيع الاستيقاظ مبكراً
بل المشكلة في قلبي ، قلبي لا يقدر أن يصحو لله
ولكنه يصحو للحياة إن زعمنا أنها حياة !
وعندما أقرا كتباً كثيرة في سنوات دراستي أو في مطالعاتي ولكني لا أمتلك نصف ساعة لأن أقرأ قرآني وأتدبره
فالعلّة كل العلّة في قلبي ، قلبي لا يقدر أن يقرأ كتاب الله !
وعندما أجد الوقت الكافي لتصفح الهاتف ومواقع التواصل والتحدث والضحك والتعليق مع هذا وذاك
ولا أجد وقتاً كافياً لذكر الله وفعل بعض الطاعات
فالمشكلة في قلبي ، قلبي لا يمتلك الوقت ليفكر في الطاعات !
وعندما أذهب إلى امتحاني الدراسي وأنا مستعد لأنجح به
وأنسى بأنني ربما في طريقي إلى امتحاني قد أموت
لأُمتحن بمادة أخرى قصّرت بها طوال حياتي وقد ولدت لأجلها
فالمشكلة في قلبي ، قلبي ليس مستعداً للقاء الله !
المشكلة ليس لأننا لا نستطيع
فنحن مكلفون بما نستطيع
ولكن قلوبنا التي لا تستطيع
التعلق بالحياه قد أفسدها
فاللهم أصلح فساد قلوبنا ولا تخزنا يوم يبعثون
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
" صلاح القلب وبركة العمل "
إن صلاح القلب واستقامته يبارك العمل القليل، ويضاعف الأجور، وأعمال القلوب تستمر في وقت تنقطع فيه أعمال الجوارح، وفي ذلك ينقل ابن القيم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قوله: (يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم، كيف يغبنون قيام الحمقى وصومهم، والذرة من صاحب تقوى ويقين أفضل من أمثال الجبال من عبادة المغترين) (أخرجه أحمد في كتاب الزهد وأبو نعيم في الحلية).
ثم يعلق ابن القيم على هذا فيقول: (وهذا من جواهر الكلام وأدلة على كمال فقه الصحابة، وتقدمهم على من بعدهم في كل خير).
فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لا ببدنه، التقوى في الحقيقة هي تقوى القلوب لا تقوى الجوارح، قال تعالى: " ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ " [الحج: 32] وقال تعالى: " لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ " [الحج: 37] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «التقوى ههنا» وأشار إلى صدره (رواه مسلم).
فالكيس يقطع من المسافة، بصحة العزيمة، وعلو الهمة، وتجريد القصد، وصحة النية، مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ عن ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق (الفوائد).
ويبين رحمه الله عدم تناهي مضاعفة أجور الأعمال القلبية فيقول: (ومنها أن أعمال الجوارح تضاعف إلى حد معلوم محسوب، وأما أعمال القلوب فلا ينتهي تضعيفها؛ وذلك لأن أعمال الجوارح لها حد تنتهي إليه وتقف عنده، فيكون جزاؤها بحسب حدها، وأما أعمال القلوب فهي دائمة متصلة وإن تواري شهود العبد لها).
مثاله: أن المحبة والرضا حال المحب الراضي لا تفارقه أصلا، وإن تواري حكمها، فصاحبها في مزيد متصل، فمزيد المحب الراضي متصل بدوام هذه الحال له، فهو في مزيد لو فترت جوارحه، بل قد يكون مزيده في حال سكونه وفتوره أكثر من مزيد كثير من أهل النوافل بما لا نسبة بينهما.
فإن أنكرت هذا، فتأمل مزيد نائم بالله، وقيام غافل عن الله، فالله سبحانه إنما ينظر إلى القلوب والهمم والعزائم لا إلى صور الأعمال (تهذيب مدارج الساكين).
وقد ورد عن عبد الله بن المبارك قوله: (رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كثير تصغره النية) (أورده ابن رجب في جامع العلوم والحكم).
الكلم الطيب
إن صلاح القلب واستقامته يبارك العمل القليل، ويضاعف الأجور، وأعمال القلوب تستمر في وقت تنقطع فيه أعمال الجوارح، وفي ذلك ينقل ابن القيم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قوله: (يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم، كيف يغبنون قيام الحمقى وصومهم، والذرة من صاحب تقوى ويقين أفضل من أمثال الجبال من عبادة المغترين) (أخرجه أحمد في كتاب الزهد وأبو نعيم في الحلية).
ثم يعلق ابن القيم على هذا فيقول: (وهذا من جواهر الكلام وأدلة على كمال فقه الصحابة، وتقدمهم على من بعدهم في كل خير).
فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لا ببدنه، التقوى في الحقيقة هي تقوى القلوب لا تقوى الجوارح، قال تعالى: " ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ " [الحج: 32] وقال تعالى: " لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ " [الحج: 37] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «التقوى ههنا» وأشار إلى صدره (رواه مسلم).
فالكيس يقطع من المسافة، بصحة العزيمة، وعلو الهمة، وتجريد القصد، وصحة النية، مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ عن ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق (الفوائد).
ويبين رحمه الله عدم تناهي مضاعفة أجور الأعمال القلبية فيقول: (ومنها أن أعمال الجوارح تضاعف إلى حد معلوم محسوب، وأما أعمال القلوب فلا ينتهي تضعيفها؛ وذلك لأن أعمال الجوارح لها حد تنتهي إليه وتقف عنده، فيكون جزاؤها بحسب حدها، وأما أعمال القلوب فهي دائمة متصلة وإن تواري شهود العبد لها).
مثاله: أن المحبة والرضا حال المحب الراضي لا تفارقه أصلا، وإن تواري حكمها، فصاحبها في مزيد متصل، فمزيد المحب الراضي متصل بدوام هذه الحال له، فهو في مزيد لو فترت جوارحه، بل قد يكون مزيده في حال سكونه وفتوره أكثر من مزيد كثير من أهل النوافل بما لا نسبة بينهما.
فإن أنكرت هذا، فتأمل مزيد نائم بالله، وقيام غافل عن الله، فالله سبحانه إنما ينظر إلى القلوب والهمم والعزائم لا إلى صور الأعمال (تهذيب مدارج الساكين).
وقد ورد عن عبد الله بن المبارك قوله: (رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كثير تصغره النية) (أورده ابن رجب في جامع العلوم والحكم).
الكلم الطيب