أشدُّ الناس تعلُّقَا بربِّهم هم الأنبياء، وأقوى الناس يقينًا وثقةً بموعود الله هم أنبياءُ الله، وأجمل الناس فألًا وحسنَ ظنٍّ باللهِ هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
في قصة يوسف عليه السلام جرح يذكر بجرح، وألم يتبعه ألم، ومعاناة الفراق التي ذاق مُرَّها، وعانى لوعتها أبوه يعقوب عليه السلام، ولكن كانت العاقبة حسنةً، والنهاية حُلوةَ المذاق.
في نهايات قصة يوسف عليه السلام التي ذُكرَت في السورة الموسومة باسمه، أرسل يعقوب مع أبنائه أخاهم بنيامين إلى مصر، بعد أن أخذ منهم المواثيقَ بأن يعودوا به سالمًا إلا أن يحاط بهم، سار الإخوة إلى مصر ودخلوا على عزيزها يوسف، الذي عَرَفهم ولم يعرفوه، واحتال يوسف لأخْذ أخيه بنيامين بعد أن جهَّز لإخوته أمتعتَهم، ونجحت الحيلة وضم أخاه إليه؛ فبذل الإخوة كلَّ أنواع الترجِّي والاستعطاف ليوسف؛ ليخلي أخاهم، ويأخذ أحدَهم مكانه، ولكن يوسف أَبَى إلا أن يأخذ بنيامين؛ لأنه هو مَن ظهَر أنه سرَق صواعَ الملِك، عندها استسلم الإخوةُ للأمر، وأرادوا الرجوع إلى أبيهم، فأبَى أكبرُهم الرجوع معهم بسبب الميثاق الذي واثَقَهم عليه أبوهم، فرجع الإخوةُ إلى أبيهم دون بنيامين ودون أكبرهم، وإذ بيعقوب يفقِد اثنين من أبنائه ومِن قبلهما يوسف، فلما أخبر الإخوةُ أباهم بالخبر، وبان له حجمُ الفاجعة وعِظمُ المصاب، ما كان منه إلا أن قال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].
ومِن هنا يبدأ بزوغُ فجر الفَرَج، ونهاية الألَم بالصبر الجميل والرجاء العظيم والأمل الكبير؛ ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾ [يوسف: 83]، الصبر الذي ليس فيه شكوى، والرجاء الذي ليس فيه قنوط، والأملُ الذي لا يَشوبه يأس.
ويتولَّى عنهم ويتجدَّد الجرحُ القديم الذي لم يندملْ أبدًا؛ ﴿ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84].
ابيضَّت عيناه من الحزن! وذلك أن البياض الذي أصابه لم يأتِ مرةً واحدةً؛ بل كان بسبب تتابُع الأحزان والآلام على قلبه عليه الصلاة والسلام، فأفضى ذلك إلى أن تعطَّل عَصَبُ البصر.
عميتْ عيناه من شدة الحُزْن، لم يأت العَمَى مرةً واحدةً؛ بل ضعف بصرُه شيئًا فشيئًا حتى عَمِيَ عليه الصلاة والسلام بسبب الحزن الشديد الذي ملأ قلبَه؛ حزنًا على يوسف وعلى إخوته، جرح يَتْلُوه جرح، وحزن يتلوه حزن، وإنما تتابعت المصائبُ والجراح بسبب فَقْدِ يوسف؛ فذكره هنا.
﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ ﴾ [يوسف: 84]...
الحزن الذي هو من طبيعة النفس البشرية.
الحزن الذي لا يُنافي الصبر، وليس فيه اعتراضٌ على قَدَر الله ولا سخط.
وأَنَّى ليعقوبَ الجريحِ الصابر أن يَنسَى يوسف؟!
أنَّى له أن ينسى يوسف وقد ملأ سمعَه وبصَره؟!
أنَّى لأب أن ينسى فلذة كبده وقرَّة عينه؟!
فكيف بيعقوب الذي كان يخشى على يوسف مِن نسمة الهواء الباردة؟!
ويعترض عليه مَن حوله على حُزنه على يوسف، وأنَّ حُزنه سوف يُعرِّضه للهلاك؛ ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ [يوسف: 85]، فيُجيبهم: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86].
قال قتادة: كان يعقوب يردِّد حزنه في جوفه ولم يقلْ إلا خيرًا.
سنوات من الحزن والأسى عاشها يعقوب عليه السلام؛ قال بعض المفسرين: إنها أربعون سنةً، ومع هذا لم تُسمَعْ منه كلمةُ تضجُّر أو تسخُّط، إنما بثَّ حزنه وشكواه إلى الله، وهكذا شأن المؤمن دائمًا الصبر، وشأنُه الأكمل مِن هذا أن يرضى عن الله عز وجل، ويعلم أن خيرةَ الله خيرٌ مِن خيرته لنفسه؛ ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86].
ولم يدخل اليأس إلى قلب يعقوب الصابر، بل كله حُسن ظن بالله، وحُسن توكُّل وتفويض لله سبحانه؛ فقال لأبنائه بلسان الصابر المتوكِّل الظانِّ بربِّه الظنَّ الحسن، قال لهم: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، حين اشتد به الكربُ لم يقنطْ، بل طلب منهم الذهاب للبحث عن يوسف وأخيه، وليس مجرد بحث، بل بحث فيه التحسُّس وشدة التعرُّف للوصول إليهما.
ولكن أن يبحثوا عن بنيامين فالأمر يُستساغ؛ إنما كيف لهم أن يبحثوا عن يوسف وقد مضى على فَقْده قرابة الأربعين عامًا؟! ولذلك قال لهم معقِّبًا: ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
فمهما طالت مدةُ الغياب والفقد فلا تيئسوا مِن فَرَج الله ورحمته؛ فإن اليأس من رَوْح الله من صفات الكافرين.
مارَس يعقوبُ عليه السلام خطوات الخروج مِن الأزمات والتغلُّب عليها، وقد تمثَّلها في خمسة أمور:
الأمر الأول: الصبر ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 83].
الأمر الثاني: حسن الظن بالله ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].
الأمر الثالث: تفويض الأمر إلى الله والتوكُّل والاعتماد عليه؛ ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86].
الأمر الرابع: بذل الجهد، والأخذ بالأسباب بالعمل للخروج من الأزمة، والبحث عن المفقودين بالسؤال والتحسُّس؛ ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ [يوسف: 87].
الأمر الخامس: عدم اليأس مِن الخروج مِن الأزمة مهما طالتْ وظنَّ ألا مخرج، وعدم القنوط، والاستمرارية في البحث والتحسُّس، ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
هذه خطوات خمس تمثَّلها يعقوب عليه السلام في محنته الطويلة، وأزماته المتتابعة، فماذا كانت العاقبة؟
كانت العاقبة جميلةً، والنهاية أحلى من مذاق الشَّهد.
كانت النهاية عودةَ البصر، وبلوغ الأمل، ولقاء المفقود، وذهاب الكرب، وزوال الأسف، ورفع البلاء، وفرح الحزين، وظُهور المظلوم، وتوبة الظالم، والعفو عن المسيء، ولَمَّ الشمل، وتحقُّق الرؤيا، وحصول الثواب لمن صبر ورضي وأناب.
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].
هذه هي خلاصة القصة ودرسها الأهم، وهي خلاصة المِحَن العظام التي اجتازها يوسف ويعقوب عليهما السلام واحدة تلو الأخرى.
وهذه الخطوات الخمس هي بإذن الله حلولٌ للخروج من كلِّ أزمة مهما كبِرتْ وعظُمتْ، وظن ألا مخرج ولا نجاة.
وتأمَّل خاتمة السورة وهي تقرِّر هذه الحقيقة؛ ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].
عبدالسلام بن محمد الرويحي
شبكة الالوكة
في قصة يوسف عليه السلام جرح يذكر بجرح، وألم يتبعه ألم، ومعاناة الفراق التي ذاق مُرَّها، وعانى لوعتها أبوه يعقوب عليه السلام، ولكن كانت العاقبة حسنةً، والنهاية حُلوةَ المذاق.
في نهايات قصة يوسف عليه السلام التي ذُكرَت في السورة الموسومة باسمه، أرسل يعقوب مع أبنائه أخاهم بنيامين إلى مصر، بعد أن أخذ منهم المواثيقَ بأن يعودوا به سالمًا إلا أن يحاط بهم، سار الإخوة إلى مصر ودخلوا على عزيزها يوسف، الذي عَرَفهم ولم يعرفوه، واحتال يوسف لأخْذ أخيه بنيامين بعد أن جهَّز لإخوته أمتعتَهم، ونجحت الحيلة وضم أخاه إليه؛ فبذل الإخوة كلَّ أنواع الترجِّي والاستعطاف ليوسف؛ ليخلي أخاهم، ويأخذ أحدَهم مكانه، ولكن يوسف أَبَى إلا أن يأخذ بنيامين؛ لأنه هو مَن ظهَر أنه سرَق صواعَ الملِك، عندها استسلم الإخوةُ للأمر، وأرادوا الرجوع إلى أبيهم، فأبَى أكبرُهم الرجوع معهم بسبب الميثاق الذي واثَقَهم عليه أبوهم، فرجع الإخوةُ إلى أبيهم دون بنيامين ودون أكبرهم، وإذ بيعقوب يفقِد اثنين من أبنائه ومِن قبلهما يوسف، فلما أخبر الإخوةُ أباهم بالخبر، وبان له حجمُ الفاجعة وعِظمُ المصاب، ما كان منه إلا أن قال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].
ومِن هنا يبدأ بزوغُ فجر الفَرَج، ونهاية الألَم بالصبر الجميل والرجاء العظيم والأمل الكبير؛ ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾ [يوسف: 83]، الصبر الذي ليس فيه شكوى، والرجاء الذي ليس فيه قنوط، والأملُ الذي لا يَشوبه يأس.
ويتولَّى عنهم ويتجدَّد الجرحُ القديم الذي لم يندملْ أبدًا؛ ﴿ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84].
ابيضَّت عيناه من الحزن! وذلك أن البياض الذي أصابه لم يأتِ مرةً واحدةً؛ بل كان بسبب تتابُع الأحزان والآلام على قلبه عليه الصلاة والسلام، فأفضى ذلك إلى أن تعطَّل عَصَبُ البصر.
عميتْ عيناه من شدة الحُزْن، لم يأت العَمَى مرةً واحدةً؛ بل ضعف بصرُه شيئًا فشيئًا حتى عَمِيَ عليه الصلاة والسلام بسبب الحزن الشديد الذي ملأ قلبَه؛ حزنًا على يوسف وعلى إخوته، جرح يَتْلُوه جرح، وحزن يتلوه حزن، وإنما تتابعت المصائبُ والجراح بسبب فَقْدِ يوسف؛ فذكره هنا.
﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ ﴾ [يوسف: 84]...
الحزن الذي هو من طبيعة النفس البشرية.
الحزن الذي لا يُنافي الصبر، وليس فيه اعتراضٌ على قَدَر الله ولا سخط.
وأَنَّى ليعقوبَ الجريحِ الصابر أن يَنسَى يوسف؟!
أنَّى له أن ينسى يوسف وقد ملأ سمعَه وبصَره؟!
أنَّى لأب أن ينسى فلذة كبده وقرَّة عينه؟!
فكيف بيعقوب الذي كان يخشى على يوسف مِن نسمة الهواء الباردة؟!
ويعترض عليه مَن حوله على حُزنه على يوسف، وأنَّ حُزنه سوف يُعرِّضه للهلاك؛ ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ [يوسف: 85]، فيُجيبهم: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86].
قال قتادة: كان يعقوب يردِّد حزنه في جوفه ولم يقلْ إلا خيرًا.
سنوات من الحزن والأسى عاشها يعقوب عليه السلام؛ قال بعض المفسرين: إنها أربعون سنةً، ومع هذا لم تُسمَعْ منه كلمةُ تضجُّر أو تسخُّط، إنما بثَّ حزنه وشكواه إلى الله، وهكذا شأن المؤمن دائمًا الصبر، وشأنُه الأكمل مِن هذا أن يرضى عن الله عز وجل، ويعلم أن خيرةَ الله خيرٌ مِن خيرته لنفسه؛ ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86].
ولم يدخل اليأس إلى قلب يعقوب الصابر، بل كله حُسن ظن بالله، وحُسن توكُّل وتفويض لله سبحانه؛ فقال لأبنائه بلسان الصابر المتوكِّل الظانِّ بربِّه الظنَّ الحسن، قال لهم: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، حين اشتد به الكربُ لم يقنطْ، بل طلب منهم الذهاب للبحث عن يوسف وأخيه، وليس مجرد بحث، بل بحث فيه التحسُّس وشدة التعرُّف للوصول إليهما.
ولكن أن يبحثوا عن بنيامين فالأمر يُستساغ؛ إنما كيف لهم أن يبحثوا عن يوسف وقد مضى على فَقْده قرابة الأربعين عامًا؟! ولذلك قال لهم معقِّبًا: ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
فمهما طالت مدةُ الغياب والفقد فلا تيئسوا مِن فَرَج الله ورحمته؛ فإن اليأس من رَوْح الله من صفات الكافرين.
مارَس يعقوبُ عليه السلام خطوات الخروج مِن الأزمات والتغلُّب عليها، وقد تمثَّلها في خمسة أمور:
الأمر الأول: الصبر ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 83].
الأمر الثاني: حسن الظن بالله ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].
الأمر الثالث: تفويض الأمر إلى الله والتوكُّل والاعتماد عليه؛ ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86].
الأمر الرابع: بذل الجهد، والأخذ بالأسباب بالعمل للخروج من الأزمة، والبحث عن المفقودين بالسؤال والتحسُّس؛ ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ [يوسف: 87].
الأمر الخامس: عدم اليأس مِن الخروج مِن الأزمة مهما طالتْ وظنَّ ألا مخرج، وعدم القنوط، والاستمرارية في البحث والتحسُّس، ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
هذه خطوات خمس تمثَّلها يعقوب عليه السلام في محنته الطويلة، وأزماته المتتابعة، فماذا كانت العاقبة؟
كانت العاقبة جميلةً، والنهاية أحلى من مذاق الشَّهد.
كانت النهاية عودةَ البصر، وبلوغ الأمل، ولقاء المفقود، وذهاب الكرب، وزوال الأسف، ورفع البلاء، وفرح الحزين، وظُهور المظلوم، وتوبة الظالم، والعفو عن المسيء، ولَمَّ الشمل، وتحقُّق الرؤيا، وحصول الثواب لمن صبر ورضي وأناب.
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].
هذه هي خلاصة القصة ودرسها الأهم، وهي خلاصة المِحَن العظام التي اجتازها يوسف ويعقوب عليهما السلام واحدة تلو الأخرى.
وهذه الخطوات الخمس هي بإذن الله حلولٌ للخروج من كلِّ أزمة مهما كبِرتْ وعظُمتْ، وظن ألا مخرج ولا نجاة.
وتأمَّل خاتمة السورة وهي تقرِّر هذه الحقيقة؛ ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].
عبدالسلام بن محمد الرويحي
شبكة الالوكة