إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الغش بمفهومه الواسع (خطبة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الغش بمفهومه الواسع (خطبة)


    المقدمة:

    الحمـد لله الذي أنزل على عبده الكتـاب... وأوضح الطريق المستقيم بأوضح البيان.

    طمس الجاهلية وأظهر الحق، فجعل الناس سواسية إلا بالتقوى.



    نحمده تبارك وتعالى عدد خلقه ورضا نفسه ومداد كلماته، وأشـهد أن لا إلـه إلا الله الـعـزيـز الـوهـاب، وأشـهد أن سيـدنا محمَّـدًا عبـده ورسـوله، اللـهـم صـل وسلـم وبـارك عليـه وعـلى الآل والأصحـاب... ما تعاقب الليل والنهار.




    المرتبة الأولى: الغش في الدين:

    أما بعد: فإن الغش إذا ذكر انصرف الذهن إلى قبح الخداع والمكر عدم النصح لأهل الإسلام، والغش خبث السريرة مع إظهار الحسن وهي صفة أصيلة في أهل النفاق، وإذا أردنا أن نفهم الغش على مستوياته المختلفة فإن أعظمه وأشده فتكًا وجرمًا الغش في الدين، وذلك أن يغير المرء أحكام الله وقد ورد التحذير من جناية مثل هذا الفعل في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].



    هذا الباب كم من أناس أوغلوا فيه وأسرفوا إسرافًا لن يكون معه في الدنيا صلاحًا ولا في الآخرة حجة وفلاحًا، فليس بالهين أن تفسد على الناس دينهم بما أعطاك الله من لسان فصيح وقول مليح وحظوة عند من لا يخاف الله ويرعى الدار الآخرة.




    المرتبة الثانية: غش النفس:

    وقد ورد في الحديث: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها»[1].



    هذا البيان لطهارة الإنسان ظاهرًا بالوضوء، وداخلًا بالإيمان حال كونه حامدًا شاكرًا لنعمة التوفيق لطاعة الرحمن، غاديًا إلى ربه ينصب قدميه في بيت من بيوته راكعًا ساجدًا، باذلًا لجاهه وماله، صابرًا على طاعة الله صابرًا على ترك معصية متأدبًا مع الله عند حلول المصائب والنكبات متصبرًا ومتحليًّا بصفات أهل القرآن يقدم نفسه قربانًا للواحد الديان تجارة لن تبور، هذا هو النصح للنفس.



    أما من أعرض وتولى ولم يقم بذلك رأسًا ولم يكن له في الحق أساسًا، فقد ظلم نفسه وغشَّها، وضيع الأمانة وخان الرسالة، فمثل هذا يقبل على الله وهو من المفاليس.



    فالأول نصح لنفسه فزكاها فأفلح والثاني غشَّها فدساها فخاب وخسر.




    المرتبة الثالثة: غش الرعية:

    بكلام بين واضح قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعِيَّتِه»، ما من أحد إلا وتحت يده أناس قد ولاه الله عليهم بولاية خاصة أو عامة، وهذه أمانة قد ينجو الإنسان بنفسه ولكن يهلك بغيره، وذلك كما ورد في حديث البشير النذير: «ما مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وهو غاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عليه الجَنَّةَ»[2].



    ـ فالراعي ولي ليس له أن يتصرف إلا بما أولاه الله على رعيته، فيلزمه النصح لهم بكل أنواع النصح سواء في معاشهم في الحياة الدنيا، أو معادهم يوم القيامة، فإن لم يجهد في هذا فقد ارتكب كبيرة من الكبائر، فكما حرمهم النصح في الدنيا وهو نوع رحمة بالرعية حرمه الله من رحمته يوم القيامة.




    المرتبة الرابعة: غش الناس في المعاش:

    فغش الناس في معاملاتهم مما يولد الكثير من تنافر الناس وبغضهم وكراهيتهم لبعضهم البعض، ويفسد عليهم معاشهم، وقد كان رسول الله في جولة في السوق فـمرَّ علَى صُبرةٍ مِن طعامٍ فأدخلَ يدَهُ فيها، فَنالَت أصابعُهُ بللًا. فقال: «يا صاحبَ الطَّعامِ ما هذَا؟» قال: أصابَتهُ السَّماءُ يا رسولَ اللَّهِ. قال: «أفَلا جعلتَهُ فَوقَ الطَّعامِ؛ حتَّى يراهُ النَّاسُ» ثمَّ قال: «مَن غشَّ فلَيسَ منَّا»[3].



    من خادع الناس وغشهم في تجارتهم ومعاشهم فليس على منهج ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا تهديد صريح في خروج الغاش عن المنهج الرباني الذي وضعه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ورتب عليه خيري الدنيا والآخرة، فالغاش في المعاملات بائع لدينه بعرض من الدنيا زهيد حقير قلَّ أو كثر.



    أقول ما سمعتم.. واستغفروا الله إنَّ الله غفور رحيم.




    الخطبة الثانية

    الحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وأكمل لنا الدين، وختم لنا بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.



    أما بعد:

    فكما أن الشريعة أتت لتنظيم حياة الناس، فقد راعت أمر آخرتهم أشد الرعاية؛ ليعيش الإنسان لدنياه وآخرته، وإن مما نؤكد عليه في سياق هذا الموضوع قضايا أوجزها في النقاط التالية:

    الأولى: ديننا شمولي يعني بالفرد والمجتمع تنظيمًا دقيقًا متوازنًا يجعل من الإنسان محور الاستخلاف على الأرض فلا تقوم الدنيا على وفق المنهج الرباني إلا بالنصح.



    الثانية: ليس أحد من المسلمين إلا ولديه واجبات وعليه حقوق ينظمها الشرع علمًا متلقى وعملًا واقعيًا منفذ يشترك فيه الناس زرافات ووحدانًا فالفرد لا يغش المجتمع والمجتمع لا يعين الفرد عليه.



    الثالثة: الإسلام يستوعب ما قدم وما حدث من صور الأحوال فهما تنوع الغش فهو في دائرة الغش الذي رسمه الشرع ووضع إطاره الخارجي فلا يخرج ما دخل منه ولا يدخل ما خرج منه.



    رابعًا: أهل الإسلام جسد واحد يضمهم دين واحد ويجمعهم هدف واحد، فمن غشَّ مسلمًا فإنما يغش نفسه فليحقه من الإثم والعدوان ومعصية الديان والانحراف عن هدي سيد الأنام ما يعود عليه بالخزي والعار.



    الدعاء: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾.



    (اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنا مِنْهُ وَمَا لَمْ نعْلَمْ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنا مِنْهُ وَمَا لَمْ نعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِنا خَيْرًا).



    اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد أمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.



    اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللَّهُمَّ أبعد عنهم دعاة السوء والضلال والمفسدين يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أنصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللَّهُمَّ انصر من نصر الدين، وخَذِّل من خذَل الدين، واحفظ بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، ومن كل شر وفتنة، ومن كل بلاء ومحنة يا حيٌّ يا قيوم يا قريب يا مجيب يا سميع الدعاء.



    عبادَ الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90 ، 91]، فاذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.



    [1] مسلم (223).

    [2] مسلم (142).

    [3] أخرجه الترمذي (1315) وصححه الألباني.


    د. عطية بن عبدالله الباحوث
    شبكة الالوكة




يعمل...
X