شعبان فضائل وأحكام
عباد الله: من الأشهر التي كثيرًا ما نغفل عن فضلها وننسى أهميتها هذا الشهر العظيم الذي نعيش فيه إنه شهر شعبان الذي بين رجب ورمضان.
يقول أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، رضي الله عنه : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ صَوْمًا لَا تَصُومُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ: فَذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ شَهْرِ رَجَبٍ وَشَهْرِ رَمَضَانَ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ عَمَلِي إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ.
ويقول أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه : وَكَانَ أَحَبُّ الصَّوْمِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَعْبَانَ.
يقول أهل العلم أن منزلة الصيام في شعبان بالنسبة لرمضان بمنزلة السنن الرواتب قبل الفرائض وبعدها فيكون الصيام قبل رمضان في شعبان ويكون الصيام بعد رمضان في شوال وخاصة صيام الست من شوال.
يقول سلمة بن كهيل كان يُقال شهر شعبان شهر القراء وكان عمرو بن قيس رحمه الله إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته أو دكانه وتفرغ لقراءة القرآن.
ويقول أبوبكر البلخي رحمه الله شهر رجب شهر الزرع وشهر شعبان شهر سقي الزرع وشهر رمضان شهر حصاد الزرع وقال شهر رجب مثل الريح وشهر شعبان مثل الغيم وشهر رمضان مثل المطر ومن لم يزرع ويغرس في رجب ولم يسقي في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان.
عباد الله: إن شهر شعبان هو الشهر الذي فرض الله سبحانه وتعالى فيه الجهاد على المسلمين وأمرهم به أمرًا على سبيل الإلزام والوجوب وكانت أول آية نزلت في وجوب الجهاد نزلت في شعبان بعد سرية عبدالله بن جحش عندما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى وادي نخلة ومعه اثني عشر رجلًا كلهم من المهاجرين كل اثنين على بعير يعتقبان عليه وبعث صلى الله عليه وسلم مع عبدالله بن جحش كتابًا وأمره أن لا يقرأه إلا بعد يومين فقرأه بعد تحركه بيومين فإذا فيه أمرًا بأن يترصد قافلة لقريش ويأتي إليه بأخبارها وعلى إثر هذه السرية وما ترتب عليها من أحداث أنزل الله الأمر بالقتال فقال ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 190 - 193] فكانت هذه الآيات أول الآيات نزولًا في فرض الجهاد والقتال.
وفي شهر شعبان جاء الأمر بتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بعد أن صلى المسلمون في بداية الأمر إلى جهة بيت المقدس جاء الأمر بعد ذلك بالاتجاه إلى البيت العتيق والكعبة المشرفة وحدثت ضجة كبيرة بعد الأمر بتحويل القبلة خاصة أن التحويل جاء بعد الأمر بالجهاد ولكن الله سبحانه وتعالى حسم هذا الموضوع فقال: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142] وقال: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144].
ومن الأحداث العظيمة التي وقعت في شهر شعبان غزوة بني المصطلق التي انفضح فيها المنافقون فضيحة كبرى مدوية وقالوا ﴿ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ﴾ [المنافقون: 8] ويقصدون بالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام والأعز عبدالله بن أبي ومن معه من أهل النفاق.
وقاموا أيضًا في هذه الغزوة باتهام أم المؤمنين عائشة البريئة الطاهرة المطهرة رضي الله عنها وأرضاها اتهموها بالفاحشة وأنزل الله في براءتها عشر آيات تتلى إلى يوم القيامة يقول الله في مطلعها ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11].
ووقعت أيضًا في مثل هذا الشهر شهر شعبان غزوة بدر الصغرى وكانت بين المسلمين وبين المشركين حيث أقام المسلمون ببدر ثمانية أيام ينتظرون عدوهم فلم يأتي فرجع المسلمون إلى المدينة وكان عددهم ألفًا وخمسمائة مقاتل، وبدر الصغرى غير بدر الكبرى التي كانت في رمضان.
عباد الله: هذا هو شهر شعبان وهذه بعض فضائله وبعض أحكامه والناس تجاه شعبان فريقان؛ فريق لا يعرف فضله ولا يدرك قدره وفريق يغلوا فيه ويعتقد فيه اعتقادات ما أنزل الله بها من سلطان حيث يفعلون فيه بعض البدع ويقومون بعمل بعض الممارسات التي يظنونها خيرًا ولو كانت خيرًا لفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام فبعضهم يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام ويعتقد أن في تلك الليلة مزية خاصة ويقيمون فيها ما يسمى بالشعبانية التي تقام في بعض المساجد ويصلون صلاة خاصة يقرءون فيها سورة الإخلاص إحدى عشر مرة ويزعمون أن فيها تقضى الحوائج وتفرج الكربات ويستدلون على ذلك بأحاديث ضعيفة وموضوعة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن مليكة رحمه الله عندما بلغه أن زياد النميري يقول إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر فقال لو سمعته والعصا بيدي لضربته بها.
ونحن يكفينا أن يسعنا ما وسع رسولنا صلى الله عليه وسلم وأن نقتدي به ونقتفي أثره بلا زيادة ولا بدع ولا نقصان كما قال تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21] وقال: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
مما أود التنبيه عليه ونحن في هذا الشهر الفضيل شهر شعبان أن نقوم بتنبيه من عليها صوم لم تقضه من رمضان من نساءنا وبناتنا بقضائه فإن بعضهن تسهيها الأيام وتخدعها الغفلة فيأتي عليها رمضان وهي لم تقضي ما عليها من الصيام في رمضان الماضي فإذا جاء رمضان انتبهت وذكرت ما عليها من صيام فتحتار ولا تدري كيف تفعل ومتى تقضي وليس عندها من الوقت ما يكفيها لقضاء ما عليها فيجب تنبيههن وإرشادهن من الآن حتى لا تأت المرأة تسأل فيما بعد كيف أفعل؟.
كما أود التنبيه على أنه لا يجوز للمسلم أن يصوم آخر شهر شعبان بقصد التدرب والتمرن على صيام شهر رمضان فإن النبي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا كَانَ يَصُومُ يَوْمًا فَلْيَصُمْهُ.
شبكة الألوكة