السلام عليكم ورحمة اله وبركاته
ولدت في مدينة دمياط بشمال دلتا مصر في منتصف نوفمبر عام 1913م
ابنة لعالم أزهري، وحفيدة لأجداد من علماء الأزهر وروَّاده
وتفتحت مداركها على جلسات الفقه والأدب
وتعلمت وفقًا للتقاليد الصارمة لتعليم النساء وقتئذٍ في المنزل
وفي مدارس القرآن (الكُتَّاب)
وقد تحدثت عن أبيها فقالت
"إلى من أعزني الله به أبًا تقيًّا زكيًّا
ومعلمًا مرشدًا، ورائدًا أمينًا ملهمًا، وإمامًا مهيبًا قدوة
فضيلة والدي العارف بالله العالم العامل
الشيخ محمد عليّ عبد الرحمن الحسيني
نذرني رضي الله عنه لعلوم الإسلام
ووجَّهني من المهد إلى المدرسة الإسلامية
وقاد خُطاي الأولى على الطريق السويِّ
يحصنني بمناعة تحمي فطرتي من ذرائع المسخ والتشويه
ومن المنزل حصلت على شهادة الكفاءة للمعلمات عام 1929م
بترتيب الأولى على القطر المصري كله
ثم الشهادة الثانوية عام 1931م
والتحقت بجامعة القاهرة لتتخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية عام 1939م
ثم تنال درجة الماجستير عام 1941م
وقد تزوجت أستاذها بالجامعة الأستاذ أمين الخولي أحد قمم الفكر والثقافة في مصر حينئذٍ
وصاحب الصالون الأدبي والفكري الشهير بـ (مدرسة الأمناء)
وأنجبت منه ثلاثة أبناء وهي تواصل مسيرتها العلمية لتنال رسالة الدكتوراه عام 1950م
ويناقشها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين
لم تكن بنت الشاطئ كاتبة ومفكرة وأستاذة وباحثة فحسب
بل نموذجًا نادرًا وفريدًا للمرأة المسلمة التي حرَّرت نفسها بنفسها بالإسلام
فمن طفلة صغيرة تلهو على شاطئ النيل في دمياط شمال دلتا مصر
إلى أستاذ للتفسير والدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة القرويين في المغرب
وأستاذ كرسي اللغة العربية وآدابها في جامعة عين شمس بمصر
وأستاذ زائر لجامعات أم درمان عام 1967م
ولجامعة الخرطوم وجامعة الجزائر عام 1968م
ولجامعة بيروت عام 1972م
وجامعة الإمارات عام 1981م
وكلية التربية للبنات في الرياض 1975- 1983م
وتدرجت في المناصب الأكاديمية إلى أن أصبحت أستاذًا للتفسير والدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة القرويين بالمغرب
حيث قامت بالتدريس هناك ما يقارب العشرين عامًا مؤلفات بنت الشاطئ
تركت بنت الشاطئ وراءها ما يربو على الأربعين كتابًا في الدراسات الفقهية والإسلامية والأدبية والتاريخية
فلها مؤلفات في الدراسات القرآنية والإسلامية أبرزها
التفسير البياني للقرآن الكريم، والقرآن وقضايا الإنسان
وتراجم سيدات بيت النبوة
وكذا تحقيق الكثير من النصوص والوثائق والمخطوطات
ولها دراسات لغوية وأدبية وتاريخية أبرزها
نص رسالة الغفران للمَعَرِّي
والخنساء الشاعرة العربية الأولى
ومقدمة في المنهج
وقيم جديدة للأدب العربي
ولها أعمال أدبية وروائية أشهرها على الجسر
وسيرة ذاتية
وقد سجَّلت فيه طرفًا من سيرتها الذاتية
وسطَّرته بعد وفاة زوجها أمين الخولي بأسلوبها الأدبي الراقي تتذكر فيه صباها
وتسجِّل مشاعرها نحوه، وتنعيه في كلمات عذبة
كما شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية في كل هذه المجالات
وقد جاوزت شهرتها أقطار الوطن العربي والإسلامي
وكانت كتاباتها موضوعًا لدراسات غربية ورسائل جامعية في الغرب
بل وفي أوزبكستان واليابان.
ولم تكتفِ بنت الشاطئ بالكتابة فحسب
بل خاضت معارك فكرية شهيرة
واتخذت مواقف حاسمة دفاعًا عن الإسلام
فخلَّفت وراءها سجلاًّ مشرفًا من السجلات الفكرية التي خاضتها بقوة
وكان أبرزها معركتها ضد التفسير العصري للقرآن الكريم ذَوْدًا عن التراث
ودعمها لتعليم المرأة واحترامها بمنطق إسلامي وحجة فقهية أصولية دون طنطنة نسويَّة
ومواجهتها الشهيرة للبهائيَّة في أهم ما كُتب في الموضوع من دراسات مسلِّطةً الضوء على علاقة البهائية بالصهيونية العالمية
وكذا دراساتها الرائدة عن تراجم سيدات بيت النبوة
وأبحاثها حول الحديث النبوي
تدوينه ومناهج دراسته ومصطلحاته.
والدكتورة عائشة عبد الرحمن بجانب إسهاماتها البحثية والأكاديمية والتعليمية البارزة
وتخريج أجيال من العلماء والمفكرين من تسع دول عربية قامت بالتدريس بها
قد خرجت كذلك مبكرًا بفكرها وقلمها إلى المجال العام
وبدأت النشر منذ كان سنُّها 18 سنة في مجلة النهضة النسائية
ثم بعدها بعامين في جريدة الأهرام أعرق الجرائد اليومية العربية
ونظرًا لشدة محافظة أسرتها -آنذاك- التي لم تعتد انخراط النساء في الثقافة اختارت التوقيع باسم (بنت الشاطئ)
إشارةً لطفولتها ولهوها صغيرة على شاطئ النيل في بلدتها دمياط
وبعدها بعامين بدأت الكتابة في جريدة الأهرام فكانت ثاني امرأة تكتب بها بعد الأديبة ميّ زيادة
وظلت تكتب للأهرام حتى وفاتها
فكان لها مقال طويل أسبوعي
وكان آخر مقالاتها ما نُشر بالأهرام يوم 26 من نوفمبر 1998م بعنوان (علي بن أبى طالب كرَّم الله وجهه)
وهو استكمال لسلسلة طويلة من المقالات بدأت منذ الصيف تناولت فيها سير آل البيت ومقاتل الطالبيين
وشرعت في كتابة سلسلة مقالاتها اليومية الرمضانية كعادتها إلا أن القدر لم يمهلها لإتمامها.
وقد حظيت الدكتورة عائشة عبد الرحمن بمكانة رفيعة في أنحاء العالم العربي والإسلامي
وكرَّمتها الدول والمؤسسات الإسلامية
فكرّمتها مصر في عهد السادات وعهد مبارك
ونالت جائزة الملك فيصل
ونالت نياشين من دول عديدة، كما كرّمتها المؤسسات الإسلامية المختلفة بعضوية ضنَّت بها على غيرها من النساء مثل
مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة
والمجالس القومية المتخصصةوكرَّمها ملك المغرب
ومن تصاريف القدر أن تكون آخر زياراتها خارج مصر لحضور فعاليات
جامعة الصحوة الإسلامية بالرباط بنهاية أكتوبر 1998م
ويحتفي بها طلابها الذين صاروا رُوَّادًا ومتنفذين
ولذا أعلنت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية عند وفاتها
عن إقامة سرادق لتقبل العزاء فيها في لفتة نادرة تعكس مكانة بنت الشاطئ من الخليج إلى المحيط
وقد فقدتها الساحة الإسلامية في مطلع ديسمبر 1998م
وودعتها مصر في جنازة مهيبة حضرها العلماء والأدباء والمثقفون الذين جاءوا من شتى الدول
ونعاها شيخ الأزهر وأمَّ صلاة الجنازة بنفسه
لقد كانت -رحمها الله- من أعلام الأمة
جاهدت بالعلم والقلم للدفاع عن دين الله
وتُمثِّل مسيرة بنت الشاطئ في طلب العلم والكفاح من أجل الدراسة في الجامعة
في زمنٍ كان يقتصر فيه دور المرأة على المنزل
وفي البحث والكتابة في قضايا الفكر الإسلامي؛ نبراسًا لأجيال متتالية
ولا شك أن مسيرتها وإسهاماتها ستظل علامة مضيئة للمرأة المسلمة المعاصرة
ورصيدًا فكريًّا في الساحة الإسلامية