صديقتي
للصديق تأثير كبير على صديقه، لكثرة مخالطته ، وشدة ملازمته وصحبته تمتد مع العبد في دنياه وأخرته، فكما أنه ليس كل بيت يصلح للسكنى، ولا كُلِ راحلة تصلح للركوب، فكذلك أبناء أدم لا يصلح كلهم للصحبة، أخرج البخاري في صحيحه( 6133) من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة" يقول الحافظ في الفتح (11/335) : فالمعنى لا تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب؛ لأن الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون وطيئاً سهل الانقياد، وكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة بأن يعاون رفيقه، ويلين جانبه.
ولقد أخبر الرب جل وعلا في كتابه أن الابتعاد عن سبيل الرسول إنما يكون بسبب صحبة السوء، فيعض الظالم على يديه يوم القيامة حسرة، وآسفاً لكن ولات حين مناص يقول تبارك وتعالى :{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً }الفرقان: 27-28-29) بل وإن الرابطة بين أهل الشر تمتد حتى بعد دخول النار، لكن تنقلب إلى عداوة وبغضاء، يقول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ}(فصلت:29)
ويقول تعالى : {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} (لأعراف:38)
وإذا كان ما مضى من الأدلة فيه تحذير من صحبة الأشرار، فإن الشرع حث على صبر النفس مع الأخيار، ونهى أن تعد عين المسلم عنهم يقول الله تعالى : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (الكهف:28)
وتأمل وصفهم بقوله سبحانه: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}(الأنعام: من الآية52) والغداة أول النهار وهو الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من النوم إلى اليقظة، وهذا الانتقال شبيه بالانتقال من الموت إلى الحياة، والعشي آخر النهار وهو الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من اليقظة إلى النوم ومن الحياة إلى الموت، والإنسان العاقل يكون في هذين الوقتين كثير الذكر لله، عظيم الشكر لآلائه ونعمائه.
ومن صحب أهل الخير علا ذكره، وارتفع شأنه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فدليله قول الله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ... }(الكهف: من الآية22) فرفع الله ذكر الكلب لما صحب أهل الخير .
وأما في الآخرة، فهم أهل الوفاء ، ولا غرو، أخرج مسلم في صحيحه (183) من حديث أبي سعيد الخدري مطولاً وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد منا شدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون ، ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون ،ويحجون فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقاً كثيراً .. " وقارن بين هؤلاء وأولئك الذين يقولون: نجعلهما تحت أقدامنا، واعمل عقلك، قم صنف صحبتك، وبناءً على هذا اتخذ قرارك، وفقك الله لكل خير .
د/ نوال العيد
للصديق تأثير كبير على صديقه، لكثرة مخالطته ، وشدة ملازمته وصحبته تمتد مع العبد في دنياه وأخرته، فكما أنه ليس كل بيت يصلح للسكنى، ولا كُلِ راحلة تصلح للركوب، فكذلك أبناء أدم لا يصلح كلهم للصحبة، أخرج البخاري في صحيحه( 6133) من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة" يقول الحافظ في الفتح (11/335) : فالمعنى لا تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب؛ لأن الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون وطيئاً سهل الانقياد، وكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة بأن يعاون رفيقه، ويلين جانبه.
ولقد أخبر الرب جل وعلا في كتابه أن الابتعاد عن سبيل الرسول إنما يكون بسبب صحبة السوء، فيعض الظالم على يديه يوم القيامة حسرة، وآسفاً لكن ولات حين مناص يقول تبارك وتعالى :{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً }الفرقان: 27-28-29) بل وإن الرابطة بين أهل الشر تمتد حتى بعد دخول النار، لكن تنقلب إلى عداوة وبغضاء، يقول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ}(فصلت:29)
ويقول تعالى : {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} (لأعراف:38)
وإذا كان ما مضى من الأدلة فيه تحذير من صحبة الأشرار، فإن الشرع حث على صبر النفس مع الأخيار، ونهى أن تعد عين المسلم عنهم يقول الله تعالى : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (الكهف:28)
وتأمل وصفهم بقوله سبحانه: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}(الأنعام: من الآية52) والغداة أول النهار وهو الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من النوم إلى اليقظة، وهذا الانتقال شبيه بالانتقال من الموت إلى الحياة، والعشي آخر النهار وهو الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من اليقظة إلى النوم ومن الحياة إلى الموت، والإنسان العاقل يكون في هذين الوقتين كثير الذكر لله، عظيم الشكر لآلائه ونعمائه.
ومن صحب أهل الخير علا ذكره، وارتفع شأنه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فدليله قول الله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ... }(الكهف: من الآية22) فرفع الله ذكر الكلب لما صحب أهل الخير .
وأما في الآخرة، فهم أهل الوفاء ، ولا غرو، أخرج مسلم في صحيحه (183) من حديث أبي سعيد الخدري مطولاً وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد منا شدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون ، ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون ،ويحجون فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقاً كثيراً .. " وقارن بين هؤلاء وأولئك الذين يقولون: نجعلهما تحت أقدامنا، واعمل عقلك، قم صنف صحبتك، وبناءً على هذا اتخذ قرارك، وفقك الله لكل خير .
د/ نوال العيد