إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيف يكون الله أحب إليك مما سواه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف يكون الله أحب إليك مما سواه



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    للشيخ سيد العفافى
    وأوصى نفسي واياكم بكتاب أعلى النعيم لفضيلته

    كيف يكون الله أحب إليك مما سواه

    أما السبب الأول فهو أن يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه مما سواهما: أي أن يكون الله أحب إليك مما سواه، وهذا لا يتحقق ولا يكون إلا بأن تكون محبتك لله عز وجل أولى من كل محبة، وقاهرة لكل محبة، وتكون كل محبة خاضعة وتابعها لها، فيكون الله عز وجل أولى الأشياء عندك بالتعظيم والتوقير وأحب شيء إليك، ولا يكون إلا بأن تكون محبته أعلى محبة وقاهرة لكل محبة، وكل محبة خاضعة لها.قال الله تبارك وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165].وقال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54].
    بيان محبة القلوب للجمال

    سبحان الله! جبلت القلوب على محبة الشيء الجميل، فلا ترى إنساناً يحب مثلاً نقيق الضفادع أو صوت فحيح الثعبان أو صوت البوم، وإنما تجد الإنسان يحب نسيم الأشجار في الفجر الوليد، وتبسم الورود وخرير المياه؛ لأن الله جبل القلوب على محبة الشيء الجميل، فما ظنك بمن كل جمال في الوجود من آثار جماله؟ وما ظنك بمن نسبة كل جمال في الوجود إلى جمال وجهه أقل من نسبته الفتيل إلى ضوء الشمس، ولله المثل الأعلى.فالناس والآلاف المؤلفة الذين خرجوا وراء السندرلة لم يخرجوا وراءها لأنها كانت قوامة قانتة منتقبة أو محجبة أو تلقي دروساً في المساجد، بل كانوا يعرفون أنها زوجة علي بدر خان الشيوعي، وهذا الكلام قالته صحيفة الأهرام العربي.فإن كان الناس يهيمون في الصور والأشباح فما ظنك بنساء الجنة! فإن الله خلق حوراء -كما قال الإمام ابن القيم - في الجنة لولا أن الله كتب الخلود على أهل الجنة لماتوا من حسنها.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولنصيف امرأة من أهل الجنة خير من الدنيا وما فيها)، يعني: الخمار الذي تضعه على رأسها وصدرها.وكما قال مطرف بن عبد الله : (وكل نعيم في الدنيا بالنسبة إلى نعيم الجنة لا يساوي هباء بالنسبة إلى جبل)، ونعيم الجنة كله مخلوق فما ظنك بجمال الخالق؟!أليس الجمال حبيب القلوب لذات الجمال وذات القلوبأليس جميلاً يحب الجمال تعالى إله الورى عن ضريب
    معرفة الله لا تدخل قلباً مشرباً بحب الصور والشهوات

    والإمامان ابن تيمية وابن القيم لهما إشارات جميلة وطيبة وموافقة للكتاب والسنة، فقالا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة): إن كانت الملائكة -وهي من مخلوقات الله عز وجل- لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، فكيف تدخل المعرفة بالله عز وجل والأنس بالله عز وجل ومحبة الله عز وجل وتوحيده قلباً مليئاً بكلاب الشهوات وصورها؟!وقالا: إن الاتجاه إلى القبلة شرط في صحة الصلاة، والقبلة بيت الرب، فمن باب أولى أن يكون التوجه إلى الله عز وجل والإقبال عليه، أي: إن كان الاتجاه إلى القبلة شرطاً في صحة الصلاة فإذاً استقامة القلب وتوجهه إلى ربه أولى، والأشياء الظاهرة المراد بها تمثيل الأشياء الباطنة، فإذاً من باب أولى أن يلتفت القلب إلى الله عز وجل وحده، فمن وجد الله فماذا فقد، ومن فقد الله فماذا وجد؟هنيئاً لمن أضحى وأنت حبيبه ولو أن لوعات الغرام تذيبهوطوبى لصب أنت ساكن سره ولو بان عنه إلفه وقريبهوما ضر صباً أن يعيش وما له نصيب من الدنيا وأنت نصيبهفيا علة في الصدر أنت شفاؤها ويا مرضاً في القلب أنت طبيبهعبيدك في باب الرجا متضرع إذا لم تجبه أنت من ذا يجيبهغريب عن الأوطان يبكي بذلة وهل ذاق طعم الذل إلا غريبهتصدق على من ضاع منه زمانه وأوشك حتى لاح منه مشيبهمن فاته منك حظ حظه الندم ومن تكن همه تسمو به الهمموناظر في سوى معناك حق له يقتص من جفنه بالدمع وهو دمنسيت كل طريق كنت أعرفه إلا طريقاً يؤديني لبابكمكيف لا تحب من أنت به، وتدبيرك منه ورجوعك إليه، وكل مستحسن في الوجود هو حسنه وجمله وزينه وعطف النفوس إليه؟
    أوصاف الله العظيمة تقتضي أنه أحق بمحبة العبد

    لقد أعطاك أيتها النفس! ما لم تأملي، وبلغك ما لم تطلبي، وستر عليك من القبيح ما لو فاح ضجت المشام، كم عدو حط منك بالذم فرقاك؟ كم أعطش من شراب الأماني خلقاً وسقاك؟ كم أمات بعض من لم يبلغ مرادك وأبقاك؟ من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر في إجابته، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأعجب من هذا علمك أنك لابد لك منه وأنك أحوج شيء إليه وأنت فيما يبعدك عنه راغب. تدبر أن لك رباً استوى على العرش يدبر أمر الممالك يأمر وينهى، يعز ويذل، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، قلوب العباد إليه مفضية، الغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون. أحاط بجميع الأصوات وعلمها، على اختلاف لهجاتها، وعلى كثرة شكايتها وحاجتها، لا يعجزه صوت عن صوت، ولا يتبرم بكثرة المسألة، أحاط بصره بجميع المرئيات، ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. وهو العليم أحاط علماً بالذي في الكون من سر ومن إعلان وكذاك يعلم ما يكون غداً وما قد كان والموجود في ذا الآن وكذاك أمر لم يكن لو كان كيف يكون ذاك الأمر ذا إمكاناوهو البصير يرى دبيب النملة السوداء فوق الصخر والصوان ويرى مجاري القوت في أعضائها ويرى بياض عروقها بعيان ويرى خيانات العيون بلحظها ويرى كذاك تقلب الأجفان والله أمر أهل طاعته وأهل مجالسته ألا يقنطوا من رحمته، إن تابوا إليه فهو حبيبهم، وإن لم يتوبوا فهو طبيبهم، يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعائب، كل إنسان إذا خفته تهرب منه، أما الله عز وجل فإنك إذا خفته تهرب إليه. ينادى على باب عزته: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، ويصاح على محجة حجته: لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [المؤمنون:84]. تترنم المخلوقات بفضله، لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53].
    نعم الله سبحانه على خلقه سبب لمحبة العباد له

    ويقول تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]. وقال تعالى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:13-14].وقال الله تبارك وتعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ [الأنعام:59].وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]. ينادي على باب عزته: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، ويصاح على محجة حجته: لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [المؤمنون:84]، ويخبر عن علمه مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7].تترنم المخلوقات بفضله: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]. ويقول سبحانه: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]. يسبحه النبات جميعه وفريده، والشجر عتيقه وجديده، تمجده رهبان الطيور في صوامع الأشجار، فيطرب السامع تمجيده، فالبلبل بالحمد عابده، وكلما أقام خطيب الحمام النوح على منابر الدوح هيج المستهام تغريده، أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [العنكبوت:19]. قل للطبيب تخطفته يد الردى أمداوي الأمراض من أرداكاقل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكاقل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاكاقل للضرير خطا بين الزحام بلا اصطدام من يقود خطاكاقل للبصير وكان يحذر حفرة فهَوَى بها من ذا الذي أهواكاقل للجنين يعيش معزولاً بلا راعٍ ومرعى ما الذي يرعاكاوإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكاواسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكاواسأل بطون النَّحل كيف تقاطرت شهدًا وقل للشهد من حلاَّكابل سائل اللبن المُصَفَّى كان بين دم وفرث ما الذي صفَّاكاوإذا رأيت الحي يخرج من حنا يا ميتٍ فاسأله من أحياكاقل للنبات يجفُّ بعد تعهُّدٍ ورعاية من بالجفاف رَمَاكاوإذا رأيت النَّبت في الصحراء ير بو وحده فاسأله من أَرباكاقل للمرير من الثمار من الذي بالمرِّ من دون الثمار غذاكاوإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله من يا نخل شقَّ نواكايا منبت الأزهار عاطرة الشَّذَى هذا الشذى الفواح نفح شذاكايا مجري الأنهار ما جريانها إن لم تعانق قطرة بنداكا فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي ما خاب يوماً من دعا ورجاكايا أيها الماء المهين من الذي سوَّاك ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاكاومن الذي غذَّاك من نَعْمَائِه ومن الكروب جميعها نجَّاكا؟ومن الذي شقَّ العيون فأبصرت ومن الذي بالعقل قد حلاَّكا؟ومن الذي تعصي ويغفر دائمًا؟ ومن الذي تنسى ولا ينساكا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الاستفتاح في صلاة الليل يقول: (اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك آمنت، وبك أسلمت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، أنت إلهي، لا إله إلا أنت).
    بيان محبة النبي صلى الله عليه وسلم

    الحمد الله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ثم أما بعد:فقال في الحديث: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سوهما)، ولا يكمل إيمان العبد حتى يحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من حبه لنفسه، كما قال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله! لأنت الآن أحب إلي من نفسي، فقال: (الآن يا عمر)، يعني: الآن كمل إيمانك يا عمر.ادعى قوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم محبة الله عز وجل فابتلاهم الله عز وجل بهذه الآية: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، أي: بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، والذي لا يريد طريق النبي صلى الله عليه وسلم فلن يدخل معه الجنة؛ لأنه كما قال الجنيد : (الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر النبي صلى الله عليه وسلم).ويقول الله عز وجل: والله لو أتوني من كل باب واستفتحوني من كل طريق، لم يدخلوا إلا من ورائه. فالذي يريد أن يدخل الجنة ليس أمامه إلا طريق واحد، وهو اتباع سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم. وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
    ولما قال عمر : يا رسول الله! إنا نجد بعض صحف اليهود فتعجبنا، غضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه، وحتى قال الصديق للفاروق ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! أغضبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمتهوكون أنتم بعدي)؟ يعني: أمتحيرون أنتم بعدي، (وقد جئتكم بها بيضاء نقية، والذي نفسي بيده! لو كان موسى بن عمران حياً ما وسعه إلا أن يتبعني). فسيدنا موسى عليه السلام كليم الرحمن لو كان موجوداً في عهد النبوة لما وسعه إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بي أنا وأنت الأذلاء المنقطعون عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك).
    محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم

    ومحبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم كانت عجيبة.فهذه امرأة يقتل زوجها وابنها وأبوها في الحرب فتقول: فما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون لها: هو بخير، فتقول: أروني أنظر إليه، فلما رأته قالت: يا رسول الله! كل مصيبة دونك جلل. تعني: صغيرة؛ لأن الجلل من ألفاظ الأضداد، فتستخدم للشيء التافه والشيء الضخم العظيم، فكل مصيبة دونك جلل أو كل مصيبة بعدك جلل.وما أحب أصحاب رجل هذا الرجل مثل ما أحب الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهم أخبار عجيبة في حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم أو للآثار التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا العباس بن المطلب كان له ميزاب على طريق فكان ينزل منه الماء إلى الطريق، فقال له عمر بن الخطاب : اخلعه، قال: والله لقد وضعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، فقال: والله لتطأن على رقبتي ولتردنه مكانه. ولما أصيب النبي صلى الله عليه وسلم في وجنتيه لما ضربه عبد الله بن قمئة فدخلت حلقة المغفر في وجنتيه استحلف أبو عبيده بن الجراح أمين هذه الأمة النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعهما هو، ثم قال: أنزعها بأسناني، فيشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا، فجعل ينزعهما بشفتيه؛ حتى لا يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فسقطت من أجل ذلك ثنيته، فكان أهتم بين المسلمين.وسيدنا طلحة بن عبيد الله أصيب بالعرج في غزوة أحد من كثرة ما أصابه من الطعن وضربات الرمح أو السيوف أو السهام، ثم قعد للنبي صلى الله عليه وسلم ليصعد على ظهره، وتكلف أن يمشي صحيحاً؛ حتى لا يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأصلح الله عرجته. ونحن ندعي حب النبي صلى الله عليه وسلم ونترك سيرته وأخلاقه، وإنما بمجرد الأقوال فقط إن عرفناه، أما السيرة والأخلاق ومعايشته للناس ووضعه في بيته ومعاونته للناس فنحن أبعد ما نكون عنها، فالتطبيق العملي أن تكون موافقاً للنبي صلى الله عليه وسلم في سنته التقريرية والقولية والفعلية، وتنظر إلى حياته وإلى سيرته.
    الحب في الله

    (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله).ويقول الله تبارك وتعالى: (حقت محبتي للمتاحبين في والمتباذلين في والمتزاورين في). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تبارك وتعالى: (المتحابون في والمتجالسون في والمتزاورون في على منابر من نور في ظل عرش الرحمن، يغبطهم النبيون والشهداء)؛ لقربهم من الرحمن، فلا تحب المرء إلا لوجه الله عز وجل، محبة خالصة من أي غرض دنيوي، لا لتجارة ولا لمال ولا لقرابة، وإنما تكون المحبة خالصة لوجه الله عز وجل، وكلما ازداد قرباً من الله عز وجل ازددت حباً له.وحينما تقع المحبة يكون بذل المال أحقر شيء، لما أتى فتح الموصلي إلى عيسى التمار وكان أخاً له في الله فقال للجارية: أين أخي؟ قالت: ليس موجوداً، قال لها: فأين كيس نقود أخي؟ فأتت بالكيس، فأخذ حاجته من الكيس، ثم رده مرة ثانية، فلما أتى قالت الجارية: أتى أخوك فتح الموصلي وقال: أين كيس نقود أخي، فأخذ حاجته ثم مضى، قال: أشهد الله أنك حرة لوجهه إن كان ما تقولينه حقاً.ولا تكتمل الصحبة حتى تقول لأخيك: يا أنا، إلا ما حرمه الله ورسوله، كلك لأخيك إلا ما حرمه الله ورسوله، أما واقع المسلمين فيوصف بقول الشاعر:يا من تنهش في أحشائييا من مني يا من جزء من أجزائييا من تبدو للجهال كأنك دائي إني أعلم أنك حتماً فيك شفائيقل لي هل يأتيك ندائيإنك مني أنت كأني حين شقائيحين جهلت طريق إلهي من عند الألف إلى الياءحين تصورت الدنيا حسي وغذائي وكفائيإنك مسلم تشهد أن إلهك واحد إنك فيها من شركائيلكنك دوماً تطعنني من خلفي وفي كعب حذائيحين أراك تقوم بهذا يغرقني خجلي وحيائيووشاة القوم إذا بانواتسري الطعنة في أحشائيقل لي هل يأتيك ندائيابغ العزة عند إلهيليس العز دمي وبكائي وغداً من قواك يميتك إن أنت أهملت ندائي كان الرجل منهم يموت فيخلفه أخوه في بيته أربعين سنة في الطعام والشراب والكسوة والمال على أهله لمجرد أنه كان أخاً له في الله فقط. فمن لك بأخيك كله؟ كل منا تقع منه هفوات، ولكن أين المسامحة؟ فأنصف الناس من نفسك والكمال عزيز، ولن تجد الرجل كاملاً.فإذا وجدت أخاً في الله عز وجل فشد عليه، فإن مجالسة الصالحين تحيي القلوب كما قال الحسن البصري.
    الرضا بالله رباً

    ومن الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان: من رضي بالله رباً، والرضا بالله رباً: أن ترضى بتدبير الله عز وجل وبكفاية الله عز وجل وبتدبير الله عز وجل، وأن تنزل كل حاجاتك بالله عز وجل.ومن تمام الرضا بالله رباً: أن ترضى به سيداً وإلهاً، وترضى به حكماً، وتوحيد الربوبية لازم له، وكذا توحيد الألوهية، إذ كيف ترضى به خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً ووكيلاً وناصراً ولا ترضى به معبوداً ولا إلهاً حكماً، وإذا رضيت به مدبراً لك فسلم الأمر تجده أولى بك منك.فسلم الأمور لله عز وجل وتوكل عليه وفوض الأمر إليه، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]، وهذا هو الجزاء الوحيد الذي لم يأت إلا في التوكل.وإذا أنزلت أمرك بالله عز وجل وفوضت الأمور إليه وجدت القرب منه على درجات لا تحيط بها العقول مثل ما يقول القائل: ما زلت أنزل من ودادك منزلاً تتحير الألباب كيف نزولهوالرسول صلى الله عليه وسلم ضرب لنا مثلاً تقريبياً فقط ولم يأت بكل درجات القرب، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: (من أتاني يمشي أتيته هرولة). ولكنه لم يقل: ومن أتاني مهرولاً فعلت به كذا وكذا. ومثل هذه الهرولة لا نحيط نحن بها. (ومن تقرب مني شرباً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً). ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر ومن تقرب إليه باعاً. فهناك درجات في القرب له لا تحيط بها العقول، فمن تقرب إلى الله بجوارحه بأداء النوافل والفرائض أحبه الله عز وجل، وكان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، وهذا فعل الجوارح.ومن أتى الله عز وجل بكليته -بقلبه كله وبروحه كله وبسره كله وبهمه كله- يكون الجزاء درجات في القرب لا تحيط بها العقول ولا الأفهام، وتكفي الإشارة إليها: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خرابإذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
    الرضا بالإسلام ديناً

    والرضا بالإسلام ديناً، فالناس تهرب من الإسلام، ونحن محتاجون لعدة سنين حتى نكون أهلاً لأن ننسب إلى الإسلام الذي سأله خليل الرحمن عندما قال: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ [البقرة:128].وقد قال الله عز وجل: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة:130]. والسفيه هو الذي لا يرضى بدين الإسلام ولا أن ينتسب إلى هذا الدين، ويعلم أنه في دنيا الفناء وأن الجمال كله في الدنيا والآخرة في الإسلام، فالذي يحس بهذا فعليه أن يقوم من جديد درجة انتمائه إلى الإسلام العزيز الرفيع: إذا أنت غمت عليك السماء وضلت حواسك عن صبحهافعش دودة في ظلام القبور تغوص وتسبح في قيحهافيا له من دين لو أن له رجالاً، فلو تمسك به أناس لرفعهم فوق هامات السحاب، ولما ابتعدنا نحن عنه أذلنا الله عز وجل، يقول سيدنا عمر بن الخطاب وهو على أبواب القدس: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله). أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:83].
    الرضا بمحمد نبياً ورسولاً

    والرضا بمحمد رسولاً: قال الله تبارك وتعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65]، أي: ويرضون بحكم الله عز وجل، وهذه مرتبة الإسلام، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ [النساء:65]، وهذه مرتبة الإيمان، وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وهذه مرتبة الإحسان، كما قال ابن القيم.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. رب اجعلنا لك شكارين، لك ذكارين، إليك أواهين مخبتين منيبين، تقبل توبتنا، واغفر حوبتنا، واسلل سخائم صدورنا، بك نستنصر فانصرنا، وعليك نتوكل فلا تكلنا، وإياك نسأل فلا تحرمنا، ولجنابك ننتسب فلا تبعدنا، وببابك نقف فلا تطردنا.إلهي عميت عين لا تراك عليها رقيباً! وخسر قلب لم يجعل له من حبك نصيباً! إلهي ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله فكن دليلنا، إلهي ما أوحش الطريق على من لم تكن أنيسه فكن أنيسنا، إلهي آتنا أطباء عبادك يداووا لنا خطايانا فكلهم عليك يدلنا.اللهم داو أمراض قلوبنا، اللهم أنت أصلحت الصالحين فاجعلنا من الصالحين، استرنا بالعافية ووفقنا لما تحب. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، اللهم صل على عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر المسلمين المستضعفين في فلسطين، اللهم عليك باليهود، اللهم دمرهم، اللهم أرنا فيهم آية تنتقم بها منهم حتى ترضى، وتنتقم لأعراض المسلمين منهم حتى ترضى، ولبيوت المسلمين حتى ترضى، ولدماء المسلمين حتى ترضى. اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وبارك في أعمالنا. اللهم اجعل أموالنا وأولادنا وأنفاسنا وحركاتنا وسكناتنا وكل ما نملك خالصة لك، واجعل أموالنا وقفاً على دينك. اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

يعمل...
X