السَّلامُ عليكُنَّ ورَحمةُ اللهِ وبركاتُه ..
)(
أُخَيَّتي ، إذا أطفئتِ المِصباحَ ، وجِئتِ إلى فِراشِكِ ، ونِمتِ على
سَريركِ ، وأغمَضتِ عَيْنَيْكِ ، قبل أن تنامي ، فكِّـري قليلاً ، وتذكَّـري
تِلكَ الَّلحظاتِ ، أصعبَ الَّلحظاتِ ؛ حِين تنامينَ على فِراشِ المَوتِ ،
ويُشَلُّ جِسْمُكِ فلا تستطيعينَ تحريكَه .
تذكَّـري حِينَ تبدأُ السَّكَراتُ ، وتُسكَبُ العَبَراتُ ، ثُمَّ تنضَمِّينَ
بعدَها إلى الأمواتِ .
تذكَّـري حِينَ تُغمِضينَ عَيْنَيْكِ ولا تستطيعينَ فَتحَها .
تذكَّـري حِينَ تنامينَ ثُمَّ لا تستطيعينَ القِيَامَ .
تذكَّـري حِينَ تُغسَّلِينَ ، وتُقلَّبينَ يمينًا ويَسارًا ، وتُكَفَّنينَ ،
وتُحمَلِينَ على الأعناقِ ، ثُمَّ يُذهَبُ بكِ إلى القبور ، وتُدفَنينَ
تحتَ التُّرابِ ، ولا يبقى معكِ أهلٌ ولا أحباب ، ولا مالٌ ولا ثِياب .
شُلَّت حَرَكَتُكِ ، وذَهَبَت قُوَّتُكِ ، وراحَ صَوتُكِ ، وفَقدتِ كُلَّ ما
تملكينَ ، إلَّا عملَكِ الصَّالِح .
فارقتِ الدُّورَ والقصورَ ، وسكنتِ التُّرابَ والقبورَ ، تركتِ أحسنَ
الثِّيابِ ، ولَبستِ الأكفانَ ، وبعد أنْ كُنتِ تسيرينَ على الأرضِ
وتسكُنينَ فوقَها ، انتقلتِ إلى باطِنِها ، وساكنتِ الدُّودَ ، وبعـد أنْ
كُنتِ تجدين النُّورَ والضَّوءَ ، لم تَجِدي إلَّا الظُّلْمَةَ والوَحشةَ والوِحدة .
فلِماذا تتكبَّرينَ ؟! وعن رَبِّكِ تُعرِضِينَ ؟! وتُبارِزِينَ مَولاكِ
بالمَعصيةِ ولا تُبالِينَ ؟! وتسمعينَ المَواعِظَ ولا تخافِينَ ؟!
تُؤخِّرينَ صلاتِكِ ، وتتهاونينَ بِحِجابِكِ ، وتُطلِقينَ بَصرَكِ
في الحَرام ، وتفعلينَ الذّنوبَ والآثام .
أما تَفكَّـرتِ في لَحظةِ المَوتِ ، وعَـذابِ القبر ، وفي يَومِ القِيامةِ والنَّار !
أتعرِفينَ إلى أينَ تصيرين ؟! أتأمنينَ أنَّكِ عن النَّار ستُزَحزَحِينَ ؟!
لا واللهِ ، إنَّكِ لا تملكينَ شيئًا مِن ذلك .
فلِماذا تُصِرِّينَ على المَعصيةِ ، وتتكبَّرينَ على التَّوبةِ .
فعُـودِي أُخَيَّتي ، وتذكَّـري أنَّ المَوتَ آتٍ ، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ
ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ آل عِمران/185 .
نعم ، ستذوقينَ المَوتَ . فإنْ جاءَكِ وأنتِ على طاعةٍ ،
فستُرَحِّبينَ بِهِ ؛ لأنَّه سيُقرِّبُ مَوعِـدَ لِقائِكِ بِرَبِّكِ سُبحانه
وتعالى . قد تتألَّمِينَ قليلاً ، لكنَّكِ ستتحمَّلينَ ذلكَ حِينَ
تُبَشِّرُكِ المَلائِكةُ بالجَنَّةِ ، ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *
وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ الفجر/27-30 .
أُخيَّتي ، غُضِّي بَصرَكِ ، ولا تُطلِقيهِ في الحَرام ، فتُتعِبي
نَفْسَكِ ، وتتحمَّلينَ الآثامَ ، ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ
مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾ النور/31 .
احفظِي سَمعَكِ عن سَماعِ الحَرامِ ، مِن غِيبةٍ ونَميمةٍ
وكَذِبٍ وخَوْضٍ في الباطِل ، احفظِيهِ عن التَّنَصُّتِ ، ﴿ إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾
الإسراء/36 .
احفظِي كُلَّ جَوارِحِكِ عَمَّا يُغضِبُ اللهَ ، وتُوبِي توبةً صادِقةً لا
تعودِينَ بعدَها للذنب ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ
تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ التحريم/8 .
واعلمِي – أُخيَّتي – أنَّ اللهَ – سُبحانه وتعالى – يقبل التَّوْبَ ،
ويَغفِرُ الذَّنبَ ، ويَعفو عن السَّيِّئاتِ ، ويتجاوزُ عن الزَّلَّاتِ ،
فاطلُبي عَفوَه – سُبحانه – ومغفرتَه ، واحذري غَضَبَهُ ، فإنَّ
غَضَبَهُ شديدٌ ، وعذابَهُ شديد ، ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾
آل عمران/28 .
اللهم اغفِر ذنُوبَنا ، وأصلِح عُيوبَنا ، واختِم بالصَّالِحاتِ
أعمالَنا ، وأدخِلنا الفِردوسَ الأعلى .
~