أولا : كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة
مستحيلٌ أن يحرر الأقصى جيل لم يعرف الله .
كيف يحرر الأقصى جيل تحدى الله وحادَّ شرع الله وانحرف بعيداً عن منهج الله
جل وعلا ؟!!
عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس وهو يقرأ قرآن ربه جل وعلا أما اليوم فإن الأمة قد نحَّت قرآن الله وتحدَّت شريعة الله .
الفاروق عمر فتح القدس واستلم المفاتيح لأنه جاء وقد أحنى رأسه ذلاَّ لله وتواضعا لله
جاء عمر الفاروق يتلو كتاب الله وينزل من على ظهر الدابة ليركب الخادم مرة وأمير المؤمنين مرة ومرة ثالثة يترك الأمير والخادم الدابة لتستريح !!
بهذه القلوب فتحت القدس ولن تحرر القدس إلا بمثل هذه القلوب التقية النقية الورعة.
وأمام القدس المبارك وعلى ثرى الأرض الطاهر يمر عمر الفاروق بدابته على مخاضة (بركة ماء) فينزل الفاروق من على ظهر الدابة فيلتفت إليه قائد الجيوش أمين الأمة أبو عبيدة ويقول : يا أمير المؤمنين والله ما أحب أن القوم قد استشرفوك ، لا أحب أن يراك القوم وأنت على هذه الحالة .
فقال فاروق الأمة : أوهِ يا أبا عبيدة لو قالها غيرك ، لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالاسلام فمهما ابتغينا العز فى غيره أزلنا الله !! الله أكبر .
وهذا صلاح الدين الذى تحرر قلبه انطلق ليحرر الأقصى الكريم المبارك صلاح الدين الذى سُئل يوماً : لماذا لم تُرى مبتسماً ؟!!
فيقول القائد البطل : والله لن أبتسم والقدس فى أيدى الصليبيين !!!
إنها القلوب التى عرفت ربها جل وعلا وجاءت مزعنة .. منقادة إلى الله ، فذلل الله لها الأرض ، بل وأنزل الله لها الملائكة .
أيها الأخيار الكرام : كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة .
فلن تتوحد كلمة الأمة إلا إذا التقت قلوب أبناءها على كلمة التوحيد .. على كلمة لا إله إلا الله
فإننا ندين لله بأن الخطوة الأولى على طريق تحرير القدس هى العقيدة، تصحيح العقيدة وتصحيح العبادة وتحقيق الشريعة وعودة الأمة إلى الله .
كلمة التوحيد تلزم الأمة أن تصرف العبادة كاملة لله .
كلمة التوحيد تلزم الأمة بأن تحكم شريعة الله .
كلمة التوحيد تلزم الأمة بالموالاة لله ورسوله وأن تتبرأ الأمة من الشرك والمشركين .
كلمة التوحيد تستلزم هذا كله .. أن ترجع الأمة للتوحيد بشموله. فالتوحيد ليس كلمة فحسب بل كلمة باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان .
ففى صحيح مسلم ممن حديث أبى هريرة أنه قال :
(( .... إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))(1) .
قال الحسن البصرى : ليس الايمان بالتمنى ولا بالتحلى ولكن الايمان ما وقر فى القلب وصدقته الأعمال .
فمن قال خيراً قُبِلَ منه ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه .
لن يحرر القدس إلا رجل العقيدة الذى عرف قدر الله وعظمة الله وامتثل عمليا قول الله سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163]
لن يحرر الأقصى إلا رجل العقيدة الذى استقر فى قلبه مفهوم الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين .
لن يحرر الأقصى إلا رجل العقيدة الذى استقر فى قلبه مفهوم البراء من الشرك والمشركين وراح يحول قلبه وواقعه ومنهج حياته قول الله جل وعلا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]
ثانياً : نبذ الفرقة وتوحيد الصف وتحقيق معنى الأخوة .
إن الفرقة شر .. والخلاف هزيمة وضعف .
قال جل وعلا : وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [لأنفال:46]
والله الذى لا إله غيره إن اليهود ما تلاعبوا بالأمة وضربوا الأمة بالنعال على أم رأسها إلا يوم أن علم اليهود أن الأمة مبعثرة وأن الأمة متشرذمة .فالأمة قد تمزقت إلى دويلات ، بل وتفتت الدويلات هى الأخرى إلى دويلات !!!.ودق العدو الفاجر مسماراً قذراً يسمى مسمار الحدود بين الدول الاسلامية والعربية ، ولا تكاد نار الفتنة تهدأ وتخمد على حدٍ بين دولتين إلا ويطرق الأعداء على رأس هذا المسمار بقوة فى مكان آخر لتشتعل النار مرة أخرى بين بلدين مسلمين عربيين . الأمة ممزقة والعدو لا يعترف إلا بالقوى !!
فالعالم لا يحترم الضعفاء .. والفرقة ضعف والاتحاد قوة .
الأمة تعلم يقيناً أنه لا عز لها ولا كرامة إلا إذا تكلمت بلسان رجلٍ واحد، فتوحيد الكلمة قوة فلماذاً لا تلتقى الأمة ؟!!
إن المسلمين لما قالوا كلمة واحدة فى حرب العاشر من رمضان تحولت بهذه الكلمات الموازين ، يوم أن اتخذ العرب قرار منع البترول انقلبت الموازين ، وتحولت الدفة تماماً !!
ما على الأمة إلا أن توحد الصف ، وأن تنبذ الفرقة والخلاف ، وأن تحقق معنى الأخوة .
ينبغى أن تنفض الأمة هذه النعرات وأن تسقط الأمة هذه الرايات وأن تعلى راية الاسلام وراية الأخوة .
وأن تحقق قول الله جل وعلا : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة [الحجرات:10].
هذه الأخوة هى التى ألَّفَت بين سلمان الفارسى ، وصهيب الرومى ، وأبى ذر الغفارى، وحمزة القرشى ، ومعاذ الأنصارى ، وبلال الحبشى ، إنها أخوة الدين - إنها أخوة العقيدة
فأخى وإن كان فى أقصى الشرق والغرب على الاسلام ، وأخى ابن أمى وأبى لا أعرفه إن كان على غير الاسلام .
أبى الاسلام لا أب لى سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
فالرابطة التى تربط الأمة هى رابطة الأخوة فى الله .
قال رسول الله : ((أوثق عرى الإيمان الحب فى الله والبغض فى الله)) (1).
ولو عرفنا معنى هذه الأخوة لعلمنا لإخواننا فى القدس وفى الشرق وفى الغرب حقوق علينا يجب علينا ألا نتنصل منها وإلا فإن الأمة كلها آثمة إن تخلت عن هذه الحقوق وضيعت هذه الواجبات .
قال الله جل وعلا : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10] .
وقال (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)) (2)
لا كرامة للأمة إلا إذا وحَّدَتْ صَفَّهَا ونزعت هذه الفرقة من قلوبها وحققت معنى الأخوة الايمانى فإن رابطة العقيدة هى أعظم رباط وهى أوثق صلة ، بدونها لا يمكن أبداً أن يحترم العالم كله هذه الأمة التي تبعثرت كتبعثر الغنم فى الليلة الشاتية الممطرة .
ثالثا : العودة الصادقة إلى أخلاق هذا الدين .
إن الأمة ويا حسرة عليها بعيدة كل البعد عن أخلاق محمد بن عبد الله ، والقدس لن تحرر بالخطب الرنانة ولا بالمواعظ البليغة المؤثرة ، فنحن نخطب من عشرات السنين !! والأمة ذليلة والقدس فى الأسر من عشرات السنين !! .
فلن يعاد القدس بالخطب والمواعظ والمؤتمرات الكلامية فقط ولا بالمظاهرات الصاخبة أو بحرق العلم الأمريكى أو اليهودى وإنما بعودة الأمة إلى أخلاق دينها من جديد لتحول الأمة هذا الدين فى حياتها إلى واقع وإلى منهج حياة .
قد يكون من اليسير كما ذكرت أن نقدم منهجاً نظرياً فى الأخلاق وأن نقدم منهجا نظرياً فى التربية .
ولكن هذا المنهج سيظل حبراً على ورق مالم تحوله الأمة فى حياتها إلى واقع عملى وإلى منهج حياة .
لقد أقام النبي للإسلام دولة من فتات متناثر وسط جاهلية جهلاء ووسط صحراء تموج بالكفر موجاً.
يوم أن قام النبي بطبع آلاف النسخ من المنهج التربوي الإسلامي ولكنه لم يطبعها بالحبر على صحائف الورق وإنما طبعها على صحائف القلوب بمداد من نور ، فيجب على الأمة بكل أفرادها أن تعود من جديد إلى أخلاق هذا الدين .
رابعاً : التخلص من الوهن
فما هو الوهن أحبتي في الله ؟!!
إن الذي أذل الأمة داء عضال تحدث عنه الذي لا ينطق عن الهوى ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود من حديث ثوبان أن النبي قال : ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)) قالوا : أو من قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله ؟ قال : ((كلا ، ولكنكم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل ، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم ويقذف في قلوبكم الوهن))، قيل وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : ((حب الدنيا وكراهية الموت)) (1)
إنه الداء العضال !! إنه الوهن الذى أذل الأمة .. إنه حب الدنيا .. إنه كراهية الموت.
إن الأمة الآن إلا من رحم ربك تعيش لشهواتها الحقيرة ونزواتها الرخيصة ولا حول ولا قوة إلا بالله !!!
قال جل وعلا : قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء: 77]
أيها المسلمون :
إن الفارق بيننا وبين أصحاب النبى أنهم كانوا يبحثون وسط ميدان البطولة والشرف عن الشهادة فى سبيل الله ، أما نحن فإننا نبحث عن الحياة وعن الخلود ورَكَنَّا إلى الوحل والطين!! إنه الوهن الذى أصاب الأمة بالذل والهوان !!
ولا كرامة ولا عزة لهذه الأمة إلا إذا تخلصت من الوهن !! إلا إذا تخلصت من حب الدنيا وكراهية الموت .. وعلمت يقينا أن الدنيا مهما طالت فهى قصيرة ، ومهما عظمت فهى حقيرة وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر وإن العمر مهما طال لابد من دخول القبر .
وهذا التخلص من الوهن سيعيد للأمة عزها وكرامتها وقوتها .
خامساً : (( رفع راية الجهاد فى سبيل الله ))
أحبتي في الله :
يجب أن نعلم جميعا أنه لا كرامة ولا عز لهذه الأمة إلا إذا رفعت من جديد ، راية الجهاد في سبيل الله ، وإن لم ترفع الأمة راية الجهاد الآن فمتي سترفع هذه الراية ؟!!
لقد سعدنا كثيرا لما تقدم شيخ الأزهر مجموعة الشباب ورفع يديه وهو يقول : حى على الجهاد .. فما أحلاها من كلمة .
قال المصطفى (إذا تبايعتم بالعينة ، ورضيتم بالزرع ، وتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد فى سبيل الله ، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا
إلى دينكم)) (1)
فلا عز ولا رفع لهذا الذل إلا إذا رفعت الأمة راية الجهاد فى سبيل الله .
فإننا نعتقد اعتقاداً جازماً قول الصادق المصدوق لمعاذ بن جبل :
((... ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟)) قال معاذ قلت : بلى يا رسول الله ، قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)) (2)
صدق الملجأ إلى الله
أيها الأخوة الكرام : لا تنسوا الدعاء .. ولا تستهينوا بالدعاء وصدق اللجوء إلى رب الأرض والسماء .
بين يدى الآن عشرات الآلاف أسألكم بالله من منكم يدعوا الله فى كل سجدة أن يحرر الأقصى وأن يفرج الكرب عن الأمة ؟!!
الدعاء سهام الليل .. أعظم جند .. فحارب به أعداء الله مع الأخذ بالأسباب التى ذكرت فنحن لا نجهل الأسباب ، والواقع الذي نحياه ولكن نعتقد اعتقاداً جازماً أن الأمة إن صدقت فى اللجوء إلى الله وقامت فى جوف الليل ولجأت إلى من بيده الأمر كله ، وإلى من بيده الكون كله لرأينا العجب العجاب .
فاصدقوا أيها المسلمون فى الدعاء وقوموا فى جوف الليل وتضرعوا إلى رب الأرض والسماء .
كان عمر بن الخطاب يقول : إنكم لا تنصرون بعتاد وعدد وإنما تنصرون من السماء ، فأنا لا أحمل هم الإجابة وإنما أحمل هم الدعاء .
تضرعوا يا مسلمون إلى الله سبحانه فأن الله عز وجل يقول :
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]
ولكن قد يتساءل البعض ويقول : منذ متى ونحن ندعوا الله ولم يستجب الله دعاءنا؟!!
والجواب : العودة إلى المنهج الذى ذكرت .. ولم لا ؟!
وقد ورد في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن النبي ((ذكر الرجل أَشْعَتَ أَغْبَرَ يطيل السفر يَمُدُّ يديه إلى السماء يقول : يارب ، يارب ومَطْعَمُهُ حرام ومشربه حرام ، وملبسه حرام وغُذِّىِ بَالحرام فَأَنَّي يُستْجَاَبُ لذلك؟)) (1).
ورد فى كتاب الزهد للامام أحمد رحمه الله : أن بنى إسرائيل خرجوا يجأرون إلى الله بالدعاء ، فأوحى الله إليهم فقال خرجتم تجأرون إلىّ بالدعاء حين اشتد عليكم غضبى ، ورفعتم إلى أكفاً سفكتم بها الدماء وملأتم بها بيوتكم من الحرام لن تزدادوا منى إلا بعداً ))
إن الدعاء له شروط ، لكى يُقبل ولكى يُستجاب ، وشروطه أن نعود للمنهج الذى ذكرت .
قالوا : يأبا إسحاق إبراهيم بن أدهم مالنا ندعوا الله فلا يستجاب لنا ؟!
قال : لأن قلوبكم قد ماتت بعَشَرةَ .
قالوا : وما هى ؟
قال : عرفتم الله فلم تؤدوا حقوقه !!
وزعمتم حب نبيه وتركتم سنته !!
وقرأتم القرآن ولم تعملوا به !!
وزعمتم أن الشيطان لكم عدو ولم تخالفوه !!
وأكلتم نَعَمَ الله ولم تؤدوا شكرها !!
وقلتم أنَ الجنة حق ولم تعملوا لها !!
وقلتم أن النار حق ولم تهربوا منها !!
وقلتم أن الموت حق ولم تستعدوا له !!
وانتبهتم فانشغلتم بعيوب الناس ، ونسيتم عيوبكم !!
ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم !!
إخوتاه : ماتت القلوب فكيف يستجيب علام الغيوب ، فأن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاهٍ غافل .
فالأصل أن تحيى القلوب وأن تعود من جديد إلى علام الغيوب .
أسأل الله جل وعلا أن يحيى قلوبنا وأن يقر أعيننا بنصرة الاسلام وعز الموحدين وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم .
هذه كلمات لشيخنا الجليل محمد حسان