بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر(ابن القيم)
حكى أبو الفرج ابن الجوزى في ذلك ثلاثة أقوال أحدها ان الصبر أفضل والثانى ان الشكر أفضل والثالث أنهما سواء كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت
ونحن نذكر ما احتجت به كل فرقة وما لها وعليها في احتجاجها بعون الله وتوفيقه. فصل: قال الصابرون قد أثنى الله سبحانه على الصبر وأهله ومدحه وأمر به وعلق عليه خير الدنيا والاخرة وقد ذكره الله في كتابه في نحو تسعين موضعا وقد تقدم من النصوص والأحاديث فيه وفي فضله ما يدل على أنه أفضل من الشكر ويكفي في فضله قوله "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر" فذكر ذلك في معرض تفضيل الصبر ورفع درجته على الشكر فإنه ألحق الشاكر بالصابر وشبهه به ورتبة المشبه به أعلى من رتبة المشبه وهذا كقوله: "مدمن الخمر كعابد وثن" ونظائر ذلك قالوا وإذا وازنا بين النصوص الواردة في الصبر والواردة في الشكر وجدنا نصوص الصبر اضعافها ولهذا لما كانت الصلاة والجهاد أفضل الاعمال كانت الاحاديث فيهما في سائر الابواب فلا تجد الاحاديث النبوية في باب أكثر منها في باب الصلاة والجهاد قالوا وايضا فالصبر يدخل في كل باب بل في كل مسئلة من مسائل الدين ولهذا كان من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد قالوا وأيضا فالله سبحانه وتعالى علق على الشكر الزيادة فقال {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} وعلق على الصبر الجزاء بغير حساب وايضا فإنه سبحانه أطلق جزاء الشاكرين فقال وسيجزى الله الشاكرين وقيد جزاء الصابرين بالاحسان فقال {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} قالوا وقد صح عن النبي أنه قال: يقول الله تعالى: "كل عمل ابن آدم له الا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به".
وفي لفظ: "كل عمل ابن آدم يضاعف له الحسنة بعشر أمثالها قال الله تعالى الا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به" وما ذاك الا لأنه صبر النفس ومنعها من شهواتها كما في الحديث نفسه يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلى ولهذا قال النبي لمن سأله عن أفضل الاعمال: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له" ولما كان الصبر حبس النفس عن اجابة داعى الهوى وكان هذا حقيقة الصوم فإنه حبس النفس عن اجابة داعى شهوة الطعام والشراب والجماع فسر الصبر في قوله تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة} أنه الصوم وسمى رمضان شهر الصبر وقال بعض السلف الصوم نصف الصبر وذلك أن الصبر حبس النفس عن اجابة داعى الشهوة والغضب فإن النفس تشتهى الشئ لحصول اللذة بإدراكه وتغضب لنفرتها من المؤلم لها والصوم صبر عن مقتضى الشهوة فقط وهى شهوة البطن والفرج دون مقتضى الغضب ولكن من تمام الصوم وكماله صبر النفس عن اجابة داعى الامرين وقد أشار إلى ذلك النبي في الحديث الصحيح وهو قوله: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يجهل ولا يصخب فإن أحد سابه أو شاتمه فليقل انى صائم" فأرشد إلى تعديل قوى الشهوة والغضب وأن الصائم ينبغى له أن يحتمى من افسادهما لصومه فهذه تفسد صومه وهذه تحبط أجره كما قال في الحديث الاخر: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".قالوا ويكفي في فضل الصبر على الشكر قوله تعالى أنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون فجعل فوزهم جزاء صبرهم وقال تعالى والله مع الصابرين لا شئ يعدل معيته لعبده كما قال بعض العارفين ذهب الصابرون بخير الدنيا والاخرة لأنهم نالوا معية الله وقال تعالى واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا وهذا يتضمن الحراسة والكلاءة والحفظ للصبر لحكمه
وقد وعد الصابرين بثلاثة أشياء كل واحد خير من الدنيا وماعليها وهى صلواته تعالى عليهم ورحمته لهم وتخصيصهم بالهداية في قوله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون وهذا مفهم لحصر الهدى فيهم وأخبر أن الصبر من عزم الأمور في آيتين من كتابه وأمر رسوله أن يتشبه بصبر أولى العزم من الرسل وقد تقدم ذكر ذلك
قالوا وقد دل الدليل على أن الزهد في الدنيا والتقلل منها مهما أمكن من الاستكثار منها والزهد فيها حال الصابر والاستكثار منها حال الشاكر قالوا وقد سئل المسيح صلوات الله وسلامه عليه عن رجلين مرا بكنز فتخطاه أحدهما ولم يلتفت اليه وأخذه الاخر وأنفقه في طاعة الله تعالى أيهما أفضل فقال الذى لم يلتفت اليه وأعرض عنه أفضل عند الله
قالوا ويدل على صحة هذا أن النبي عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فلم يأخذها وقال بل أجوع يوما وأشبع يوما ولو أخذها لأنفقها في مرضاة الله وطاعته فآثر مقام الصبر عنها والزهد فيها قالوا وقد علم أن الكمال الانسانى في ثلاثة أمور علوم يعرفها وأعمال يعمل بها وأحوال ترتب له على علومه وأعماله وأفضل العلم والعمل والحال العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله والعمل بمرضاته وانجذاب القلب إليه بالحب والخوف والرجاء فهذا أشرف ما في الدنيا وجزاؤه أشرف ما في الاخرة وأجل المقاصد معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وهذا أجل سعادة الدنيا والآخرة وهذا هو الغاية التى تطلب لذاتها وانما يشعر العبد تمام الشعور بأن ذلك عين السعادة اذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الاخرة والا فهو في الدنيا وان شعر بذلك بعض الشعور فليس شعوره به كاملا للمعارضات التى عليه والمحن التى امتحن بها والا فليست السعادة في الحقيقة سوى ذلك وكل العلوم والمعارف تبع لهذه المعرفة مرادة لأجلها وتفاوت العلوم في فضلها بحسب افضائها إلى هذه المعرفة وبعدها فكل علم كان أقرب افضاء إلى العلم بالله وأسمائه وصفاته فهو أعلى مما دونه وكذلك حال القلب فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذى خلق له فهو أشرف مما دونه وكذلك الاعمال فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب افضائها إلى المقصود وهكذا يجب أن يكون فإن كل ما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك واذا أشتركت عدة أعمال في هذا الافضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله واشتركت المعاصى في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها وتأثير الطاعات والمعاصى بحسب درجاتها
وها هنا أمر ينبغى التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره فالغنى الذى بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شئ منه فصدقته وايثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة والشجاع الشديد الذى يهاب العدو سطوته وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع والعالم الذى قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح وولى الامر الذى قد نصبه الله للحكم بين عباده جلوسه ساعة للنظر في المظالم وانصاف المظلوم من الظالم واقامة الحدود ونصر المحق وقمع المبطل أفضل من عبادة سنين من غيره ومن غلبت عليه شهوة النساء فصومه له أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته وتأمل تولية النبي لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله وترك تولية ابى ذر بل قال له: "إنى أراك ضعيفا وانى أحب لك ما أحب لنفسى لا تؤمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" وأمره وغيره بالصيام وقال: "عليك بالصوم فانه لا عدل له" وأمر آخر بأن لا يغضب وأمر ثالثا بأن لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله ومتى أراد الله بالعبد كمالا وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له قابل له قد هيئ له فاذا استفرغ وسعه على غيره وفاق الناس فيه كما قيل
ما زال يسبق حتى قال حاسده هذا طريق إلى العلياء مختصر
وهذا كالمريض الذى يشكو وجع البطن مثلا اذا استعمل دواء ذلك الداء انتفع به واذا استعمل دواء وجع الرأس لم يصادف داءه فالشح المطاع مثلا من المهلكات ولا يزيله صيام مائة عام ولا قيام ليلها وكذلك داء اتباع الهوى والاعجاب بالنفس لا يلائمه كثرة قراءة القرآن واستفراغ الوسع في العلم والذكر والزهد وانما يزيله اخراجه من القلب بضده ولو قيل ايما افضل الخبز أو الماء لكان الجواب أن هذا في موضعه أفضل وهذا في موضعه أفضل
واذا عرفت هذه القاعدة فالشكر ببذل المال عمل صالح يحصل به للقلب حال فهو دواء للداء الذى في القلب يمنعه من المقصود وأما الفقير الزاهد فقد استراح من هذا الداء والدواء وتوفرت قوته على استفراغ الوسع في حصول المقصود
ثم أوردوا على أنفسهم سؤالا فقالوا فإن قيل فقد حث الشرع على الاعمال وانفصلوا عنه بأن قالوا الطبيب اذا أثنى على الدواء لم يدل على أن الدواء يراد لعينه ولا أنه أفضل من الشفاء الحاصل به ولكن الاعمال علاج لمرض القلوب ومرض القلوب مما لا يشعر به غالبا فوقع الحث على العمل المقصود وهو شفاء القلب فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل كالحجام يستخرج منك الدم المهلك
قالوا واذا عرف هذا عرف أن حال الصابر حال المحافظ على الصحة والقوة وحال الشاكر حال المتداوى بأنواع الأدوية لإزالة مواد السقم فصل قال الشاكرون لقد تعديتم طوركم وفضلتم مقاما غيره أفضل منه وقدمتم الوسيلة على الغاية والمطلوب لغيره على المطلوب لنفسه والعمل الكامل على الأكمل والفاضل على الأفضل ولم تعرفوا للشكر حقه ولا وفيتموه مرتبته وقد قرن تعالى ذكره الذى هو المراد من الخلق بذكره وكلاهما هو المراد بالخلق والأمر والصبر خادم لهما ووسيلة اليهما وعونا عليهما قال تعالى اذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون
وقرن سبحانه الشكر بالإيمان وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} أى ان وفيتم ما خلقتم له وهو الشكر والايمان فما أصنع بعذابكم
هذا وأخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده فقال {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} وقسم الناس إلى شكور وكفور فأبغض الأشياء اليه الكفر وأهله وأحب الأشياء اليه الشكر وأهله قال تعالى في الانسان {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}
وقال نبيه سليمان {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} وقال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وقال تعالى {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} وهذا كثير في القرآن يقابل سبحانه بين الشكر والكفر فهو ضده قال تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} والشاكرون هم الذين ثبتوا على نعمة الايمان فلم ينقلبوا على أعقابهم وعلق سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره وقد وقف سبحانه كثيرا من الجزاء على المشيئة كقوله {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} وقوله في الاجابة {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} وقوله في الرزق {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} وفي المغفرة {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} والتوبة {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} وأطلق جزاء الشكر اطلاقا حيث ذكر كقوله وسنجزى الشاكرين وسيجزى الله الشاكرين ولما عرف عدو الله ابليس قدر مقام الشكر وأنه من أجل المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} ووصف الله سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.
وذكر الامام أحمد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه سمع رجلا يقول اللهم اجعلنى من الاقلين فقال ما هذا فقال يا أمير المؤمنين ان الله قال وما آمن معه الا قليل وقال تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وقال { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} فقال عمر صدقت وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أول رسول بعثه إلى أهل الارض بالشكر فقال ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا وفي تخصيص نوح ها هنا بالذكر وخطاب العباد بأنهم ذريته اشارة إلى الاقتداء به فانه أبوهم الثانى فان الله تعالى لم يجعل للخلق بعد الغرق نسلا الا من ذريته كما قال تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين فأمر الذرية أن يتشبهوا بأبيهم في الشكر فانه كان عبدا شكورا
وقد أخبر سبحانه انما يعبده من شكره فمن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال واشكروا الله ان كنتم اياه تعبدون وأمر عبده موسى ان يتلقى ما آتاه من النبوة والرسالة والتكليم بالشكر فقال تعالى يا موسى انى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وأول وصية وصى الله بها الانسان بعد ماعقل عنه بالشكر له وللوالدين فقال ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير
وأخبر أن رضاه في شكره فقال تعالى وان تشكروا يرضه لكم وأثنى سبحانه على خليله ابراهيم بشكر نعمه فقال ان ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم فأخبر عنه سبحانه بأنه أمة أى قدوة يؤتم به في الخير وانه قانتا لله والقانت هو المطيع المقيم على طاعته والحنيف هو المقبل على الله المعرض عما سواه ثم ختم له بهذهالصفات بأنه شاكر لأنعمه فجعل الشكر غاية خليله. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
حكى أبو الفرج ابن الجوزى في ذلك ثلاثة أقوال أحدها ان الصبر أفضل والثانى ان الشكر أفضل والثالث أنهما سواء كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت
ونحن نذكر ما احتجت به كل فرقة وما لها وعليها في احتجاجها بعون الله وتوفيقه. فصل: قال الصابرون قد أثنى الله سبحانه على الصبر وأهله ومدحه وأمر به وعلق عليه خير الدنيا والاخرة وقد ذكره الله في كتابه في نحو تسعين موضعا وقد تقدم من النصوص والأحاديث فيه وفي فضله ما يدل على أنه أفضل من الشكر ويكفي في فضله قوله "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر" فذكر ذلك في معرض تفضيل الصبر ورفع درجته على الشكر فإنه ألحق الشاكر بالصابر وشبهه به ورتبة المشبه به أعلى من رتبة المشبه وهذا كقوله: "مدمن الخمر كعابد وثن" ونظائر ذلك قالوا وإذا وازنا بين النصوص الواردة في الصبر والواردة في الشكر وجدنا نصوص الصبر اضعافها ولهذا لما كانت الصلاة والجهاد أفضل الاعمال كانت الاحاديث فيهما في سائر الابواب فلا تجد الاحاديث النبوية في باب أكثر منها في باب الصلاة والجهاد قالوا وايضا فالصبر يدخل في كل باب بل في كل مسئلة من مسائل الدين ولهذا كان من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد قالوا وأيضا فالله سبحانه وتعالى علق على الشكر الزيادة فقال {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} وعلق على الصبر الجزاء بغير حساب وايضا فإنه سبحانه أطلق جزاء الشاكرين فقال وسيجزى الله الشاكرين وقيد جزاء الصابرين بالاحسان فقال {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} قالوا وقد صح عن النبي أنه قال: يقول الله تعالى: "كل عمل ابن آدم له الا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به".
وفي لفظ: "كل عمل ابن آدم يضاعف له الحسنة بعشر أمثالها قال الله تعالى الا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به" وما ذاك الا لأنه صبر النفس ومنعها من شهواتها كما في الحديث نفسه يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلى ولهذا قال النبي لمن سأله عن أفضل الاعمال: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له" ولما كان الصبر حبس النفس عن اجابة داعى الهوى وكان هذا حقيقة الصوم فإنه حبس النفس عن اجابة داعى شهوة الطعام والشراب والجماع فسر الصبر في قوله تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة} أنه الصوم وسمى رمضان شهر الصبر وقال بعض السلف الصوم نصف الصبر وذلك أن الصبر حبس النفس عن اجابة داعى الشهوة والغضب فإن النفس تشتهى الشئ لحصول اللذة بإدراكه وتغضب لنفرتها من المؤلم لها والصوم صبر عن مقتضى الشهوة فقط وهى شهوة البطن والفرج دون مقتضى الغضب ولكن من تمام الصوم وكماله صبر النفس عن اجابة داعى الامرين وقد أشار إلى ذلك النبي في الحديث الصحيح وهو قوله: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يجهل ولا يصخب فإن أحد سابه أو شاتمه فليقل انى صائم" فأرشد إلى تعديل قوى الشهوة والغضب وأن الصائم ينبغى له أن يحتمى من افسادهما لصومه فهذه تفسد صومه وهذه تحبط أجره كما قال في الحديث الاخر: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".قالوا ويكفي في فضل الصبر على الشكر قوله تعالى أنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون فجعل فوزهم جزاء صبرهم وقال تعالى والله مع الصابرين لا شئ يعدل معيته لعبده كما قال بعض العارفين ذهب الصابرون بخير الدنيا والاخرة لأنهم نالوا معية الله وقال تعالى واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا وهذا يتضمن الحراسة والكلاءة والحفظ للصبر لحكمه
وقد وعد الصابرين بثلاثة أشياء كل واحد خير من الدنيا وماعليها وهى صلواته تعالى عليهم ورحمته لهم وتخصيصهم بالهداية في قوله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون وهذا مفهم لحصر الهدى فيهم وأخبر أن الصبر من عزم الأمور في آيتين من كتابه وأمر رسوله أن يتشبه بصبر أولى العزم من الرسل وقد تقدم ذكر ذلك
قالوا وقد دل الدليل على أن الزهد في الدنيا والتقلل منها مهما أمكن من الاستكثار منها والزهد فيها حال الصابر والاستكثار منها حال الشاكر قالوا وقد سئل المسيح صلوات الله وسلامه عليه عن رجلين مرا بكنز فتخطاه أحدهما ولم يلتفت اليه وأخذه الاخر وأنفقه في طاعة الله تعالى أيهما أفضل فقال الذى لم يلتفت اليه وأعرض عنه أفضل عند الله
قالوا ويدل على صحة هذا أن النبي عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فلم يأخذها وقال بل أجوع يوما وأشبع يوما ولو أخذها لأنفقها في مرضاة الله وطاعته فآثر مقام الصبر عنها والزهد فيها قالوا وقد علم أن الكمال الانسانى في ثلاثة أمور علوم يعرفها وأعمال يعمل بها وأحوال ترتب له على علومه وأعماله وأفضل العلم والعمل والحال العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله والعمل بمرضاته وانجذاب القلب إليه بالحب والخوف والرجاء فهذا أشرف ما في الدنيا وجزاؤه أشرف ما في الاخرة وأجل المقاصد معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وهذا أجل سعادة الدنيا والآخرة وهذا هو الغاية التى تطلب لذاتها وانما يشعر العبد تمام الشعور بأن ذلك عين السعادة اذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الاخرة والا فهو في الدنيا وان شعر بذلك بعض الشعور فليس شعوره به كاملا للمعارضات التى عليه والمحن التى امتحن بها والا فليست السعادة في الحقيقة سوى ذلك وكل العلوم والمعارف تبع لهذه المعرفة مرادة لأجلها وتفاوت العلوم في فضلها بحسب افضائها إلى هذه المعرفة وبعدها فكل علم كان أقرب افضاء إلى العلم بالله وأسمائه وصفاته فهو أعلى مما دونه وكذلك حال القلب فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذى خلق له فهو أشرف مما دونه وكذلك الاعمال فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب افضائها إلى المقصود وهكذا يجب أن يكون فإن كل ما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك واذا أشتركت عدة أعمال في هذا الافضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله واشتركت المعاصى في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها وتأثير الطاعات والمعاصى بحسب درجاتها
وها هنا أمر ينبغى التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره فالغنى الذى بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شئ منه فصدقته وايثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة والشجاع الشديد الذى يهاب العدو سطوته وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع والعالم الذى قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح وولى الامر الذى قد نصبه الله للحكم بين عباده جلوسه ساعة للنظر في المظالم وانصاف المظلوم من الظالم واقامة الحدود ونصر المحق وقمع المبطل أفضل من عبادة سنين من غيره ومن غلبت عليه شهوة النساء فصومه له أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته وتأمل تولية النبي لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله وترك تولية ابى ذر بل قال له: "إنى أراك ضعيفا وانى أحب لك ما أحب لنفسى لا تؤمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" وأمره وغيره بالصيام وقال: "عليك بالصوم فانه لا عدل له" وأمر آخر بأن لا يغضب وأمر ثالثا بأن لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله ومتى أراد الله بالعبد كمالا وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له قابل له قد هيئ له فاذا استفرغ وسعه على غيره وفاق الناس فيه كما قيل
ما زال يسبق حتى قال حاسده هذا طريق إلى العلياء مختصر
وهذا كالمريض الذى يشكو وجع البطن مثلا اذا استعمل دواء ذلك الداء انتفع به واذا استعمل دواء وجع الرأس لم يصادف داءه فالشح المطاع مثلا من المهلكات ولا يزيله صيام مائة عام ولا قيام ليلها وكذلك داء اتباع الهوى والاعجاب بالنفس لا يلائمه كثرة قراءة القرآن واستفراغ الوسع في العلم والذكر والزهد وانما يزيله اخراجه من القلب بضده ولو قيل ايما افضل الخبز أو الماء لكان الجواب أن هذا في موضعه أفضل وهذا في موضعه أفضل
واذا عرفت هذه القاعدة فالشكر ببذل المال عمل صالح يحصل به للقلب حال فهو دواء للداء الذى في القلب يمنعه من المقصود وأما الفقير الزاهد فقد استراح من هذا الداء والدواء وتوفرت قوته على استفراغ الوسع في حصول المقصود
ثم أوردوا على أنفسهم سؤالا فقالوا فإن قيل فقد حث الشرع على الاعمال وانفصلوا عنه بأن قالوا الطبيب اذا أثنى على الدواء لم يدل على أن الدواء يراد لعينه ولا أنه أفضل من الشفاء الحاصل به ولكن الاعمال علاج لمرض القلوب ومرض القلوب مما لا يشعر به غالبا فوقع الحث على العمل المقصود وهو شفاء القلب فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل كالحجام يستخرج منك الدم المهلك
قالوا واذا عرف هذا عرف أن حال الصابر حال المحافظ على الصحة والقوة وحال الشاكر حال المتداوى بأنواع الأدوية لإزالة مواد السقم فصل قال الشاكرون لقد تعديتم طوركم وفضلتم مقاما غيره أفضل منه وقدمتم الوسيلة على الغاية والمطلوب لغيره على المطلوب لنفسه والعمل الكامل على الأكمل والفاضل على الأفضل ولم تعرفوا للشكر حقه ولا وفيتموه مرتبته وقد قرن تعالى ذكره الذى هو المراد من الخلق بذكره وكلاهما هو المراد بالخلق والأمر والصبر خادم لهما ووسيلة اليهما وعونا عليهما قال تعالى اذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون
وقرن سبحانه الشكر بالإيمان وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} أى ان وفيتم ما خلقتم له وهو الشكر والايمان فما أصنع بعذابكم
هذا وأخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده فقال {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} وقسم الناس إلى شكور وكفور فأبغض الأشياء اليه الكفر وأهله وأحب الأشياء اليه الشكر وأهله قال تعالى في الانسان {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}
وقال نبيه سليمان {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} وقال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وقال تعالى {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} وهذا كثير في القرآن يقابل سبحانه بين الشكر والكفر فهو ضده قال تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} والشاكرون هم الذين ثبتوا على نعمة الايمان فلم ينقلبوا على أعقابهم وعلق سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره وقد وقف سبحانه كثيرا من الجزاء على المشيئة كقوله {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} وقوله في الاجابة {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} وقوله في الرزق {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} وفي المغفرة {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} والتوبة {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} وأطلق جزاء الشكر اطلاقا حيث ذكر كقوله وسنجزى الشاكرين وسيجزى الله الشاكرين ولما عرف عدو الله ابليس قدر مقام الشكر وأنه من أجل المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} ووصف الله سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.
وذكر الامام أحمد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه سمع رجلا يقول اللهم اجعلنى من الاقلين فقال ما هذا فقال يا أمير المؤمنين ان الله قال وما آمن معه الا قليل وقال تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وقال { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} فقال عمر صدقت وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أول رسول بعثه إلى أهل الارض بالشكر فقال ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا وفي تخصيص نوح ها هنا بالذكر وخطاب العباد بأنهم ذريته اشارة إلى الاقتداء به فانه أبوهم الثانى فان الله تعالى لم يجعل للخلق بعد الغرق نسلا الا من ذريته كما قال تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين فأمر الذرية أن يتشبهوا بأبيهم في الشكر فانه كان عبدا شكورا
وقد أخبر سبحانه انما يعبده من شكره فمن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال واشكروا الله ان كنتم اياه تعبدون وأمر عبده موسى ان يتلقى ما آتاه من النبوة والرسالة والتكليم بالشكر فقال تعالى يا موسى انى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وأول وصية وصى الله بها الانسان بعد ماعقل عنه بالشكر له وللوالدين فقال ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير
وأخبر أن رضاه في شكره فقال تعالى وان تشكروا يرضه لكم وأثنى سبحانه على خليله ابراهيم بشكر نعمه فقال ان ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم فأخبر عنه سبحانه بأنه أمة أى قدوة يؤتم به في الخير وانه قانتا لله والقانت هو المطيع المقيم على طاعته والحنيف هو المقبل على الله المعرض عما سواه ثم ختم له بهذهالصفات بأنه شاكر لأنعمه فجعل الشكر غاية خليله. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات