ضوابط لتجنب الفتن
عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إِنَّ السَّعَيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَن)) [1].
وهاهنا يتساءل كثير من الغيورين والناصحين ممن يريدون لأنفسهم الخير والسعادة ولأمتهم أمة الإسلام العلو والرفعة : بمَ تُنال هذه السعادة ؟ وكيف يُظفَرُ بهذا المقصد الجليل ؟ وكيف تُتَقَى الفتُن ؟ وكيف يجنَّبُها المرء المسلم ويسلم من أوضارها وشرورها وأخطارها ؟
ذلك لأنَّ كلَّ مسلم ناصح غيور لا يريد لنفسه ولا لأمته ، لِمَا قام في قلبه من النصيحة لنفسه ولعباد الله المؤمنين متمثلاً في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) قُلْنَا لِمَنْ ؟ قَالَ : (( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) [2]. ومقتضَى النصيحة للنفس والغير أن يحذر العبد من الفتن وأن يسعَى جاهداً في البعد عنها والتخلص منها وعدم الوقوع فيها ، والتعوذ بالله من شرّها ما ظهر منها وما بطن.
وفي هذه الوقفة أُنَّبهُ على نقاط مهمَّة وأسُس عظيمة وضوابطَ قويمة يكون للمسلم بمراعاتها والتزامها التخلُّصُ من الفتن - بإذن الله تبارك وتعالى - وهي ضوابطُ عظيمة مستقاة من كتاب الله العزيز وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
1- وإنَّ أهم ما تُتَقَى به الفتن ويتجنَّب به شرُّها وضررها : تقوى الله جلّ وعلا وملازمة تقواه في السر والعلن والغيب والشهادة، والله تعالى يقول : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] أي : يجعل له مخرجاً من كلِّ فتنة وبلية وشرٍّ في الدنيا والآخرة ، ويقول الله تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }[الطلاق:4] ، والعاقبة دائمًا لأهل التقوى.
ولما وقعت الفتنة في زمن التابعين أتَى نفر من النصحاء إلى طلق بن حبيب رحمه الله وقالوا : قد وقعت الفتنة فكيف نتقيها ؟ فقال رحمه الله : اتقوها بالتقوى ، قالوا : أجمل لنا التقوى ؟ قال: "تقوى الله : عملٌ بطاعة الله على نور من الله رجاء رحمة الله، وترك معصية الله على نور من الله خيفة عقاب الله" .
وبهذا يُعلم أن تقوى الله ليست كلمةً يقولها المرء بلسانه أو دعوى يدَّعيها، وإنما تقوى الله عز وجل جدٌّ واجتهاد ونصحٌ للنفس بطاعة الله والتقرب إليه بما يرضيه، ولاسيما فعل الفرائض والواجبات والبعد عن المعاصي والمنكرات، فمن كان هذا شأنه نال – بإذن الله – العاقبة الحميدة والنهاية الرشيدة .
2- ومن الضوابط المهمة لاجتناب الفتن لزوم الكتاب والسنة والاعتصام بهما ، فإنَّ الاعتصام بالكتاب والسنة سبيل العزِّ والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد قال الإمام مالك رحمه الله إمام دار الهجرة : "السنة سفينة نوح فمن ركبها نجا ومن تركها هلك وغرق". ومن أَمَّرَ السنة على نفسه نطق بالحكمة وسلِمَ من الفتنة ونال خيري الدنيا والآخرة.
وقد ثبت في حديث العرباض بن سارية أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )) [3]
فالنجاةُ عند الاختلاف والسلامة من الفتنة إنما تكون بالتمسك بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والبعدِ عن البدع والأهواء ، وأن يحكِّم المرء السنة على نفسه، فيما يأتي ويذر في حركاته وسكناته وقيامه وقعوده وجميع شؤونه، ومن كان هذا شأنه فإنه يُعصم ويُوقَى - بإذن الله - من كلِّ شر وبلاء وفتنة ، وأما من يرخي لنفسه العِنان و يطلق لهواه الزِّمام فإنَّه يجر على نفسه الشر وعلى غيره من عباد الله .
3- ومن الضوابط العظيمة لاتِّقاء الفتن : الرفقُ والأناة وعدم العجلة والتأمل في عواقب الأمور ، فإنَّ العجلة لا تأتي بخير ، والأناة فيها الخير والبركة ، ومن كان عجولاً في أموره مندفعاً في تصرفاته ، فإنَّه لا يأمن على نفسه من الزلل والوقوع في الانحراف والخطل ، وأما من كان رفيقًا متأنيًا بعيدًا عن العجلة والتهور والاندفاع متأملاً وناظرًا في عواقب الأمور فإنَّه - بإذن الله - يصل إلى العواقب الحميدة التي يسعد بها في الدنيا والآخرة .
وقد جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: "إنها ستكون أمور مشتبهات فعليكم بالتُؤَدَة ، فإنَّك أَن تكون تابعًا في الخير، خيرٌ من أن تكون رأسًا في الشر".
إنَّ من يندفع ويتهور في معالجة الأمور ويبتعد عن سبيل الأناة والتؤدة يفتح على نفسه وعلى غيره من عباد الله باباً من الشر والبلاء يتحمل وزره ويبوء بإثمه ويجني عاقبته الوخيمة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ)) [4].
فالعاقل يكون على حذر ناظراً في عواقب الأمور ، حليمًا رفيقًا متأنيًا، بعيدًا عن الاندفاع والعجلة والتسرع، فإنَّ العجلة والتسرع والاندفاع لا تجرُّ على صاحبها إلا العواقب الوخيمة والأضرار الأليمة والنتائج السيئة .
4- وإنَّ من الضوابط المهمة : لزوم جماعة المسلمين والبعدُ عن التفرق والاختلاف، فإنَّ الفرقة شر والجماعة رحمة، الجماعة يحصل بها لحمة المسلمين وشدة ارتباطهم وقوة هيبتهم ، وتحقق وحدتهم ، ويحصل بها التعاون بينهم على البر والتقوى وعلى ما تكون به سعادتهم في الدنيا والآخرة . وأما الخلاف فإنَّه يجر عليهم شرورًا كثيرة وأضرارًا عديدة وبلاءً لا يحمدون عاقبته ، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، في غير ما حديث الوصيةُ بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة. قال صلى الله عليه وسلم : ((الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ)) [5]، وقال صلى الله عليه وسلم ((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ)) [6]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ)) [7]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((لَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا)) [8].
5- ومن الضوابط العظيمة التي يلزمُ مراعاتها لاتقاء الفتن واجتناب شرها : الأخذُ عن العلماء الراسخين والأئمة المحققين وترك الأخذ عن الأصاغر من الناشئين في طلب العلم المقلِّين في التحصيل منه ، يقول صلى الله عليه وسلم : ((الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ))[9]فالبركة مع الأكابر الذين رسخت أقدامهم في العلم وطالت مدتهم في تحصيله وأصبح لهم مكانة في الأمة بما آتاهم الله من العلم والحكمة والرزانة والأناة والنظر في عواقب الأمور ، فعن هؤلاء أمرنا أن نأخذ ، قال الله تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83] . فمن كان مُعَوِّلاً على هؤلاء أمن الفتنة وحمد العاقبة .
6- ومن الضوابط المهمة لتجنب الفتن : حسنُ الصلة بالله ودعاؤه سبحانه ، فإنَّ الدعاء مفتاح كلِّ خير في الدنيا والآخرة، ولاسيما سؤال الله تبارك وتعالى أن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن ، والتعوذ به سبحانه من مضلات الفتن ، فإن من استعاذ بالله أعاذه ، ومن سأل الله أعطاه ، فإنَّه سبحانه لا يخيب عبداً دعاه ولا يرد عبداً ناداه ، وهو القائل سبحانه : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة:186] .
وإنا لنسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجنِّب المسلمين الفتنَ ما ظهر منها وما بطنَ ، وأن يحفظ على المسلمين أمنهم وإيمانهم وأن يقيَهُم الشرور كلّها ، وأن يُحمِّدَهم العواقب ، وأن يرزقهم المآلات الحميدة والنهايات الرشيدة ، إنه سبحانه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إِنَّ السَّعَيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَن)) [1].
وهاهنا يتساءل كثير من الغيورين والناصحين ممن يريدون لأنفسهم الخير والسعادة ولأمتهم أمة الإسلام العلو والرفعة : بمَ تُنال هذه السعادة ؟ وكيف يُظفَرُ بهذا المقصد الجليل ؟ وكيف تُتَقَى الفتُن ؟ وكيف يجنَّبُها المرء المسلم ويسلم من أوضارها وشرورها وأخطارها ؟
ذلك لأنَّ كلَّ مسلم ناصح غيور لا يريد لنفسه ولا لأمته ، لِمَا قام في قلبه من النصيحة لنفسه ولعباد الله المؤمنين متمثلاً في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) قُلْنَا لِمَنْ ؟ قَالَ : (( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) [2]. ومقتضَى النصيحة للنفس والغير أن يحذر العبد من الفتن وأن يسعَى جاهداً في البعد عنها والتخلص منها وعدم الوقوع فيها ، والتعوذ بالله من شرّها ما ظهر منها وما بطن.
وفي هذه الوقفة أُنَّبهُ على نقاط مهمَّة وأسُس عظيمة وضوابطَ قويمة يكون للمسلم بمراعاتها والتزامها التخلُّصُ من الفتن - بإذن الله تبارك وتعالى - وهي ضوابطُ عظيمة مستقاة من كتاب الله العزيز وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
1- وإنَّ أهم ما تُتَقَى به الفتن ويتجنَّب به شرُّها وضررها : تقوى الله جلّ وعلا وملازمة تقواه في السر والعلن والغيب والشهادة، والله تعالى يقول : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] أي : يجعل له مخرجاً من كلِّ فتنة وبلية وشرٍّ في الدنيا والآخرة ، ويقول الله تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }[الطلاق:4] ، والعاقبة دائمًا لأهل التقوى.
ولما وقعت الفتنة في زمن التابعين أتَى نفر من النصحاء إلى طلق بن حبيب رحمه الله وقالوا : قد وقعت الفتنة فكيف نتقيها ؟ فقال رحمه الله : اتقوها بالتقوى ، قالوا : أجمل لنا التقوى ؟ قال: "تقوى الله : عملٌ بطاعة الله على نور من الله رجاء رحمة الله، وترك معصية الله على نور من الله خيفة عقاب الله" .
وبهذا يُعلم أن تقوى الله ليست كلمةً يقولها المرء بلسانه أو دعوى يدَّعيها، وإنما تقوى الله عز وجل جدٌّ واجتهاد ونصحٌ للنفس بطاعة الله والتقرب إليه بما يرضيه، ولاسيما فعل الفرائض والواجبات والبعد عن المعاصي والمنكرات، فمن كان هذا شأنه نال – بإذن الله – العاقبة الحميدة والنهاية الرشيدة .
2- ومن الضوابط المهمة لاجتناب الفتن لزوم الكتاب والسنة والاعتصام بهما ، فإنَّ الاعتصام بالكتاب والسنة سبيل العزِّ والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد قال الإمام مالك رحمه الله إمام دار الهجرة : "السنة سفينة نوح فمن ركبها نجا ومن تركها هلك وغرق". ومن أَمَّرَ السنة على نفسه نطق بالحكمة وسلِمَ من الفتنة ونال خيري الدنيا والآخرة.
وقد ثبت في حديث العرباض بن سارية أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )) [3]
فالنجاةُ عند الاختلاف والسلامة من الفتنة إنما تكون بالتمسك بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والبعدِ عن البدع والأهواء ، وأن يحكِّم المرء السنة على نفسه، فيما يأتي ويذر في حركاته وسكناته وقيامه وقعوده وجميع شؤونه، ومن كان هذا شأنه فإنه يُعصم ويُوقَى - بإذن الله - من كلِّ شر وبلاء وفتنة ، وأما من يرخي لنفسه العِنان و يطلق لهواه الزِّمام فإنَّه يجر على نفسه الشر وعلى غيره من عباد الله .
3- ومن الضوابط العظيمة لاتِّقاء الفتن : الرفقُ والأناة وعدم العجلة والتأمل في عواقب الأمور ، فإنَّ العجلة لا تأتي بخير ، والأناة فيها الخير والبركة ، ومن كان عجولاً في أموره مندفعاً في تصرفاته ، فإنَّه لا يأمن على نفسه من الزلل والوقوع في الانحراف والخطل ، وأما من كان رفيقًا متأنيًا بعيدًا عن العجلة والتهور والاندفاع متأملاً وناظرًا في عواقب الأمور فإنَّه - بإذن الله - يصل إلى العواقب الحميدة التي يسعد بها في الدنيا والآخرة .
وقد جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: "إنها ستكون أمور مشتبهات فعليكم بالتُؤَدَة ، فإنَّك أَن تكون تابعًا في الخير، خيرٌ من أن تكون رأسًا في الشر".
إنَّ من يندفع ويتهور في معالجة الأمور ويبتعد عن سبيل الأناة والتؤدة يفتح على نفسه وعلى غيره من عباد الله باباً من الشر والبلاء يتحمل وزره ويبوء بإثمه ويجني عاقبته الوخيمة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ)) [4].
فالعاقل يكون على حذر ناظراً في عواقب الأمور ، حليمًا رفيقًا متأنيًا، بعيدًا عن الاندفاع والعجلة والتسرع، فإنَّ العجلة والتسرع والاندفاع لا تجرُّ على صاحبها إلا العواقب الوخيمة والأضرار الأليمة والنتائج السيئة .
4- وإنَّ من الضوابط المهمة : لزوم جماعة المسلمين والبعدُ عن التفرق والاختلاف، فإنَّ الفرقة شر والجماعة رحمة، الجماعة يحصل بها لحمة المسلمين وشدة ارتباطهم وقوة هيبتهم ، وتحقق وحدتهم ، ويحصل بها التعاون بينهم على البر والتقوى وعلى ما تكون به سعادتهم في الدنيا والآخرة . وأما الخلاف فإنَّه يجر عليهم شرورًا كثيرة وأضرارًا عديدة وبلاءً لا يحمدون عاقبته ، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، في غير ما حديث الوصيةُ بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة. قال صلى الله عليه وسلم : ((الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ)) [5]، وقال صلى الله عليه وسلم ((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ)) [6]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ)) [7]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((لَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا)) [8].
5- ومن الضوابط العظيمة التي يلزمُ مراعاتها لاتقاء الفتن واجتناب شرها : الأخذُ عن العلماء الراسخين والأئمة المحققين وترك الأخذ عن الأصاغر من الناشئين في طلب العلم المقلِّين في التحصيل منه ، يقول صلى الله عليه وسلم : ((الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ))[9]فالبركة مع الأكابر الذين رسخت أقدامهم في العلم وطالت مدتهم في تحصيله وأصبح لهم مكانة في الأمة بما آتاهم الله من العلم والحكمة والرزانة والأناة والنظر في عواقب الأمور ، فعن هؤلاء أمرنا أن نأخذ ، قال الله تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83] . فمن كان مُعَوِّلاً على هؤلاء أمن الفتنة وحمد العاقبة .
6- ومن الضوابط المهمة لتجنب الفتن : حسنُ الصلة بالله ودعاؤه سبحانه ، فإنَّ الدعاء مفتاح كلِّ خير في الدنيا والآخرة، ولاسيما سؤال الله تبارك وتعالى أن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن ، والتعوذ به سبحانه من مضلات الفتن ، فإن من استعاذ بالله أعاذه ، ومن سأل الله أعطاه ، فإنَّه سبحانه لا يخيب عبداً دعاه ولا يرد عبداً ناداه ، وهو القائل سبحانه : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة:186] .
وإنا لنسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجنِّب المسلمين الفتنَ ما ظهر منها وما بطنَ ، وأن يحفظ على المسلمين أمنهم وإيمانهم وأن يقيَهُم الشرور كلّها ، وأن يُحمِّدَهم العواقب ، وأن يرزقهم المآلات الحميدة والنهايات الرشيدة ، إنه سبحانه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
********
________________
[1] رواه أبو داود (4263) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن أبي داود) (3585) .
[2] رواه مسلم (55) من حديث تميم الداري رضي الله عنه .
[3] رواه أبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وابن ماجه (42) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن أبي داود) (3851) .
[4] رواه ابن ماجه (237) ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن ابن ماجه) (194) .
[5] رواه أحمد (4/278) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع) (3109).
[6] رواه الترمذي (2165) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (1758) .
[7] رواه ابن أبي عاصم في (السنة) (81) من حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه ، وصححه الألباني رحمه الله في (ظلال الجنة) (1/40) .
[8] رواه البخاري (2410) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
[9] رواه ابن حبان (559) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وصححه الألباني رحمه الله في (الصحيحة) (1778)
المصدر موقع الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر