إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدُّعَاءُ وَالْقَدَرُ )(ابن القيم ()

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدُّعَاءُ وَالْقَدَرُ )(ابن القيم ()

    الدُّعَاءُ وَالْقَدَرُ

    مقتطفات من كتبه - مقالات مختارة من كتب ابن القيم
    لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمدوهو على كل شيئ قدير

    وَهَاهُنَا سُؤَالٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ:
    أَنَّ الْمَدْعُوَّ بِهِ إِنْ كَانَ قَدْ قُدِّرَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ وُقُوعِهِ، دَعَا بِهِ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَدْعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قُدِّرَ لَمْ يَقَعْ، سَوَاءٌ سَأَلَهُ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ.
    فَظَنَّتْ طَائِفَةٌ صِحَّةَ هَذَا السُّؤَالِ، فَتَرَكَتِ الدُّعَاءَ وَقَالَتْ: لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهَؤُلَاءِ مَعَ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، مُتَنَاقِضُونَ فَإِنَّ طَرْدَ مَذْهَبِهِمْ يُوجِبُ تَعْطِيلَ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ فَيُقَالُ لِأَحَدِهِمْ:
    إِنْ كَانَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ قَدْ قُدِّرَا لَكَ فَلَابُدَّ مِنْ وُقُوعِهِمَا، أَكَلْتَ أَوْ لَمْ تَأْكُلْ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرَا لَمْ يَقَعَا أَكَلْتَ أَوْ لَمْ تَأْكُلْ.
    وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قُدِّرَ لَكَ فَلَابُدَّ مِنْهُ، وَطِئْتَ الزَّوْجَةَ أَوِ الْأَمَةَ أَوْ لَمْ تَطَأْ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّزْوِيجِ وَالتَّسَرِّي، وَهَلُمَّ جَرَّا.
    فَهَلْ يَقُولُ هَذَا عَاقِلٌ أَوْ آدَمِيٌّ؟ بَلِ الْحَيَوَانُ الْبَهِيمُ مَفْطُورٌ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُ وَحَيَاتُهُ، فَالْحَيَوَانَاتُ أَعْقَلُ وَأَفْهَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.
    وَتَكَايَسَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: الِاشْتِغَالُ بِالدُّعَاءِ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ يُثِيبُ اللَّهُ عَلَيْهِ الدَّاعِيَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْمَطْلُوبِ بِوَجْهٍ مَا وَلَا فَرْقَ عِنْدَ هَذَا الْمُتَكَيِّسِ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْهُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ فِي التَّأْثِيرِ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَارْتِبَاطُ الدُّعَاءِ عِنْدَهُمْ بِهِ كَارْتِبَاطِ السُّكُوتِ وَلَا فَرْقَ.
    وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَكْيَسُ مِنْ هَؤُلَاءِ: بَلِ الدُّعَاءُ عَلَامَةٌ مُجَرَّدَةٌ نَصَبَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَارَةً عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَمَتَى وُفِّقَ الْعَبْدُ لِلدُّعَاءِ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً لَهُ وَأَمَارَةً عَلَى أَنَّ حَاجَتَهُ قَدِ انْقَضَتْ، وَهَذَا كَمَا إِذَا رَأَيْتَ غَيْمًا أَسْوَدَ بَارِدًا فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ وَعَلَامَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْطِرُ.
    قَالُوا: وَهَكَذَا حُكْمُ الطَّاعَاتِ مَعَ الثَّوَابِ، وَالْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي مَعَ الْعِقَابِ، هِيَ أَمَارَاتٌ مَحْضَةٌ لِوُقُوعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَا أَنَّهَا أَسْبَابٌ لَهُ.
    وَهَكَذَا عِنْدَهُمُ الْكَسْرُ مَعَ الِانْكِسَارِ، وَالْحَرْقُ مَعَ الْإِحْرَاقِ، وَالْإِزْهَاقُ مَعَ الْقَتْلِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سَبَبًا الْبَتَّةَ، وَلَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، إِلَّا مُجَرَّدُ الِاقْتِرَانِ الْعَادِيِّ، لَا التَّأْثِيرُ السَّبَبِيُّ وَخَالَفُوا بِذَلِكَ الْحِسَّ وَالْعَقْلَ، وَالشَّرْعَ وَالْفِطْرَةَ، وَسَائِرَ طَوَائِفِ الْعُقَلَاءِ، بَلْ أَضْحَكُوا عَلَيْهِمُ الْعُقَلَاءَ.
    وَلِلصَّوَابِ أَنَّ هَاهُنَا قِسْمًا ثَالِثًا، غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْمَقْدُورَ قُدِّرَ بِأَسْبَابٍ، وَمِنْ أَسْبَابِهِ الدُّعَاءُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ مُجَرَّدًا عَنْ سَبَبِهِ، وَلَكِنْ قُدِّرَ بِسَبَبِهِ، فَمَتَى أَتَى الْعَبْدُ بِالسَّبَبِ، وَقَعَ الْمَقْدُورُ، وَمَتَى لَمْ يَأْتِ بِالسَّبَبِ انْتَفَى الْمَقْدُورُ، وَهَذَا كَمَا قُدِّرَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقُدِّرَ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ، وَقُدِّرَ حُصُولُ الزَّرْعِ بِالْبَذْرِ، وَقُدِّرَ خُرُوجُ نَفْسِ الْحَيَوَانِ بِذَبْحِهِ، وَكَذَلِكَ قُدِّرَ دُخُولُ الْجَنَّةِ بِالْأَعْمَالِ، وَدُخُولُ النَّارِ بِالْأَعْمَالِ، وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْحَقُّ، وَهَذَا الَّذِي حُرِمَهُ السَّائِلُ وَلَمْ يُوَفَّقْ لَهُ.
    وَحِينَئِذٍ فَالدُّعَاءُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ، فَإِذَا قُدِّرَ وُقُوعُ الْمَدْعُوِّ بِهِ بِالدُّعَاءِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: لَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ، كَمَا لَا يُقَالُ: لَا فَائِدَةَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَجَمِيعِ الْحَرَكَاتِ وَالْأَعْمَالِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْأَسْبَابِ أَنْفَعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَلَا أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ.
    وَلَمَّا كَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَعْلَمَ الْأُمَّةِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْقَهَهُمْ فِي دِينِهِ، كَانُوا أَقْوَمَ بِهَذَا السَّبَبِ وَشُرُوطِهِ وَآدَابِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ.
    وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَسْتَنْصِرُ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَكَانَ أَعْظَمَ جُنْدَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: لَسْتُمْ تُنْصَرُونَ بِكَثْرَةٍ، وَإِنَّمَا تُنْصَرُونَ مِنَ السَّمَاءِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنِّي لَا أَحْمِلُ هَمَّ الْإِجَابَةِ، وَلَكِنْ هَمَّ الدُّعَاءِ، فَإِذَا أُلْهِمْتُمُ الدُّعَاءَ، فَإِنَّ الْإِجَابَةَ مَعَهُ، وَأَخَذَ الشَّاعِرُ هَذَا الْمَعْنَى فَنَظَمَهُ فَقَالَ:
    لَوْ لَمْ تُرِدْ نَيْلَ مَا أَرْجُو وَأَطْلُبُهُ ... مِنْ جُودِ كَفَّيْكَ مَا عَلَّمْتَنِي الطَّلَبَا
    فَمَنْ أُلْهِمَ الدُّعَاءَ فَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الْإِجَابَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [سُورَةُ غَافِرٍ: 60] وَقَالَ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)
    وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» .
    وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِضَاءَهُ فِي سُؤَالِهِ وَطَاعَتِهِ، وَإِذَا رَضِيَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَكُلُّ خَيْرٍ فِي رِضَاهُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ فِي غَضَبِهِ.
    وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ أَثَرًا [ «أَنَا اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، إِذَا رَضِيتُ بَارَكْتُ، وَلَيْسَ لِبَرَكَتِي مُنْتَهًى وَإِذَا غَضِبْتُ لَعَنْتُ، وَلَعْنَتِي تَبْلُغُ السَّابِعَ مِنَ الْوَلَدِ» ] .
    وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَالْفِطْرَةُ وَتَجَارِبُ الْأُمَمِ - عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَمِلَلِهَا وَنِحَلِهَا - عَلَى أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ، وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَضْدَادَهَا مِنْ أَكْبَرِ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ شَرٍّ، فَمَا اسْتُجْلِبَتْ نِعَمُ اللَّهِ، وَاسْتُدْفِعَتْ نِقْمَتُهُ، بِمِثْلِ طَاعَتِهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ.
    وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حُصُولَ الْخَيْرَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَحُصُولَ السُّرُورِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْأَعْمَالِ، تُرَتُّبَ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ، وَالْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَالْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ يَزِيدُ عَلَى أَلْفِ مَوْضِعٍ.
    فَتَارَةً يُرَتِّبُ الْحُكْمَ الْخَبَرِيَّ الْكَوْنِيَّ وَالْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 166] .
    وَقَوْلِهِ: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 55] .
    وَقَوْلِهِ: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا) [الْمَائِدَةِ: 83] .
    وَقَوْلِهِ: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 35] .
    وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا.
    وَتَارَةً يُرَتِّبُهُ عَلَيْهِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 29] .
    وَقَوْلِهِ: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التَّوْبَةِ: 11] .
    وَقَوْلِهِ: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [سُورَةُ الْجِنِّ: 16] .
    وَنَظَائِرِهِ.
    وَتَارَةً يَأْتِي بِلَامِ التَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ: (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [سُورَةُ ص: 29] .
    وَقَوْلِهِ: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 143] .
    وَتَارَةً يَأْتِي بِأَدَاةِ كَيِ الَّتِي لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) [سُورَةُ الْحَشْرِ: 77] .
    وَتَارَةً يَأْتِي بِبَاءِ السَّبَبِيَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 182] .
    وَقَوْلِهِ: (بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 105] .
    وَقَوْلِهِ: (بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ، وَقَوْلِهِ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 112] .
    وَتَارَةً يَأْتِي بِالْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ ظَاهِرًا أَوْ مَحْذُوفًا، كَقَوْلِهِ: (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 282] .
    وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 172]
    وَقَوْلِهِ: (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا) [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 156] ، أَيْ: كَرَاهَةَ أَنْ تَقُولُوا.
    وَتَارَةً يَأْتِي بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ كَقَوْلِهِ: (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا) [سُورَةُ الشَّمْسِ: 14] .
    وَقَوْلِهِ: (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً) [سُورَةُ الْحَاقَّةِ: 10] .
    وَقَوْلِهِ: (فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) الْمُؤْمِنُونَ: 48] .
    وَتَارَةً يَأْتِي بِأَدَاةِ [لَمَّا] الدَّالَّةِ عَلَى الْجَزَاءِ، كَقَوْلِهِ: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 55] .
    وَنَظَائِرِهِ.
    وَتَارَةً يَأْتِي بِإِنَّ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ، كَقَوْلِهِ: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 90] .
    وَقَوْلِهِ فِي ضَوْءِ هَؤُلَاءِ: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) [الْأَنْبِيَاءِ: 77] .
    وَتَارَةً يَأْتِي بِأَدَاةِ " لَوْلَا "، الدَّالَّةِ عَلَى ارْتِبَاطِ مَا قَبْلَهَا بِمَا بَعْدَهَا، كَقَوْلِهِ: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 143 - 144] .
    وَتَارَةً يَأْتِي " بِلَوِ " الدَّالَّةِ عَلَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 66] .
    وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ صَرِيحٌ فِي تُرَتُّبِ الْجَزَاءِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْأَحْكَامِ الْكَوْنِيَّةِ وَالْأَمْرِيَّةِ عَلَى الْأَسْبَابِ، بَلْ تَرْتِيبِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَصَالِحِهِمَا وَمَفَاسِدِهِمَا عَلَى الْأَسْبَابِ وَالْأَعْمَالِ.
    وَمَنْ تَفَقَّهَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَأَمَّلَهَا حَقَّ التَّأَمُّلِ انْتَفَعَ بِهَا غَايَةَ النَّفْعِ، وَلَمْ يَتَّكِلْ عَلَى
    الْقَدَرِ جَهْلًا مِنْهُ، وَعَجْزًا وَتَفْرِيطًا وَإِضَاعَةً، فَيَكُونُ تَوَكُّلُهُ عَجْزًا، وَعَجْزُهُ تَوَكُّلًا، بَلِ الْفَقِيهُ كُلَّ الْفِقْهِ الَّذِي يَرُدُّ الْقَدَرَ بِالْقَدَرِ، وَيَدْفَعُ الْقَدَرَ بِالْقَدَرِ، وَيُعَارِضُ الْقَدَرَ بِالْقَدَرِ، بَلْ لَا يُمْكِنُ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَعِيشَ إِلَّا بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ وَالْبَرْدَ وَأَنْوَاعَ الْمَخَاوِفِ وَالْمَحَاذِيرِ هِيَ مِنَ الْقَدَرِ.
    وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ سَاهُونَ فِي دَفْعِ هَذَا الْقَدَرِ بِالْقَدَرِ، وَهَكَذَا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ يَدْفَعُ قَدَرَ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ بِقَدَرِ التَّوْبَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَهَذَا وِزَانُ الْقَدَرِ الْمُخَوِّفِ فِي الدُّنْيَا وَمَا يُضَادُّهُ سَوَاءٌ، فَرَبُّ الدَّارَيْنِ وَاحِدٌ وَحِكْمَتُهُ وَاحِدَةٌ لَا يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا يُبْطِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَشْرَفِ الْمَسَائِلِ لِمَنْ عَرَفَ قَدْرَهَا، وَرَعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
    لَكِنْ يَبْقَى عَلَيْهِ أَمْرَانِ بِهِمَا تَتِمُّ سَعَادَتُهُ وَفَلَاحُهُ.
    أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْرِفَ تَفَاصِيلَ أَسْبَابِ الشَّرِّ وَالْخَيْرِ، وَيَكُونَ لَهُ بَصِيرَةٌ فِي ذَلِكَ بِمَا يُشَاهِدُهُ فِي الْعَالَمِ، وَمَا جَرَّبَهُ فِي نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَمَا سَمِعَهُ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
    وَمِنْ أَنْفَعِ مَا فِي ذَلِكَ تُدَبُّرُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ كَفِيلٌ بِذَلِكَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَفِيهِ أَسْبَابُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا مُفَصَّلَةً مُبَيَّنَةً، ثُمَّ السُّنَّةِ، فَإِنَّهَا شَقِيقَةُ الْقُرْآنِ، وَهِيَ الْوَحْيُ الثَّانِي، وَمَنْ صَرَفَ إِلَيْهِمَا عِنَايَتَهُ اكْتَفَى بِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا، وَهُمَا يُرِيَانِكَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَأَسْبَابَهُمَا، حَتَّى كَأَنَّكَ تُعَايِنُ ذَلِكَ عِيَانًا، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ أَخْبَارَ الْأُمَمِ، وَأَيَّامَ اللَّهِ فِي أَهْلِ طَاعَتِهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ، طَابَقَ ذَلِكَ مَا عَلِمْتَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَرَأَيْتَهُ بِتَفَاصِيلِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ، وَوَعَدَ بِهِ، وَعَلِمْتَ مِنْ آيَاتِهِ فِي الْآفَاقِ مَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، وَأَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ يُنْجِزُ وَعْدَهُ لَا مَحَالَةَ، فَالتَّارِيخُ تَفْصِيلٌ لِجُزْئِيَّاتِ مَا عَرَّفَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْكُلِّيَّةِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
    اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات

يعمل...
X