إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الهدف: بين الإفراط والتفريط

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الهدف: بين الإفراط والتفريط

    الهدف: بين الإفراط والتفريط


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين

    الهدف: بين الإفراط و التفريط
    إضافة رمضان 1428 هـ
    أيها الإخوة
    إن التطرف والغلو والتساهل والتفريط كلاهما داء واحد، ومشكلة واحدة..
    يقول ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان):
    "ومن كيد الشيطان العجيب، أن يشام النفس – أي يقترب منها – ويلتمس ما فيها، ويحس، ويشعر، ويعرف أصل المسألة في النفس. إنه يشام حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها؛ قوة الإقدام والشجاعة، أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة"
    حين يلتزم الملتزم ويبدأ الطريق، نقول له:
    أخي الملتزم وحبيبي في الله
    إنك حين تلتزم بعد فترة من المعاصي والسيئات، وتترك الشيطان، وتقبل على الله لا يتركك الشيطان، كيف وقد خدمك سنين؟! كيف وقد كنت صديقه الحميم؟! كيف وقد كنت حبيبه القريب؟! كيف وقد كان يستعملك في نصرة باطله على دين الله؟! كيف يتركك؟! إنه يقترب منك، يريد أن يضلك بأية طريقة، فيبدأ أول ما يبدأ يشام النفس، فيستشعر أنك حاد نشيط قوي النفس، أو أنك مهين بطيء لين بعيد هادئ ليست فيك أية قوة، ينظر أي القوتين تغلب، فإن رأى الغالب على النفس المهانة والإحجام، أخذ في تثبيطك وإضعاف همتك وإرادتك عن المأمور به وثقله عليك، فهون عليك تركه جملة أو تقصيرًا فيه.
    إخوتاه
    إن من أقدار الله الكونية العجيبة وجود تلك الجماعات، فأنت تجد على طرف أناسًا في منتهى الحماس والقوة، يغلبهم الطيش فيتصرفون بدون عقل ولا علم. وعلى الطرف الآخر تجد أناسًا لا يتكلمون إلا فيما فوق السماء وتحت الأرض، وما بينهما لا علاقة لهم به، لا يأبهون بأمراض الأمة ولا بتغيير منكر ولا بشيء، وهذا من عجيب تقدير الله سبحانه وتعالى.
    طرفان
    تجد الإنسان يبحث عما يناسبه من هذين، والشيطان يجره إلى ما يناسب نفسه، إن رأى نفسه تميل إلى المهانة والإحجام ثبطه وقال: " لا داعي للتشدد ولا للتقعر والشدة، لماذا إجهاد النفس؟ .." ثم يتهم الجماعات المخالفة له بالعُقد والتزمت.
    وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به؛ كقصة الشباب الثلاثة الذين أتوا بيوتات النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن عبادته فكأنهم تقالوها. تعْجب وأنت تقرأ الحديث – رضي الله عنهم أجمعين – ! تعْجب من أناس يستقلون عبادة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم تقالوها، و ذلك أن الشيطان أخذ يقلل عندهم المأمور ويوهمهم أنه لا يكفيهم، وأنهم يحتاجون معه إلى مبالغة وزيادة. يقصر بالأول، ويتجاوز بالثاني يشده إلى أعلى.
    وكما قال بعض السلف: "ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي الشيطان بأيهما ظفر، وقد اقتطع كثيرًا من الناس، إلا أقل القليل في هذين الواديين".
    وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه.
    و تلك مصيبة، مصيبة ضخمة أنك تجد إنسانا يشتد في الأمر ويغلظ فيه، فيتجاوز الحد، وآخر يفرط فيه، فلا تجد له أصلاً.
    يقول ابن القيم: " فقوم قصّر بهم الشيطان عن الإتيان بواجبات الطهارة،وقوم تجاوز بهم إلى مجاوزة الحد بالوسواس".
    كنت أتوضأ بالجامع الأزهر يوما، ثم رأيت رجلاً في أثناء الوضوء وهو يمسح على رأسه، فما مسّ إلا أقل القليل في أسفل الرأس عند خط انتهاء الشعر، فقلت في نفسي: "أهذا هو مسح الرأس عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟" وعندما اقتربت منه لأنصحه برفق قال لي: "وماذا في ذلك يا جاهل؟" قلت: "سبحان الله! وماذا يضرك لو فعلت السنة وهي الأحوط ومسحت بجميع رأسك؟! "
    على النقيض من هذا المثال تجد آخر يضع رأسه كلها تحت الصنبور، ولا يصدق أنه قد مسح رأسه، ومثل هؤلاء من أصحاب الوساوس كثيرون.
    طرفان
    قوم قصّر بهم الشيطان عن إخراج الواجب من المال؛ الزكاة المفروضة، وقوم تجاوز بهم حتى أخرجوا جميع ما في أيديهم، وقعدوا كلا على الناس مستشرفين ما بأيديهم.
    قصّر بقوم عن خلطة الناس حتى اعتزلوهم في الطاعات كالجمعة والجماعات، وتعلم العلم، والجهاد، وتجاوز بقوم حتى خالطوهم في الظلم والمعاصي والآثام.
    قصر بقوم حتى منعهم من الانشغال بالعلم الذي ينفعهم، قالوا: "العلم يفرق"!"العلم يقسي القلب"! "خلافات العلماء"! "نكتفي بكذا وكذا"! .. وتجاوز بآخرين حتى جعلوا العلم وحده هو غايتهم دون العمل به ولا الدعوة إليه ولا تعليمه، فصار العلم عندهم غاية، رغم أنه وسيلة للعمل.
    وقصّر بقوم حتى زين لهم ترك النكاح و هو سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم، فرغبوا عنه بالكلية، وتجاوز بآخرين حتى زنوا ووقعوا في الحرام.
    قصّر بقوم حتى جفوا الشيوخ من أهل الدين والصلاح، وأعرضوا عنهم، ولم يقوموا بحقهم، وتجاوز بآخرين حتى عبدوهم مع الله.
    هكذا تجدهم، تقول: "إن الإمام أحمد كان يقول كذا". فيرد عليك قائلا: "الذي يقوله لا يلزمني؛ هم رجال ونحن رجال!!"
    وتجاوز بالصوفية حتى جعلوا شيوخهم آلهة مع الله.
    قصّر بقوم حتى منعهم قبول أقوال أهل العلم، ولم يلتفتوا إليها بالكلية، وتجاوز بآخرين حتى جعلوا الحلال ما أحلوا والحرام ما حرموا، وقدموا أقوالهم على قول الله - جل وعلا- وكلام النبي صلى الله عليه و سلم.
    هذا عمل الشيطان. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".
    وقال: " هلك المتنطعون".
    وقال: " إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا واستعينوا بالغدوة، وشيء من الدلجة".
    فالتطرف والغلو من الأسباب التي تنحرف بالكثيرين عن طريق الالتزام، فالذين يحملون أنفسهم فوق ما تطيق ولا يقبلون التوسط في شيء، ويصرون على الغلو في كل شيء، هؤلاء معرضون بشكل أو بآخر لانتكاسات نفسية وإيمانية.
    أيها الشباب
    إنني – والله – لكم ناصح أمين
    إن النفس البشرية ضعيفة، وهي قد تتحمل العزائم حينا، ولكنها لا تقوى على حملها في كل حين أبد الدهر. لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم: " يا حنظلة، ساعة وساعة ".
    ≈ انتبه ≈
    "ساعة و ساعة" بفهم سلفي، ليس بفهم المتسيبين.
    ليس بفهم الذين يقولون: "ساعة تسمع القرآن، وساعة تسمع الأغاني!" ليس بفهم: "ساعة تصلي، وساعة تزني!" ليس بفهم: "ساعة تجلس في مجلس الذكر وتلاوة القرآن، وساعة تقامر وتلعب وتعصي الرحمن"
    لا
    بل ساعة وساعة، أي ساعة يعلو فيها الإيمان حتى تكون الجنة والنار كأنهما رأي عين، وساعة تعافس فيها الزوجات، وتلاعب فيها الأولاد، وتعالج فيها الضيعات، فينخفض المستوى الإيماني قليلاً، ولكنه لا يبلغ درجة الوقوع في الحرام أبدا، بل ولا حتى التوسع في المباحات.
    لذا أيها الإخوة، تدرجوا في التحمل حتى تتمكنوا من الاستمرار، ولا تحملوا النفس بالتكاليف دفعة واحدة.
    إن شرع الله يجب أن يؤخذ بلا زيادة أو نقصان، فالذي يزيد فيه كالذي ينقص منه، وحدود الحلال والحرام يجب التزامها - كما جاء بها الشرع - بدون تحايل عليها أو تأويل لها أو تساهل بها، فالذي لا يعرف من صفات الله إلا أنه غفور رحيم، يجب أن يصحح معلوماته، ويعرف أنه كذلك شديد العقاب، والذي لا يعرف إلا: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج: 12] يجب أن يصحح فيعرف أنه أيضاً رحيم ودود.
    أيها الإخوة
    إننا ينبغي أن ننتبه لهذه القضية، فإنك قد تجد بعض الناس في بداية الالتزام يلزم نفسه بتحريم كل شيء دون اجتهاد في العلم، ودون صبر في الطلب، ودون إذعان إلى كلام العلماء الكبار الذين عرفوا الشرع من منابعه، وتلقوه من مصادره، واستقبلوه من أسسه وأصوله، فلذلك تجد هؤلاء أول من يقعون فيما حرموا، ثم بعدها يكون التفلت والعياذ بالله، وقد ذكرت لكم أن النفس قد تتحمل في البداية، ولكنها لا تستطيع أن تتحمل دائماً إلا شرع الله، لأنه معلوم أصلاً أن الله لا يكلف بما لا يطاق، فإذا التزمنا الشرع فكل ما أمر به الشرع يطاق، ويمكن الاستمرار عليه، أما ما ابتدعناه واخترعناه وأخرجناه من عند أنفسنا دون كلام كبار العلماء من أهل السلف – رضوان الله عليهم – فإننا لا نطيقه، لذا سرعان ما ننكص ونعود.
    في مقابل ذلك، نرى أن الذي عوّد نفسه على الرخص في كل حين لن يتمكن من حملها على العزائم في أي حين، لأن من تعوّد الرخص يسقط في أول امتحان عزيمة، وتكون البلية والنهاية.
    إنني أرى بعض إخواننا - وللأسف الشديد- كل حياته رخص، كل حياته تساهل؛ في حياته التجارية، تعاملاته المادية، في حياته العائلية، في حياته الوظيفية، في كافة شؤونه، لا يكاد يرى حرجا في شيء، ولو رده إلى الشرع لوجد فيه انحرافاً وإثماً مبينا، و قديما قال بعض العلماء: "من تتبع رخص العلماء تزندق".
    فمثلاً يسلم على النساء زاعما أنهن من القواعد، وينظر إليهن قائلاً: "إن النظرة الأولى إذا كانت بدون شهوة ولا رغبة فلا بأس". ثم يأكل الحرام و يقول: "إن الأصل في الأشياء الحل"، و"هذه فيها شبهة"، و"أنا محتاج"، و"تلك ضرورة".. وهكذا يتوسع ويتوسع حتى تصبح حياته محطا لكل رذيلة، يجمع فيها سقطات العالم كله، وهذا – للأسف الشديد – لابد أن يسقط سريعاً؛ لأنه لا يبقى له من دينه من شيء.
    قال الحسن رضي الله عنه: " السنة – والذي لا إله إلا هو – بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها - رحمكم الله - وقد كان أهل السنة أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، إنهم الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنة نبيهم حتى لقوا ربهم، فكذلك فكونوا - إن شاء الله- ".
    و السؤال الآن:
    ما السبب في الغلو والتفريط؟ في التنطع والترك؟
    السبب هو الهوى
    فإن الإنسان يتابع هواه، وإذا دخل الهوى إلى القلب وضخّه مع الدم، توغل في العروق والمفاصل، فصارت العروق تنبض بالهوى، والمفاصل تتحرك بالهوى، فلا تصل إلى الله أبدا؛ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين؛ ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة؛ وهي الجماعة" – زاد بعضهم في رواية – وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله".
    أيها الإخوة
    إننا لا نعرف الاتزان والوسطية في اختلافاتنا، ولا علاقاتنا للأسف الشديد، ولكن يجب أن نعرفها على الأقل في ديننا، وهذا هو الأصل، وهو العلاج.
    ما هو علاج الغلو والتفريط؟
    العلاج هو العلم
    فبدون العلم لا يأمن الإنسان على نفسه الانحراف عن الصراط المستقيم، وقد أتي الكثير من قِبل الجهل وقلة العلم، ثم إنه لابد من طلب العلم بمنهجية.
    إن الإخوة ما زالوا يطلبون العلم هواية، وهذا لا يصلح ولا يصنع علما، ولا يثمر ثباتاً، لابد من طلب العلم بجدية ومنهجية وانضباط.
    بوّب الإمام البخاري بابا فقال: "باب العلم قبل القول والعمل" لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد: 19] لذا قال علماؤنا - رحمهم الله - " إن كل سَيْر لا يصاحبه علم يخاف عليه أن يكون من خدع الشيطان".
    لابد في سيرك إلى الله من علم، لابد من قوتين: قوة علمية تعرف بها الطريق وقوة عملية تسير بها، فالعلم بلا عمل يؤدي إلى النفاق، والعمل بلا علم يؤدي إلى الابتداع، والنجاة في العلم والعمل، لابد من علم وعمل، فالشيطان حين يرى عبدا من عباد الله قد عزم على السير إلى الله، فإنه يحاول منعه بكل الطرق والوسائل، فإن لم يجد الشيطان بدا من سير العبد سيّره بجهل فضلّله.
    قال الله:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل:24]
    وقال عز من قائل:{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (*) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}[الزخرف: 37،36].
    إنني كثيرا ما أذكركم بأية - أحسبها أخوف وأخطر آية في القرآن- وهي قول الله تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (*) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} .
    أخَــيّ
    إنك لابد وأن تثبت حتى تمتلئ يقينا أنك على الحق الصرف، وأنت ترى الشيطان إذا حاول الإنسان أن يسير في الطريق بدون علم، يحاول أن يشككه في أمور العقيدة، فيطرح عليه أسئلة عن الخلق والقدر، عن الأسماء والصفات..الخ، فإن لم يتحصن السائر إلى الله بالله ثم بالعلم، فإنه سيسقط في براثن الشيطان، ويبدأ في الانحراف عن الصراط المستقيم، كما كان الحال من الفرق الضالة التي تسمع عنها، والشيطان قد يزين للإنسان الباطل فيراه حقا.
    يقول ابن القيم:" فمن الناس من يتقيد بلباس لا يلبس غيره، أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره، أو بمشية لا يمشي غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنها، أو بعبادة معينة لا يتعبد بغيرها، وإن كانت أعلى منها، أو بشيخ معين لا يلتفت إلى غيره، وإن كان غيره أقرب إلى الله ورسوله منه، هؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى مصدودون عنه"
    والطريق الوحيد لأن تعلم أنك على الجادة الصحيحة أن تأتي جميع أعمالك خلف رجل واحد هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم.
    إن الشيطان يحاول وسيحاول دائماً وجاهداً أن يوقع العبد في البدع والشهوات، فإن لم يتحصن بالعلم، ولم يتبع هدي الرسول صلى الله عليه و سلم ولم يقتفِ أثره، فسيقع فيها دون أن يدري.
    فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم - وهو المعصوم و أفضل الخلق - لم يترك الزواج، لم يعتزل الناس، ولم يترك التداوي، فلا ينبغي أن نخالفه قيد أنملة، فالشريعة هي الحجة، وأفعال الرسول وتوجيهاته هي الميزان الذي نزن به أفعالنا، فنجعله صلى الله عليه و سلم - كما قال ابن القيم – " إماما وقدوة وحاكما، نجيبه إذا دعانا، ونقف معه إذا استوقفنا، ونسير إذا سار بنا، ونقبل إذا قال،وننزل إذا نزل، ونغضب لغضبه، ونرضى لرضاه، إذا أخبرنا عن شيء أنزلناه منزلة ما نراه بأعيننا، وإذا أخبرنا عن الله بخبر أنزلناه منزلة ما نسمعه من الله بآذاننا، فالطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأتباع الرسول إذا قعدت بهم أعمالهم قامت بهم عزائمهم وهممهم ومتابعتهم لنبيهم، والمنحرفون عن طريقه إذا قامت بهم أعمالهم واجتهادهم، قعد بهم عدولهم عن طريقه"
    ولابد هنا من ضابط آخر لمسألة اتباع النبي صلى الله عليه و سلم وهو فهم السلف، فلا بد أن نأخذ الكتاب والسنة بفهم هؤلاء السلف؛ انتبه إلى قول بعض السلف في قاعدة من القواعد الفقهية بأن: " كل نص عام لا يجوز العمل ببعض أفراده إلا إذا سبق عمل السلف به".
    مثاله: نحن دخلنا المسجد بعد أذان العشاء وقبل الإقامة، والرسول صلى الله عليه و سلم قد قال :" بين كل أذانين صلاة" و لدينا ركعتان سنة هنا، فيقول البعض: "ما رأيكم أن نصليها جماعة"، فهل يصح هذا أم لا؟
    لقد قال رسول صلى الله عليه و سلم :"صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" فصلاة الجماعة أفضل، فهل تصلي جماعة؟
    كان رد العلماء أن هذا نص عام، لا يجوز تخصيصه في مسألة أو قضية، إلا إذا كان قد جرى عمل السلف بهذه الطريقة، لذلك الذين يقولون أذكار الصباح والمساء في جماعة، والذين يصلون ركعتي الضحى في جماعة.. إلخ نقول لهم: "اتقوا الله، فإن هذا لا يجوز"، أما عندما رأينا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد صلى الشفع والوتر في رمضان في جماعة، فتكون صلاتها في جماعة سنة.
    فكل نص من نصوص العموم، لا يجوز تخصيصه إلا إذا عمل السلف به.
    فينبغي أن نعلم أن القضية ليست النص وحده، وإنما القضية فهم النص بفهم سلف الأمة؛ كيف أجروه؟ وكيف عملوا به؟
    أيها الإخوة
    إن كان في النهاية من خلاصة فهي أنه:
    بدون العلم لن يستطيع الإنسان أن يسير سيراً صحيحاً مأموناً إلى الله، فالطريق إلى الله مليء بالعقبات والمنعطفات، ولن يتمكن السائر فيها من رؤيتها إلا بالاستعانة بالله، ثم التحصن بحصن العلم، والعمل بمنهج السلف وعلى نهجهم.

    و بالله التوفيق
    اللهم علّمنا ما ينفعنا، و انفعنا بما علّمتنا
    و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم
    و الحمد لله رب العالمين

    المصدر : موقع الشيخ محمد يعقوب
    http://www.yaqob.com/web2/index.php/maqalat/maqal/170
    لاإله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
    قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :
    ( إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )
    صحيح البخاري
يعمل...
X