إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيفيَّةُ اكتشاف المواهب وتوجيهها كيف تبدأ مشروعك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيفيَّةُ اكتشاف المواهب وتوجيهها كيف تبدأ مشروعك

    كيفيَّةُ اكتشاف المواهب وتوجيهها كيف تبدأ مشروعك
    يمكن اكتشافُ موهبة الطِّفل وقدراته من خلال ميوله في الألعاب؛ فهناك ألعاب ميكانيكيَّة، وألعاب رسم وتلوين، وألعاب فكّ وتركيب، وغير ذلك من الألعاب.
    قال ابنُ القيِّم- رحمه الله: وممَّا ينبغي أن يعتمد حال الصَّبيّ وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها... فلا يحمله على غيره.. فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له.
    فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ، واعيا- فهذه من علامات قبوله وتهيُّئه للعلم، فلينقشه في لوح قلبه ما دام خالياً؛ فإنَّه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه.
    وإن رآه بخلاف ذلك من كلِّ وجه وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الرُّكوب والرَّمي واللَّعب بالرُّمح، وأنه لا نفاذ له في العلم، ولم يخلق له، مكَّنه من أسباب الفروسية والتَّمَرُّن عليها؛ فإنَّه أنفعُ له وللمسلمين.
    وإن رآه بخلاف ذلك وأنَّه لم يُخلق لذلك ورأى عينَه مفتوحةً إلى صنعة من الصَّنائع مستعدًّا لها قابلاً لها وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكِّنه منها([1]).
    وعلماء المسلمين كانوا يقومون باكتشاف المواهب والطَّاقات؛ فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كان إذا لفت نظرَه شخصٌ بقدرة معيَّنة وظَّفَها مباشرةً، فسمع صوت أبي محذورة- رضي الله عنه– وكان في جاهليَّته قبل أن يسلم مغنياً قال له: «اذهب فأذِّن عند البيت الحرام»([2]).
    ونظر سفيان الثَّوريُّ إلى عيني وكيع بن الجرَّاح وقال: (ترون هذا الرُّؤاسيّ؛ لا يموت حتى يكون له شأن)([3])، وتفرَّسَ الإمام أبو حنيفة في أبي يوسف ومالك؛ تَفَرَّسَ في الشَّافعي؛ قال الشافعي: فلما سمع كلامي نظر إليَّ ساعة، وكان لمالك فراسة، فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: محمد. فقال لي: يا محمد اتَّق الله واجتنب المعاصي؛ فإنَّه سيكون لك شأن من الشأن([4]).
    وجدتُ طفلاً عمره خمس سنوات أَتَمَّ حفظَ القرآن، فاختبرتُه، فإذا هو يَعرف مواضعَ الآيات في المصحف، فسألت أباه عن كيفية حفظه، فذكر أنَّه لما بلغ الابن السنتين هَيَّأَ له غرفةً صغيرة جمع له فيها كثيراً من الألعاب، وجعل فيها مسجلاً يذيع القرآن باستمرار، حتى تخطَّى الابنُ الثالثةَ من عمره بدأ في تحفيظه القرآن، فحفظ الابن القرآن وعمره خمس سنوات.
    لا شكَّ أنَّ الناسَ قدرات، وأن هذا الطِّفلَ عنده ذاكرة قويَّة تهيِّئه للحفظ؛ لكن بدون التَّربية والتَّخطيط والمتابعة ووضع الخطَّة لن يحفظ؛ حتى لو كان نابغةً في الحفظ، ولو أنَّ شخصاً إذا دعي إلى الحفظ يقول أنا ذاكرتي ضعيفة وإمكانياتي العقلية محدودة، وأنا لا أستطيع. فإنَّه لن يستطيع؛ فلابدَّ من نقطة البداية.
    وبعض الناس يضع عقبات أو يتصوَّر ويتوهَّم وجود عقبات، وأحيانا تكون صغيرة وهو يضخمها، وأحيانا تكون موجودة لكن لا يريد أن يتخطَّاها؛ فنقول لمثل هذا: لو كان عندك مشروع انقله لغيرك إذا كنتَ لا تستطيعه؛ ألم يقل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في الأعمال الفاضلة: «تعين صانعا أو تصنع لأخرق»([5])؛ تعين صانعاً يستطيع العمل فتساعده، أو تصنع لأخرق لا يحسن وهو عاجز، فتصنع له.

    الأسُسُ التي يقوم عليها المشروع
    المشروعات تقوم على أسس، من أهمها:
    أولاً: تحديد المشروع:
    اختيار المناسب من المشاريع عملية دقيقة تحتاج إلى تأمُّل، وسؤال أهل الخبرة؛
    فما الأفضل من المشروعات؟
    وما الممكن منها؟
    وما الذي تحتاج إليه الأمة من المشاريع؟
    أسئلة مهمة يتحتَّم على صاحب المشروع أن يجيبَ عليها قبل البدء في مشروعه.
    ثانياً: الإعداد والتَّخطيط للمشروع:
    هذه المرحلة يتمُّ فيها وضع الإطار العام والخطوات اللازمة للمشروع، وأهدافه، وأهميته، والإنتاج المتوقَّع له، وخطَّة العمل، والإمكانات اللازمة له.
    ثالثا: تنفيذُ المشروع:
    بعد تحديد المشروع والانتهاء من التَّخطيط له يكون البدء في تنفيذه؛ وهذه من أهم المراحل.

    رابعا: تقييم المشروع:
    قد يتعرض المشروعُ لمؤثِّرات خارجية، وقد يحصل عليه تطويرٌ أثناء التَّنفيذ وبعد التنفيذ؛ فلابدَّ من مقارنة النَّتائج النِّهائية بما كان قبل ذلك؛ حتى تعرفَ هل نجح المشروع أو لم ينجح.

    كيف تبدأ مشروعك؟
    تحديد المشروع قد يأتي عن طريق التَّأَمُّل والتَّفَكُّر والنَّظَر، وقد يكون بمشورة أو اقتراح؛ قال الإمامُ البخاريُّ- رحمه الله: (كنتُ عند إسحاق بن راهويه، فقال بعض أصحابنا: لو جمعتم كتاباً مختصراً لسنن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب)([6]).
    كتاب "الرسالة" للشافعي رحمه الله؛ صنَّفه بناء على طلب من عبد الرحمن بن مهدي.
    كتاب "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" للشَّوكانيّ رحمه الله؛ ألَّفه بسبب مشورة من شيخه.
    وقد يكون سبب تحديد المشروع كلمةً يسمعها: مثل الإمام الذهبيّ- رحمه الله- الذي صار من أئمَّة الحديث؛ يقول عن شيخه علم الدِّين البرزالي: وهو الذي حبَّبَ إليَّ طلب الحديث؛ فإنه رأى خطي فقال: خطُّك يشبه خطَّ المحدثين. فأثَّر قولُه فيَّ([7])، وعن محمد بن عوف أنَّه قال: كنت ألعب بالكرة وأنا حدث، فوقعت الكرة قرب المعافى بن عمران الحمصي، فذهبت لأخذها..
    - فقال: ابن مَن أنت؟
    - قلت: ابن عوف بن سفيان.
    - قال: أما إنَّ أباك كان من إخواننا، فكان ممن يكتب معنا الحديث والعلم، والذي كان يشبهك أن تتبع ما كان عليه والدك.
    فصرتُ إلى أمِّي، فأخبرتُها، فقالت: صدق؛ هو صديقٌ لأبيك.
    فألبستني ثوباً وإزاراً، ثم جئتُ إلى المعافى، ومعي محبرة وورق.
    فقال لي: اكتب: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد ربه بن سليمان، قال: كتبت لي أم الدرداء في لوحي: اطلبوا العلم صغاراً، تعملوا به كباراً؛ فإنَّ لكلِّ حاصد ما زرع.
    فماذا كانت نتيجة هذا المشروع؟
    صار هذا الفتى كما قال عنه الذهبي: (الإمام، الحافظ، المجود، محدث حمص، أو جعفر الطائي الحمصي).
    وقال الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله: (ما كان بالشَّام منذ أربعين سنة مثل محمد بن عوف)([8]).
    وربما تأتي الفكرة ممَّن أقلّ منك شأناً، فلا تحقرنَّ ذلك؛ حتى ولو كان حيواناً أو حشرة:
    فهذا سليمان- عليه السلام- استفاد من خبر الهدهد في إقامة مشروع دعوي كبير كانت نتيجته في النهاية أن قالت ملكة سبأ كما حكى القرآن عنها: }رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ [النمل: 44].
    وهذا الكسائيُّ من أئمة علم النَّحو المشهورين استفاد من نملة؛ فقد ذكر في ترجمته أنَّه بدأ في طلب علم النحو ثم صعب عليه فهَمَّ بتركه، فاضطجع يوماً فرأى نملةً تحمل طعاماً تريد أن تصعد به حائطاً؛ كلما صعدت قليلاً سقطت، وهكذا حتى صعدت، فأخذ درساً من ذلك، فكابد حتى صار إماماً في النحو.
    أو يأتي المشروع من موقف يتعرض له الشخص:
    ابن حزم- رحمه الله- الذي ألَّفَ كتابَ المحلَّى وبرع في تعلُّم الفقه قال عن سبب تعلُّمه الفقه أنَّه شهد جنازةً، فدخل المسجد، فجلس ولم يركع، فقال له رجل: قم فصلِّ تحيةَ المسجد، وكان قد بلغ ستًّا وعشرين سنة.
    - قال: فقمت وركعت، فلما رجعنا من الصَّلاة على الجنازة دخلت المسجد، فبادرت بالركوع، فقيل لي: اجلس، اجلس؛ ليس ذا وقت صلاة. وكان بعد العصر.
    - قال: فانصرفت وقد حزنت، وقلت للأستاذ الذي ربَّاني: دلَّني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دخون.
    قال: فقصدتُه، فأعلمتُه بما جرى، فدَلَّني على موطأ مالك، فبدأت به عليه، وتتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحواً من ثلاثة أعوام، وبدأ بالمناظرة([9]).
    وكذلك سيبويه إمام النَّحو؛ كان إتقانُه لهذا العلم بسبب موقف تعرَّضَ له كان هو نقطة البداية في مشروعه لعلم النحو، وقد كان في ابتداء أمره يصحب أهل الحديث والفقهاء، وكان يستملي على حماد بن سلمة، فلحن يوماً، فردَّ عليه قولَه.
    فقال: لأطلبنَّ علماً لا تلحنني فيه أبداً!
    فطلب النحوَ ولزم الخليل بن أحمد حتى برع في النَّحو وصار إماماً من أكبر أئمة النَّحو إلى زماننا هذا؛ مع أنَّه عاش اثنين وثلاثين سنة فقط، وقيل: قارب الأربعين([10]).
    وقد يكون مشروعُك إكمالاً لمشروع بدأه غيرك، وهذا لا ضير فيه؛ بل هو إحسان للغير؛ فمن المشروعات التي تتابع على العمل عليها عدد مشروع جمع القرآن؛ فقد جمعه أبو بكر- رضي الله عنه- ثم جمع عثمان- رضي الله عنه- الناسَ على مصحف واحد.
    وابتدأ النَّوويُّ- رحمه الله- في تأليف كتاب "المجموع شرح المهذب"، فسكب فيه علمه، وكان كتابه كما قال ابن كثير: لو قَدَّرَ اللهُ له إتمامَه لكان كتاباً في الأحكام لم يؤلَّف مثلُه. إلا أنَّه توفِّي- رحمه الله- ولم يتمَّه، ووصل إلى باب الرِّبا.
    فجاء تقيُّ الدِّين السُّبكيُّ وأكمل ما بدأه النَّوَويُّ من باب الرِّبا إلى التفليس، ثم مرت سنون وقرون حتى جاء الشَّيخ محمد نجيب المطيعيّ- رحمه الله- فَأَتَمَّه.
    تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي؛ ابتدأ تفسيره من أوَّل سورة الكهف إلى آخر سورة النَّاس، ثم ابتدأ بتفسير سورة الفاتحة، وبعد أن أَتَمَّها توفِّيَ- رحمه الله.
    ثم جاء جلال الدِّين السُّيوطيّ فأكمل تفسيرَه فابتدأ بتفسير سورة البقرة على نهج جلال الدِّين المحلِّيِّ وانتهى عند آخر سورة الإسراء.
    أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: ابتدأه العلامةُ محمد الأمين الشِّنقيطيّ- رحمه الله، وانتهى إلى آخر سورة المجادلة، ثم أكمله تلميذُه الشيخ عطية محمد سالم- رحمه الله.
    إكمال فتح القدس: كان الملك نور الدين زنكي- رحمه الله- يرجو أن يكون استنقاذ بيت المقدس من النَّصارى الصَّليبيين على يديه، حتى إنه أعد منبراً عظيماً للمسجد الأقصى إذا فتحه، وبدأ رحلة الجهاد، غير أنَّه مات- رحمه الله- قبل تمامها، حتى كتب الله تعالى استعادة القدس على يدي رجل من أتباعه وهو صلاح الدين الأيوبيّ- رحمه الله.
    وقد يشترك أكثر من شخص في العمل على مشروع واحد: عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد اشتركا في العمل على جمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمهم الله؛ حيث سافر الشَّيخ عبد الرحمن بن قاسم- رحمه الله- مع ابنه لعدد من البلدان (نجد ومكة، والعراق، وسوريا، ولبنان، ومصر، وباريس) لجمع مخطوطات ابن تيمية- رحمهالله، حتى أخرجا لنا هذا الكتاب العظيم في سبعة وثلاثين مجلَّداً.
    وقد يكون المشروعُ معنويًّا لا مادِّيًّا:
    كما في مشروع سلمان الفارسي- رضي الله عنه- في رحلة البحث عن الحقِّ.
    وكذلك زيد بن عمرو بن نفيل الذي رحل إلى الشَّام بحثاً عن الدِّين الحقِّ حتى اهتدى إلى دين إبراهيم الحنيف.

    ([1]) تحفة المودود بأحكام المولود (243-244).

    ([2]) رواه النسائي (633)، وصححه الألباني.

    ([3]) تاريخ دمشق (62/69).

    ([4]) المرجع السابق (51/286).

    ([5]) رواه البخاري (251)، ومسلم (84).

    ([6]) سير أعلام النبلاء (12/401).

    ([7]) سير أعلام النبلاء (1/36).

    ([8]) انظر: المرجع السابق (12/613-615).

    ([9]) سير أعلام النبلاء (18/199).

    ([10]) البداية والنهاية (10/176).


يعمل...
X